| الرحمة تتغشاك يا وردى مطرب العرب وأفريقيا اللهم أغفر له وأرحمه | |
|
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
بشرى مبارك
عدد المساهمات : 7557 تاريخ التسجيل : 19/02/2009 العمر : 64 الموقع : أقيم فى بيريطانيا مدينة بيرمنجهام
| موضوع: الرحمة تتغشاك يا وردى مطرب العرب وأفريقيا اللهم أغفر له وأرحمه الإثنين 20 فبراير - 2:56 | |
| توفي مساء أمس فنان إفريقيا الأول الموسيقار محمد عثمان وردي بمستشفى فضيل في وقت متأخر مساء أمس.يذكر أن الراحل من مواليد قرية صواردة بالولاية الشمالية في 19 يوليو 1932م، وأحب الشعر والموسيقى منذ نعومة أظافره، وتغنى لعدد من الشعراء منهم اسماعيل حسن، إسحاق الحلنقي، محمد مفتاح الفيتوري وصلاح أحمد إبراهيم. وسيشيع الفقيد في الثامنة من صباح اليوم الى مقابر فاروق بالخرطوم. اللهم أغفر له وأرحمة وعافه وأعف عنه وأكرم نزله ووسع مدخله وأغسله بالماء والثلج والبرد ونقّه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الابيض من الدنس وأبدله داراً خيراً من داره وأهلاً خيراً من أهله وأعذه من عذاب القبر وعذاب النار اللهم أحسن عزاء أهله وأجعل البركة فى ذريته وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
اللهم أغفر له وأرحمة ذلك المطرب الرائع ومعلم الاجيال المعلم والاستاذ محمد عثمان وردى الذى درس فى معهد شندى وسافر الى مسقط رأسه معلماً فى الكتاتيب وبعدها جاء فى الخمسينات الى الخرطوم ليبدأ الغناء بالرطانة ويتحول للعربية بيد الشاعر الراحل الفذ إسماعيل حسن الذى تغنى له وردى كل الروائع . ونحن مجموعة ثقافة تبحث عن وطن بيرمنجهام نستعد للذهاب الى لندن يوم 3 مارس إن شاء الله للمشاركة فى الليلة الشعرية الخامسة لمجموعة ثقافة تبحث عن وطن يصلنا اليوم خبر وفاة المطرب الرائع محمد عثمان وردى فرأيت أن أرثيه بهذه الكلمات :
ثقافة تبحث عن وطن ترثيك حروفنا بلا وهن والرحمة لى وردى الوطن غنى مع الشادى البقول لمتين آلاقى فى هواك مُرّ الشجن ولاقينا فى فقدك ألم علمت بالوتر القلم وغنيت فى يوم رفعوا العلم وغنيت فى إكتوبر على كل من ظلم ردّد معاك كل الوطن وهاجر مع الطير المهاجر صوتك طرووب أحن وأرقّ من كلمات مسافر يوم فقدك إنتحب الوطن وأصبح حزين حزن المقابر الرحمة تتغشاك فقيد فى فقدك فى فقدك إتذكرنا جابر
يا وردى حبيناك من قلوبنا لأن ألحانك ألحانك وطن لمّ الجنوب لمّ الشرق لمّ الغرب ولمّ الشمال فيهو الرطن تسهر معاك كل الخلوق عشان تسمع السمحة السمحة أم عجن والليلة فى لحظة فراقك ما زلنا نبحث ما زلنا نبحث عن وطن فارقتو إنت ومن قبلك الفارق كتيير عبر العصور وماضى الزمن بالرحمة والغفران الغفران عليك رددنا سطرنا ويا ربنا لجنة لجنة عدن بالرحمة والغفران الغفران عليك رددنا سطرنا ويا ربنا لجنة لجنة عدن
| |
|
| |
بشرى مبارك
عدد المساهمات : 7557 تاريخ التسجيل : 19/02/2009 العمر : 64 الموقع : أقيم فى بيريطانيا مدينة بيرمنجهام
| موضوع: جعفر عباس يرثى وردى الثلاثاء 21 فبراير - 6:48 | |
| دي الإرادة ونحن ما بنقدر نجابه المستحيل/ دي الإرادة والمقدر ما بنجيب ليه بديل، فالموت أمر يحدث «غصبا عني وغصبا عنك»، وهكذا خبا «نور العين» الذي كان يوقظنا صبيحة كل يوم جديد في كل سنة جديدة حاملا إلينا الهدايا والبشارة: هاذي يدي ملأى بألوان الورود قطفتها من معبدي، ثم يرفع يديه بالدعاء: يا شعباً لهبك ثوريتك تلقى مرادك والفي نيتك/ عمق إحساسك بي حريتك يبقى ملامح في ذريتك.. غنى وردي للحب والجمال في الناس والوطن بإحساس «صاحب الواجب»، فقد كان يعتبر الغناء أمانة ومسؤولية ومن ثم كانت أغنياته تصل للناس مكتملة العناصر: شعرمصفى وموسيقى تتآلف فيها مختلف الآلات لتتناغم مع حنجرة من طراز امباير ستيت، .. تحلق بك فوق هام السحب عبر عشرات الطبقات فتمر بك خلال دقائق كل مواسم البِشر: السماء الراعدة التي تفتح صنابيرها فتلقح الجسم والأرض العقيم ثم ندى الربيع البديع ثم موجة برد يدهشك كيف أنها لا تجعلك ترتعد .. وكيف ترتعد وهذا الصوت الدافئ المشحون بالشجن الصواردي يحتضنك ويضمك إليه. عرفت معنى أن الفن عند وردي مسؤولية لأنني لازمته ليل نهار وهو يستعد لأول حفل جماهيري له بعد خروجه من السجن عام 1972، وشهدت نحو خمسين بروفة باوركسترا كاملة لأغنية «قلت أرحل» التي قدمها لأول مرة في الحفل الذي أقيم بحدائق المقرن.. وفي ساعة الصفر وصلنا المقرن بسيارته الأمريكية الكركوبة، وكانت الساحة قد ضاقت بالخلق.. وظل وردي جالسا في السيارة والاضطراب بادٍ عليه، وكانت تلك أول وآخر مرة أرى فيها وردي يتهيب الوقوف أمام أي نوع من الجمهور، قلت له: يا وردي.. يكفي هؤلاء الناس ان تظهر أمامهم وتحييهم ثم تعود الى بيتك دون أن تؤدي أغنية واحدة، فقد عاشوا محرومين منك طوال أكثر من سنتين.. قال: خليني شوية.. بعد قليل أتانا الكمانجست احمد بريس يحتج على تأخر صعود وردي، فقلت له: اصعد يا بريس على المسرح وابدأوا في عزف المقدمة الموسيقية لـ»قلت ارحل» .. وقد كان: تن تررم بمبم بم.. تن تررم بمبم بم... وهب الآلاف وقوفا وخلال ثوانٍ كان وردي قد قفز خارجا من السيارة... وصعد على المسرح، وضاعت المقدمة الموسيقية وسط صرخات الفرح.. الفرح لكونه أمام الجمهور بلحمه وعظمه.. ثم بدأ العزف مجددا، و»رحلت وجيت / في بعدك لقيت كل الأرض منفى».. والله بكيت كما يبكي أب يرى أكبر أبنائه ينال شهادة عليا بامتياز ، أو يرى ابنته تزف إلى عريس يعشقها.. وعاش وردي معظم سنوات عمره يسوق خطواته من «بلداً نسى الإلفة/ يهوم ليل ويساهر ليل ويطوف من مرفا لمنفى».. وتذكرت تلك الأمسية عندما اهتزت ارجاء سوق كوستي بالصياح والهتاف، فقد كانت حكومة عبود العسكرية قد أوقفت بث أغاني وردي بسبب نشاطه المعارض لها، وفجأة قررت رفع الحظر وبث راديو أم درمان «يا نور العين» فكان الفرح العام العفوي. توثقت علاقتي بوردي في سجن كوبر، وبعدها لم تعد علاقة بين مطرب ومعجب، كنا نسعد بمجالسة بعضنا البعض لنناقش القضايا العامة ونضحك، فقد كان وردي منجما للطرائف التي أبطالها أهلنا النوبيين، ولا أذكر قط أنني طلبت منه ان يغني في جلسة خاصة، ولكنني كنت قادرا على استدراجه للغناء بأن أدندن بإحدى أغنياته فيلتقط الطعم ربما صونا لأذنه من التلف، ولا أستطيع أن أقول الكلام المعلب عن كونه سيظل حيا في فؤادي ووجداني، لأن فقده سيظل في قلبي ماثلا مثل ثقب الأوزون في الكون الذي يصعب رتقه وترقيعه.. نعم أغنياته حاضرة في خاطري منذ صباي، ولكنها لن تعوضني عن فقد الإنسان في «ميمد إسمان».. يا رفيقي الميت الحي كموتي وحياتي/ أرضعتني أمك السوداء يوما/ وكست عظمي لحما/ .. آوتني يتيما/ أرضعتني وبكتني/ يوم فوجئت بقطاع الطريق القتلة/ فلتمارس أمنا الثكلى بكائي وبكاءك/ مرة أخرى بكائي وبكاءك/ ريثما يولد أبناء القرون المقبلة.. وأعدك يا حبيبي بأنني سأبذل مع محبيك كل ما في طاقتنا لتحقيق حلمك ونبني الوطن الحدادي مدادي ليصبح شامخا عاتيا وخيّرا «ديمقراطي».. أيها الجميل المستحيل.. وردي يا كبدي/ يا من أعجزت الناي/ إني أعجز عن كلمة/ لما ساقوك إلى... ليرحمك الله. | |
|
| |
بشرى مبارك
عدد المساهمات : 7557 تاريخ التسجيل : 19/02/2009 العمر : 64 الموقع : أقيم فى بيريطانيا مدينة بيرمنجهام
| موضوع: رد: الرحمة تتغشاك يا وردى مطرب العرب وأفريقيا اللهم أغفر له وأرحمه الثلاثاء 21 فبراير - 20:05 | |
| الاخوان الكرام بمنتدى أهلى بالسقاى والمنتديات الاخرى التى أشارك فيها سوف أقوم بإذن الله بتخصيص هذا البوست للحديث عن الراحل الغائب الحاضر الاستاذ محمد عثمان وردى عن الشعراء الذين تغنى لهم وعن كل ما كُتب عنه فى الصحف إن شاء الله ورغم المشغوليات والجرى أتمنى أن يوفقنى الله وأبدأ بكلمات ترددت فى لسانى عن إحدى أغانية :
كنت النخله طوله والايام فصوله يا وردى الهمام ويا وردى النظام وليك كان إحترام وفنّك وصوتك إنسجام وزى بدر التمام كنت هلالى صافى وأصلك ما بتجافى وتخدم وإنت حافى ولى ضيفك سلام حباك كل سودانى وفى لحنك تفانى ومتشبّع أمانى يا هذا الهمام وليك تعظيم سلام من حلفا القديمة وفى غربك برام ومن كسلا الجميلة تقدير وإحترام
ونواصل إن شاء الله . | |
|
| |
بشرى مبارك
عدد المساهمات : 7557 تاريخ التسجيل : 19/02/2009 العمر : 64 الموقع : أقيم فى بيريطانيا مدينة بيرمنجهام
| موضوع: رد: الرحمة تتغشاك يا وردى مطرب العرب وأفريقيا اللهم أغفر له وأرحمه الأربعاء 22 فبراير - 19:26 | |
| كتبت الاستاذة رباح الصادق المهدى صباح الاربعاء 22 فبراير بالرآى العام عن رحيل وردى
صباح الأحد 19 فبراير 2012م كان بطعم العلقم أعقب ليلة ليلاء ليس في السودان فحسب، وردي لم يشخ ولكن سنينه المعدودة فعلتها، وقد أقام في العناية المكثفة بما يكفي لتوقع الخبر الجلل الذي دهم السودانيين مساء السبت حينما كانت قنوات المذياع تبكي في ذلك اليوم مرور الذكرى الثالثة لفقيدنا الكبير الطيب صالح، تحولت الإذاعات والفضائيات من بكاء لبكاء إذن! يا لفجيعتنا، يا لوردي: جناك الجوهر الفردي! الثامنة صباحا كان موعد الشعب السوداني كله بمقابر فاروق بالخرطوم. هنالك من ذهب على قدميه أو على دابة من حديد، أو من تخلّف في بيته يتوجع ويراقب المرئي أو يسمع المذياع، كلهم كانوا بالجسد أو الروح يومها في جبانة فاروق، وحق لوردي أن يكون رمز الوطن الذي جمع كل أولئك. احتشد خلق كثير، وأنا لم أعرف كم كانوا لأني رأيت خلقا مد البصر، رجالا ونساء، وكانت الأصوات ملتفة مثلما الأكتاف: لا إله إلا الله، هللوا كثيرا ثم كان صوت يهتف كل حين: وردي السودان! وفجأة صرخ صوت باكٍ: أبدا ما هنت يا سوداننا يوما علينا، وغاص في البكاء. نعم إنهم يا وردي إذ يبكونك يبكون الوطن! احتشد الناس وزحمتهم الأفكار ومرت برؤوسهم الأغاني التي شدتهم لوردي وللوطن كان ذلك اليوم زحمة للبشر والمعاني وازدحاما للأحزان. قال الإمام الصادق المهدي يوم تأبين وردي أول أمس إن (مشهد وفاته كان تقديما حقيقيا لأوراق اعتماد الفن على أساس أنه من لبنات الحضارة السودانية). نعم لقد أثبت وردي حيا مثلما أثبت في يوم الفراق الجسدي أن للفن في السودان خطرا عظيما وشأنا كبيرا، وأنه أسمنت بنائنا الحضاري الذي نزمعه بكلمات شاعرنا محجوب شريف وحداء حبيبنا الراحل: حنبنيهو البنحلم بيهو يوماتي، وطن شامخ وطن عاتي وطن خيِِر ديمقراطي! ولد وردي بعد أقل من ثلاثة أسابيع من رحيل فنان الوطنية الرمز خليل فرح بدري حيث توفي الخليل في 30 يونيو 1932م وولد وردي في 19 يوليو 1932م. وكلاهما من منطقة السكوت بالولاية الشمالية. وفي سيرتهما تشابه كبير إذ هما نوبيان تعلما العربية في الصبا فأجاداها أكثر مما كان لسان أميهما، وكلاهما ترك على وجه الوطن سيما من الألق، وفي ضمير الوطن خزائن نفيسة من المعاني النبيلة والألحان المجيدة والحداء الرصين الباقي أبد الدهر ما بقي وطن اسمه السودان. تيتم وردي بفقدان أبيه في عامه الأول، وتيتم لأمه في عامه التاسع، وهذا الابتلاء العظيم لا يغادر إلا اثنين: شخص مهزوم محروم هامشي الأثر، أو صلدٌ يقابل الأنواء بصدر عار، والمحن بصلابة لا تلين يجزل العطاء للمحرومين ويقف بصلابة إلى جانب المظلومين، وهكذا كان وردي.. وقف بصلابة في محنة النوبة وتهجيرهم أوائل ستينيات القرن العشرين، ويروي الشاعر د.عبدالواحد عبدالله يوسف كيف تغنى وردي برائعته (اليوم نرفع راية استقلالنا) عام 1960 وقدمها في الإذاعة ولكن لمعارضته لاتفاقية السد العالي التي أغرقت ديار النوبة وأجحفت في تعويضهم سجن وحظرت كل أغانيه. وحينما هبت ثورة أكتوبر المجيدة تغنى وردي: أصبح الصبح فلا السجن ولا السجان باق! وأسمع السودانيين أغاني ماسية بكلمات شعراء على رأسهم محجوب شريف (المحجوب) ومحمد المكي إبراهيم في أكتوبرياته الرائعة. وحينما جاء الانقلاب المايوي تغنى وردي الملتزم بخط اليسار مرحبا بالنظام وزعيمه: يا حارسنا وفارسنا ويا بيتنا ومدارسنا ظنا بأنه يحمل الإنصاف للمحرومين، ولكن حالما انقلب النميري على اليسار وعاد وردي للزنازين سجينا يطارد الأمن أغنياته. روى الأستاذ محجوب شريف أن (بتوع الأمن) جاءوا إليه ماطي شفاههم (مادي قداديمهم) يسألون: جميلة ومستحيلة دي قصدك بيها الثورة؟ فقال: ما هذه (العوارة) أي الحمق، أنا لا أظن الثورة مستحيلة وإلا لما عملت لها! ثم كان تألق وردي الأقصى في تشييع ذلك العهد البغيض، تألق هو والمحجوب والشاعر محمد مفتاح الفيتوري وغيرهما فكانت حنبنيهو، ويا شعبا لهبك ثوريتك، ويا شعبا تسامى، وبلا وانجلا، وعرس السودان، والقائمة تطول. وقد روى عن أغنية (يا شعبا تسامى) إنه لحنها في 18 يناير 1984م إذ كان في القاهرة وجاءه خبر مقتل الأستاذ الشهيد محمود محمد طه بالهاتف، قال: (في يوم وفاته كنت في القاهرة وسمعت الخبر في التلفون ما قدرت أقدم أي شئ للشعب السوداني في شخصه إلا أنشودة يا شعبا تسامى يا هذا الهمام تفج الدنيا ياما وتطلع من زحامها زي فجر التمام). أما حينما جاء انقلاب 30 يونيو 1989م فقد تم التعامل مع أغنياته كالأفيون بل أضل سبيلا، وضيق (المشروع الحضاري) عليه الخناق فهاجر بعيدا عن وطنه سنين عددا، وتغنى في مهجره لود المكي: سلم مفاتيح البلد، كما تغني للمكاشفي محمد بخيت (فتّش في ترابك قلّبو ذرة ذرة تلقانا بنحبك أكتر كل مرة نحن أولاد كفاحك رغم وجودنا بره رغم الخطوة تاهت.. رغم الغربة مُرة ننشد فى سبيلك عرفانا وجميلك ونرحل فى هتافك يا عِشْقْ إستمرّ.) وفيها أيضا: زرعو خصام جنوبنا ..بى سبب الديانة .. الأديان سماحة وروح الدين أمانة.. طول تاريخنا عايشين فى السودان ضرانا فينا لسانو عربى وفينا لسان رطانه.. مختلفين ثقافة ومختلفين ديانه من كل التباين وحدنا إنتمانا ومتفقين فى حبك يا عالى المكانة وعاد وردي في فقه الجهاد المدني، ممسكا بشعرة (وردي) بينه والحاكم، وجعل بينه والشعب حبلا متينا. أما تقييم وردي للذين أرادوا اختطاف حادثة رحيله الجسدي فصلوا عليه وملأوا كاميرات التصوير كان واضحا في آخر لقاء له بصحيفة آخر لحظة قال: (عدم المرونة في سياسة النظام الحاكم أدخلت السودان في أمر ضيق فمهما إدعى النظام بأن الحالة مستقرة فهناك ظواهر تدل على أنهم غير قادرين على وحدة البلاد ولا على علاقتنا مع الجيران ولا التقدم للأمام.) وحينما سأله الصحفي عبد الرحمن جبر هل قدم تنازلات سياسية (انفعل شديداً وقال: أتنازل لمن وعن ماذا!)، ثم دافع عن قناعاته بالانتماء للحركة الشعبية لتحرير السودان، وسرد دعمه للأستاذ ياسر عرمان كمرشح رئاسي في انتخابات 2010م وقال إن (الحكومة أخذت موقفي هذا بأنني أقف ضدها ولم تحترم حرية إرادتي). ووقف وردي صلدا كذلك أمام موجات التكفير التي طالته سهامها، فهؤلاء قوم يعدون غالبية طوائف السودان وجماعاته وأحزابه وفنانيه ورموزه كافرين! وعرى وردي كذب أولئك الأفاكين. وردي أيقونة سودانية ورمز كبير، وسوف يذكره السودانيون ويتغنون يوم تزول عجاجات المشروع الحضاري ويوم يتحدون، وأظنهم سوف يتغنون يومها برائعته: أصبح الصبح، وأبدا ما هنت يا سوداننا يوما علينا. وأذكر أن وردي شارك في احتفالية صحيفة (الصحافة) بالسلام في أكتوبر 2003م بعد توقيع اتفاق الترتيبات الأمنية. ويومها زغردت الأستاذة لبنى محمد حسين موفية نذرا لها أن تفعلها يوم يحل السلام، وتغنى وردي بتلك الأغنية، وأذكر أنني كتبت يومها قائلة: (وكما كنا تساءلنا مباشرة بعد توقيع اتفاقية الترتيبات الأمنية هل نغني مع الفنان محمد عثمان وردي «أصبح الصبح»؟.. فإن الدكتور وردي.. الذي أنعش مع الأستاذ حمدي بدر الدين وآخرين من رموز الفن والإعلام قلوب المحتفلين بالحديث عن «ثقافة السلام» يومذاك قد غنى في ختام الاحتفالية ذات الأغنية مركزا على مقطعها الجليل: «أبدا ما هنت يا سوداننا يوما علينا»). ثم وبعد ثماني سنوات غناها وردي من جديد ولكن في جوبا هذه المرة إبان الاحتفال بالانفصال في يوليو 2011م، يومها بكى كثيرون بدءا بالإمام الصادق المهدي وليس انتهاء بياور (حارس) الرئيس البشير، وقال السيد الصادق عن الحادثة يوم التأبين: (إن أنسى لا أنسى يوم كنا في الاحتفال الأخير يوم شهدنا احتفال الجنوب بانفصاله وكنا في مائدة وقلت للأخ ياسر عرمان: أين وردي؟ لأنه كان متأخراً في الفندق قال: هو تعبان قلت له: خذ رسالة مني قل له: قال لك فلان ضروي تحضر فجاء، عندما غنى أغنية أصبح الصبح وحينما جاء المقطع: أبداً ما هنت يا سوداننا يوما علينا، كل القيادات الجنوبية الموجودة وقفت ترقص وتبشر، قلت له يا أخي الفنان أنت استطعت أن تجسر الهوة التي فشل الساسة أن يزيلوها.) هاتان مرتان والثالثة يوم تشييع وردي، فمتى تكون الرابعة؟ كان وردي عملاق اللحن رمزا للوطنية، ولكن ألحانه طارت مع الريح في تقلباتها شرقا وغربا وجنوبا وشمالا، ونصب بحق فنان أفريقيا الأول. ونصب أيام حياته رمزا أسطوريا للنوبة في مصر، فإن قرأت لحجاج أدول (النوبة تتنفس تحت الماء)، أو للكاتب النوبي إدريس علي، لوجدت وردي رمزا نوبيا كما الإهرامات ألفية السنوات، وإن ذهبت لأثيوبيا، ولجوبا، ولمقديشو، ولانجمينا، وحيثما حللت في أفريقيا لرأيت ثم رأيت وردي يصنع في الناس طربا ويسري في وجدانهم عجبا. قال يوما وقد استفز بطلب أن يغني بالسباعي حتى يسمعه العالم العربي: الخماسي معه جل إفريقيا، وشرق آسيا، والعولمة.. إن لي مستمعا في مصر النوبي وغير النوبي.. نحن لن نغير موسيقانا لنرضي أحدا والكثيرون ينتظرون منا أن ندخل جبتهم السباعية حتى ننال الاعتراف، ولننتظر لندرك من يربح جولة الإصرار! نعم، لم يكن وردي إلا كشعب السودان في إبائه لا يعرف الانكسار ولا الصغار ألم يغن له: قدرك عالي قدرك؟ ويا شعبا تسامى؟ كنت قضيت ليلة رأس هذه السنة الميلادية مع جمع كريم ببيت شاعر وردي الوطني الأول: محجوب شريف، ومن فرط ما اندغم في الوطن أحسست بحضور كل المشاعر الوطنية، وعلى نهج البكائين سرت والبكاؤون فصيل صوفي يمتدحون البكاء والنواح دربا للسمو والتطهر، وكتبت للمحجوب: الدمع انبهل قطرات عسكرت في معسكر جمال والذوق والكمال اليبرا الجروح- الحق الصدوح دلاي الوهم- فكاك القيود- نسّاج الخلود السيف السليل- النسم العليل- محراب الخليل سيل يا دمعي سيل قدامك هرم بل تلقاه نيل وإن مرّ الزمن، في عز الشباب ما بصبح هرم هل ما شفت كم؟ صدرا فيه نزيل هل ما شفت كم؟ خدا بيه بليل طنت تلك الكلمات يوم تشييع وردي: محراب الخليل/ هل ما شفت كم خدا بيه بليل؟ فهي تصدق هذه المرة لا على نهج البكائين ولكن في درب الأحزان! وتفكّرت: 1932، أي حق وجمال رفع، أي حق وجمال وضع! ثم جاءت كلمات الدكتور عبد الرحمن الغالي بعدها: هـَنَاك يا العازة في وردي/ وعزاك يا العازة في وردي/ جناك الجوهر الفردي! وجاءت يومها طفلة صغيرة تقفز فوق اللحود، جاءت ربما مع أبيها أو أمها أو أخيها.. طنت كلمات وردي: فدى لعيني طفلة غازلت دموعها حديقة في الخيال. وسألوني بعض الأحباب فقلت: ما سكت الرباب سيظل وردي فينا أبدا. ولكن، طنت كلمات (سكت الرباب) للفنان الأستاذ محمود عبد العزيز التي قيل إنها تنعي وفاة أستاذنا الراحل مصطفى سيد أحمد، وصال وجال المقطع: وا خوفي من طول الطريق أمشيهو كيف بين المغارب والمسا؟ قلنا جميعا: سوف نغني يا وردي يوما: أصبح الصبح، وبلا وانجلا، وحنبنيهو، نغنيها بحق.. وهذه الجموع التي ودعتك، سوف تصدق الوعد، بإذن الله. ألا رحم الله وردي، وشفّع فيه مودعيه كلهم جسدا وروحا، لقد شهدوا له بالخير ودعوا له بالرحمة والغفران ونزول الجنان، اللهم استجب. وليبق ما بيننا | |
|
| |
بشرى مبارك
عدد المساهمات : 7557 تاريخ التسجيل : 19/02/2009 العمر : 64 الموقع : أقيم فى بيريطانيا مدينة بيرمنجهام
| موضوع: رد: الرحمة تتغشاك يا وردى مطرب العرب وأفريقيا اللهم أغفر له وأرحمه الأربعاء 22 فبراير - 19:46 | |
| محمد وردي من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة غير مفحوصة اذهب إلى: تصفح, البحث هذه المقالة عن شخصية توفيت حديثًا. بعض الأحداث أو التطورات المتعلقة بوفاة الشخصية قد تتغير مع ظهور معلومات جديدة.
محمد عثمان وردى الموسيقار السودانى المعروف، من مواليد قرية صواردة في (19 يوليو 1932 - 18 فبراير 2012 ) جنوب مدينة عبرى بشمال السودان نشأ يتيما وتربى في كنف عمه، واحب الادآب والشعر والموسيقى منذ نعومة اظافره. رحل لمدينة شندى في اواسط السودان لأكمال تعليمه وعاد لمدينة حلفا بعد أن درس بمعهد تأهيل المعلمين وعمل كمعلم بالمدارس الوسطى ثم الثانوية العليا.
محمد و
المطرب النوبى وردى معلومات عامة الاسم عند الولادة محمد عثمان حسن صالح وردى الاسم المستعار وردى الميلاد 19 يوليو 1932 (1932-07-19) (العمر 79 سنة) صواردة, وادى حلفا، السودان الوفاة السبت 18 فبراير 2012 البلد السودان/ نوبى - محسي النوع موسيقى نوبي، المهنة معلم، مغني، ملحن سنوات النشاط 1957م - 2012م . شركة الإنتاج وردى فون
محتويات 1 بداية مشواره الفنى 2 أهم مميزاته 3 وفاته 4 الشعراء الذين تغنى لهم 5 انظر أيضا بداية مشواره الفنىفي عام 1953 م زار الأستاذ محمد وردى العاصمة الخرطوم لأول مرة ممثلا لمعلمى شمال السودان في مؤتمر تعليمى عقد آنذاك، ثم انتقل للعمل بالخرطوم بعد ذلك، وبدء ممارسة الفن كهاوى حتى عام 1957 م عندما تم اختياره بواسطة الاذاعة السودانية- هنا امدرمان بعد تجربة أداء ناجحة وإجازة صوته ليقوم بتسجيل اغانيه في الاذاعة.
وتحقق حلم طفولته في الغناء في الاذاعة بين الفنانيين العمالقة امثال : الراحل عبد العزيز محمد داوؤد وحسن عطية واحمد المصطفى وعثمان حسين وإبراهيم عوض وغيرهم. وفى خلال عامه الأول في الاذاعة تمكن وردى من تسجيل 17 اغنية مما دفع مدير الاذاعة في ذلك الوقت لتشكيل لجنة خاصة من كبار الفنانين والشعراء الغنائيين كان من ضمن اعضائها إبراهيم الكاشف ابرز المطربين في ذلك الوقت وعثمان حسين وأحمد المصطفى لتصدر اللجنة قرارا بضم وردى لمطربى الفئة الأولى كمغنى محترف بعد أن كان من مطربى الفئة الرابعة. أهم مميزاتهتميز وردى بإدخاله القالب النوبى والادوات الموسيقية النوبية في الفن السودانى مثل الطمبور، كما عرف عنه أداء الاغانى باللغتين النوبية والعربية. ويعتبره الكثير من الناس مطرب أفريقيا الأول لشعبيته الغير مسبوقة في منطقة القرن الافريقى واثيوبيا.
كما عرف بثراء فنه وتنوع اغانيه من الرومانسية والعاطفية والتراث النوبى والاناشيد الوطنية والثورية، وفى عام 1989 م خرج من السودان بعد انقلاب الإنقاذ العسكري ليعود بعد 13 عاما قضاها في المنفى الاختيارى.
منح الدكتوراة الفخرية من جامعة الخرطوم في عام 2005م تقديرا لمسيرته الفنية لأكثر من 60 عاما ولما يزيد عن 300 اغنية، وبأعتباره أسطورة فنية سودانية خالدة وموسوعة موسيقية. وفاته توفي الفنان محمد عثمان وردي يوم السبت الموافق 18 فبراير 2012 فى تمام الساعة العاشرة والنصف مساء. وكان الفنان محمد عثمان وردي قد اصيب بفشل كلوي قبل عدة سنوات و من ثم قام بعملية زراعة لكلي تبرع بها لصالحةاحد المعجبين به
الشعراء الذين تغنى لهمالصادق عبد الكافى. الجيلى عبد المنعم. عمر الطيب الدوش. بناديها مبارك البشير. محمد مفتاح الفيتورى. اسحآق الحلنقى. يا اعز الناس. أحمد الطاهر. إبراهيم الرشيد. سليم الذوق. عبد الرحمن الريح. السر دوليب. أبو امنة حامد. إسماعيل حسن. الحنين يا فؤادى, نور العين, حبيناك من قلوبنا, المستحيل. صلاح أحمد إبراهيم. الطير المهاجر. محمد المكى إبراهيم. كجراى. التجانى سعيد. ارحل. محجوب شريف عثمان. ياشعبا لهبك ثوريتك، مساجينك. محمد أبو قطاطي. المرسال ، شن بتقولو ، سواة العاصفة | |
|
| |
بشرى مبارك
عدد المساهمات : 7557 تاريخ التسجيل : 19/02/2009 العمر : 64 الموقع : أقيم فى بيريطانيا مدينة بيرمنجهام
| موضوع: رد: الرحمة تتغشاك يا وردى مطرب العرب وأفريقيا اللهم أغفر له وأرحمه الأربعاء 22 فبراير - 20:38 | |
| أذكر أننا عندما عملنا بمطار الخرطوم كضباط جوازات فى بداية العام 1982م وجدنا الاخ والضابط القدير أخو الاخوان الرائد سمير محمد صالح ضرغام وقتها رئيساً لقسم شرطة جوازات مطار الخرطوم وكان الاخ سمير من أبناء حلفا فطبيعى أن يكون الراحل وردى من أصدقاء سمير فكان كثير الزيارة والحضور للمطار لسمير ولغيرة من أبناء المحس والذين يشكلون غالبية فى الوظائف الكبرى لسبقهم التعليمى المعروف فكان مدير المطار حلفاوى محسى ومدير المباحث ومدير جوازات مطار الخرطوم غير العدد المهول منهم فى سودانير والجمارك والطيران المدنى وشركات الطيران ومكاتب التخليص الكثيرة بالمطار . كان وردى عندما يحضر الى مكتب سمير ضرغام ننبسط وننتظر الدقائق التى ينادينا فيها الاخ سمير ضرغام داخل مكتبة لتقديم خدمة لوردى وكنا تنسابق لذلك فتعرفنا عليه بمرور الايام وأصبحنا نتونس معه عادى رغم الهيبة فى الايام الاولى . وكنا عندما نحضر حفلاته فى زيجات العاملين بالمطار أو الاندية القريبة من المطار (نادى قوات الشعب المسلحة والنادى السورى والنادى الالمانى وغيرة ينبسط جداً ويداعبنا يقوله خليكم قريبيين ما تقوم شكله وأنضرب فيها !!! . كان وردى بسيطاً جداً ومتواضعاً للغاية عندما تكون منه قريباً يحب القفشات والضحك والنكات ألا رحمة الله بقدر ما أمتع الشعب السودانى بفنه الراقى .
عدل سابقا من قبل بشرى مبارك في الخميس 23 فبراير - 15:55 عدل 1 مرات | |
|
| |
بشرى مبارك
عدد المساهمات : 7557 تاريخ التسجيل : 19/02/2009 العمر : 64 الموقع : أقيم فى بيريطانيا مدينة بيرمنجهام
| موضوع: رد: الرحمة تتغشاك يا وردى مطرب العرب وأفريقيا اللهم أغفر له وأرحمه الخميس 23 فبراير - 15:54 | |
| سوف أواصل اليوم سلسلة قصائد الرثاء التى بدأت فى كتابتها فى اليوم الثالث لرحيل عملاق الغناء والنغم والموسيقى السودانية الراحل محمد عثمان محمد صالح وردى واليوم أكتب قصيدة بعنوان (فى حضرة رثاءك ) وفى الحقيقة كل القصائد تجارى ما قدمه من ألحان وهذه القصيدة على لحن (أحبك بتضحك وأحبك عبوس ) وإلى القصيدة :
فى حضرة رثاءك يكون العِبوس جمعت المعارض جمعت البسوس نظرت ونظرت لكل القيام وكل الجلوس وجدت المآقى المآقى كيوم البسوس وعمّ الحزن كل القرى كل المدن وكل النفوس غُناك البيطرب الفى الصاج تعوس وهناك البيرعى وزارع التروس كنت المرتب أنييق اللبوس كسرت الحواجز وكل الطقوس وكنت البتفرح عريس والعروس وما كنت طامع تفتش فلوس ديارك بلادك فيها بتجوس وغير العرب لى لحنك يكوس نقلت الموسيقى خماسى وسدوس وصوتك تفرّد فى راحة النفوس عرفت السجون وناس ساس يسوس برأيك بتجهر وللظلم تدوس يحييك شعبك ولى مجدك يبوس يحييك شعبك ولى مجدك يبوس
عدل سابقا من قبل بشرى مبارك في الثلاثاء 13 مارس - 8:30 عدل 1 مرات | |
|
| |
بشرى مبارك
عدد المساهمات : 7557 تاريخ التسجيل : 19/02/2009 العمر : 64 الموقع : أقيم فى بيريطانيا مدينة بيرمنجهام
| موضوع: رد: الرحمة تتغشاك يا وردى مطرب العرب وأفريقيا اللهم أغفر له وأرحمه الخميس 23 فبراير - 20:30 | |
| كتب الصحفى محمد عبدالقادر من الرآى العام بعنوان لم يبخل وردى عن صغيرتى بالصورة
منذ وفاة (أبوي) المفاجئة قبل ثلاثة أشهر، ظلت صغيرتي (الشقية) حباب تلسعني بسياط الاستفسارات البريئة عن المكان الذي ذهب إليه (جدو)، وتسألني: (أين هو الآن وهل بالإمكان زيارته، وهل سنراه مرةً أخرى، ولماذ لم يودعنا قبل أن يغادر، ولماذا ترك نظارته في المنزل وكيف سيقرأ «الجرائد»، لماذا ترك موبايله.. أليس بالإمكان أن نهاتفه للاطمئنان عليه)، وغيرها من الأسئلة التي تضطرني في أحايين كثيرة للإعلان باكياً عن حزن قد برى جسدي، وأحالني إلى جرح نازف تستبد به أسئلة طفلة لم تقرأ بعد مقولة (إن الموت هو أن تمضي بعيداً وحذاؤك في المنزل)... في العام (2007) وذات خريف أغدق على أرضنا نغماً وخُضرةً، وطوقنا بـ (نور العين) حَلّ بيننا وردي في منتدى العزيزة (جريدة الصحافة)، كان حينها الراحل وظل حتى مماته عصياً على الإطلالة في المنتديات لكن (معزة) عادل الباز، و(همة) طارق شريف فيما يبدو جعلت من هذا اليوم حدثاً مُمكناً، كنت وقتئذٍ أقاسم الوقور النور احمد النور مسؤولية إدارة التحرير، حَباب الصغيرة كَانت جزءاً من حضور وردي بعمر لا يتعدى العام، وما أن رآها الراحل حتى نسج من طفولتها خيط إلفة بينه وبيننا، أتاح له أن يتوسط حائط بيتنا - إلى جوار صورة الراحل كذلك (جدو).. كبرت حباب وظلّت الصورة ناظمة لتفاصيل مهمة في حياتها، حينما كانت تحبو كانت صور الحائط قبلة حركتها الأولى، وبعد أن تعلّمت الكلام سألت عن وردي وتابعته بعد ذلك ترهف السمع لما يغني، تنتظره في التلفاز، تفرح حين يجئ و(تفرز) صوته بين آلاف المغنيين، وعلى الرغم من صغر سنها وعظمة أغنياته فقد مثّلت صورة وردي قيمة جميلة لحباب التي أشفقت عليها جداً لحظة أن بلغني الخبر الحزين!! وردي حينها (لم يبخل بالصورة) فاستغرق مع حباب في فاصل من المؤانسة وتحول إلى (طفل) ناطق بكل لغات الإلفة، كان كبيراً مع الصغيرة وهو يهديها مَحبّة جعلتني اكتشف قيمة أن تكون فناناً عظيماً تسكنك دواخل بسيطة تستأنس بالفرح الطفولي وترتوي من براءة الصغار بحب وانفعال وابتهال وتبتل.. وردي الذي رأيت، كان يومها أسطورة باهرة الانفعال بطفولة أولاها رقة ليجعل من نفسه تاريخاً في بيتنا، يقاسمنا كثيراً من معطيات الحياة الجميلة.. هكذا دخل وردي بيتنا بعد أن غمر حياتنا بمعزة باقية لأغنيات نسجها من عصبه الحي، وسقاها بمداد المفردة الجميلة ورعاها بدفق الألحان الخالدة، وزفّها إلى الجميع ثقافة ناضجة التف حولها السودانيون الذين اختلفوا على كل شئ إلاّ وردي، فقد كان وعاءً قومياً اتسع جمالاً وبهاءً وتَسرّب إلى دواخلنا عطراً جميلاً يمنح الأغنيات القدرة على توجيه الحياة ويعلنها ناطقاً رسمياً باسم الحب والشعب والثورة والوطن.. وردي (ظاهرة كونية)، مثّلت إحدى (منكهات) الحياة السودانية التي لا أتخيّلها بدون الفرعون، حملت كلماته شعارات الثورة، وتلقفته بيانات الوطن، ووثّقته دفاتر العشاق، فهو عطر أسمر يَتدفّق في ليالينا مطراً من الحنين.. ونغم من مسامنا ينهمر وعداً في دروب العاشقين والطامحين في وطن وزمن (خير ديمقراطي).. فجر السبت الماضي كانت حباب تلقي نظرة على الحائط وهي في طريقها لأداء الامتحان، تعمدت أن أحيط الخبر بسياج من السرية يعينها على أداء مهمتها دون دموع.. لكنها فاجأتني بعيون باكية: (صَحِي يا بابا وردي مات..؟!) أجبتها نعم: تهدج منها الصوت الغض وهي تواصل: يعني مشي لي جدو.. طيِّب وخلي لينا الصورة..؟! أجبتها أنه ترك كثيراً من (الصور) و(الأغنيات) و(الذكريات)، مثلما ترك دمعة هائمة على وجه حباب وهي تعود من المدرسة وتقف أمام الحائط الذي يحمل صورتين لـ (لجدو ووردي)... لهما الرحمة والمغفرة. | |
|
| |
بشرى مبارك
عدد المساهمات : 7557 تاريخ التسجيل : 19/02/2009 العمر : 64 الموقع : أقيم فى بيريطانيا مدينة بيرمنجهام
| موضوع: رد: الرحمة تتغشاك يا وردى مطرب العرب وأفريقيا اللهم أغفر له وأرحمه الخميس 23 فبراير - 20:37 | |
| رثاء الراحل محمد وردي
--------------------------------------------------------------------------------
ﻳﺎ ﻧﻴﻞ ﻳﺎ ﺷﺎﻣﺦ ﻛﻴﻒ ﺑﺘﻤﻮﺕ ( رثاء الراحل محمد وردي - شعر: دكتور المعز عمر بخيت) ) ﻳﺎ ﻧﻴﻞ ﻳﺎ ﺷﺎﻣﺦ ﻛﻴﻒ ﺑﺘﻤﻮﺕ ﻟﻮ ﺭﺣﺖ ﻣﻌﺎﻙ ﺑﻨﻌﺪﻱ ﻧﻔﻮﺕ *** ﻳﻮﻡ ﻏﺒﺖ ﻭﺷﻠﺖ ﺍﻟﺠﺎﻱ ﻭﺍﻟﺮﺍﺡ ﺍﻟﺒﺤﺮ ﺍﺗﻮﺳﺪ ﺑﻄﻦ ﺍﻟﺤﻮﺕ ﻭﺍﻟﺰﻣﻦ ﺍﻟﺨﺎﻟﺪ ﻣﺎﺕ ﻭﺍﺭﺗﺎﺡ ﻭﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺑﻼﻙ ﻻ ﺣﺲ ﻻ ﺻﻮﺕ *** ﻳﺎ ﻭﺭﺩﻱ ﺍﻟﺨﺎﻟﺪ ﻓﻲ ﺍﻷﺯﻣﺎﻥ ﺡ ﺗﻈﻞ ﺭﺍﺟﻴﺎﻙ ﺿﻔﺎﻑ ﻭﺑﻴﻮﺕ ﺑﻨﺴﺘﻨﺎﻙ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎﻥ ﻣﺎ ﺳﺘﺮﻧﺎ ﺍﻧﺖ ﻭﻭﺭﻕ ﺍﻟﺘﻮﺕ *** ﻳﺎ ﺳﻴﺪ ﺍﻟﺮﻭﻋﺔ ﻭﻧﺒﺾ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﺍﻧﺪﻓﻨﺖ ﻓﻲ ﺗﺎﺑﻮﺕ ﻭﺍﻟﻨﺠﻤﺔ ﺗﻨﻮﺡ ﻓﻲ ﻟﻴﻞ ﻣﺠﺮﻭﺡ ﻭﺍﻟﻐﻨﻴﺔ ﺣﺰﻳﻨﺔ ﻭﺁﻩ ﻣﻜﺒﻮﺕ *** ﻻ ﻧﻐﻤﺔ ﺳﻌﻴﺪﺓ ﺗﻬﺪّﻱ ﺍﻟﺒﺎﻝ ﻻ ﺣﻠﻢ ﻋﻨﻴﺪ ﻭﺣﻨﻴﻦ ﻣﺨﺘﻮﺕ ﻓﻲ ﺿﻞ ﺍﻟﺸﻮﻕ ﻭﺻﺒﺎﺡ ﺍﻟﻔﺎﻝ ﻻ ﻋﺎﻓﻴﺔ ﺣﻴﻞ ﻭﺭﻗﻴﺺ ﺑﻨّﻮﺕ *** ﻳﺎ ﻗﻠﺐ ﺍﻓﺮﻳﻘﻴﺎ ﻭﻧﺒﺾ ﺍﻟﻜﻮﻥ ﻳﺎ ﺫﺧﺮ ﺍﻷﻣﺔ ﺩﻫﺐ ﻳﺎﻗﻮﺕ ﻳﺎ ﻧﺨﻠﺔ ﺣﻠﻔﺎ ﻭﺳﺮ ﺍﻟﻠﻮﻥ ﻓﻲ ﺃﺭﺽ ﺍﺧﺘﺎﺭﺕ ﻓﻨﻚ ﻗﻮﺕ *** ﻳﺎ ﻭﺭﺩﻱ ﺍﻟﻌﺎﻳﺶ ﻓﻲ ﺍﻷﻋﻤﺎﻕ ﻳﺎ ﺳﺎﺣﺮ ﺍﻧﺖ ﺑﺪﻭﻥ ﻛﻬﻨﻮﺕ ﻳﺎ ﻧﻮﺭ ﻣﺴﺘﺸﺮﻕ ﻓﻲ ﺍﻷﺣﺪﺍﻕ ﺍﻟﺒﺼﺪﺡ ﻣﻴﻦ ﻭﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺳﻜﻮﺕ؟ *** ﻳﺎ ﻧﻴﻞ ﻳﺎ ﺷﺎﻣﺦ ﻛﻴﻒ ﺑﺘﻤﻮﺕ ﻟﻮ ﺭﺣﺖ ﻣﻌﺎﻙ ﺑﻨﻌﺪﻱ ﻧﻔﻮﺕ. | |
|
| |
بشرى مبارك
عدد المساهمات : 7557 تاريخ التسجيل : 19/02/2009 العمر : 64 الموقع : أقيم فى بيريطانيا مدينة بيرمنجهام
| موضوع: رد: الرحمة تتغشاك يا وردى مطرب العرب وأفريقيا اللهم أغفر له وأرحمه السبت 25 فبراير - 19:54 | |
| نقلاً من الرآى العام عدد السبت 25 فبراير (وردى كان حاجة تانية )
قيل كل الكلام في حق الراحل محمد وردي، او ان كل الكلام الذي قيل لم يرسم صورة دقيقة للراحل . وكل ما قيل كذلك ، ليس من باب تعداد مآثر الفقيد او من باب (اذكروا محاسن موتاكم) لكن وردي كانت له بصمة خاصة في مسيرة الاغنية السودانية وله في تطويرها القدح المعلى ، بعض المختصين اعادوا معنا قراءة كتاب وردي و مدى تأثيره على الاغنية وما يحسب له دون غيره .. انتزع الدهشة الوسط الفني له أكثر من مدخل بحسب رأي د. سيف الدين علي عميد كلية الموسيقى والدراما : ومحمد وردي دخل الوسط كفنان طبيعي غير مصنع حباه الله بالصوت ، ومعرفة عناصر الموسيقى المختلفة واستفادته من الموروث الفني الذي ساعد في ان يتميز . وزاد على الطبيعة بشئ من الثقافة والتعليم الذي ادى الى فهمه لمعاني الكلمات التي يقدمها . وتقدم علاقته بالموسيقى ، اضافة الى فهمه الصحيح لدور الفن في المجتمع بعكس كثير من الفنانين . ويرى د. سيف انه اكتسب جزءا كبيرا من تعليمه ودراساته الموسيقية المتنوعة من خلال احتكاكه بالخبراء (اجانب وعرب و سودانيين) ، وهذه العلوم الموسيقية جعلته يقف على ارضية صلبة للخلق الابداعي ، اضافة الى ان علاقاته الخارجية جعلته يتعرف على طبيعة الالحان ويصنع الحانه بنفسه ، ويتفرد وردي بأنه جمع كل ميزات الفنان حيث يكتب الشعر الشعبي والنوبي ويشهد له اهله بقوته ، ويضع الحانه بنفسه ويشاركه في الامر قلة من الفنانين وان كان ليس بذات الحرفية . بعد ان دخل وردي الاذاعة ، انتزع الدهشة كما قال د. سيف وحاز على القبول بما عنده ، وأشار الى انه و منذ ظهور وردي الاول وحتى مماته ظل محتفظا بخاصيته الصوتية وتلك ميزة لم يشاركه فيها إلا الراحل خليل اسماعيل ، ومن تأثير وردي الذي يحسب له ايضا رأيه فيما يتعلق بالفرقة الموسيقية وعددها ، ويعتبر صاحب اكبر فرقة موسيقية في السودان بغرض التنوع الصوتي ، ومن ثقته بنفسه لم يحس يوما بتأثير الآلات الكثيرة على صوته او اخفائه او ان تطغي عليه ، اضافة الى ان العازفين كانوا يجدون افضل العروض عنده حتى ان افضل العازفين المقتدرين يحبون العمل بجانبه للاستمتاع اولا وللدخل الافضل ثانيا . العازف محمد عبد الله محمدية اكد كل ما ذهب إليه محمد سيف فيما يتعلق بالفرقة الموسيقية ، وقال (تعلمنا منه كبرياء الفنان وكيف تكون التضحية وحتى الان لم يكتشف كل ما كان عليه وردي ،وفترة غياب الخمسة عشر عاما ظلمتنا كثيرا لو كان موجودا فيها لكان هناك مزيد من الابداع )، اما تفرده الموسيقي فهو عند محمدية موهبة فطن لها ولم يتعامل بأنانية لان العمل الموسيقي عمل متكامل لا يقوم به شخص واحد. استيحاء التراث المقدمات الموسيقية التي تصل لان تكون مقطوعة داخل الاغنية ابرز الميزات التي يراها الموسيقار د. الماحي سليمان ، وأضاف ان (اللزمات) الموسيقية عنده خرجت عن التقليدية المتعارف عليها واختلفت حتى عن ما قدمه الراحلون عثمان حسين واحمد المصطفى ، اضافة الى ذلك تميز باختيار النصوص المستنيرة التي كانت تنم عن فكر ودراسة هذا بجانب انه يميل الي مشاورة من حوله وقال : والله العظيم وردي كان حاجة تانية ، فنان بكل المقاييس دقة وحرفية في التنفيذ و الارتجال والتنويع ، وهذا يجعل الساحة بخلاف محمد الامين خاليه تماما من هذا الفن الواعي. د. محمد سيف يس الاستاذ بكلية الموسيقى والدراما يرى ان استيحاء التراث من خلال الطمبور كما في اغنية(الود)، من اهم ما ادخله محمد وردي على الاغنية ، بجانب (الكوبليهات) الكبيرة في الاغنيات الكبيرة والتي تحوي اكثر من لحن لكل جزء من النص الشعري ، وكل هذا من خلال وحدة عضوية للقصيدة كما في الشعر الجاهلي . ومن بصماته الواضحة عبر اغنياته ، ادخال المقدمات في الاغنية السودانية استيحاء من الفنان المصري محمد عبد الوهاب لكن على الطريقة السودانية من ابداع وردي . اذا كان الفنانون المجددون في السودان أربعة فان الفنان محمد وردي واحد منهم بحسب ما ذكر الموسيقار الدكتور انس العاقب فهو يجلس في جانب التجديد جنبا الى جنب العمالقة الراحلين خليل فرح و ابراهيم الكاشف و عثمان حسين والراحل وردي وقال العاقب ان وردي تجاوز كل هؤلاء لامتلاكه ذخيرة ابداعية اكبر بحكم منطقته الحضارية التي شكلت ثقافة وردي الجامعة التي لونت ابداعه بمختلف انماطه الحديثة اما تأثيره على الاغنية السودانية فهو عند النقاد صاحب انماط في حركة الغناء لم يسبقه عليها احد. وأكد انس العاقب انه حول المقدمة الموسيقية في الاغنية النمطية الكلاسيكية , اضافة الى انه اشتهر بالجمل الموسيقية الثرة والممتدة وكذلك قدرته على الاضافة وابتكار النغمات داخل اللحن و فوق كل هذا وذاك صوت كاريزمي من اول وهلة يفرض نفسه على المستمع وقدرة على التعبير والتلوين والتطريب . وجاوز الآخرين في انه اختار انماط شعر مختلفة حيث تغنى بالنوبية وهو شاعر كبير في هذا المجال , كما استخدم ايقاعات الشمال والإيقاعات الافريقية ، ومن آثار وردي على الاغنية السودانية انه حول الاغنية الخفيفة الراقصة وكان له دور كبير في تجاوز مدرسة الفنانين احمد المصطفى وإبراهيم عوض ,، اما بشكل موسيقي متجدد او بأشعار الشباب ، كما حول قضية عاطفة الحب الى ما يمكن تسميته بمزج حب الوطن مع حب المحبوبة كما في اغنية (بناديها)، ومن لمساته في الاغنية ايضا وعبر اشعار محجوب شريف وعمر الدوش صنع تحولا في الاغنية من الكلاسيكية التي كان متعارف عليها . واهتم وردي دون غيره من الفنانين بالأغنية الوطنية كما في الاكتوبريات وتكمن اهمية فكره في انه لم يكن تفكيره موسيقيا فقط وإنما كان تفكيرا جمعيا جعل من الحب قضية جماعية وطنية جمالية ، ادت الى اعتقاله لكن في النهاية انتصرت قضية الوطن على الاعتقال والهجرة . وأكد انس العاقب انه الفنان الوحيد الذي استطاع ربط الثقافات السودانية منذ النوبية وحتى الان وكون لنفسه مدرسة خاصة , وبموته انطوت صفحة في كتاب فن الغناء السوداني التقليدي . تطويع الالحان الفن عند وردي بحسب رأي عدد من النقاد قد ربط بين افراح وأحزان الناس بالمكان من حولهم , وكان لهم تأثيره عليه مثلما كان له تأثيره عليهم ، لذلك جاء فنه بين هذا التأثير بين الناس والمكان وجاءت كذلك الحانه النوبيه بأشعار الوسط . وأولى تأملات وردي كانت التمازج بين اطراف الثقافة السودانية كما في اغنية (يا سمارة الليلة يا سمرا) ، وغنى كذلك بعربية فصحى (الحبيب العائد) للشاعر صديق مدثر ثم من بعد ذلك سار في العامية السودانية في ملمحها النوبي ، وردي لم يكن فنانا عفويا تقوده الفطرة والسجية بل كان فنه مدروسا وموجها وفق مسار منضبط برؤية فكرية وجمالية , ولعل هذا المسار هو ما اوصله لليسار السياسي والفني حيث انبت كل مواقفه السياسية المعروفة والتي على منوالها حدد موقفه الابداعي جماليا وفكريا. يقول الفنان حمد الريح ان وردي كانت له مدرسته الخاصة التي اخرجت وردي صاحب الاسم الكبير والأعمال المعروفة مما جعله علما في عالم الغناء ، ويضيف حمد انه كان فنانهم المفضل في بداية حياتهم الفنية ، ويراه كذلك موهبة طبيعية يصعب تكرارها ، فمنذ بداية حياته الفنية بدا بأعماله الخاصة وتفكيره الخاص والمختلف مما جعله يعني الكثير عند النقاد ومحبيه ، لذلك صار مدرسة يفترض ان يسير الناس على نهجها والكثيرون يحتاجون لمثل افكاره تلك.ومن آثار وردي في الاغنية السودانية بحسب رأي د.عبد القادر سالم ان وردي اشتهر دون غيره بالأغنية الطويلة او النص المكون من عدة الحان ، الى حد ما ذهب عثمان حسين وإبراهيم عوض في هذا الاتجاه إلا ان وردي اختلف في الآخر في انه قدم عشرات الاغنيات مثل (العمارة) في تراصها وترابطها مثل اغنية (لو بي همسة)، ويرى سالم ان وردي نهل من الثقافة المصرية ،اضافة الي قدرته على التأليف الموسيقي مما جعله يطوع الالحان بشكلها الخماسي وجعل منها السهل الممتنع ، هذا اضافة الى انه ملحن كبير لا يمكن مقارنته بأي ملحن آخر ورصيده في الاغنيات الوطنية اكثر من اي فنان آخر. | |
|
| |
بشرى مبارك
عدد المساهمات : 7557 تاريخ التسجيل : 19/02/2009 العمر : 64 الموقع : أقيم فى بيريطانيا مدينة بيرمنجهام
| موضوع: رد: الرحمة تتغشاك يا وردى مطرب العرب وأفريقيا اللهم أغفر له وأرحمه الأحد 26 فبراير - 20:56 | |
| يا والى الخرطوم رحل الاستاذ وردى قيثارة حى الشجرة المظلوم نقلاً من الرآى العام الاحد 26 فبراير
قد تعمدت تأخير هذا المقال حتى تنتهي أيام الحزن الأولى من وفاة الراحل الكبير والهرم الفني الضخم الأستاذ المرحوم محمد عثمان وردي , تعمدت تأخير هذا المقال لأنني لاحظت ومنذ وفاة الفنان الراحل زيدان إبراهيم والتي أعقبتها وفاة الراحل وردي أن أجهزة الإعلام وخصوصاً الإذاعة والتلفزيون تمارسان إبتذلاً إعلاميا جاهلا ينتهك حرمة الموتى ويتجاوز الذوق السليم فى التعامل مع مناسبات الحزن لأنه ليس من الحكمة الراشدة وليس من اللائق بالمرة أن تشرع أجهزة إعلامنا في بث أغاني الفنانين الراحلين وما زالت جثامينهم مسجاة لم يصل عليها في المقابر , وهذا الإبتذال الإعلامي يعكس نوعاً من الخواء والضحالة وعدم الحكمة أصبحت هي السمة المميزة لجيل خاوي من الإعلاميين الجدد الذين تضج بهم أجهزة الإعلام كما أنه يعكس حالة من الهرجلة والتخبط الإداري لقيادات هذه الأجهزة, والذين لا يملكون الذوق السليم والمراقبة الحاسمة والإدارة الحصيفة التي تفرق بين نوعية المادة التي ينبغي أن تقدم في حالات الحزن وبين المادة التي ينبغي أن تقدم في حالات الفرح , وأنا أقول هذا الكلام رغم الحزن العميم الذي إجتاح قطاعات كبيرة من الشعب السوداني بفقدان الأستاذ الراحل وردي عبقري الأغنية السودانية بلا منازع , بل إنني أجزم لو أننا كنا نملك إعلاماً ذكياً وموجهاً لكنا خلقنا من الأستاذ وردي واحداً من أكبر وأميز عمالقة الغناء العالمي , الذى رحل مخلفا وراءه ثروة ضخمة من الملاحم الغنائية قل ان توجد بهذا الحجم وبهذا العدد عند مبدع وحيد،ورغم ان المبدع الراحل خلف وراءه ثروة غنائية تجاوزت ال(350) اغنية تنافس بعضها البعض إلا انه سطر من بعض أغنياته ملاحم غنائية نادرة كانت علامة فارقة فى تاريخ الغناء السودانى ستظل إرثا تاريخيا يمكن مضاهاتها بابداعات(ليوناردو دافنشى)و(مايكل انجلو)و(الفيس بريسلى)و(جيمى كليف)و (بتهوفن)و(شارلى شابلن) وأنا هنا أقصد بالتحديد أغنياته الكبيرة والنادرة والتى شكلت لحظة تدفق ابداعى تجلت فيها عبقرية الإلهام الوردي وسطر فيها ملاحم غنائية عجز وردى نفسه عن إعادة تكرارها بذات الجودة والألق الأول لحظة تدفقها وأنا هنا أقصد أغنياته الكبرى والخالدة (لو بهمسة)، (الود)،(الطير المهاجر)،(بعد ايه)،(خاف من الله على قلبى) ،(حلفتك ياقلبى)،(المستحيل)،(الحبيب العائد)،(مرحبا ياشوق)،(اسفاى)،(جميلة ومستحيلة)،(قلت ارحل)،(بناديها)،(الحزن القديم) ، ولذلك إذا كان حزنا جامحا قد عم الوطن برحيل الأستاذ وردى فإن حزننا نحن أهل حي الشجرة العريق كان أعمق وكان عظيما لأن العبقري الراحل ورغم أنه في بداياته الفنية كان قد سكن لسنوات بحي السجانة الإ أن أخصب سنين حياته الفنية قضاها وعاشها بيننا في حي الشجرة العريق خلال فترة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي , بل إنني على المستوى الشخصي أشعر بأسى وحزن عميق لاننا كنا جيران حيث كانت أسرتنا تسكن بالقرب من داره وقد زاملت أبناءه عبد الوهاب وحافظ في مدرسة الشجرة الإبتدائية وكنا ونحن صغارا نشهد داخل صالونه بمنزله فى الشجرة بعض بروفاته لأداء أغنياته , كما أن الراحل كان يشارك في كل الاحتفالات الخيرية التي كانت تقيمها مدرستنا لدعم بعض المشاريع الخيرية ، فالفنان الراحل محمد وردي يعتبر ثروة قومية لم يتمكن السودان من الإستفادة منها على المستوى والعربى والإقليمي والعالمي ، حيث أن سلمنا الموسيقي الخماسي هو السلم الغنائي الغالب في كل أفريقيا جنوب الصحراء وفي كل قارة آسيا أي ان سلمنا الموسيقي الخماسي هو السلم الغنائي الذي يتفاعل معه أكثر من ثلاثة أخماس سكان العالم وأنا أكاد أجزم أنه لا يوجد مبدع علي طول العالم أبدع في تطويع هذا السلم الخماسي لمصلحة الفن كما فعل الأستاذ وردي وهو الأمر الذي كان ينبغي أن يؤهل فنانينا الكبار وغناءنا الراقي للإنتشار بصورة عالمية كانت يمكن أن تحقق إنتشارا واسعاً للثقافة السودانية لأنني أيضاً أجزم أن غناءنا السوداني يعتبر من أكثر الغناء في العالم سبكاً وصدقاً وإبداعاً وإحتشاماً , وبالتالي فإن غناءنا السوداني كان مؤهلاً جداً لقيادة عملية إستقطاب ثقافي كبير لصالح السودان ولصالح الثقافة العربية الإسلامية , وحتي لا يتهمني السلفيون بالكفر والتبضع في شراء (لهو الحديث) , فإن كل ما يوردونه حول حرمة الغناء ما هو الا تشدد مزموم يلوون به أعناق النصوص لياحتى يتمكنوا من تحريم الغناء وهم يعلمون أن الغناء ماهو الا شعر مغنى وقد كان الشعر ينشد فى حضرة الرسول دون ان ينكره بما فيه شعر الصحابى الجليل حسان بن ثابت الذى كان يمدح الرسول صلى الله عليه وسلم ويبدأ شعره بالغزل كما ورد فى قصيدة (بانت سعاد)والتى تحمل بعض أبياتها وصفا حسيا للمرأة كما فى البيت (هيفاء مقبلة عجزاء مدبرة :::: لايشتكى منها قصر ولاطول)،كما أنهم يجوزون الإنشاد ويحرمون الغناء رغم إن النشيد هو شعر ملحن وبالتالى هو غناء،وهم يجوزون الدف ويحرمون الآلات الموسيقية رغم أن الدف نفسه هو آلة موسيقية بل هو أم الآلات الموسيقية حيث يطلق عليه فى علم الموسيقى(ضابط الايقاع), وحتى نرى عمق تأثير الغناء على الشعوب الأخرى وعمق تأثير الأستاذ وردي فإن هناك دولاً كاملة مثل أثيوبيا وإرتريا وتشاد وموريتانيا والصومال حينما تسأل شعوبها عن فنانهم المفضل تكون الإجابة مباشر أنه الفنان وردي أو بعض الفنانين السودانيين الآخرين قبل أن يأتوا بأحد فنانيهم الوطنيين أخيراً , بل إن أحد الأخوة يعمل في تجارة الشنطة في إحدى الدول الإفريقية قال لي أنه يستطيع تمرير كثير السلع التي يحظر خروجها من تلك الدولة , قال لي أنه يمرر تلك السلع بسهولة جداً لأنه يضع على سطح شنطة عفشه عددا من أشرطة الكاسيت للفنان وردي والفنان محمد الأمين , وما أن يفتح موظف الجمارك الشنطة ويجد هذه الأشرطة على السطح وإلا ويتوسل اليه أن يمنحه بعضا من هذه الأشرطة وعندما يمنحه إياها يقوم موظف الجمارك على الفور بإغلاق الشنطة وتمريرها دون أي تفتيش وهذه الحادثة تؤكد مدى خطورة التأثير الثقافي علي الشعوب مما يتطلب من واجهاتنا المشرفة على الثقافة الإعتناء بهذه الثروة ذات التأثير البالغ والصرف عليها حتى تتمدد لتملأ عدد من الفراغات على المستوى العالمي وعبرها يمكن خلق تأثير شعبي إيجابي كبير جداً لصالح السودان خاصة وإننا في السودان نتمتع بسمعة جيدة جداً في إفريقيا وآسيا بل إننا شعب محبوب جداً أفريقياً وآسيوياً ، ولذلك فإن الشعب السوداني إذا كان يفخر بالأستاذ وردي وأصابه الحزن لفقده فإن فخر أهل الشجرة وحزنهم على فراقه أكبر وأبلغ لأنهم يعدون الراحل وردي واحداً من أعرق مواطني حي الشجرة وما زال أبناء عمومته يقيمون فيها , ولان الطيور على اشكالها تقع فقد شاءت قدرة الله أن يكون حي الشجرة العريق هو منبت العظماء وله نصيب كبير في تاريخ وأحداث السودان حيث أن عبر هذا الحي عبرت جنود الإمام المهدي نهر النيل من حي أبوسعد إلى الشجرة لإقتحام الخرطوم عام فتحها ومقتل غردون , كما أن هذا الحي ظل حاضراً في كل أحداث السودان العسكرية الكبرى حيث توجد فيه أهم مؤسسات السودان العسكرية والحيوية حيث يوجد فيه سلاحي المدرعات والذخيرة وتوجد فيه مؤسسات التصنيع الحربي ومستودعات البترول , ولذلك فإن كل الإنقلابات العسكرية الناجحة والفاشلة كانت تتحرك أما من أو إلى الشجرة , وقد شهدت أرض الشجرة كل الإعدامات التي نفذها المشير جعفر نميري في قيادات إنقلاب يوليو الشيوعي وعلى أرضها دارت أشرس معارك (حركة يوليو ) الشهيرة بحركة المرتزقة , كما أن من أرض الشجرة إنطلقت أهم دعوتين إسلاميتين وهما دعوتا جماعة أنصار السنة وحركة الإخوان المسلمين حيث أن أرض الشجرة كانت هي مقر إقامة الشيخ العالم الجليل المجاهد الشيخ الراحل عمر صبير أحد أكبر مؤسسي جماعة أنصار السنة وأحد مؤسسي جبهة الميثاق الإسلامي كما أنها أيضا مقر إقامة الداعية المجاهد العالم الكبير الشيخ سليمان طه والذى كان أيضا من أكبر أساتذة اللغة العربية والتربية الاسلامية بالمدارس الثانوية , كما أن من أرض الشجرة أيضاً إنطلقت أول خلايا تنظيمية لحركة الإخوان بسبب وجود رئاسة الري المصري وتوافد عدد من الإخوان المصريين الذين كانوا يقيمون في حي الشجرة وتمكنوا من إستقطاب عدد من الرعيل الأول من المؤسسين مثل الشيخ الراحل عمر قنديل والشيخ الراحل الريح عبد الله عيسى والشيخ الراحل عبد العظيم شنان والشيخ الراحل سعيد صالح والشيخ الراحل هاشم ميرغني والشيخ الفاضل الأستاذ محمد الحسن أمد الله عمره , هذا بالاضافة الى عدد من العلماء وكبار الاساتذة منهم الراحل البرفيسور ابو سليم والراحل الاستاذ مصطفى سالم والراحل الاستاذ الشيخ ساتى محمد عبد القادر والعالم الجليل الشيخ عبد الجليل النذير الكارورى والدكتورة عائشة الغبشاوى والراحل الشيخ الصوفى العالم محمد خليل أحد أكبر فقهاء الفقه المالكى ،وعلى المستوى الرسمى كان يقيم فيه الدكتور الحاج آدم والوزير عبد القادر محمد زين والوزير حسن ضحوى والوزير الدكتور مصطفى عثمان والوزير والوالى السابق عثمان الهادى ونائب والى الشمالية الأسبق الأستاذ ابراهيم هاشم ،والمحافظ طارق توفيق ،بل ان حى الشجرة هو الحى الوحيد الذى قدم شهيدا ليلة تنفيذ انقلاب الانقاذ وهو الشهيد الرائد أحمد قاسم، كما قدم عددا من الشهداء فى مسيرة الجهاد منهم الشهيد عمر على نصر والشهيد مبارك القنالى والشهيد عماد خضر والشهيد معتز ابراهيم والشهيد شرف الدين والشهيدة الحية عفاف حسين، كما أن حي الشجرة كان له نصيب وافر فى الرياضة والفن حيث من أرضه إنطلق الفنان الكبير الاستاذ على مهدى كما من أرضه انطلق معظم أبطال السباحة الكبار كيحاب وفضل وفي كرة القدم أولاد كباتا ولاعب الهلال الكبير بين والمدرب الخبير ادريس الكوتش هذا بالاضافة الى عدد كبير من الشخصيات السياسية والاقتصادية منهم محمد احمد ملاح ونور الدايم عمر وعلى حامد عبد الرحمن وفتحى السيد وعبد العزيز حسن خليل والدكتور جعفر محمد زين والمحامى جلال السيد والاستاذ يوسف فرحات وعدد وافر من السفراء وكبار ضباط القوات المسلحة والشرطة ولذلك يمكن لاهل الشجرة ان يتنبروا بكل فخر ويقولوا أنهم أرض العباقرة ومنبت البطولات ولكن رغم كل ذلك الإرث من الفخر المنضوض فان حى الشجرة هو أكثر أحياء الخرطوم ظلما فى الخدمات ياوالى الخرطوم , ألا رحم الله الفنان محمد وردي بقدر سعة رحمة الله وبقدر أرتال الفرح التي أدخلها في نفوس الشعب السوداني والعزاء لأهله وأسرته وللشعب السودانى | |
|
| |
بشرى مبارك
عدد المساهمات : 7557 تاريخ التسجيل : 19/02/2009 العمر : 64 الموقع : أقيم فى بيريطانيا مدينة بيرمنجهام
| موضوع: رد: الرحمة تتغشاك يا وردى مطرب العرب وأفريقيا اللهم أغفر له وأرحمه الثلاثاء 28 فبراير - 1:11 | |
| --------------------------------------------------------------------------------
عصافير الخريف ترثي وردي من شعر الحلنقي.
ياأعز الناس حليلك وأنت حاضن العود تغني وقلبي سارح في الغناوي الطالعة منك وشايلة مني عندك إنت الفن رسالة تزرع الأيام تمني ياحبيب كل الغلابة غبت وين الليلة عني ******** غبت ياالطير المهاجر وإنت لابس الشوق حراير غبت ماشفناك بتشرب من عسل أحساسنا زاير وأنت لو دارت عليكا ياوليف عمري الدواير زهرة المقرن بتلبس من حروف أسمك ضفاير ******** ياسمح يازين حليلك في السمح بعد السماحه العصافير ليك تهاجر وبيك تعود أبيض جناحه الجراح الفي قلوبنا بالنغم داويت جراحه ومنك أتعلمنا نغزل من دموعنا النازلة واحه ******** نحنا ما بنمسك دموعنا لما نسمع لو بهمسه أما نور العين غرامنا مالو لو أهديتنا لمسه وإنت ياوردي المشاعر يا البقيت للموجه مرسي كيف يقولوا عليك مفارق وإنت عايش فينا لسه ******** قلت أرحل وجيت رحلت وما رحل أبداً مكانك السحابة الفوق بتسقي وردة الأحزان عشانك أوعي تمشي تقول مفارق إنت أسطورة زمانك إنت ليك أنغام بتزرع في القلوب أزهار حنانك.. | |
|
| |
بشرى مبارك
عدد المساهمات : 7557 تاريخ التسجيل : 19/02/2009 العمر : 64 الموقع : أقيم فى بيريطانيا مدينة بيرمنجهام
| موضوع: رد: الرحمة تتغشاك يا وردى مطرب العرب وأفريقيا اللهم أغفر له وأرحمه الخميس 1 مارس - 19:21 | |
| كتب كمال حسن بخيت من الرآى العام اليوم الخميس أول مارس عن الراحل وردى
رئيس التحرير يكتب عن رحلة الشجن المسافر ذكرياتي مع أعز الناس (1) .. حكايات وأسرار ومواقف في مسيرة وردي .. كيف اعترف وردي للضابط بانه يريد أن يقود إنقلابا بالعود(الكلاشكنوف) فاز بجائزة «بابلو نيرودا» العالمية وتفردت بنشر الخبر وصورة الجائزة بعيداً عن أعين الأمن في صحيفة الأيام
جاء خبر رحيل الهرم الرابع.. حينها أحس كثير من محبيه والذين كانوا قلقين على صحته.. بأن هناك زلزالا قد حدث، بعدها جاءهم الخبر المفجع.. وكان خبراً كالتسونامي تماماً.. »وردي« كان شجاعاً وقوياً في مواجهة المرض ، وعندما داهمه الفشل الكلوي.. وذهب إلى امريكا للعلاج للغسيل.. كانت الاتصالات بيننا متواصلة.. بل كان يطلب مني ان ارسل له نصوصا شعرية جديدة.. وكان يحرص على الأغنيات الجديدة التي يكتبها »عمر الدوش«.. فقد كان من محبي شعر »عمر الدوش«.. وكان بين فينة وأخرى.. يسألني سؤالا بكلمات محددة.. كان يقول لي: »صديقك أحمد رامي ما كتب حاجة قريب؟« وكان يقصد الشاعر التيجاني سعيد.. وجديد محجوب شريف. كان يقول لي لأنه مثل الشاعر المصري أحمد رامي يكتب نصاً شعرياً واحداً في العام. و كنت أتابع مع الأخ صلاح ادريس أمر غسيل الكلى.. وأمر المعيشة.. محمد وردي يتميز بكبرياء عال ونادر، لا أحد يستطيع ان يؤثر على رأيه. ورغم ايادي صلاح البيضاء عليه وباعترافه هو، لم يجامل صلاح إدريس في ألحانه.. ولم يقل كلمة واحدة لصالح ألحانه.. وردي .. الانسان والموقف.. قناعاته.. لم تتغير.. اذكر في بداية السبعينيات فاز بجائزة »بابلونيرود«.. وسربت إليه في السودان، وكنت وقتها اعمل محرراً في صحيفة »الأيام« اتفق معي العزيزان كمال الجزولي وشوقي عز الدين ،رد الله غربته، على ضرورة نشرها وذهبنا في جنح الليل إلى مطابع »الأيام« بالخرطوم بحري، وصورنا الجائزة في الصفحة الأخيرة ،وكتبنا في الخبر ما يجب ان يكتب حول هذه الجائزة العالمية.. وفي اليوم التالي قامت الدنيا ولم تقعد إلا بعد فترة .. كنت أكتب كثيراً عن »وردي« وابداعه النادر حتى أن بعض اهلنا الحلفاويين اعتقدوا أنني منهم.. »وردي« كان صارماً في احكامه على ما يعرض عليه من أغنيات.. وفنانين جدد.. كان يقول الحقيقة في لحن الأغنية وفي الاداء وفي صوت المغني ولا يهمه غضب من يغضب ولا فرح من يفرح .. كان يدعونا لمناقشة بعض نصوصه الغنائية خاصة ما كتبه »عمر الدوش« و»التيجاني سعيد« والرائع محجوب شريف و»الحلنقي«.. دعاه مرة الفقيد الراحل معمر القذافي ومعه مجموعة من الفنانين العرب البارزين.. وبدأ القذافي يردد نشيد »أصبح الصبح«.. وقد اصابت »وردي« دهشة شديدة عندما دخل مع القذافي في غلاط كبير حول شاعر الأغنية وانفجر القذافي عندما قال له »وردي« لقد كتبها الشاعر الفيتوري في العام الفلاني.. ولدهشة »وردي« عندما حاول العقيد الراحل ان يؤكد له ان هذا النشيد لم يكتبه »الفيتوري«.. واستمر النقاش طويلاً .. وقال لي »وردي«.. كدت اقول له انت الذي كتبت أصبح الصبح، وكان حضوراً الفنانون محمد عبده وطلال المداح وهاني شاكر وعلي الحجار وغيرهم من الفنانين العرب.. وقال لي لم أر رجلاً عنيداً ومغالطاً مثل العقيد القذافي.. محمد عبد الوهاب ومظفر النواب كان الفنان »وردي«.. معجباً غاية الإعجاب بالموسيقار محمد عبد الوهاب.. وعندما أهدته زوجته الأولى السيدة ثريا شقيقة المهندس وردي صالح ابن عمه.. ابنه الأول عبد الوهاب.. اطلق عليه اسم »محمد عبد الوهاب« تيمناً بالموسيقار العربي الكبير.. وعندما جاءت قبله ابنته »صباح«، اسماها على المطربة اللبنانية الشهيرة »صباح«، اما ابنته جوليا فقد اسماها الراحل محمد الحسن دكتور وهو من أهل وردي.. وبعد زواجه من السيدة المرحومة »علوية« وهي من الكنوز.. حيث كان اهلها يسكنون ود مدني ومنحته »مظفر«.. كان وردي قبلها قد سافر إلى خارج السودان.. وكان الشاعر مظفر النواب قد طبقت شهرته الآفاق العربية بقصيدته الشهيرة »وتريات ليلية«، التي هجا فيها كل الزعماء العرب. وبمفردات قوية وناقدة وجارحة.. في كثير من الأحيان، وإعجاب الراحل »وردي« بالشاعر مظفر النواب ليس لكونه شاعرا ثوريا ماركسيا قاد مع الحزب الشيوعي - جناح الصين- كفاحاً مسلحاً ضد ثورة البعث في بداية انطلاقتها، وحينها وبعد أن ثبت اركان ثورة 17 تموز 1968م.. استدعى صدام حسين كافة الاحزاب العراقية ومن بينها الحزب الشيوعي العراقي بجناحيه،و الذي كان حزباً قوياً.. وطلب منه المشاركة في الحكم بعد ان انجز البعث الثورة.. واستجابت العديد من الاحزاب ما عدا الحزب الشيوعي القيادة الثورية والتي كان مظفر النواب عضواً فيها وقادوا كفاحاً مسلحاً من مناطق الاهوار.. بينما مثل الحزب الشيوعي العراقي المشاركة في الحكم بقيادة عزيز محمد السكرتير العام للحزب وكان معه عدد من القيادات من بينهم عزيز الحاج.. واتخذ النواب من سوريا التي كانت تناصب العراق العداء..مقرا له. ومحمد عثمان وردي.. كان رجلاً عاطفياً للحد البعيد يتأثر بأقل المواقف ويتجاوب معها.. في الكويت وانا في بغداد حيث كنت اعمل هناك في صحيفة »الثورة« العراقية فاجأني محمد عثمان وردي بهاتف من الكويت، و طلب مني ضرورة حضوري للكويت للسلام وتبادل الذكريات، سافرت فوراً.. في اللحظة التي وصلت فيها علمت انه يعمل بروفة في إحدى قاعات اتحاد العمال.. وذهبت فوراً وكان يغني.. وعندما لمحني صاح بأعلى صوته قف.. وقف عند محمد وردي تهز الأرض.. وعانقني بشدة .. المرض اللعين وعندما أصابه الفشل الكلوي ارسل لي الأوراق الخاصة والتي بها المواصفات لمن يريد ان يتبرع.. وتولت الاستاذة عفاف علي عبد الكريم رئيس جمعية مرضى الكلى الأمر.. ووجد في هاشم - كما أذكر اسمه- وهو من ابناء شرق السودان.. كل المواصفات ،واعلن انه لا يرغب في أي مال خاصة ان الاعلان اكد ان العملية ستجرى في أمريكا، وأمريكا في ذلك الزمن كانت حلم الجميع.. وعندما تحولت العملية إلى الدوحة طلب المتبرع مبلغاً مقدراً من وردي.. وتم دفعه.. وجاء النطاس البارع الدكتور الفاضل الملك الذي أجرى عملية زراعة الكلية لمحمد وردي، ومعه النطاس البارع الدكتور عمر عبود.. وسألت الدكتور الفاضل الملك.. لماذا أجريتم عملية زرع الكلية لـ »وردي« وكنتم تقولون: »ان عامل السن لن يسهم في نجاح العملية«.. ابتسم الرجل وقال لي.. لم أر رجلاً شجاعاً مثل محمد وردي ،واجهناه.. وقلت له هل ترغب ان تعيش ما بين »3« و»4« سنوات مرتاحاً من الغسيل الكلوي.. ام تريد ان تعيش عشر سنوات مع عذاب الغسيل ومضاعفاته.. وكانت المفاجأة ان اختار الخيار الأول، وبدأنا التجهيز لإجراء العملية، وقد كانت ناجحة للغاية، وظل وردي طوال الثماني سنوات بعد اجراء العملية مواظباً على الحضور كل »6« أشهر للدوحة ولمستشفى حمد للفحوصات والمراجعة.. »10« آلاف دولار من البشير عندما كان في أمريكا اتصل بي.. وقال لي ان قريبك الرئيس البشير ارسل له مبلغ عشرة آلاف دولار.. والدولة حينها لم يكن في خزانتها سوى مائة ألف دولار.. بكى »وردي«.. وقال لي رئيس حكومة لا اعرفه ولا يعرفني ،بل أنني امارس نشاطاً سياسياً ضد نظامه يرسل لي هذا المبلغ الذي يسوى عندي مال الدنيا ويخابرني هاتفياً.. أقول لك لن اتصرف في هذا المبلغ.. حتى لو مت وأسرتي من الجوع.. وصوله الخرطوم استقبله الآلاف عندما عاد للخرطوم.. وعندما دعاه ابن بلده الفريق عبد الرحيم في منزله طلبوا منه الغناء.. ولكنه لم يكن يستطيع العزف على العود.. وتم البحث عن الموسيقار الماحي سليمان وجاء ليعزف، ويغني وردي.. ولما تجاوبت معه القيادة في ذلك الحفل الاسري المنزلي ،علق قائلاً للرئيس: لو كنت عارف ناس الجبهة بحبوا الغناء لما غادرت السودان.. الفرق بين العود والكلاشنكوف قبل مغادرته السودان.. ولهذه المغادرة قصة.. فقد كان سهرانا بمنزلنا.. وكان معنا الراحل خوجلي عثمان وآخرون.. وخرج ليلاً.. وفي احدى نقاط التفتيش في طريق الكلاكلة اوقفه جندي.. وقال له »افتح ضهرية السيارة« وفتح وردي الضهرية.. وصاح الجندي بأعلى صوته (يا جنابو الزول عندو كلاشنكوف في السيارة).. جاء الضابط منزعجاً وعندما رأي وردي سلم عليه بحرارة.. وقال له استاذ عاوز شنو بالكلاشنكوف ؟ فقال له بكل برود.. عاوز أعمل انقلاب .وضحك الضابط وقال للجندي :جيب الكلاشنكوف.. وكانت المفاجأة ان الجندي جاء حاملاً العود الذي يعزف عليه وردي.. وانتهر الضابط الجندي.. ورد وردي ببرود تام قائلاً للضابط والله بلد حكامها ناس ما بعرفوا العود من الكلاشنكوف على الطلاق ما اقعد فيها. وبالفعل بعد اسبوع رتب لسفر خارج السودان وإلى مصر بالتحديد.. لقد قصدت ان لا اتحدث عما يمكن ان يقوله كثيرون.. عن عبقريته الموسيقية واللحنية.. وعن قدرته الهائلة في كتابة الشعر.. باللهجة النوبية والعربية.. لكن مهما أن اذكر بان اغنية »أول غرام« كتبها محمد وردي واسهم في الكوبليه الأخير صديقه الراحل الموسيقار علي ميرغني.. ثم كتب نشيد »17 نوفمبر« بنفسه، وعدل كثيرا من النصوص التي تأتيه.. لحن في سجن كوبر اغنية لمحجوب شريف التي يقول في احد مقاطعها: محطة محطة بذكر وعيونك ونحن في المنفى وبتذكر مناديلك خيوطها الحمراء ما صوفه لحنها في السجن ورددها المعتقلون السياسيون.. وبعد خروجه اسمع اللحن للحلنقي وطلب منه ملء اللحن بكلمات غاضبة.. في اليوم التالي كتب الشاعر العبقري اسحق الحلنقي قصيدة.. (تعال.. يلا وتعال .. يلا )على نفس اللحن.. وايقاع الأغنية الوطنية.. لقد اتاحت لي الظروف ان اشهد عددا كبيرا من ميلاد اغنيات هذا الفنان العظيم.. وكانت هناك ملاحظات ومؤشرات جديرة بالكتابة لكن اتركها لبقية الأحباب والاصدقاء الاحياء منهم اسحق الحلنقي.. وكمال الجزولي ومحجوب شريف.. والتيجاني سعيد الذي جاء إلى نادي الفنانين وهو طالب بالثانوي.. مرتدياً الشورت والقميص الأبيض وحاملاً معه الأغنية العظيمة »من غير ميعاد« التي ادهشت »وردي« مثلما ادهشته عبقرية التيجاني سعيد.. الكلام عن الراحل العظيم محمد عثمان صالح وردي لا ينتهي.. وقصدت أن اترك لأهل التخصص الحديث عن عبقريته الموسيقية واللحنية والأدائية.. رحم الله قيثارة السودان الطروبة ،واسكنه فسيح جناته، وجعل البركة في عبد الوهاب ومظفر وجوليا وحافظ واخوانهم.. | |
|
| |
بشرى مبارك
عدد المساهمات : 7557 تاريخ التسجيل : 19/02/2009 العمر : 64 الموقع : أقيم فى بيريطانيا مدينة بيرمنجهام
| موضوع: رد: الرحمة تتغشاك يا وردى مطرب العرب وأفريقيا اللهم أغفر له وأرحمه الجمعة 2 مارس - 23:33 | |
| جاء خبر رحيل الهرم الرابع.. حينها أحس كثير من محبيه والذين كانوا قلقين على صحته.. بأن هناك زلزالا قد حدث، بعدها جاءهم الخبر المفجع.. وكان خبراً كالتسونامي تماماً.. »وردي« كان شجاعاً وقوياً في مواجهة المرض ، وعندما داهمه الفشل الكلوي.. وذهب إلى امريكا للعلاج للغسيل.. كانت الاتصالات بيننا متواصلة.. بل كان يطلب مني ان ارسل له نصوصا شعرية جديدة.. وكان يحرص على الأغنيات الجديدة التي يكتبها »عمر الدوش«.. فقد كان من محبي شعر »عمر الدوش«.. وكان بين فينة وأخرى.. يسألني سؤالا بكلمات محددة.. كان يقول لي: »صديقك أحمد رامي ما كتب حاجة قريب؟« وكان يقصد الشاعر التيجاني سعيد.. وجديد محجوب شريف. كان يقول لي لأنه مثل الشاعر المصري أحمد رامي يكتب نصاً شعرياً واحداً في العام. و كنت أتابع مع الأخ صلاح ادريس أمر غسيل الكلى.. وأمر المعيشة.. محمد وردي يتميز بكبرياء عال ونادر، لا أحد يستطيع ان يؤثر على رأيه. ورغم ايادي صلاح البيضاء عليه وباعترافه هو، لم يجامل صلاح إدريس في ألحانه.. ولم يقل كلمة واحدة لصالح ألحانه.. وردي .. الانسان والموقف.. قناعاته.. لم تتغير.. في هذه الحلقة .. نواصل الحديث عن بعض تلك الذكريات الجميلة مع الراحل المقيم الموسيقار الكبير محمد عثمان وردي .. والذي برحيله .. تيتمت الأغنية السودانية .. وفقدت احد أهم ركائزها .. وفقدت نكهتها المتميزة .. ونتحدث في هذه الحلقة عن فنانين يطربون وردي وآخرين يحبهم ، وعن قصيدة محجوب شريف عن الشهيد عبد الخالق محجوب .. ولقاء وردي مع الفنانة سميرة دنيا التي وصف صوتها بأنه صوت من ذهب وأهداها احد أشهر اغنياته لتغنيها .. وقصة اعجابه بمنزلها .. والبيانو الذي طلب ان تشتريه ليعلمها مظفر العزف عليه .. عريس الحمى محجوب شريف ووردي وعبد الخالق محجوب بعد اعدام الشهيد عبد الخالق محجوب الأمين العام للحزب الشيوعي السوداني عقب انقلاب 19 يوليو .. كتب شاعر الشعب محجوب شريف مرثيته عن الشهيد عبد الخالق .. وغناها الراحل محمد وردي وأبدع في تلحينها .. وظل يغنيها في الجلسات ذات الخصوصية بعد خروجه من السجن .. عريس الحمى .. المجرتق بالرصاص المحنن بالدما ومحمد وردي لحن كثيرا من الاناشيد الثورية التي كتبها محجوب شريف .. ويقول الذين كانوا معه بسجن كوبر .. ان وردي وفي الصباح الباكر من كل يوم يبدأ في الغناء بصوت عالٍ .. وهو يسميه تمرين الصوت .. وظل يطرب الناس بذلك التمرين طوال وجوده في السجن. فنانو محمد وردي ومحمد وردي .. له فنانون محددون يطربونه على رأسهم خوجلي عثمان »رحمه الله« الذي كانت تربطه علاقة قوية مع وردي .. وكذلك عثمان مصطفى .. وكمال ترباس والفنانة آمال النور والبلابل وبالتحديد كان يعشق أداء هادية طلسم، أما سميرة دنيا .. فكان يقول ان صوتها من ذهب .. اتفقنا يوما مع وردي على زيارة سميرة دنيا في منزلها الجديد الانيق .. والذي اعجب به محمد وردي اعجابا شديدا وقال لها يسعدني دائماً ان يكون الفنان يمتلك منزلاً فاخراً .. وجلسنا للقهوة ، والذي لم يشرب قهوة سميرة دنيا لم يتذوق طعم القهوة الحقيقي .. فهي »تدق« البن على انغام اغنياتها .. وبعد الفنجان الثاني .. طلب منها ان تغني .. وغنت أمام الكمندان وردي كما لم تغنِ من قبل .. وعندما بدأت تغني الأغنية الشعبية الشهيرة »جلابية بيضاء مكوية« غنى معها وردي كأجمل ثنائي اسمعه ، ثم طلبت ان يسمح لها ان تغني اغنيته الشهيرة »كده أسأل قلبك عن حالي أسألو..« ودهش وردي لأداء سميرة. . وقال لها يا بنت انتي صوتك من ذهب .. ارجو ان لا تضيعيه في النصوص الشعرية الضعيفة .. وزاد : ارجو ان تشتري بيانو .. وسوف اكلف ابني مظفر ان يأتي ليعلمك العزف عليه لان البيانو يضبط صوتك وطبقاته .. وخرجنا .. وطلب مني ان اساعدها على الحصول على نصوص شعرية ذات مضامين عالية .. وردي وصلاح أحمد إبراهيم والبديل محمد وردي كان محباً للشاعر الراحل صلاح أحمد إبراهيم وعندما ترك صلاح الخارجية كان محمد وردي اسعد الناس وعندما طلب صلاح من بعض الاصدقاء - وكنت وقتها أعمل في بغداد .. والراحل العميد الرشيد نور الدين ، ذلك الضابط الشجاع .. الذي تآمروا عليه .. ولكن سجل حادث الموت ضد مجهول .. ولكن البعض كان يقول ان المجهول مظلوم لدى جهات كثيرة .. لان الراحل العزيز لم يكن يجامل النظام المايوي في اخطائه .. كانت الرسائل متبادلة بيني وبين الراحلين صلاح أحمد إبراهيم الذي كان يقيم في باريس والسفير الراحل الرشيد نور الدين وكان محمد وردي يتجول بين صنعاء وعدن و غيرهما من البلدان المتأثرة بالنهج الاشتراكي .. وعندما قرر صلاح أحمد إبراهيم اصدار صحيفة البديل ارسل لنا رسائل حول الفكرة وطلب الاكتتاب كمساهمة في الصحيفة ورغم الخلاف الايدلوجي بين صلاح ووردي إلاًّ ان وردي استجاب للفكرة وأرسل لصلاح مساهمته وكذلك شخصي الضعيف والسفير الرشيد نور الدين والدكتور أحمد محجوب استاذ الرياضيات بجامعة بغداد .. وهو ماركسي ملتزم ومن أهل الشمالية وشلوخه تؤكد موطنه .. وعندما فشل مشروع البديل اعاد لنا صلاح مساهماتنا التي ارسلناها له .. ما اروع ذلك الرجل.. ومن اهم صفات محمد وردي كرمه الفياض .. وعندما تزوره في منزله يدهشك بما لذ وطاب من الطعام .. وهو مجامل بشكل غير عادي .. في المناسبات الاجتماعية خاصة الاتراح وعقودات القران .. أخبرته ان العلاج في الصين متقدم للغاية ، وكيف نجح اطباء الصين في تنقية دماء المرضى المليئة بالدهون »الكولسترول« .. وعلاج السكري .. ذهب صديقنا فوراً إلى الصين .. وعندما وصل قال لي يا أخي اهل الصين ناس عجيبين .. »25« يوماً حولوني »إلى حمار« وضحك .. وأضاف آكل قش طوال الخمسة وعشرين يوماً .. وقال »العجيب كمان القش عندهم بألوان مختلفة ، وهو يسخر من انواع الخضروات الصينية« ونزل »25 كيلو وأصبح يقف معتدلا ً.. وليس جالساً على الكرسي كما كان يجلس عقب العملية .. بين وردي .. وديوان أمتي علاقة رفقة قوية كنت أتابع معه و مع زوجته الراحلة العزيزة علوية الرشيدي .. تلك الزوجة الوفية .. والنادرة والكريمة ويوم العملية وهو على النقالة في طريقه إلى غرفة العمليات سألت الراحلة عليها رحمة الله ان كانت قد وضعت نسخة من القرآن الكريم تحت مخدته وهو في طريقه إلى العملية .. انزعجت علوية وقالت لي دقيقة في حاجة تحت راسو .. وعندما بحثت عنها .. قالت لي صاحبك عاوز يموت كافر واللا شنو لاني وجدت تحت مخدته ديوان »امتي للشاعر الكبير محمد المكي إبراهيم وهو شاعره المفضل« .. وعلى الفور سحبت الديوان ووضعت نسخة من القرآن الكريم .. وردي يحب ان يعامله الاصدقاء كمثقف ومفكر وردي لم يكن يحب ان يعامله الاصدقاء كمغنٍ فقط في جلساته الخاصة .. ومرة عندما تقرر نقل صديقنا الدبلوماسي الراحل عبد الهادي الصديق إلى بيروت .. اقمت له حفل عشاء لوداعه بمنزلنا واخترت مجموعة يحبها وردي واقرب الاصدقاء للراحل عبد الهادي الصديق وأذكر منهم ان لم تخني الذاكرة .. كمال الجزولي وشوقي عز الدين والراحل الدكتور أحمد عبد العال ومحجوب شريف وعبد العزيز جمال الدين وآخرين .. خانتني الذاكرة وبالطبع اتصلت ومعي كمال الجزولي بالعظيم الراحل محمد وردي ودعوناه لحضور الدعوة بالطريقة التي تجعله يحضر ويغني .. وقلنا له ستكون مؤانسة فكرية ودعوناك لها كمثقف ومفكر .. ودعوتنا لك لمحمد وردي السياسي وليس وردي الفنان ونرجو ان لا تحضر معك العود .. لأننا نريد ان تكون جلسة مؤانسة فكرية وارتاح الرجل من شكل الدعوة .. لأنه في مرات كثيرة عندما ندعوه مثل هذه الدعوات ونذكره بان يحضر معه العود .. يصرخ ليه انا مش مثقف ومش مفكر .. انتو تفتكرو أنا غناي فقط ؟.. وعندما اكتمل عدد المدعوين .. وبدأ النقاش عن الثقافة والفنون والماركسية .. وتحدث وردي .. حديث الفنان المثقف .. ثم نهض من الكرسي وقال : يا اخوانا أنتو ما عايزين غناء .. واللا انا ما فنان وأشار إلى احد الشباب وأعطاه مفتاح سيارته وقال له في الضهرية في عود أعمل حسابك ما ينكسر لاني عندي مزاج للغناء .. وضحكنا جميعاً .. وفي النهاية اكتشف الحيلة التي استدرجناه بها .. بذلك الكمين | |
|
| |
بشرى مبارك
عدد المساهمات : 7557 تاريخ التسجيل : 19/02/2009 العمر : 64 الموقع : أقيم فى بيريطانيا مدينة بيرمنجهام
| |
| |
بشرى مبارك
عدد المساهمات : 7557 تاريخ التسجيل : 19/02/2009 العمر : 64 الموقع : أقيم فى بيريطانيا مدينة بيرمنجهام
| موضوع: رد: الرحمة تتغشاك يا وردى مطرب العرب وأفريقيا اللهم أغفر له وأرحمه الثلاثاء 6 مارس - 19:20 | |
| عبر الموسيقار عبدالوهاب محمد وردى عن تقديره للتعاطف الكبير الذى وجدته اسرة الراحل وردى فى رحيله الذى وحد مشاعر الامة، وتجلى ذلك فى التشييع بمقابر (فاروق) بالخرطوم والتى لاول مرة تشهد حضورا نسائيا اليها لحضور مراسم دفن وكانت كل الاجيال وكافة شرائح المجتمع كانت هناك وعلى رأسها رأس الدولة ( البشير ). وقال عبدالوهاب بانهم سيحاولون حفظ تراث وردى للاجيال القادمة التى لم يسعفها الحظ بالتمتع به وهو على قيد الحياة . وأغانيه ستكون زادا لهم تعلمهم معنى حب الاوطان والاخلاص لترابه. فقد كافح وردى الظلم بمختلف انواعه فى اغانيه وحرض على الثورة فى وجهه ودخل المعتقل اكثر من مرة فى سبيل تعبيره عن قضايا شعبه، وتغرب عن بلاده بسبب ذلك وصدرت فى حقه احكام كثيرة لاهتمامه بتلك القضايا. | |
|
| |
بشرى مبارك
عدد المساهمات : 7557 تاريخ التسجيل : 19/02/2009 العمر : 64 الموقع : أقيم فى بيريطانيا مدينة بيرمنجهام
| موضوع: رد: الرحمة تتغشاك يا وردى مطرب العرب وأفريقيا اللهم أغفر له وأرحمه الخميس 8 مارس - 5:09 | |
| كمال حسن بخيت رئيس تحرير الرآى العام وذكرياتة مع أعز الناس
الحديث عن محمد وردي لا ينتهي.. والحكاوي والمواقف الطريفة لا تنتهي أيضاً.. ومحبة الأفارقة لوردي أمر آخر.. أهل الصومال كما قال لي وزير الإعلام الصومالي يعرفون وردي أكثر من الرئيس الصومالي ،في كثير من مناطق الصومال.. اما أثيوبيا واريتريا فتجد في اسواقهما في محلات مبيعات الكاسيت صوت وردي يطغى على الجميع.. ونجد اغنيات ترباس وخوجلي عثمان تملأ الأفاق.. وزير الإعلام الصومالي في بيت وردي وشارع النيل في منتصف السبعينيات? زار السودان وزير الثقافة والإعلام الصومالي.. وقد طلبت منه موعدا لإجراء حوار صحفي، رحب بي الرجل.. حيث كان يقيم في الفندق الكبير أيام عظمته.. دخلت على الرجل.. ورحب بي ترحيباً رائعاً .وهو من المجيدين للغة العربية، حيث نال تعليمه الجامعي في قاهرة المعز.. وبعد تبادل عبارات الترحيب ،ابتسم وقال: لي شرط واحد.. كي أجرى معك الحوار.. وشرطي .. ان تحدد لي موعداً مع الفنان محمد وردي لزيارته.. ضحكت ،وقلت له هذا شرط بسيط وسهل التحقيق.. ثم سألته هل تعرف محمد وردي.. وهل سمعت اغنياته؟ ضحك الرجل وقال.. هل تعلم ان كثيرا من سكان المناطق الصومالية يعرفون محمد وردي، ولا يعرفون رئيس الصومال الجنرال محمد سياد بري!! اندهشت للأمر، وعقبت قائلاً: هكذا دائماً الفنانون يسكنون قلوب الجماهير، وكثير من الحكام لا يعرفون الطرق التي تؤدي إلى قلوب الجماهير.. موعد مع وردي حددت موعدا مع القمندان، محمد وردي، وكلمة القمندان.. كان يطلقها محافظ الخرطوم السابق مهدي مصطفى على الرجال العظماء.. وكان الشاعر الراحل منير صالح عبد القادر قد ادخله نميري القوات المسلحة قسم التوجيه المعنوي، واعطاه رتبة «العميد» .لكنه كان يطلق على نفسه «القمندان». والقمندان في القوات المسلحة اقل درجة من «العميد».. وردي استقبل الوزير الصومالي كأحسن ما يستقبل الانسان ضيفاً عزيزاً في منزله ، وأكرمه كرماً عظيماً.. وفي اليوم التالي.. اقامت وزارة الإعلام حفلاً جماهيرياً في شارع النيل، غنى فيه حشد من الفنانين كبارهم وصغارهم ،وكان على رأسهم وردي. وذهبت إلى هناك وفجأة نظرت إلى المسرح وشاهدت مفاجأة عظيمة.. وزير الثقافة والإعلام الصومالي ومعه نظيره الاثيوبي يرتقيان خشبة المسرح مع الفنان محمد وردي.. متماسكين وكان منظرا رائعاً، وتعبيرا قويا وعميقا عن مكانة محمد وردي لدى الاشقاء الأفارقة.. والخرطوم دائماً آمنة للجميع.. وأمنها مستتب للجميع.. وردي والصحافيون العرب متى وصل محمد وردي إلى عاصمة عربية ،يهب رجال الصحافة لزيارته وإجراء حوارات صحفية معه ،حول الاغنية السودانية وآفاق تطورها.. وكانت لمحمد وردي علاقات طيبة.. مع الاستاذ الكبير مفيد فوزي.. ومفيد فوزي يعشق عددا من الكتاب والفنانين العرب.. أولهم نزار قباني وغادة السمان وصباح ومحمد وردي.. وفي مصر يحدثك جمال الغيطاني عن وردي حديث العارفين ،وكذلك عبد الرحمن الأبنودي.. والراحل أمل دنقل الذي فرغ وردي من تلحين نص شعري رائع له قبل رحيله بأيام. للأستاذ مفيد فوزي صداقات محددة مع عدد من رموز المجتمع الفني.. وعلى رأسهم الفنانة المسرحية الشهيرة تحية زروق ،وقد زرتها مع مفيد فوزي في منزلها.. عقب ثورة يونيو 89 ،والتي زار فيها مفيد فوزي السودان واجرى فيها حواراً مطولاً مع الرئيس البشير، كان أحسن تقدمة له للجماهير العربية.. وأثناء الزيارة أجرى معها مفيد فوزي حواراً فنياً جريئاً.. وكانت تحية زروق اكثر جرأة في اجاباتها وأكثر وضوحاً.. وقبل عام تقريباً.. جاء مفيد فوزي عصراً إلى الخرطوم ، وهاتفني وبطريقة أوامر الباشوات قال لي :وصلت قبل ساعتين والحقني فوراً في بيت محمد وردى. وذهبت إلى هناك.. ووجدت القمندان محمد وردي بالعمامة والجلباب .. يتحدث مع مفيد فوزي، وابنته جوليا تكرم ضيوف ابيها التي تحبه ويحبها حباً جما.. قال لي مفيد.. عندما اكون في حضرة محمد وردي وفي منزله لا اشعر بغربة.. وإنما اشعر وكأنني في بيتي ووسط أولادي. وللمفاجأة كان حوار مفيد فوزي مع محمد وردي معظمه حواراً سياسياً.. ومحمد و ردي يشعر بسعادة غامرة حينما يحاوره صحفي حواراً سياسياً ... يتحدث عن الفكر النوبي والفكر الماركسي وعن مستقبل السودان والنوبة.. وردي ومحمد منير وفي القاهرة توطدت علاقته بالفنان المصري النوبي محمد منير.. الذي غنى له الأغنية الشهيرة التي كتبها محجوب شريف.. والتي يقول فيها: الشعب حبيبي وشرياني أداني بطاقة شخصية إلى ان يقول: المدرسة فاتحة على الشارع والشارع فاتح في القلب والقلب مساكن شعبية وعندما يغني محمد منير هذه الأغنية، تهتز مصر من القاهرة إلى أسوان ،ويهتز كل غيط في مصر.. ثم غنى: الليلة أويلا.. يا ناس الليلة أويلا عاش في مصر فترة طويلة.. وسكن في عمارة راقية بالقرب من كلية الزراعة.. وكانت قبلة للمحبين، وكانت شقته الكبيرة بيتاً لكل السودانيين هناك.. محمد وردي كان يقيم حفلا شهرياً على مسرح نادي الزمالك.. وكان يحضر ذلك الحفل حشدً كبير من السودانيين المقيمين بمصر ،والمصريين بحيث لا نعرف كم تبلغ نسبة المصريين وكم تبلغ نسبة السودانيين.. كان هناك صديق لوردي لا يفارق حفلاته، ويظل يرقص طوال الحفل.. واكتشفنا انه مصري ذو جذور سودانية.. فرح به كثيراً.. وردي ومنصور خالد في القاهرة ازدادت علاقته بالدكتور منصور خالد. ويعتبر وردي من أكثر المعجبين باجتهادات د. منصور خالد الفكرية.. وفهمه العميق للغناء السوداني وتاريخه.. وكذلك اعجابه وتعلقه بفن الحقيبة. | |
|
| |
بشرى مبارك
عدد المساهمات : 7557 تاريخ التسجيل : 19/02/2009 العمر : 64 الموقع : أقيم فى بيريطانيا مدينة بيرمنجهام
| موضوع: رد: الرحمة تتغشاك يا وردى مطرب العرب وأفريقيا اللهم أغفر له وأرحمه الجمعة 9 مارس - 1:48 | |
| عبدالغنى كرم الله يكتب عن وردى من الرآى العام
عزة الصابرة... في البدء، أعزيك في سفر حنجرتك السمراء.. محلقة بأجنحة من غير ريش لتخوم السماء.. حنجرة صغيرة، عذبة، فريدة، طوت تحت لسانها، صوت بلادي، من خفق الموج، وحتى حفيف الشجر، ونبض القلب، «وإضطراب النور، وخفقه جرسه».. كانت حنجرة حلم، ونبرة أمل، وأنة حزن.. عزة، مات لحنا، فولد هنا، مرة ثانية، كأجمل ذكرى تزخرف وجدان شعبك وحقولك، بلغي عزائي لأشجار الليمون، والبرتقال، وللعصافير برأسها الخافق، ولضفة النهر، ولمقابر أهلي، ولنبض قلوب الأطفال في مهدهم، ولذرات التراب أنى كانت، ولصفحات الكتب، وللنسيم الذي فقد مغني يستنشقه، كخمر حلال... والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.. (1) من الصف الثاني ابتدائي، أنسل صوت كورال جماعي، فصل شيد من طوب أحمر، قديم ومتين، أيام كان للإحسان نور، في كل مهنة، وحرفة، فصل مستطيل، علته بعض أعشاب نجيلة، وسعدة، عند الأساس، واتكأت عليه بعض نخلات عجوزة، كأن سعفها يصغى هو الآخر، لهذا النشيد الطفولي، البارع، فظل السعف يمسد الحائط برفق، حينا، من طرب السماع، وحينا يلطم الشبابيك، في عتاب، بشعر أخضر، غزير، وقد هزه اللحن الشجي، مثل شبال فتاة لفتى كريم، وظل النشيد يملأ حمى المدرسة، وسماء القرية، أجمل ما يكون، فيتساقط البلح، من النخلة العجوز، حلوا ، وكأن جذر النخلة كان في سعفها، وليس في رحم الأرض الطيبة، وقد شربت اللحن، فأرتوت بالسكر، والحليب والعسل، من أعلى ومن أسفل، وأما النشيد، فقد فاح في القرية، بركة، وأملا، وسحرا.. دجاجي يلقط الحب، ويجري وهو فراحنا كأن عيونه خرز، لها في الشمس ألوانا ولي ديك له صوت، جميل اللحن رنانا وعند الفجر يوقظنا، وطول اليوم فرحانا.. ثلاثون فتى، في جلاليب دمور، يرتلون هذا النشيد، في فصل طيني بسيط في قرية صواردة، الجاثية على النيل، بركة وشكرا، فصل ذو شبابيك خضراء، متآكلة، وكل من يمر قرب المدرسة، من الفلاحين والرعاة، لاشك يميز صوت ابنه، أو حفيده، أو ابن أخته، فتقر عينه، فيغمز بعرقوبه بطن حماره رضى، وحثا لها، كي تسرع، للحقل، والغد الطيب، ونشيد الأطفال لم يزل يلاحقه، كنشيد صبية يثرب، لليتيم الاعظم، (جئت شرفت المدينة، فمرحبا يا خير داع)، ولكن بينهم صوتا فريدا من هذه الجوقة، صوت مميز بينهم، يشجي القرية، صوت يلمع، كالخرز في ضوء الشمس بين نبرات الصبيان، حنجرة كصوت ذلك الديك الجميل في القصيدة، أنه الفتى الصغير، اليتيم، بالصف الثاني ابتدائي التلميذ محمد ود عثمان وردي، فيهمس الفلاح وهو على ظهر حماره، رحم الله عمي أوثمان وردي، وجعل ابنه (مهمد)، قرة عين، فسمعت الملائكة، والنخيل، والنهر، والسماء دعوة فلاح محنن بالطين، ومعطر بالطمي، خشن اليد، لين الفؤاد، فلبت كلها (آآآمين)... فلاح، يعاني، كأهل بلادي، عنت تعدد لغوي، (فيصلي بلسان، ويغني بلسان)، ويغضب بلسان (أف، جر، تك، بس)، كما عانى محمد عبدالحي في عودته، لسنار، (إن عاد لها، ووجدها كما يتصور، وليس أضغاث أحلام، عن هويات كواذب، وكفى (الهويات شر الصراع)، فالأب آدم، والأم حواء، وإن كان في أصلهم شئ يفاخرون به (فالطين والماء).. ما هويتك، سيدي العبيد ود وريا، حين قلت لمريديك (كن بالعبودية متحققا، والربوبية متعلقا)، كونوا ربانيين، أتلك هويتك؟ ما أعجبك يا بلادي، لك من الجبة ألوان حقيقة، ونحبك حتى حين تلامي (أدر ذكر من أهوى،ولو بملام)، بلى، ولو بملام، (فإن أحاديث الغرام مدامي)، ففي تلكم البلاد القاصية، القريبة، شمال بلادي، سعى، وتربى، ونام، وبكى، يتيمك محمد وردي، وردي (الذي تغنى بمجدك فاغتنى) ... إن اليتيم في بلادي، وفي قرى بلادي، له ألف أب، وأم، يغمره الناس بعطف أم، وكرم أب، فيحس اليتيم، بمحبة، وثقل، فكيف يكون بارا بآبائه، أجمعين، ويسدي حلو الصنيع، لهم أجمعين؟، فما اليتم في بلادي سوى أن تغرس ابيك في رحم الأرض، وتمضي للقرية، وتجده في كل بيوت القرية، أبوات صدق، وأمهات حق، باشة، هاشة ، ساهرة عليك، فتتعجب (أدفنت أبيك)، أم سرت روحه في رجال قريتك، ونساء بلدتك، أجمعين، وفي سر ذلك اليتم عاش وردي، فملاك الموت أحكم وأرأف، حين يقبض الارواح، ويثكل الأمهات، ويرملهن، بلى أحكم، من عقولنا القواصر (حياتي خيرا لكم، ومماتي خيرا لكم).... فشعر الفتى، بثقل حمله، وبفقد أبويه، وتكاثرهم في ذات الوقت، فما أعجب العيش في حمى بلادي, تنسج وقائع الحياة اليومية قصيدة حب فطرية، رغم لوم الفقر، ومر الفراق، ويظل صدى الحزن، وفرح العطف، يتردد في قلب الفتى، وفي لحنه، ووتره، بعد حين، وهو يحس بأنه أبن الجميع، أمه الأرض، وأبيه السماء، بل سعف النخيل، وموج النهر، أغدق رحمته على فتى صواردة اليتيم، سعف يظلله، وموج يرقص له، ويبوح له بسر المد والجزر، والحزن والفرح، وبسر الحياة، الكامن في صلب الماء. ومن شب على شيء شاب عليه، فظل ذاك الخرز، بل ذاك الماس يلمع ثمانين عاما بالتمام والكمال، وسيلمع مع كل فجر جديد، مثل تلكم الدجاجات السعيدة، وهي ترعى في **الحقل، ويبرق من عيونها الجميلة طيف ألوان بديعة، سبت ذلك الشاعر، ومثل ديك تلك القصيدة الجميلة، ظل ذاك الفتى، وطوال حياته العامرة يوقظ الشعب بأسرة، كل فجر، كي يستحم بالنور، ويغني للحياة، ويقيم الصلاة، وبعد حين تغنى الشاب: (وأحبك ملاذ، وناسك عزاز، وأحبك حقيقة، وأحبك مجاز) (أحبك بتضحك، وأحبك عبوس، في عزة جبالك ترك الشموس) ومن شمال السودان تدفق نهر، يجري للجنوب، رديف النيل، وخصمه، كل يمضي في شأنه، هذا يحن للشمال، كي يحكي له نبض قوم في الجنوب والوسط، وذاك يحن للجنوب، كي ينقر له الرباب، ويغسل الكلمات، وينفخ الروح بين الأضلع، كما نفخ أخوه النيل، الروح في جذور النبت، وسقى الحقل، وسحر الشعراء، ورعي الحياة والزهر، فطوبى من نهرين خاصرا بعضا، ولم يعكر صفوهما اختلاف دربيهما، نهر وردي يتدفق، ويحج من الشمال للجنوب، ونهر النيل يسعى بحكمة، ويتلوى من أثر سكره، نحو الشمال من أقاصي الجنوب، هذه بتلك، وهل كان وردي نهرا يتدفق من الشمال للجنوب فقط، أم كان نهرا يتسلق جبال الحبشة، وتلالها، عكس التيار، وسنحكي عن هدا النهر الثالث لاحقا، فالحديث عنه ذو شجون، ولا ينقضي وطره .. (كأن هبوب الريح من نحو أرضكم *** يثير فتات المسك والعنبر الندا) ونحن مثل قيس بن دريح، قتيل «لبنى»، نشم رائحة الفرح الأصيل (مثل عنبره، ومسكه)، من قبل (صواردة)، كما شمها هو من قبل مضارب خيم لبنى، وكما شمها المعصوم، من قبل اليمن، حين قال عن أويس القرني (أني أشم رائحة الرحمن من قبل اليمن)، فطوبى للرياح الشمالية، التي تحلق بأجنحة من غير ريش في قبة سماء بلادي، تحمل أثير أغانيك، فتملأ الفضاء كضوء الشمس في النهار، وكظلام الليل في المساء (حتى الظلام هناك أجمل، فهو يحضن العراق) كما أحب السياب ليل بلاده، لأنه يحضن العراق، فصوتك يحتضن البلاد، بدفء أسمى، وأرق من ليل العراق (وكل فتى، وفتاه، بأبيه، وأمه معجب)، فحتى الظلام هناك أجمل فهو يحتضن أغانيك وهي تحلق من دار لأخرى عبر الأثير، هل أذكر ليالي القرية وأنت؟ وصوتك، أم العجلة من الشيطان، وأترك ليالي القرية لنهاية المقال، أن كانت له نهاية، لو مد الله في العمر، أطويل ليلي، أم يطول. عزة الأم والخالة، والضل الكبير.. (وما بين ظلالك أفتش أكوس، أفتش طفولتي، ملامح صباي) (بناتك عيونن، صفاهن سماي، وهيبة رجالك، بتسند قفاي) هذا شأن طفلك، حين كان يحبو على ترابك حافي القدمين، ويكوم ترابك بيديه، ويبني بيوتا، وجبالا وتمنى، ولكن من أين جاء، وإلى أين مضى، ألم يقل الأمام علي (من لا ماضي له لا مستقبل له)، وهو القائل (من لا يعرف من أين جاء لا يعرف إلى أين يمضي)، فماذا جرى في ماضيك التليد؟، كي ننظر للوراء، بحكمة وترو، كما ينظر السهم للوتر والقوس والرامي، فهما من حددا مصيره الماثل، وسرعته، وهدفه، فهناك، بعيدا في غابر أيامك، في بلاد النوبة القديمة، أنطلق سهمك الحكيم، فما التاريخ؟ ألم يعرف شيخ المؤرخين الطبري، حين سأل لم أنت متيم بالتاريخ، وأيام العرب فقال (التاريخ إرادة الله). ونحن نرتل معك: (وما بين ظلالك أفتش أكوس، أفتش طفولتي، ملامح صباي) كي نفتش معك، ملامح طفولتك، وطفولتنا، وملامح صبانا.. قبل ألف عام وعام، وعلى ضفة النيل الغربي، الذي يشق بطنك الولود، حيث تنام الشمس من وعثاء الظهيرة، والعصر، والأصيل، وتصبغ الأفق بحناء الرحيل الحميراء، والتي تشتد سواداً مع توغل الليل البهيم، دفن مغنٍ نوبي أسمر، كترابك، تغنى بمجدك فأغتنى، صدحت حنجرته حين انحنت سنابل القمح تواضعا للحصاد، وفي زغاريد العرس، وفي مواطن الحزن والألم في معابدك القديمة.. حفرت المعاول قبره، كما تحفر للبذور حفرتها، وكما تحفر المعاول ساس البيوت، حفروا قصر خلوده، هناك وهنا، فأستحم بالصندل، وكفن بثياب زهد، وحمل على نعش مزخرف، بأيد مهرة، ودفن بهيئة القرفصاء، مثل ما كان يرقد جنينا في بطن أمه، بطن أرضه، يضم يديه لصدره، ورجليه على بطنه، وبرفق انزل أهله في القبر خنجره، وصحن ملئ بالقمح، ونعاله للحياة الأخرى، حين يولد مرة أخرى من رحم الأرض، كما ولد من بطن أمه النوبية، وبرفق وتؤدة انزلوا ربابه، كي يؤنسه في حياة الأخرى، حتى ريشة الحمام التي كان يعزف بها، ضفرت بين أوتار الرباب، فمات ليحيا. شارك هذا المغني في أكتوبر، رغم ميلاده قبل ألف عام وعام، فما نجنيه اليوم، هو ثمار وحصاد زرع قديم، (كان أكتوبر في أمتنا مند الأزل)، بلى كان، و»كان خلف الصمت، والأحزان يحيا)، منذ تلك العصور الغابرة، للظلم، والجور (صامتا، منتظرا، حتى الصبح أطل)، وللحق الصبح لم يطل بعد، وأن أطل في عاصفة عاطفة، فجرت أكتوبر الأول، والكون بأسره، ينتظر عودة أكتوبر حالمة، مفكرة، حكيمة (ترقص الحملان مع الذئاب)، في مسيح أسمر، طيب المحيا، نقي القلب، وديعا، قويا، (تهزه بسمه الطفل، وقوي يصارع الأجيالا)، ألم يكن أكتوبر منذ الأزل، صامتا، منتظرا؟.. فما أعجبك أيها النوبي الأسمر، وأنت تشبه جدك ذاك، الذي ذاق سر الموت قبلك بألف عام وعام، كيف حييت ذلك اليوم، كيف مت لتحيا، فمنذ أن قبرناك في مقابر فاروق، صباح الأحد 19 فبراير 2012م، شمال شرق المقابر، ودفنت قرب أسماء منسية، بسيطة، تغنيت بها، لها، كتبت على شواهد قبروهم اسماؤهم، الحاجة زكية عبدالفتاح، توفيت عام 1992، وذهبية محمد العش 1962م، ومحمود جادين 1979م، هؤلاء هم جيرانك في دار الخلود، فسلام عليهم، وعليك، وعلى آل فاروق، من ذاقوا سر الموت. جالت عيناي ذلك الصباح الحزين في مقابر فاروق، أناس لا تعارف بينهم سوى حبك، حتى الشوارع والطرق والأشجار ورجال المرور كانوا حزانى، بيت بكاء صارت المدينة، فقد كنت مع الكل، لا كما يكون الظل رفيقا، ولكن أمام فن، وشاركت في الأفراح والاتراح بقدح كريم، في كل أعراس بلادك، في الريف والحضر، قدحك معلى كأشعة الشمس، لا تنسى حقلا فتذكر، ولا تهمل شجرة في غابة فتلوم، فمن فنك الأصيل، شرب القوم كلهم، والطير والقرطاس والقلم، ومسحت بكف أنهر دموع عن الأرامل، والحزانى، والمساكين، والمساجين، حتى صاحت امرأة بسيطة، حول قبرك المعمور (سمعكم صوتو، سمعوهوا صوتكم لا إله، إلا الله)، فكبر الجميع بحزن، وتدبر للموت، وتدبر لك، وليوم الحساب، ولحال البلاد، ولسر الرحيل، ولأغانيك، للحياة الدنيا، والأخرى معا، في ومض خاطف، تدبرنا بعمق كل شئ، كما يضئ البرق في عمره القصير السماء كلها، تدبرنا جلال الموت، والميلاد، كنا في المقابر نشيل الفاتحة لكل من يقابلنا، فالفقد واحد، والحزن واحد، فأنت أب، وخال وعم ووالد وشقيق الجميع، بلا فرز ... (2) رأيت عبدالعزيز المبارك يبكي بحرقة على قبر دارس، بعيدا عن الجماعة، وترباس مزين بالحزن، والحلنقي سارح مع لغز الموت، والباقر العفيف ساهم في سر الحياة والموت، وأحمد محمد الحسن يشعر بصدق لحنك، وبطولتك الفريدة، (لولا المشقة ساد الناس كلهم، الجود يفقر والأقدام قتال)، وقد كنت مقداما (والموت ضرب من القتل)، كما سطر المتنبي العظيم، الحكيم.. حين خرجت من المقبرة، في بوابتها الشمالية، قبالة حديقة أوزون، سألني اريتري عابر، من هو المقبور، قلت له وردي، فهش لأنه يعرفه، وحزن لفراقه، وقال بلهجة مرحة، (واللاي لو حبش واريتريين يعرفوا كان ملو المقابر)، هش بمجرد ذكر اسمك، كما هش قيس، حين تذكر لبنى... (فإن ذكرت لبنى هششت لذكرها، كما هش للثدي الدرور وليد)، عند الباب وجدت فتاة اجتمع الناس حولها، حسبتها بنت وردي، (شلت لها الفاتحة)، مع سرب، كانت ترتدي نظارة سوداء، وبعد حين قال لي صحافي (عرفت دي؟)، قلت له بنت وردي (قال لا، دي ندى القلعة)، وأصريت (في خاطري)، انها بنت وردي، فكل مغني، على قدر ما قاسى، سقاه وردي يغني، أما الحبوبة، «حواء الطقطاقة»، كانت حزينة، أعمق ما يكون الحزن، حزين من يعرف قيمة نقرة الرق، ورنة الوتر، وبركة الحنجرة، ولسان حالها يقول (هل طاب لكم أن تدفنوا حياً)، فما أعجب الحزن (ما الحزن؟)، يبدو قصيدة من ضلع الألم، قلب الالم، ولكن ياحواء الطيبة، إنه المجاز، فالضوء لا يدفن بتراب، ولا بألف معول، ولسان موته ينشد، حياته خير لكم، ومماته خير لكم، فأغانيه باقية، خالية، كأنها اقتاتت من عشبة الخلد، قبل حية جلجامش، «والقيود أنسدلت جدلة عرس في الأيادي)، وياله عرس يلاقي كل مثل فيه مثلا.... كان موتك (ميلادك)، وقفة تأمل بوذي للجميع، كيف يمد ملاك الموت يده لواسطة العقد، ويختارك، كما يختار أكل التمر أطايبه، ولكنه أعطاك ثمانين عاما، وتحداك في ان تملألها بركة، وعطاء، وتحديته، سيد نفسك، من أسيادك، فعصرت قلبك، وصدحت حنجرتك بكل الانفعالات النبيلة، لوطن كالسودان، مساحا، وتنوعا.. (ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل)، ولقد سكبت الأمل في قلوب الجميع، فبكاك القوم، بكاء أم لطفل، وحبيبة لعاشق، ومريد لولي، وفنان للوحة.. نكست أعلام القلوب، في دول متناثرة من قارتك السمراء، في حواري أديس أبابا، وفي قهاوي أنجمينا، وبين شعاب أسمرا، لرحيلك، أيتها الحنجرة السمراء، الأفريقية.. حكى عنك أحد الرحالة، بأنه في مدينة ياوندي، كان غريب اليد والوجه واللسان، يتسكع في الطرقات الملونة كجب دوريش، وبغتة سمع صوت لا تخطئه الاذن، بل العين والقلب، أنه صوتك، من أتى به هنا، ولم، فشعر أن صوتك كرجل بلقيس، أتى بعرش بلاده كلها لحي بسيط في ياوندي، فما أوسع كفك، تلطف الغربة للغرباء، وتفتح كوة الأمل للمساجين، وحكى الرحالة بأن شرايط وردي، وبسمته المعهودة على لوحات الشريط، كانت مفروشة أمام الباعة الصغار، من الفتيات والفتيان، تباع مع الخضروات والملابس الرخيصة، كأنهم سيموتون جوعا، وعرى، إن لم يسمعوك، وفي المساء، كان السكارى، والحسان، يرقصن على وقع ايقاعك، وفي الأعراس كانت الاجساد الافريقية السمراء، ترقص وتترنح على ايقاع (يابلدي ياحبوب)، (رقصي خلق الله وأتني)، فليس للغناء لغة، سوى الفطرة البشرية، أنى كانت، فيا لها من لغة، لا تترجم، أو تشرح، سوى بسلامة الطوية... عزة، الحبيبة.. يحلو الحديث عنه، ولكن لنتركه للرسالة التالية، لو مد الله في العمر، والصحة والإلهام.. عميق محبتي ابنك عبدالغني كرم الله حي الأزهري، جنوب الخرطوم.. الموافق 25 فبراير 2012م | |
|
| |
بشرى مبارك
عدد المساهمات : 7557 تاريخ التسجيل : 19/02/2009 العمر : 64 الموقع : أقيم فى بيريطانيا مدينة بيرمنجهام
| موضوع: رد: الرحمة تتغشاك يا وردى مطرب العرب وأفريقيا اللهم أغفر له وأرحمه الجمعة 9 مارس - 7:56 | |
| علي العمودي (من الامارات العربية المتحدة كتب فى رحيل وردى وقال ):
كان ذلك منذ سنوات بعيدة، عندما تسللت للروح كلمات جذلة بلغة جميلة، ونغم أجمل، وكانت تلك بداية تعرفي على السلم الخماسي الذي يميز الأغنية السودانية، وبصوت قامة من قاماتها، الفنان الذي ودعنا الأسبوع الفائت محمد عثمان وردي.
وفي تلك الحقبة المبكرة من قيام صرح إماراتنا الشامخ، كانت هذه السواعد السمر من أرض النيلين، تنتشر في مختلف مجالات وميادين التنمية، في دور لا تخطئه العين في البلديات وتخطيط المدن والشرطة والقوات المسلحة ودور العلم والقضاء، في زمن البدايات الصعب. وكان لثلة من أبناء هذه المنطقة فرصة للدراسة في “حنتوب” ومعاهد وكليات “مقرن النيلين”.
في سبعينيات القرن الماضي، تابعت حفلاً بسيطاً له في دبي، اقتربنا من رجل لطالما صدح بصوته للحق والعدل وحقوق البسطاء في كل مكان في الحياة الحرة الكريمة، كان التزامه وانحيازه للبسطاء طاغياً على أعماله التي استفزت الطغاة الذين اضطروه لارتياد المنافي في تجارب لم تحل دون إثرائه للأغنية، الوطنية منها والعاطفية.
قد يعتقد شباب “الربيع العربي” أنهم اخترعوا الشعار الشهير”ارحل”، من دون أن يدركوا أنه دوى في أروقة ومدرجات جامعة الخرطوم خلال ستينيات القرن الماضي، ليضع نهاية للحكم العسكري بقيادة الفريق إبراهيم عبود، ويصدح هرم الأغنية السودانية برائعته الشهيرة “أصبح الصبح، ولا السجن ولا السجان باق”.
و“التقى جيل البطولات، بجيل التضحيات” في سيرة امتدت ثمانين حولاً، “ومن يعش ثمانين حولاً لا أبالك يسأم”، بحسب زهير بن أبي سلمى، ولكنها لم تك كذلك مع قامة بحجم وردي، رواها بأزيد من 300 أغنية، ومحطات تختصر قصة وطن أبصر النور على أرضه موحداً، ورحل عنه مقسماً، ولم تك كذلك عند إنسان مرهف مؤمن بأن الفن رسالة، والوطن أمانة، صادحاً بأنه “أبداً ما هنت يا سوداننا يوماً علينا، بالذي أصبح شمساً في يدينا، وغناء عاطراً تعدو به الريح فتختال الهوينى”.
“رحلت وجيت، في بعدك لقيت، كل الأرض منفى”. إلا أن الجسد وهن، والوضع أسن، فكان الرحيل وكان الفراق.
في جنازته، اتحد السودانيون كما لم يتحدوا، تناسوا الخلافات والأحزاب والجغرافيا والسياسة، وذرفوا الدمع كثيراً. وشاءت المصادفة أن يُشيع عشية توزيع جوائز الطيب صالح قامة سودانية أخرى، جال أصقاع الأرض، حاملاً هَم أرض ليست بعاقر، تلد نجباء، وترسلهم للريح تبعثر أحلامهم، وتبدد نبؤات ترنموا بها لغد آت، وخذلت الأيام والقرطاس والقلم.
هكذا قدر مبدعين يقبضون أمانة الكلمة كالجمر، ويسيرون كحفاة على دروب الأشواك والآلام، فالحمل ثقيل ووطء الأمانة أثقل، يذوون سريعاً كما وهج الشموع يكابدون صرير الريح، وأنين الجراح، وعثرات الليالي الطويلة وعزلة الزنازين الرطبة وسطوة الأزمان المتهاوية.
أصداء رحيل وردي رددتها ضفاف أنهر عشقها كما جبال النوبة وأمواج بحر ارتادها وروضها حتى استسلم بحب ودفء لأرض احتضنته بحنان أم باعدت الأيام بينها ووليدها.
رحم الله وردي، وأحسن عزاء أهله ومحبيه في السودان، والوطن العربي الكبير، وتحية للمتيمين بوطن في حضرة جلاله “يطيب الجلوس”، أحبوه “ملاذاً” وناسه”عزازاً”، أحبوه “حقيقة” وأحبوه “مجازاً”. | |
|
| |
بشرى مبارك
عدد المساهمات : 7557 تاريخ التسجيل : 19/02/2009 العمر : 64 الموقع : أقيم فى بيريطانيا مدينة بيرمنجهام
| موضوع: رد: الرحمة تتغشاك يا وردى مطرب العرب وأفريقيا اللهم أغفر له وأرحمه الإثنين 12 مارس - 17:28 | |
| الاستاذ كمال حسن بخيت يواصل ذكرياتة مع الراحل محمد عثمان وردى
الحديث عن محمد وردي لا ينتهي.. والحكاوي والمواقف الطريفة لا تنتهي أيضاً.. ومحبة الأفارقة لوردي أمر آخر.. أهل الصومال كما قال لي وزير الإعلام الصومالي يعرفون وردي أكثر من الرئيس الصومالي ،في كثير من مناطق الصومال.. اما أثيوبيا واريتريا فتجد في اسواقهما في محلات مبيعات الكاسيت صوت وردي يطغى على الجميع.. ونجد اغنيات ترباس وخوجلي عثمان تملأ الأفاق.. هذه الحلقة التي اسميتها الأخيرة .. ليست بسبب نضوب المادة والذكريات التي لا تنسى لكنني قررت ان لا اطيل كثيراً على القراء .. و خشيت من تكرار الحديث والذكريات .. إذ ما زالت في القلب حسرة وفي العين دمعة للدرجة التي منعت من مقابلة ابنته جوليا .. فقد اكتفيت بلقاء عبد الوهاب ومظفر وإخوانهما .. حتى أنني لم استطع رؤية الحديقة التي اقامها امام منزله والتي كنا نجلس فيها دوماً .. ونداعب الغزلان الجميلة التي عشقت محمد وردي .. وبكت لفراقه .. وان شاء الله .. سنواصل الكتابة قبيل الأربعين في حفل التأبين الذي سيقام له .. رحم الله محمد وردي واسكنه فسيح جنانه .. »بناديها« خلقت ضجة إعلامية وسياسية كبيرة »بناديها«.. تلك الأغنية الرائعة التي ابدع في كتابة نصها الشعري شاعرنا الموهوب الراحل عمر الطيب الدوش .. وردي جعل منها نقلة كبيرة في الحانة مثلما خلق الدوش منها نقلة كبيرة في الشعر الغنائي .. الأغنية احدثت ضجة وسط محبي الغناء .. وكان لدى وردي حفل بالمسرح القومي بأم درمان .. كان ذلك في نهايات العام 1975م.. وطلب مني ان نلتقي في المطعم السياحي الذي كان عبارة عن باخرة في النيل بالخرطوم ويملكها قريبه عوض حماد ، وبدأنا نتسامر وبجوارنا راديو صغير يتابع وردي الحفل بالمسرح القومي .. كنت أقول لوردي فلنتحرك .. خوفاً من التأخير ويقول لي لا تقلق .. ثم بدأ المذيع الداخلي في الاعلان عن مغني الحفل الامبراطور محمد وردي .. وبدأت فرقته الموسيقية في عزف مقدمة أغنية »بناديها«.. ووردي ينظر إلى ساعته .. وأخيراً قال لي نتحرك .. ذهبت معه في سيارته .. وبمجرد وصوله المسرح القومي صعد المسرح في اللحظة المناسبة التي يبدأ فيها غناء الكوبليه الأول .. دقة متناهية للغاية .. كان عازف الاكورديون الراحل عصفور وعبد الرحمن عبد الله عازف الكمان الراحل .. وصلاح الموسيقي الماهر .. وجعفر مزمل عازف الايقاع الأكثر شهرة .. هم احب الموسيقيين إليه .. اختلال إيقاع اغنياتي بعد اغتراب حرقل وعن جعفر حرقل قال لي بعد مغادرته السودان واغترابه : حاولت ان اغريه بترك الاغتراب على ان اتكفل بما يدره عليه الاغتراب .. ولكنه رفض .. وأضاف قائلاً : جعفر حرقل امهر عازف ايقاع في السودان ، ومنذ خروجه من السودان وابتعاده عن فرقتي الموسيقية اختل ايقاع اغنياتي .. اعتراف خطير ومهم من محمد وردي انتزعه الراحل جعفر حرقل من الفنان الكبير .. نميري يغيب عن تكريم وردي بالمسرح القومي أيام الدكتور إسماعيل الحاج موسى الثقافية أي مهرجانات الثقافة التي ابتدعها د. اسماعيل عندما كان وزير دولة للثقافة والإعلام .. تقرر في ذلك المهرجان واعتقد أنه الأول أو الثاني .. تقرر تكريم عدد من رموز الفن الغنائي في بلادنا وعلى رأسهم الفنان الكبير محمد عثمان وردي واستعد الجميع لحجز مقعده في المسرح القومي ليكون شاهداً على تلك اللحظة التاريخية والتي تقرر ان يكرم هذه الرموز الرئيس جعفر نميري شخصياً بوضع شعار المهرجان على صدر المكرمين .. وكان وردي قد خرج من السجن قبل أشهر عديدة والعداء بينه وبين النميري على أشده .. وعندما علم نميري ان عليه ان يكرم وردي .. كاد يؤجل المهرجان .. لكن توصل لفكرة ان يذهب إلى السلاح الطبي ليبقى يومين يجري خلالهما تحاليل طبية وبذلك ينجو من مواجهة وتكريم وردي. وبالمناسبة جعفر نميري كان يحب غناء وردي ولكن بعد 19 يوليو لم يعد يتحدث عن ذلك الحب والإعجاب .. وبالفعل .. تقرر ان يكرم المكرمين اللواء محمد الباقر احمد نائب نميري .. وأعلن المذيع الداخلي عن تكريم وردي .. الذي مشى على خشبة المسرح القومي بخطوات ثابتة وقوية وجاء الباقر وحيا وردي .. وألبسه شعار المهرجان على صدره .. وضج المسرح بالتصفيق والهتاف للفنان الكبير .. وجاء من يبلغنا بان لا ننشر صورة وردي امام اللواء الباقر في صدر الصفحة الأولى .. وبالصدفة كنت محرر السهرة في الصحيفة .. ونشرت الصورة في الصفحة الأولى على خمسة أعمدة وساعدني تيتاوي في ذلك .. أما عمر الكاهن »رحمه الله« فقد تولى السكرتارية الخاصة للمحافظ مهدي مصطفى الهادي وآخرين في جهاز الأمن ، وصدرت »الأيام« والوحيدة التي كانت صورة وردي واللواء الباقر تتصدر الصفحة الأولى .. بعد فترة ظهرت »بناديها«.. وكنت في مكتب مهدي مصطفى مع الراحل الكاهن. . وفجأة قال لي مهدي مصطفى صاحبك وردي عندما يقول في أغنيته الجديدة »الضل الوقف ما زاد« ماذا يقصد؟ قلت له الإجابة عند محجوب شريف كاتب القصيدة .. قال لي يا أخي الضل الوقف ما زاد .. يقصدون بها مايو .. قلت له مازحاً .. طيب سيادتك ، ما تزيدو الضل ده شوية عشان ما تفصل الأغنية لكم ضحك وقال لي : كلكم شيوعيين مكارين .. كيف فسر أهل مايو » يا صبية الريح وريا« ؟ ومرة كنا مجموعة في منزل محمد وردي .. وهو يغني »جميلة و مستحيلة« رائعة محجوب شريف .. وعندما وصل وردي للمقطع الذي يقول: يا صبية الريح ورايا خلي من حضنك ضرايا فجأة صاح الفنان التشكيلي الكبير بولا .. وقاطع الغناء وقال انتو عارفين محجوب شريف قاصد شنو الريح ورايا .. قلنا له ماذا يقصد ؟.. قال الريح عند محجوب شريف هو الأمن ويريد ان ينبه إلى أن الأمن يطارده .. ويريد ان تكون محبوبته ضرا له من الريح.. ضحك الجميع وواصل وردي الغناء .. ووردي شاعر مجيد بالنوبية وكذلك بالعربية ومعظم اغانيه ما عدا التي كتبها محجوب شريف والدوش والتيجاني سعيد كتب المطلع الأول لها .. ويكمل الشاعر باقي القصيدة .. وقد نجحت هذه التجربة في كثير من الأغنيات .. مع الحلنقي وسعد الدين إبراهيم والراحل علي ميرغني وغيرهم .. وردي وإبراهيم عوض وردي كان من اشد المعجبين بالفنان الذري الراحل إبراهيم عوض .. وقد وجدت شريطاً يضم عدداً من أغنيات إبراهيم عوض يغني معه وردي .. وردي وسميرة دنيا طلب وردي مني ان نزور سميرة دنيا في بيتها.. وقد اعجب بمنزلها الأنيق جدا ً.. وعلى الفور أشاد بأناقة منزلها .. وقال لها اكون دائما مبسوطا عندما أرى فناناً سودانياً يملك منزلاً فاخراً مثل هذا، وأشاد بالديكور وبالجلسات التي تتوزع بين الجلسات العربية والإفريقية .. وبدأت الضيافة .. ثم بدأت طقوس عمل القهوة والذي لا يشرب قهوة سودانية عند سميرة دنيا لم يشرب قهوة قط .. بدأت في دق البن وبإيقاع أغنياتها ، وبعد الفنجان الأول طلب منها ان تغني .. وبالتحديد جلابية بيضاء مكوية .. وبدأ يغني معها كأجمل ثنائي وبعد انتهاء الأغنية طلبت منه السماح لها بان تغني أمامه احدى أغنياته وكانت( كده أسأل قلبك عن حالي) ، وأجادت الأغنية للدرجة التي اطربت وردي طربا شديدا ، وقال لها يا بنتي انتِ صوتك من دهب بلاش تغني النصوص الشعرية التعبانة .. وقال لها انت فنانة كبيرة .. يجب ان تشتري جهاز بيانو ليأخذ مكانه في هذا الصالون الفاخر .. وسأخبر ابني مظفر ان يأتي إليك عصر كل يوم ليعلمك العزف عليه .. لان البيانو يضبط طبقات صوتك .. وقال لها هل تعلمي ان زوجتي هي التي بنت هذا المنزل .. تكتب شيكات لشراء الأسمنت ولوازم البناء وكنت مجبراً على الدفع .. ولو كان الاعتماد علينا ما كنا بنينا قطية .. وقال ان المرأة الواعية هي اساس نجاح الأسرة.. وذكر سميرة دنيا .. بجلسة غنائية في القاهرة عندما غنى معها جلابية بيضاء مكوية وقبل ان يدخلا في الكوبليه الأخير دخل وردي بأغنية سلم مفاتيح البلد .. فما كان من سميرة إلا أن خرجت من موقع الجلسة الغنائية فوراً ..
| |
|
| |
بشرى مبارك
عدد المساهمات : 7557 تاريخ التسجيل : 19/02/2009 العمر : 64 الموقع : أقيم فى بيريطانيا مدينة بيرمنجهام
| موضوع: رد: الرحمة تتغشاك يا وردى مطرب العرب وأفريقيا اللهم أغفر له وأرحمه الإثنين 19 مارس - 17:59 | |
| بعنوان رحيل الموسيقار وردى فجر السؤال هل الالحان السودانية متشابهة (نقلاً من الرآى العام الاثنين 19 مارس )
في الحوار الفني الذي أجريناه قبل أيام قليلة من رحيل الموسيقار محمد وردي مع الموسيقار أحمد المك، قال المك أن المقدمة الموسيقية لأغنية (جميلة ومستحيلة) التي ابتكرها وردي، هي قمة التحدي لكل موسيقيي العالم، مؤكداً أن وردي يعد أعظم عبقرية موسيقة على مستوى المعمورة.. سبب هذه المداخلة هو أن كثيرا من النقاد الفنيين اليوم يرون ان حقبة موسيقية مبهرة في تاريخ الموسيقى السودانية، قد أغلقت أبوابها برحيل الموسيقار العبقري محمد وردي.. فهل سيتوفق دفق الابداع الموسيقي السوداني..؟! تأكيداً على ذلك ما قاله الدكتور أنس العاقب بعد دقائق ليلة وفاة وردي، قال العاقب: أرى أن وردي قد غيّر المقدمة الموسيقية في الأغنية السودانية (النمطية الكلاسيكية) اضافة إلى انه اشتهر بالجمل الموسيقية المبهرة والثرة والممتدة، مع قدرة الراحل على الاضافة وابتكار النغمات داخل اللحن، واختتم العاقب قوله: كما ان وردي عمل على تحويل الأغنية السودانية من خفيفة راقصة إلى حلقة ابداعية متكاملة.. هذا الكلام العلمي المهم، جعلنا اليوم في حالة خوف وتوهان، لنسأل: من لنا بعد وردي؟.. والسبب هو اندثار (نوتة موسيقية) خلاقة للجديد، ومبتكرة للأفضل.. كانت فكرة وردي ادخال (ثيمات) جديدة للألحان السودانية المكررة، إذن لنسأل السؤال القديم الجديد، أو حقيقة بضعة أسئلة.. هل الألحان الموسيقية لدينا (متشابهة)؟ بمعنى هل يمكن للحن واحد فقط أداء عدد من الأغنيات وعبر ايقاع واحد..؟ ما هو سبب تشابه الألحان السودانية؟ هل هو الاعجاب بلحن معين، أم هو الصراع على لحن ما..؟ هل هي السرقات أم هو التأثير والتأثر.. أم هو الاقتباس..؟ كيف نعمل اليوم -بعد رحيل وردي- على ابتكار ألحان ومقدمات موسيقية جديدة، دون أن نتأثر بألحان أخرى.. قديمة ومسموعة..؟ الموسيقار عبد اللطيف خضر (ود الحاوي) يقول: عندما أبدأ في تلحين القصيدة، أضع الشعب السوداني أمامي، البسيط منه والمثقف، أنا لا أحاول فلسفة اللحن، فقط أحس وقتها أيضاً كأنني المستمع المثقف الذي يريد شيئاً جديداً من النغم، وأحس كأنني الرجل البسيط الذي تطربه الجملة الموسيقية الجيدة.. ويضيف: بهذه المعايشة أشرع في هدهدة الكلمة لأعطيها أبعادها.. ولإعادة الألق للألحان السودانية، قام عدد مقدر من الموسيقيين بمحاولات جديدة، فها هو الموسيقار بشير عباس يقول: يعتبر الفنان والموسيقي الكبير عبد الكريم الكابلي قد أدخل صوتاً جديداً بالنسبة للسلم الخماسي.. أي، أن الكابلي حاول الخروج من النمطية والاجترار بابتداع صوت جديد، وهي ذات المحاولة التي حاول تطويرها أسامة بيكلو على آلة الفلوت في مسألة انتاج المقطوعات الموسيقية الجديدة، والاضافات اللحنية، وكذا حافظ عبد الرحمن على الفلوت، وعثمان محي الدين على آلة الكمان، ود. الفاتح حسين على الجيتار، والفاتح حاول إعادة توزيع بعض الأغنيات القديمة ،منها أغنيات للراحل الكبير عثمان حسين، وهو ذات المشروع التطويري اللحني الذي يشتغل عليه الموسيقار يوسف الموصلي، حيث يعتبر الموصلي ان معظم الألحان السودانية دائرية لا جديد فيها.. وعن الانتاج المبتكر للمقطوعات الموسيقية السودانية بمنحى جديد، يؤكد الموسيقار بشير عباس أن (ما يوجد في الساحة الآن هو اجتهادات فقط)، وهو يصف محاولاته بقوله: أنا أفضل التأليف الموسيقي على التلحين -أي محاولة التجديد- وأنا رغم كبر سني إلا أنني مازلت في التأليف الموسيقي شابا، اضافة إلى أن الألحان التي لحنتها شكلت ومازالت أصداءً ايجابية، مما يدل على أن مرور الزمن، لم يؤثر فيها..!! يرى بعض الموسيقيين أن الموسيقار الراحل برعي محمد دفع الله، كان لا يجامل أي شخص في هذه الدنيا على حساب الفن، وهذا ما أوجد فيه ملحنا مجددا وبارعا، فهناك عدد من الملحنين يعرفون قدراته التجديدية في استخراج الابعاد الصوتية والأدائية، منها النظر الجديد والعميق، والجدية، اضافة لمعرفته باسهامات الآخرين، وتجاوزها لحنيا، وذلك عبر امكاناته الابداعية على تطوير المساحة اللحنية.. لكننا اليوم.. نرى (قلة) في الألحان المتميزة الجديدة، رغم توفر الامكانات من أجهزة موسيقية على أحدث المستويات، اضافة إلى مجموعات كبيرة من دارسي الموسيقى، مع سهولة انتشار الثقافة الموسيقية، وسهولة الاطلاع على أنماط موسيقية مختلفة.. اليوم هناك كثافة انتاجية عالية مع ندرة في الألحان المميزة والجديدة، خصوصاً لدى الموسيقيين والمغنين الشباب، وبسبب ضوضائهم الموسيقية الرتيبة، تعودت الأذن الموسيقية السودانية على سماع المطروح في الساحة، مع شوق لتقبل ألحان جديدة..!! فكل الأجانب ومن جنسيات مختلفة متفقون على أن (الأغنيات السودانية متشابهة)، ويرى البعض أن تشابه الحان الأغنيات السودانية بدأ في نهاية العشرينات وأوائل الثلاثينات من القرن الماضي، والسبب هو انشقاق الشعراء إلى فريقين، حيث نشب خلاف بين العبادي وأبو صلاح، واتضح من آثار هذا الخلاف هو أن يقوم أحد الفريقين بانشاء أغنية بلحن معين، ليقوم الفريق الآخر (بمجاراة) الأغنية وبنفس اللحن، واستمر الحال إلى أن تم الصلح بين الفريقين بواسطة السيد عبد الرحمن المهدي، وفي ليلة المصالحة جاءت أغنية (يا بت ملوك النيل) ومن يومها توقفت المجاراة، ولكن مع استمرار تشابه الألحان بصور أخرى.. كما يرى بعض النقاد الموسيقيين انه في بعض الحالات يفضل الملحن استعادة جزء من (جملة موسيقية) في أغنية ما، ليضيفه لأغنية أخرى، وهو أمر يحبذه الكثير من الملحنين، ولهذا تجد أنك وفي لحظة استماع ما، كأنك تستمع لأغنية أخرى، فيما يمكنك بعدها الرجوع للحن الأساسي للأغنيتين.. بعض من هذا أكده الناقد عبد الحليم أبو قصيصة وهو يتحدث عن مصطفى سيد أحمد بقوله: يمتلك مصطفى أحد أجمل وأسلم الأصوات لحناً وغناء التي مرت على ساحة الفن السوداني، فهو يمتلك الجديد والتركيز في الأداء، كما لديه خيال رائع ومقدرة موازية لخياله في التنفيذ الصوتي واللحني.. كلام أبو قصيصة يشير إلى نقطة مهمة جداً، وهي الجديدة والتركيز، وهذا عين ما أكده ود الحاوي بقوله: بعد المعايشة، أشرع في هدهدة الكلمة لأعطيها أبعادها.. والجملة الموسيقية لامنحها الاشباع، وبنائية الكلمة الغنائية لأنظر اليها كنسق فني جميل، ويضيف ود الحاوي: بعدها.. ارضى بما فعلت، ثم أطلب من الفنان المعني، الاستماع إلى الأغنية، وحين يقتنع بها، نأتي إلى التنفيذ مع الفرقة الموسيقية، ويتمم ود الحاوي حديثه قائلاً: هذا كان ديدننا في الستينات والسبعينات، لذلك كانت الأعمال (اللحنية) تأتي قوية البناء الموسيقي والمحتوى الابداعي، وفيها أكثر من احساس.. ولهذا فنحن نقول -راهناً- بحثاً عن لحن سوداني جديد ومميز، ما هتف به الشاعر هاشم صديق: قدرك تقيف.. في العاصفة منصوب الشراع مكتوب على سكك السفر تعتر على نصل الحصى وتزحف على جمر الصراع.. | |
|
| |
بشرى مبارك
عدد المساهمات : 7557 تاريخ التسجيل : 19/02/2009 العمر : 64 الموقع : أقيم فى بيريطانيا مدينة بيرمنجهام
| موضوع: رد: الرحمة تتغشاك يا وردى مطرب العرب وأفريقيا اللهم أغفر له وأرحمه السبت 24 مارس - 7:19 | |
| نقلاً من الرآى العام السوداني الجمعة 23 مارس
عزة الصابرة... في البدء، أعزيك في سفر حنجرتك السمراء.. محلقة بأجنحة من غير ريش لتخوم السماء.. حنجرة صغيرة، عذبة، فريدة، طوت تحت لسانها، صوت بلادي، من خفق الموج، وحتى حفيف الشجر، ونبض القلب، «وإضطراب النور، وخفقه جرسه».. كانت حنجرة حلم، ونبرة أمل، وأنة حزن.. عزة، مات لحنا، فولد هنا، مرة ثانية، كأجمل ذكرى تزخرف وجدان شعبك وحقولك، بلغي عزائي لأشجار الليمون، والبرتقال، وللعصافير برأسها الخافق، ولضفة النهر، ولمقابر أهلي، ولنبض قلوب الأطفال في مهدهم، ولذرات التراب أنى كانت، ولصفحات الكتب، وللنسيم الذي فقد مغني يستنشقه، كخمر حلال... والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.. عزة، يانور العين... أهمس لك بسر عنه، عن وردي، حين حمل عوده فرحا بأول لحن له، أغنية (أول غرام يا أجمل هدية)، وهرول لشيوخه، كي يعرض بضاعته الوليدة، فجلس بحياء أمام شيوخ التلحين والشعر، خليل أحمد و»سماعين حسن»، وأخرج العود من جرابه برفق، كأنه يخرج كائنا حيا، ووضعه برفق أعمق على حجره، وشرع في الغناء، طارت من عش حنجرته أسراب حمام، وقمري، ويمام، وبعد أن أنهى اللحن، أصغى في رهبة لهما، منتظرا التقريظ، والتصفيق، فصرخ فيه الملحن أحمد خليل (ده كلام فارغ). وفتاك الأغر، لم يرم العود، يائسا، ويبحث عن حرفة أخرى، مثل خفاف الأحلام، بل بعناد من يعرف قدر نفسه، وبإرادة لا تلين تحدى الريح (كلما الريح تطارد الموج، أزيد إصرار، أحلف بيك، أغير سكة التيار، وأقول يا أنت يا أغرق)، ولم يغرق وردي، سوى في حب الغناء (التغني بمحاسنك ياعزة، والتي يفنى الزمان وفيها ما لم يوصف)، وغير سكة التيار، بمشروع غنائي ضخم، فيه ألف لحنا باهرا، ورخيما، وساحرا، وجعل من الوطن حبيبة، تهفو لها النفوس، وتفدى بالدم، ويعرف قدرها، وفصلها، وتخطب بالنفيس.. ذات العناد، كان لفتاك الراحل الطيب صالح، حين أرسل وهو في العشرين قصته الأولى (نخلة على الجدول)، لمجلة القصة السودانية، وقيل له، بلسان عربي مبين (عليك بالقراءة والإطلاع، فأنت لا تعرف طبائع أهل الشمال)، لله درك يابلادي، (ألا يعرف طباع أهل الشمال؟)!! وهو من جعل محجوب، وود الرواسي، ذواتا تسعى بين الناس، وليس بين السطور)، لا كرامة لنبي بين قومه، أم أنه التحدي الذي يخلق الأبطال، مصداقا لقول المؤرخ توينبى، ونظريته في (التحدي والإستجابة)، كأن التحدي هو لحن، على كل صاحب تجربة فريدة، أن ينشده لنفسه، في بدء طريقه (تمنت سليمى أن أموت بحبها، وأهون شئ عندنا ما تمنت)، أم طلبت مقاما، بذل نفسك شرطه؟ لله درك يا عاشق «سليمى/السودان»، فالموت «أهون شئ عندك» كي تموت في سبيل حب سليمى/الوطن، فأفترشت حصى كوبر، ولحنت أغانيك من داخل حصون السجن (وأنت رهين المحبسين)، حبس السجن، و «حبس»، الحرمان من «العود»، ( نغني ونحن في أسرك، وترجف وأنت في قصرك)، ما أعجب صلابة إرادتكما (أيها المحجوب شريف، ووردي)، تلكم الإرادة الراضية بمجرى الأقدار، لاشك وريثة زهد عظيم، ويقين أتم، بأن النور عملاق ولو في رأس شمعة واهنة، والظلام قزم، ولو عم الوجود.. هكذا المرهفون، يا عزة، كالأنهر، تواجه أمامها سهولا وجبالا ووهادا، مدى البصر، وبمعول الرقة حفرت جدولا كحوض النيل، أطول وأحلى جدول في العالم، وهم رغم رهافتهم، صبروا، وصابروا، وبمعول الرقة، حفروا نهر الفن الأصيل، وكسروا صخر الهمز، وجبال القمز، والهوان، وسقوا حقول النفوس عسلا، وحليبا، وخمرا حلالا، ألم يقل الفتى اليتيم، والذي صعد في عنفوان شبابه، قمة شعاب جبال مكة، متدبرا، حال الوجود، ومآله، هو يصعد من صخرة لأخرى، في بهيم الليل، وفي وضح النهار، حتى برق في قلبه نور عظيم، فأدرك سر الخالق المخبوء في المخلوق، فقال (لو تعلق قلب رجل بالثريا لنالها)، وتلك هي الإرادة في أسمى بركاتها، والعزيمة، في أنضر تجلياتها، إرادة الإنسان حين يعشق بصدق أهله، وبلده، وربه، وكونه، فيطال أعالى الثريا، من أدنى الثرى.... وتدرك النفس، حينها أن الألم والحزن والكبد، مسطور خلفها، حكمة بليغة، أهونها أن تلين صخر المشاعر، وترقق شغاف الفؤاد، وبلى كان فتاك، كعود الند، يحترق رأسه بنار هم إنساني، ويطلق عمامة من بخور شفيف، فوق رأسه الشامخ، يتضوع بها أهله، ويستنشقون روح نده المحروق، ويسرحون في عوالم لا تخطر على بال، سوى قلب الشعر.. (1) عزة.. أنت وينك وين؟... أميرة القرون الطوال، كيف أحمد لك بركتك، وأشكر الموهوبين من أبنائك، بل من أين لي القدرة على ملامسة عنت صدقهم، وسبر أصالتهم، في صاقب الحمد المحمود، وإلا جاء الثناء كالذم، فمن جهل العزيز، لا يعزه، وأنا أجهل قدرهم، وفصلهم، ولكن أن أضئ شمعة في ليل بلادي، خيرا لي من أن أسب ظلام جهلها وظلمها، أولئك الذين خففوا عنا كبد العيش ورهق معضلات الوجود، وكانوا بمثابة موانئ من عواصف الحيرة، وطعنات الضلال، فزخرفوا الوجدان بحسن ظن عظيم، حسن ظن بالبلاد والعباد، والأقدار، وجلوا عن القلب صدأ، وعن الروح غبارا، أناس عرفوا سر جمالك، وجلالك، وكمالك، فهاموا بك، هيام العارف، هام بك العباسي، ومعاوية نور، والكاشف، وجكسا، وبرعي دفع الله، وود الرضي، ووردي بل أقسم بأن كل رجالك، ونسائك أبطال عظام، فالذي براهم بيده عظيم، كريم، ولكنه غموض القدر)، غموض القدر ياعزة) أخفى بطولات، وأعلن أخرى، فوجب علينا التريث، كي لا نسئ لولي منهم، وهم خفايا، كلذة الشعر، أناس أخفياء، أتقياء، في كل حرفة، وحقل ومصنع وفصل، في اصقاع بلادي، قوم إذا حضروا لا يذكرون، وأن مضوا لا يفقدون، هم ملح أرض، عرفوا، أو لم يعرفوا، بلى هؤلاء أناسك، المنثورين في أرضك السمراء، كروعة النجوم في سمائك الرحيمة، ولكنهم، أخفياء، ولم يفعل مبدعو بلادي، سوى أن رأوا تلك الجذوة، كامنة فيهم، فقدسوا إنسانك، لأنه بها جدير، وحقيق، وروحوا عنه، وعنك، عنت وكبد العيش، فطابت النفوس بعطائهم، وأشعلوا تلك الشرارة المباركة في كل بنيك، فتوهجوا أجمعين، بلادي لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنى عليك بنوك، بما أنت له أهل. (2) بين جبال الهملايا، وردي جبل آخر: حدثنا عن أي شئ ، عن السودان، أي شئ، (أي شئ)، هكذا قالت المرأة وزوجها، للطالب السوداني الذي عثروا عليه صدفة في مدينة آسيوية، صغيرة وجميلة، تنام بين شعاب الهملايا، وهم الذين غابوا عن الوطن عقودا طويلة، وغابوا في تلك التلال النائية، الباردة، وهل تصدق (وهي قصة حقيقية)، نام معهم في غرفة النوم ذلك اليوم، بل كانوا يصغون له، وهو يحكي ببساطة، كيف فطر في ابو جنزير، وكيف تناول فولا، في صحن الطلس الصغير ووضعه على تربيزة بلا فوطة، وأكل معه جار له، طلب كبدة، (كالأشعريين، هم مني، وأنا منهم، كانوا يفرشون ثوبهم وعليه طعامهم ويأكلون بالسوية، هم مني وأنا منهم)، أي نسب هذا؟ هم مني، وأنا منهم؟ أهكذا الكريم؟ يؤاخي يتيم قريش؟ فيبكي الزوج، وتبكي المرأة، لبطولات عظام، فطرية، تجري وتنساب في حياة بلادي ببساطة كما يجري النيل، بلا من أو سلوى، لمن يغرف موجه، أو يشرب ماءه، ولهذا خلق، اختصه الله بقضاء حوائج الناس، حبب الخير إليه، وحببه إلى الخير، رسول حب، رسول عطاء (أشعرتم بثمرة العطاء؟ أشعرتم برضى الضمير؟ أئتني خمرا مثل رضى الضمير حين يقضي حوائج بني آدم، بلا من أو سلوى أنه خمر الخمور، فالضمير هو النور الأول، النور القديم، في حنايا القلب، وهو نور لا يسره سوى الصادق من الفعل، وإن قل، (لا تستحى من إعطاء القليل، فالحرمان أقل منه)، فمسح رأس يتيم، برفق وحب، خير من بناء قصر، لدى ذلك النور المتألق في النفس، في سويداء القلب، (والرضى نعمة النعم).. كيف لا يغني وردي وهو من هذه البلاد؟ كيف؟ بربك، كيف لا يبتل بماء النهر، وحاله حال الحلاج (ألقاه في اليم مكتوفا من الأيدي، وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء)، أي تحذير هذا لفتى نوبي رمته يد الحب، مكتوف اليدين، في صدر النيل وقالت له (إياك إياك أن تبتل بموج الحب، نور الحب)، فهوى في النيل، نيلا أخرى، مقيدا (ومن وجد الإحسان قيدا، تقيدا)، وجرى النيلان في سماء بلادي بركة وخيرا، ونماء.. وحكى لهم عن رحلة حافلة الشنقيطي، وعن الدافوري للاطفال الحفاة، والرجل وزوجته يكفكفان الدموع، يبكيان لكل شئ، ما أعظم غربتهم، حكى لهما عن عرس حضره، وعن منظر الغروب بين حقول القرى، وعن بيوت الطين البسيطة، وقد كنست صبحا وعصرا، وعن آثار دجاج في أطرافها، وآثار ألف مركوب وشبط وسفنجة عند عتبة الدار، بكت الزوجة بحرقة، وكأنها قصاصة أثر، ورأت أثر والدتها تدخل تلك الدار، أو بنت خالتها، بكوا في اليقظة، وبكوا حين ناموا في أحلامهم، لرائحة الوطن، التي شموا من ذلك الفتى الاسمر .. تذكر الفتى، الطالب كيف بكت المرأة حين حكى لها عرس جارهم، وهم يحفرون لأعمدة الصيوان وسط الشارع (حفرتو للصيوان في الشارع؟)، ثم تبكي، مع كل حفرة حفرها الطالب، وكأنها كانت تشعر بفرح العرس، وألم الأرض المثقوبة، كسره، فقد صار الشارع مسرح عرس عندها، كانت تتابع بفرح حزين الطالب وهو يحكي عن نصب الصيوان، ورص الكراسي الحمراء، وهي تبكي مع كرسي، ومع كل من جلس عليه، بنتا كانت أم فتى، بكت (أيبكي امرؤ على مدينة، على شارع، على حفرة في شارع، أيبكي الانسان على ذكر شجرة في ركن المدرسة، تلقي ظلالها على الشارع؟ إنها خمر الحنين، حنين الجذع للشجرة، والجذور... وحين حكيت لها حكاية ثلاثة عصافير، ظلت تستحم تحت الزير، وتنفش ريشها، ريشة فريشة، وتحك بأرجلها الريش البعيد في ذيلها، والماء ينزلق برشاقة من ريشها، فقد استحمت العصافير تحت مطرة صغيرة، مطرة من نقاط الزير، استحمت بتأن، بكت المرأة وبكى زوجها، بكيا بكاء حارا، حتى صار نحيبا، وقالا بنفس واحد (أشتقنا شمش السودان، شمشه الحارقة، أشتقنا للشمس كي نستحم مثل هذه العصافير ، نحن مثل هد العصافير السعيدة، فلا يعرف قيمة الظل إلا من ذاق الرمضاء)، والآن أدركنا ظل الوطن (رغم شمسه الاستوائية الحارقة)، من رمضاء الغربة، من نار الغربة.. وحين قال لهما، في الليل، بل منذ العصر نخرج العناقريب، وننام في الحوش، بكيا، وبكيا، (تنامون تحت تلك السماء المرصعة بالنجوم، وبنات نعش، وتحرس أحلامكم أضواء نجوم بعيدة بعيدة، خيول الضوء لا تدركها بشق الأنفس، و تشعرون بأن قبة السماء هي قلب شاعر، وبأن النسيم تحتها دمه الناعم، النبيل، وبالأرض بطنه الطيبة، وسرته تغذيكم باليقين والصفاء)، بكيا العناقريب التي تنام تحت السماء، غرقى في بحر نسيم عذب، مغني بالثغاء والخوار الواهن ، معطر بالعشب ورائحة الطمي، في أقاصي الليل، بكيا، ليلك يابلادي، حتى الظلام هناك أحلى، فهو يحتضن البلاد.. (أبدا ماهنت ياسوداننا يوما علينا)، بل لحظة علينا، وفي اليوم التالي، عثر الفتى الطالب على مائة شريط لأغاني سودانية، في دارهم، وكان نصيب وردي نصيب الأسد، نصيب أبادماك. وأقمنا عرسا بين الجبال، بالفنان وردي، رقصنا على أغانيه، رقص الثلاثة، كما يرقص الصوفي في حلقة الذكر، وكل كلمة، وكل لحن، وكل نغمة، كانت تحج بهم للوطن، أجمل ما يكون، صار الوطن كله، بلى كله، في راحة اليد، والقلب، (شممنا الوطن، وتذوقنا الوطن، ولمسنا ترابه الدافئ، وصخره الصلد، ونيله الناعم، حقيقة، لا مجازا) هكذا بلغ بهم الحال، وهم يسمعون صوتك ياوردي، هكذا بلغ الحال..... (3) انا والأنغام والعود في ايدي بحكيلو حكايتي ويعيد ترديدي واشكيلو همسة أو عذب نشيدي ياما الأوتار تفضحني من ريدي يا نور العين يا نور العين انت وينك وين قالت أم مهاجرة، عن البلاد عقودا ،أن أغاني وردي، في غربتها، (تفور الدم السوداني في عروق السوداني لما يسمعه وهو في أي بلد) فما أبلغها من حكمة، بلهجة سودانوية، (يفور الدم السوداني)، وليس دم جعلي، أو شلكاوي، أو نوبي، الدم السوداني، الخمر السودانية، تلكم الخمرة التي أسكرت، وهي تجري في دفء العروق، التجاني، والعباسي، وعبد الخالق، والكاشف، وكثرا من ندمائها، في طي القبور الرحيم، أو في مسعى ظهر البسيطة الطيبة. ففي ملعب كبير، لكرة القدم، في جبال الحبشة، حيث ينزلق النيل الأزرق نحو سهول السودان، وجبال الانقسنا، احتشد آلاف الأثيوبيين (دولة صديقة)، من كل فج عميق، وبرشاقة جبلية رقصوا معك، وحفظوا أناشيدك، حفظوا الكلمات دون ان يفهموها، ولكن لحنك، وسمتك، أوحت لهم بالمعاني، أجمل ما يكون، بل أروع مما يتذوقها بعض أهل يعرب، من الدول التي نسميها مجازا (شقيقة)، وما الشقيق إن لم يرقص لطبلك، ويحزن لدمعك، فما أقرب صلة الوجدان مع هؤلاء النفر، الذين يتدفق حليب النيل من جبالهم.. وأنا أشاهد الحفل في التلفاز، شعرت بدفء، وبأكسوم، وبسوبا القديمة، وبالقلابات، وبالنيل الازرق، وبالرهبان الحبش، وببلال الحبشي، وبالنجاشي، وبصلاة المعصوم عليه في بيداء الحجاز، وبالغيوم التي تسافر من الأطلسي كي تغمر أعالى الجبال ثم تنساب لحقول الوطن، وكأنه يشكر الجار، ويفئ بعشرة المناخ، فحين غنى وردي، ذاب الجميع، وكأنهم على قلب رجل واحد، وحدة عضوية، ألف قلب صغير، نبض وتأثر ورقص وبكاء جماعيا، في ذلك الملعب المبروك، فشعرت بنهر آخر، ينبع من كرمة، وكوستي، والخرطوم، ويصب في الحبشة، عكس اتجاه التيار، هذا بذاك، نيل بنهر، فشرب منه الحبش، نهر كوثر، وخمر، ولبن، أنه نهر الغناء الأصيل، والحنجرة المعتقة، نهر الفن، فأستحم الحبش من وعثاء العادة، وغبار الروتين، في نهر الفن الخالد، محمد وردي، فكم نهر أنت، ثلاثة أنهر؟ أم نهر عريض، دافق، غرفت سواقيهم منه، وسقت حقول قلوبهم، وزهر وجدانهم بمائه الصافي، النقي... لقد عانيت كي تلحن لنا، من أين يأتي اللحن ياوردي؟ لم يسرجنا اللحن لعوالم فينا، بعيدة بعيدة، قريبة قريبة؟ ما اللحن؟ أهو خمر تشرب بالأذن (غنت فلم تبق من جارحة حتى تمنيت أنها أذن)، ما أعجب خمر الألحان الفريدة، تسكر من غير دن، ومن غير خمر ونديم، تفك يد اللحن القيد عن أرجلنا، وعن قلوبنا، تطفئ نار الخوف، وتجعلنا نحلق كالبخور، بلا عظم، أو وتد يشدنا للارض، سنة وفطرة تلذذ النفس باللحن الطيب، سنة، بل غريزة كالجوع، والفرح، ومسرات العبادة المجودة للعارفين (نحن في لذة لو عرفها الملوك، لجالدونا عليها بالسيوف)، وتلك لذة الاستماع، بل الإنصات لموسيقى حركة الوجود، وهي تدب من ماض لآت، أنها موسيقى الحاضر كله، في صيرورته المتبدلة، بين حنين ماض، وتوق آت، فما أعجب الأمر، الزمن موسيقى، يسيل برفق، وتؤده، وتر مشدود بين ماض وآت، تحكه عصاة ربان ماهر، وغامض، فيضطرب الحاضر، بأسره، في كل ثانية فيه، بل واقل، لنغم ذاب ونغم أت، (الآن نغم، بلى نغم).... (والمغاني، للمعاني، كالمباني تظهر الأسرار)، ورحم الله ابا الطيب (لا يتملكني الغضب، ويهزني الطرب)، فيد الطرب تهز أفئدة الجبال، علماء الكيمياء، صاحوا ملء أفواههم (الأوتار تحكم العالم، الأرض، فالأفلاك تسير في مدارات حول الشمس، على شكل أوتار غير مرئية، من الجاذبية الكهرومغناطيسية) حتى الكيمياء والفيزياء صارت وترا، وغناء فما أعجب سر الكون، ألهذا أسر افلاطون لتلاميذه، قبل ألف عام وعام( أصغوا للكون كله، فحركة الافلاك موسيقى)، بلى قال، وصدق.. عزة، جرى القلم بما جرى، فوردي، وفنه أوسع من السماء، ولو مد الله في العمر، والمدد، لأرسلت لك بعض حروف عن ألحانه، في رسالته التالية، وكيف تختلف عن ألحان سرب وطيف من ألحان بلادي، تلك الألحان، بل تلك المرآة، للنفس، والروح السودانية... عميق محبتي ابنك المخلص عبدالغني كرم الله حي الأزهري، جنوب الخرطوم شهر مارس | |
|
| |
بشرى مبارك
عدد المساهمات : 7557 تاريخ التسجيل : 19/02/2009 العمر : 64 الموقع : أقيم فى بيريطانيا مدينة بيرمنجهام
| موضوع: رد: الرحمة تتغشاك يا وردى مطرب العرب وأفريقيا اللهم أغفر له وأرحمه الخميس 29 مارس - 17:21 | |
| عزة، ألف مبروك، وألف عزاء، ففي العام الطيب، 1932، ولد وردي، ورحل خليل فرح، «وقبيل عام»، كتب ابنك البار، معاوية نور قصته الساحرة، (ام درمان مدينة السراب والحنين)، فما أعجبه من عام، وكأن الساعة الكونية، ومدار الفلك والنجم، كمل أجلها المسمى، وحان مخاض الموت، والميلاد، فمضى شاعر ومغني عظيم، كسلف، وعلا وتر نبيل، كخلف، وكل يجري لمستقر له، في كون محكم الصنع، غامض السر، كأنه قصيدة أبدية، معلقة فوق كعبة الزمان والمكان، معلقة شعرية، لا يمل جرسها، ولا يكل نفسها، ترتل أبد الدهر، تلكم هي الحياة، وفي تلكم الأعوام أصيب عبقري عظيم بالذهان ، بعد أن أرهقته معضلات الوجود، وعضت حسه النبيل، ضروس الفقر ورتابة العيش، انه ابنك معاوية نور، فما أعجب تلكم السنوات، في ثلاثينيات القرن الغابر، غروب، وشروق، ولد وردي، مات خليل فرح، وذهل معاوية، وبقى الوطن، كعادته يخوض الوحل، وينشد الشمس.. أنت أيها الطفل النوبي العجيب، في ذلك العام الطيب، عام 1932، تسلمت الراية بكفك الغضة، من رجل سافر لتخوم السماء في ذات اليوم، وليس في ذلك عجب، فالحياة خلقت من مادة الفكر، وترغب في أن تخلق من مادة الحلم، إنه خليل فرح، وسمعت قرية صواردة أول غناء لك، وهو بكاؤك الأول، كأنك تمرن نفسك على الأحزان، أحزان قريتك، وبلدك وعالمك، فبكيت، على خليل فرح، وكأن بكاءك لم يكن حزنا على خروجك من جنة الرحم، بل بكاء على رحيل خليل، بكاء من يعرف الحزن، ونبله، وسره، ومأواه، ألم يقل اليتيم الأعظم، عليه السلام «الحزن رفيقي»، ووصفه صحبه «كان دائم الفكر، متواصل الأحزان» فكيف لا يحزن» وهناك عشبة جائعة، ومعزة عرجاء ضلت الطريق عن أخواتها، وقلب ملء بظلام الضلال، كيف لا يحزن، وهو يشعر بهم، كما نشعر بالشوكة في القدم، والعاطفة الصادقة، تجعل الفكر خادمها، في إيجاد حلول، وأساليب وحيل في فك أسر المحبوب، أيا كان المحبوب نباتا، أم حجارة، وتأسى لضياعه، وألمه، وللحق لم تأت فكرة، أو رسالة، أو عقيدة ، وأيدلوجيا ، وإلا كان وراءها قلب مفعم بالمحبة، وما تلك الفكرة، إلا أثر من آثار المحبة، وبركة من بركاتها الدافئة، للأحياء والأشياء، فالفكر خادم العاطفة، وليس سيدها، ولكنها العاطفة العميقة، الصافية، الفطرية... فحزنك صادق عميم، فأضاء ميلادك فجر الروح، وأنار الفؤاد المعنى بسفر خليل،، خليلك، كأنك أنت وهو، قصيدك الذي تغنيت به بعد حين، حين أنشد (ألتقى كل شهيد، قهر الظلم ومات، بشهيد لم يزل، يبذر في الأرض بذور الذكريات)، فكان هو الشهيد الراحل ، وأنت الشهيد الذي بذر ، وهو حي ، ، قمحا ، ووعدا ، في قلوب بلادك ، بكل مناخاتها الاستوائية ، والسافنا، الفقيرة (والغنية)، فما أكرم وأعدل شمسك، وهي «ترك في عزة جبالك»..... (2) حين أسمعك، أشعر بالعصافير التي تطير فوقي، من منها الجائع!، ومن منها العطش!، ومن منها الشبع، كل على حدة، وكأن غناءك أكسير، لفتق المواهب التي غدت في بني آدم، أجمعين، وكما يطربني تغريد العصافير، يؤذيني جوعها، وكدت مثل الشاب بلوم، في رائعة جيمس جويس (يوليسيس)، أكسر الخبز الجاف المرمي عند أركان الأفران، والمطاعم، واعطيه للعصافير الجائعة في السماء، وفي الأرض وبين الغصون، وفي الخلاوي ، والمدارس ، والغاب، فالغناء، والفكر، والعبادة، تطلق الحبيس من العاطفة البشرية، فتلم بين ضلوعك الكون كله ، كالقلب نابض بين ضلوعك .. للسماع طقوس عند الشعوب، كلها، وله آداب، مثل مناسك العبادة لديها، وللحق السماع عالم غريب، فالأذن البشرية تسكر، حين تشرب خمر الكلمات، الكلمات الاصيلة، وتثمل البشرية سكرا حين تشرب الألحان، الألحان التي تنبع من سويداء القلب، وللسماع شأن في دنيا التصوف، أفرد له أبو حامد الغزالي فصولا في كتابه الجامع (أحياء علوم الدين)، حتى أن غفلة مريد واحد في جلسة السماع، يطرد الوجد، وتأفل المعاني في بقية السرب المنصت، كأن المغني هو العقل القديم، (أقام العباد فيما أراد)، فلا صوت سوى صوته (أنطقنا الله، الذي أنطق كل شئ)، فحين تعرج النفوس لسر التوحيد، ترى الحكمة حتى في الحزن، ووقائع الحياة الصغيرة، وكذا السماع، سماع من؟ (هو وحدته المتكلم)، كأنه يصغي لعالم الذر، (ألست؟)، تلكم العوالم الأقدم من الزمن من نفسه، فالزمن مخلوق، فتهتز أرض الجسد، وتنبت في كل خلية فيه انفعال بهيج، تقشعر، وتحيا، وتستلد كل خلايا، وتحن للحن الأعلى، والأبهى، حنين الأبل لمباركها، (أما تنظر الطير المقفص يا فتى، إذا ذكر الأوطان حن إلى المغنى) فما ألذ السماع عند أهله (وما أكثر المضنون به على غير أهله)، ولكن وردي، افشى سر السماع، بل أذن له، ومن أذن له في التعبير( فهمت في مسامع الخلق عبارته، وجليت إليهم إشارته) بلى، وربما برزت الحقائق مكسوفة الأنوار ، كما يقول الحكيم السكندرني ، ابن عطاء الله ، لم مكسوفة لأن (كل كلام يبرز وعليه كسوة القلب الذي منه برز)، وكان وردي صادقا، افترش حصى سجن كوبر، بسبب أغانية (ألم يحرمه مدير السجن من العود حين طلبه)، حين طلبه وردي، وقال له مدير السجن (أنت دخلت السجن عشان سقته دبابة؟، ما عشان عودك ده)، فما أعجبه من عود، يمسه ما يمس الرعية، من ضيم، وجوع، وحزن، وكان عودا يخيف الحاكم، وكأنه مليون حنجرة تهتف ضد الظلم، كان عود الشعب (أكثر من عشرات الأغاني الوطنية الشهيرة)، عزفها هذا العود ، وأوتار العود ، كانت مشانق للظلم في النفس البشرية... (3) والفتى النوبي ، وردي ، من أولئك الناس الذين يجعلونك تحس بدبيب النملة السوداء ، في الليلة الظلماء ، في الصخرة الصماء ، تشف روحك ، أثناء الاستماع المبارك، وتلم الوطن بأسره بين ضلوعك، ولو ضلت نملة طريقها إلى جحرها، لشعرت بذلك، فتمسح روحك برفق دموع ثعلب في الغاب، وسمكة افترست في النهر، والعذارى الباكيات تحت الملاءة، لجور عاشق، أو نأي أب، وكأن الأغنية، هي السيارة التي تخرج جمال يوسف من جب وجدانك، أبهى ما يكون.. فحقا للسماع أدب، وشروط، فتأدب أيها المريد مع الأغاني ، فإنها أسرار ، تأتي من جهة الغيب، بما لذ وطاب من القدرات الكامنة فيك، كمون النار، بل النور، في الحجر.. (ففي حضرة جانبك يطيب الجلوس)، فجلسنا نستمع، وكل على ليلاه، رغم أن الحنجرة واحدة، وحيدة، هي حنجرة الفتى النوبي، الأفريقي، السوداني، العربي، محمد وردي.. فالحداء يهيج أبل الروح ، كي تضرب حوافرها بهمة وجلد، وتخب في بيداء الأمل، وقفار الحزن، وحقول الطموح، وشعاب الغموض، وسهول المعنى، وسهوب الحيرة.. (ضاحك عن جمان *** سافر عن بدر) (ضاق عنه الزمان *** وحواه صدري) تلكم هي الحياة، حين يغني وردي، وأضرابه من أساطين الفن المعتق، ضاق عنه الزمان، وحواه صدرك، بلى.. (هو الذي يشبع الألحان، ويملأ الأنفاس، ويعدل الأوزان، ويفخم الألفاظ، ويعرف الصواب، ويقيم الأعراب، ويستوفي النغم الطوال، ويحسن مقاطيع النغم القصار ، ويصيب أجناس الإيقاع ، ويختلس مواقع النبرات، ويستوفي ما يشاكلها من النقرات)، هذا وصف المصيب المحسن من المغنين، ابن سريج في كتاب [الأغاني للأصفهاني].. ألحانك يا وردي.... ولابد من ذكر زيدان إبراهيم.. (4) حين رحل، زيدان إبراهيم، لم أحزن على رحيله، كحزني على حياته، التي برقت هنا، ومضت، يبدو متوحدا مع الفن، راهبا في ديره (برج عاجي، بل طيني، في حمى العباسية، أو أقاصي الحاج يوسف)، لا يحتك بالناس، سوى أهل ربابه، ودن أوتاره، ولا يقابل جمهوره العريض، سوى في خشبة المسرح، أو العرس، أو شاشة التلفاز، مضى كشهاب لا يعرف عن الحياة، إلا تلك الأشعار التي تغنى بها، وحيدا، متوحدا، في خلوته، لا يؤنسه، سوى صوت ربابه، ودندنة ألحانه، حين ألحظه في حديث، أو لقاء، تبدو كلماته حالمة، عابرة، كأنه لم يكن، في عزلة من ذاق سكر الفن، وعاش بين حاناته، حتى زفه الموت لعالم آخر، فجاءت ألحانه كأنات الجريح، وقد أخفق وهو فتى العباسية الجميل، في جل تجاربه العاطفية، حتى تلك التي تكللت بالزواج، وكأنه قيس، يعشق عشقه ليلى، (ويموت الهوى مني إذ لاقيتها)، ويعود بفراقه لها، وكذا كان، ليلاه بين ثنايا روحه ، وبين ضلوعه ، وعلى حجره عود خشبي بسيط، تشد الأوتار بين ساقه الوحيد، وصدره، كحلم بين السماء والأرض، يدوزنه، ويحلق به، إلى حيث يشتهي ويريد.. ومن العجب أني سمعت عمر الشاعر، يغنى أغنية له، وهو ملحنها، ولكن ليس اللحن في أسى نبرات زيدان، (الفاتحة هي الفاتحة، ولكن أين عمر)، فاللحن هو اللحن، ولكن أين الغزال الأسمر، فحنجرته كربلائية الشجن، تخرج روحه مع اللحن وكأنه معلق على شعبة مشنقة، وليس مسرحا، وكما تخرج روح الند مع البخور، يفوح في الأثير الناعم كالحرير، بعد أن يحترق رأس الند بنار حامية، تطلق صراح البخور، فيفر أحادا، ومثاني، وجماعات، كعمة من سحب، فوق رأس الند الشهيد، وكذا زيدان، يغنى (وكل أحزان اليتامى)، تسكن قلبه الصغير ، (و جيت أقول مبروك عليك)، قالها وهو يرقص مذبوحا من الألم .. إن التمتع بالآسي أي ذلك الأسى الزيداني ، (لاشك الطيب عبد الله له طرف من الأسى)، يذكرني بقصة بديعة لأنطوان تشيكوف، اسمها (بعد المسرح)، وهي عن فتاة مراهقة، تحب أن لا تحب (هل تصدقوا، وللنفس البشرية حالات كهذه)، فتلكم الفتاة بعد أن حضرت مسرحية (يفجيني)، تمنت أن تكون البطلة، أن تحب، ولا تحب، بل وجرى خيالها، أن تشك في حب من أحبوها، وبأنهم يجاملونها، فهي عادية، بسيطة ، تقليدية ، وهم أذكياء ، كأنها رأفة منهم، فشرعت الفتاة في كتابة رسالة وهمية حارة، لعشاق وهميين، وبكت بحرقة، حتى تداخلت عليها رؤية الحروف في رسالتها، أسا على عشق من بنات أفكارها، ولكن ما الحزن؟ ما سره، ولم قال المعصوم (الحزن رفيقي)، وكان متواصل الأحزان دائم الفكر، هكذا وصفه أصحابه، وهم يحنون عليه، من اليتيم الغريب، الذي اعتزل غار حراء،ورجع يحنو على الحجارة، والنخيل، ويحادث جن الخلاء، ويأمر الغيم أن ينزل هناك، حين يشكو له التراب الظمأ، وظل حزينا، في تلكم الهوة بين ما يريد، وما يرى، ورؤيته، التي يرى ما هي؟ أعتى العقول، وأسرح الأخيلة لا تطالها (لا عين رأت ، ولا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر) فكيف لا يحزن، وهو يمد طرفه لنهاية الرحلة وهو يسوق خرافه المسكينة بين الشعاب، لذاك المرعى الأبهى، وكحداء الاغاني ، واللحن ، وكل فعل طيب، يسوق بني آدم لتلكم المناحي، والمغاني، (طيب في المغاني، كمنزلة الربيع من الزمان)،.. (5) وللحق للمغني ألف عشق، فكل أغنية عشق، يعيش عوالمها، وصورها، وعاطفتها، وتحلق معانيها اللطاف بين جوانحه، ويبحث عن لحن يكون زوجها، المثل بالمثل، لا تنكره روح القصيدة، مهما تشابهت الألحان، وبين ألحان كثر، (الكر كر البلقاء، والضرب ضرب ابي محجن)، ولكن أين ابو محجن، هكذا تكون الأغنية البلقاء، واللحن أبي محجن، فرس لا يمتطي ظهرها، إلا فارس يعرف قدرها، ويظل الملحن يبحث في ذاكرته، الموروثة والمكتسبة عن لحن ينفخ الروح كاملة في عوالم القصيدة، وصورها، وعاطفتها التي تجري في الحروف، مجرى الروح في العروق (ذهب الظمأ ، وابتلت عروق القصيدة بمهارة اللحن)، وثبت أجر المغني.. (6) أما ألحان وردي، فإن حكمة جنجرته، جعلت الأصوات تشع منه دون الفرح الصاخب، وفوق الأسى الحزين، فأغانية ليست في حزن زيدان، أو أسى الطيب عبد الله (والذي قد يثير فيك أسى موت أخ عزيز، أو فراق، حتى تنسى الأغنية، وتبكي بحرفة، في أثير موسيقاها، من تلكم الذكريات الحزينة التي أحياها اللحن والنغم)، ولا في شجن أغاني النور الجيلاني، وكأن الحياة مارشال حزين، بل أغاني فيها مرح، وفرح، وشئ من حزن نبيل (مثل أغاني مصطفى سيد أحمد)، هناك شبه، حدسي لا يعرف وجه الشبه بالضبط ، بين لحنه، وألحان (ثنائي العاصمة)، وللحق حتى أغنياته الراقصة، فيها حشمة أدب الرقص الصوفي، كأنها تحث حنايا وجوارح الراقص كي تتلون مع موسيقى الكون الحالم، وليس اثارة غريزة، وغنج مبتذل، في الجسد الراقص، وكأن التطريب كان للقلب في البدء، ثم يرقص الجسد بعد ثمالة القلب، فيصيب القلب بالحمى بدءا، وتسهر الجوارح بعدها، وتختصم، (فألحانه تنبع من حال يتيم، يصر على الفرح)، وكأن أخواله، واعمامه، أغدقوا عليه عطفا نبيلا، عوضه اليتم المبكر، بل جعله مميزا بين اقارنه، وقد ظل طوال حياته، يبحث عن هذا التفرد، ولكن بوسائله الصحاح (وليس الشاعر الذي يشرب الماء صفوا، ويشرب غيره كدرا وطينا)، بل له الصدر، دون العالمين أو القبر...وما اللحن؟ سوى تلكم العواطف والأصوات التي تجمعت من جداول الأفراح ، وانهمرت الاحزان ، وصبت في قلب الفتى، من عهد ألست بربك، قبل حبو الزمان، ومشي المكان، ولاشك هو ميراث طويل، في تقلبه في الأصلاب، حتى خرج مغنيا. كما خرج الزين ضاحكا من بطن أمه، في عرس الزين، وكما يخرج الضوء نشيطا، من مهده في الشمس، ونشيطا حتى كهولته على ظهر الأرض الطيبة، حين يضئ الوجوه والحقول والجبال.. حين لحن (يا شعبا تسامى)، أستلت صورة الاستاذ محمود، أمام قدسية المشنقة، وفرحة اللقاء بالجمال الأسمى، التي ارتسمت على وجهه، وكأن البشرية وبعد تاريخ الطويل، تصالحت مع (ملاك الموت)، بصدق وعمق، ومعرفة، أستلت تلك الصورة، لمفكر مبتسم، (الأنتصار على الخوف)، استلت لحنا من جب روحه، وقعر ذاته، كما استل السيارة يوسف الجميل، من قاع البئر، يوسف الصديق، الجميل.. (وكل فتى على مقدار ما سقاه الساقي يغني) فذلك الموقف البطولي، هز حنجرة وردي، وقبل ذلك قلبه، فخرج اللحن وثابا، معتدلا، بلا تكلف، بذاك الغمام، الذي فج الدنيا ياما، وخرج من زحامها، زي بدر التمام)، الموقف اللحن ، واللحن الموقف ، وجهان لنشيد واحد .. وكما أستلت تلك الصورة، لمفكر سوداني أسمر، الباسم في وجه مقام الموت، برضى عجيب، حقيقي، استلت اللحن من جب قلبه ، كسيارة يوسف ، لحن بهي الطلعة ، كابن يعقوب ، يقد من يصغي له ، جلبابه من دبر ومن قبل ، بلا حول منه ، لطلعة اللحن ، وبهائه الفطري ، وتلذذ النفس ، بالجمال كفطرة ، وسنة غامضة ، قدت في جرمه .. كما أن ألحانه، فيها شئ من طهرانية وعذوبة ألحان الكاشف، ولكنها ممزوجة بقدر مناسب من النزوع الجسدي، (المنزلة بين المنزلتين كما يقول معتزلة بغداد)، فأغاني الكاشف جلسة استماع ، وأن شئت فقل جلسة سماع صوفي، وإن تغنى بسلمى، وليلى، وسعاد، فما هن، سوى مظاهر تجليات جماله، في الحس والمعنى، وكأن اختيار المنطقة الوسطى، (ما بين الجنة والنار)، التي أنكرها شعر نزار، ( لا توجد منطقة وسطى)، وجدها وردي، بين جنة المعنى، ونار الجسد، حمى الجسد، فكانت اغنياته، تعطي الجسد حظه، والروح حظها، وكذا النفس... عزة الأميرة، وفي البال حكايات عنه ، في الأسبوع المقبل ، لو مد الله في العمر، وبركة التعبير، وتلكم العلاقة بينه وبين شاعرك الشعبي، العظيم، محجوب شريف.. عميق محبتي ابنك المخلص عبد الغني كرم الله حي الأزهري، جنوب الخرطوم | |
|
| |
بشرى مبارك
عدد المساهمات : 7557 تاريخ التسجيل : 19/02/2009 العمر : 64 الموقع : أقيم فى بيريطانيا مدينة بيرمنجهام
| موضوع: رد: الرحمة تتغشاك يا وردى مطرب العرب وأفريقيا اللهم أغفر له وأرحمه الأحد 29 أبريل - 4:30 | |
| في ذكرى اربعينية وردي مقالات كتبت قبل الرحيل السبت, 28 أبريل 2012 13:06 الاخبار - تقارير اخبارية أنس العاقب:
هذه محاولة أخرى ألجها باحثا عن مكامن الإبداع فى بعض أغنياتنا التى ظلت وستظل تمثل علامات فارقة فى مسيرة الغناء والموسقى منذ منتصف القرن العشرين الماضى وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .
ولما كان الإبداع نعمة نادرة يخص بها الله وحده قلة من عباده ولأن المبدع نفسه إنسان تتجاذبه نوازع القلق والتأمل وتجذبه إليها عوامل ومغريات شتى تتأرجح وتتفاعل بين إرادة الفعل و الهروب منها وبين بواطن الوعى واللاوعى بالأحاسيس والأزمات والإنفعالات التى لايدركها إلا المبدع نفسه ولا يفهمها إلا قلة قليلة وعمر الدوش وبدون ألقاب كان واحدا نادرا ومن أبرز وأميزشعراء جيلنا فى السودان خلال الثلاثة عقود الأخيرة وإن لم يكن يحمل طبلا يـُسَـوِّق به أشعاره صباح مساء فى وسائل الإعلام المنتدى واهتبال فرص الظهور فى كل حين ولا أذكر مطلقا أنه كان طيلة معرفتنا به ميالا للأضواء وضجيج الشهرة وصخبها التى عشقها وأدمنها كثير من الشعراء الأقل منه قامة فى الشعر والثقافة وفنون الدراما والمسرح ووجودا إنسانى ومع ذلك كانت أشعاره تتسلل إلينا دون أن ندرى أودون أن يدرى هو ... الدوش نادرا ما كان يقرأ لنا أشعاره إلا من حفاظ شعره وحفظته وما كان ينشربين الحين والحين ومع ذلك توجناه عرفانا واعترافا على إمارة الشعر وما كان يتخيلها ولا كان يحسب نفسه أحد رعايا هذه الإمارة لأنه فقط كان يحلم بعالم مختلف أكده بقوله :
أنا بحلم إنى فى أكوان بترحل من مراسيها
ثم أن عمر الدوش الإنسان إنشغل بعمر الدوش الفنان ثم ما لبثا أن إندمجا فى كيان واحد لا فكاك منه حتى بالموت فاجتمع بذلك الصقيع بالهجير أو فلنقل إلتقت إرادة الحياة مع قلق المبدع وتمرده فكان أن إنفتحت عليهما كوات من الضوء الباهر وبوابات من الزمهرير الأليم فلم تستطع روح الدوش الشفيفة المعذبة إلا أن تتسامى عن جراحاتها وترتقى بها مفعمة بالتفاؤل وذلك بالخروج من قمقم الذات منطلقا إلى مدارات جديدة فى مجرة عالمه الحقيقى الذى ما برح يحلم ويبشر به ....
قليلون جدا فهموا حقيقة إنسانية عمرالدوش وعبقريته وآخرون كثر صمتوا عنه وفى دواخلهم كانوا لا يرون فيه إلا إنسانا تائها أضاع نفسه ثم ضيعته الحياة ...
هؤلاء ظلموا أنفسهم أولا وأخيرأ وقبل كل شئ .... لأن الزمن لم يمكنهم من أن يغتالوا عمر الطيب الدوش المبدع ولأن العظماء لا يظلمهم التاريخ ... فهم دائماعظماء الإنسانية فكيف إذا كانوا هم مبدعيها.
الدوش كان مقلا فى الكتابة ولكنه كتب شعرا ونثرا وألف للمسرح فانبهر به المسرح وإدهش الناس ، ثم أن الدوش كتب فى النقد فأسرج به قناديل من صحو وصدق الرؤيا
لأجل بعث ثقافة جديدة وفن جديد ..... وحياة جديدة .
أمامى قصيدة الدوش (بناديها) ... قرأتها وقرأتها ثم قرأتها للمرة الثالثة وأخذت أستجمع بعضا من ذاكرة الأيام (أين كنا ؟ أين أصبحنا ؟ وكيفَ ؟ ) ....
والدوش يبتدر الموقف بكلمة واحدة صادقة ومدوية :
"بناديها" .... ثم ماذا بعد يا عمرالدوش ؟
"وبعزم كل زول يرتاح على ضحكة عيون فيها" .... و ... "بناديها"
هكذا قدم لنا عمر الدوش القضية ....قضيتنا كلنا معا .... بوعى أوبلا وعى
الدوش يناديها إذن ...... لماذا .... ولمن ؟
يناديها لنا لنرتاح من ظنوننا وعذاباتنا ويأسنا لنرتمى فى حضنها الدفئ ونهنأ سعادة وحرية فوق رموشها الوثيرة الأثيرة ثم ننثنى لنغازل النجوم والفرح والشروق ....والحياة الجديدة ..
هو إذن يناديها لنا وكذلك وردى يناديها لنا ولكل الدنيا ويلح فى النداء بعد مقدمة موسيقية ذات جاذبية إتسقت فيها قدرات وردى فى المواءمة بين الإنسياب اللحني والضرب الإيقاعي ولا يناديها وردى إلا بعد أن يناديها الجيتار مرات وبرغم ظهور جملة موسيقية تتقافز مرحا فتناديها الأوركسترا مع الجيتار مرات ومرات ... وكانما حفظ وردى النداء أوبعدما تأكد له أن الأوركسترا قامت بواجب المناداة ينطلق بصوته فى فضاء الكون كله
"بناديها .. بناديها .. بناديها .. بناديها .. بنــــاديــــــــــها "
" وبعزم كل زول يرتاح على ضحكة عيون فيها" .... وأنت يا عمر
"بناديها ..بناديها .. بناديها" .... علها تسمعك
وقبل أن نصحو تماما مع هذا النداء الداعى يعود الجيتار ويتبادل مع الأوركسترا حوارا شجيا حنينا ثم يحمل وردى بصوته الندى الصادح ذلك التوق الخافق إليها وقد قرر أن يؤدى الكوبليه كاملا .... فمن تكون هى وماذا يريد أن يقول؟؟؟
" أنا بحـلم إنى فى أكوان بترحل من مراسيها" .... كيبف ياوردى؟
"عصافير نبتـت جـنحات وطـارت للغـيوم بـيـها" ... ثم ماذا بعد؟
"مسافر من فرح لى شوق ونازل فى حنان ليها" ... ياللسعادة !
"أغنى مع مراكب جات وراها بلاد حتمشيها " ... وهل ترضى ذلك ؟
" وبحزن لى سفن جايات وما بتلقى البلاقيها" .... وهو ضياع ثم لابد من....!
"بناديها .. بناديها .. بناديها .. بناديها .. بنــاديـــــــــهــــــا"
عمر الطيب الدوش هو الشاعر الذى لم يجعل من حبه حالة رومانسية بكـَّاءة متوانية ولا حوله إلى لحظة عشق جريح مهزوم ولا أحتمى فيه بالتغزل المفضوح أنانية ... فقد كان الحب عنده حالة عارمة من الإنسانية وكونا واسعا يتدفق بالحياة مثله تماما ليتحول لعاطفة تتماهى فيها الإرادة بالرجاء والأمل والتفاؤل ولو على سراط العذاب كما تعذب هو لكنه لم يفقد أبدا إحساسه محبا وعاشقا للجمال وللحياة والحرية .
وردى فى عملية البناء النغمى والموسيقى أعطى لنفسه الحق التعبيرى لصوته ليؤدى بطولة التعبير الأدائى الظاهرى منه والجوانى لكلمات الأغنية ثم أن الغناء أصلا هو بطولة طرب صوتي حتى ولو جاءت الكلمات كما فى (بناديها) موحية أو مستغرقة فى الإيحاء والغموض والغمز المباح وغير المباح والتى تشير إليها بناديها بلا مواربة ولذلك قصة ذات دلالات ومعانى أشرك القارئ معى فى الإشارة إليها:
كنا قد إستدعينا نحن جمهرة من الموسيقيين والمطربين وأساتذة وشعراء ومسئولين لإجتماع عاجل بوزارة الثقافة والإعلام مطلع سنة 1974 وبعد إكتمال المدعويين جاء ورأس الإجتماع الوزير الأستاذ عمر الحاج موسى وقد كان رحمه الله رجلا فذا فى عسكريته وثقافته وأدبه وأريحيته كما كان سياسيا من طراز سودانى فريد وكان قادرا على إمتلاك ناصية الحديث بلاغة أدبا وتأدبا وثقة بالنفس وسماحة بمحدثيه .
دار نقاش حول إمكانية قيام المهرجان الغنائى الموسيقى الأول فى بحرذلك العام نفسه ( وهو ليس مهرجان الثقافة الأول الذى إنعقد عام 1976 ) وليس بخاف على الجميع حالة الجفاء التى سادت العلاقة بين نظام مايو والفنان محمد وردى ، وفى الحديث عن ليالى المهرجان تحدث الوزير مقترحا أن يختتم المهرجان بليلة ختامية تكون هى قمة الليالى يتنافس فيها عمالقة فن الغناء بأعمال جديدة ترصد لها جوائز تشجيعية غير مسبوقة وفجأة وبدون إستئذان إنبرى وردى موجها حديثه مباشرة للوزير قائلا ( يا سيادة الوزير أنا لن أشارك فى هذه الليلة لسبب واحد هو أننى فوق التنافس ولا أحد يستطيع منافستى ) وقبل أن نلتقط أنفاسنا من هول كلام وردى الصريح المصادم فقد كان من بين الحضور عدد مقدر من فنانين كبار وكبارجدا ... واصل وردى حديثه ( وكيف أشارك وأنتم يا سيادة الوزير أوقفتم بث أغنية بناديها) .
وبروح طيبة ونفس هادئ رد الوزير عمر حاج موسى قائلا ( أمر مؤسف ألا تشارك فى المنافسه يا وردى) ثم التفت إلى المرحوم محمد خوجلى صالحين مدير الإذاعة آنذاك وهمس فى أذنه بكلمات قليلة واستمر الحوار حول ترتيب فعاليات ليالى المهرجان الغنائى الموسيقى الأول وكنت أمثل معهد الموسيقى واقترحت أن يقدم المعهد ليلة كاملة الفعاليات وافق عليها الجميع وبعد دقائق معدودة دخل إلى الإجتماع الأستاذ صالحين يحمل جهاز الراديو Zenith خاصة الوزير وفتح الراديو على صوت مذيع الربط وهو يقدم أغنية بناديها من كلمات الشاعر عمر الطيب الدوش لحن وغناء محمد وردى واستمعناها كلنا كاملة دون أن ترمش لنا أذن ، وما أن إنتهت الأغنية بادر الوزير وردى فى شئ من السخرية المازحة متسائلا ( بالمناسبه يا وردى ما معنى الضل الوقف ما زاد ؟ ) جاء رد ورد ى سريعا فى ذكاء مدهش (يا سيادة الوزير أنت رجل أديب ماذا تقول ؟ ) ضحك الوزير ورد عليه قائلا ( إنت عارف وأنا عارف ) لم يسكت وردى فوجه للوزير سؤالا ساخرا...( طيب سألتنى ليه ؟؟؟) .....
إنفض الإجتماع المثمر الذى أفضى إلى قيام المهرجان مع الإبقاء على ليلة الكبار بدون منافسة شريطة تقديم الجديد خرجنا ووردى أطولنا قامة وأعلانا هامة .
وأما عمر الدوش فقد ظل يردد معنا منذ ذلك الزمن :
(مسافر من فرح لى شوق بغازل فى حنان ليها)
ولم يتردد وردى فى غناء هذا المقطع كاملا مؤكدا بطولته المطلقة صوتا وأداء عميقا معبرا ولكن عمر الدوش لا يكتفى بهذا الحلم الذى نادانا إليه لأنه الآن فى حالة طاغية من التأسى والتحدى وأما رومانسية وردى المطلقة بدأت تتغنى بصوت محزون شجى ثم بصوت الساكس وأنينه المبحوح متبادلا مع الأوركسترا التى تؤدى فيها الوتريات دورا أساسيا ثم وهى تئن بالجملة الموسيقية وليس لها سوى أن تتأوه وتتأوه ثم تندفع لتختتم هذا العذاب الجميل وأنفاسها تتردد من خلف وردىوهويتأسى بصوته الحزين وبلا توقف ونحن نلهث خلفه وقد غلب علينا الأسى والطرب :
"ولما تغيب عن الميعاد
أفتش ليها فى التاريخ واسأل عنها الأجداد
واسأل عنها المستقبل اللسع سنينو بعاد
وافتش ليها فى اللوحات محل الخاطر الما عاد
وفى الأعياد
وفى أحزان عيون الناس
وفى الضل الوقف ما زاد
بناديها .. بناديها .. بناديها .. بناديها .. بنـــاديـــــــــــها"
كان عمر الدوش يترجم القضية فى زمن بائس كظيم !!
وكان وردى الملحن قد فهم المعنى الكلى فاراد يؤديه بصوته بلا توقف ولم يترك للأوركسترا سوى بقية من صدى المتابعة الخافتة ونحن نلهث خلف وردى يستبد بنا الطرب والإنفعال فى وطن ناسه المبصرون لا يرون مبدعيه ومن يرونهم لا يسمعونهم ومن يسمعونهم لايحفلون بهم ولا بمقدار قرش تافه !!!!
مع من إذن يتكلم المبدع ؟
ومع من يتحاور؟
ولمن فى هذا الوطن يبث حزنه وآلامه .... وآماله؟
"وفى أحزان عيون الناس"
وردى إكتشف عالما جديدا وواقعيا ومتناقضا تجلى فى أغنية بناديها التى كتبها عمر الطيب الدوش برؤية وضمير إنسان موجوع وفنان يتعذب لكنه يظل يحلم ويحلم فى خضم عالم غريب عليه ويعيش فيه وأما محمد عثمان وردى فهو لم يكن يختلف كثيرا عن عمر الدوش لولا أن الدوش كان مبدعا متمردا حالما ووردى ما يزال مبدعا مجددا وإنسانا متفلتا مصادما وكلاهما لم تنقصهما الشجاعة ؛ أحدهما كتب نصا صعبا والآخرصاغه لحنا تجاوزبه الآذان إلى القلوب واستفز مقطع صغيرمنه وزيرا كبيرا وهذه هى رسالة الفن الحقيقية شريطة أن تكون رسالة مبدعة بحق .
عمر الدوش كان مؤمنا بفنه وبرسالته فقد ظل طوال عمره رحمه الله وأحسن إليه ينادى ويبشر بهذه الرسالة لذلك لم يكف عن الحلم حتى وهو يهدى آخر أنفاسه للوطن الكبيروللأحباب الحقيقيين على قلتهم فى هذا الزمن وذاك ...
وردى يحلم ويواصل الغناء الجميل مختتما الأغنية على إيقاع التمتم الذى يحبه كثيرا ولا تخلو منه أغنياته الطويلة والقصيرة والموسيقى كادت أن تستلف نغمة شعبيه ولكن وردى لا يريد أن يعطل إيقاع التمتم فيمنح الأوركسترا جملة موسيقية مسترسلة ليوظف مقطعها الأخير ويجعله لازمة موسيقية رشيقة تصحبه وهو يغنى مشحونا بالفرح والأمل والطرب ....
بمنتهى التفاؤل يعلن "بناديها والاقيها واحس باللقيا زى أحلام بتصدق يوم والاقيها"
وبمنتهى الأمل لاينفك يحلم "واحلم فى ليالى الصيف بساهر الليل واحجيها"
وبمنتهى التفانى يذوب مغنيا "أدوبى ليها ماضيها واطنبر ليها جاييها"
وبمنتهى الوفاء والرجاء يناجى"برسل ليها غنوة شوق واقيف مرات والوليها"
وعمر الدوش يردد ... ووردى يصدح
واناديها.. واناديها.. واناديها.. واناديها.. وانــــاديــــهــــــا
وانا... وانت .... وكلنا بلا شك
نــــــنـــــــــــــــاديـــــــــــــــــــــهـــــــــــــــأ
ويصدح النداء بصوت وردى قويا عميقا فى الضمير و إلى الأبد وسيتمدد الوطن
ظلا وريفا بالأمل والرجاء والتحدى بمثلما كان يحلم عمر الدوش..
وبمثلما غنى وردى ...
والنداء لا ينقطع ولن ينقطع ..
وهوفوق ذلك جرح نبيل ينزف حبا للوطن ..
وما اجمل وأعظم من الوطن إلا الوطن نفسه ..
وآه يا وطن ....
رحم الله الإنسان الفنان عمر الطيب الدوش الذى كنا (نناديه ) الدوش
وستظل ذكراه وإبداعاته تنادينا وتنادينا.... والله الموفق .
ملحوظه : هذا المقال التحليلى المجتهد نشر فى جريدة الصحافة فى أكتوبر2001 ضمن ملف خاص بذكرى رحيل الشاعرعمر الطيب الدوش وكذلك قبل عودة الراحل وردى من منفاه فى الولايات المتحدة وقد أجريت على المقال بعض الإضافات المعلوماتية وفى الصياغة بما لا يؤثر مطلقا على المقال الأصل .... ألا رحم الله الفنان محمد وردى والشاعر عمر الدوش وأحسن إليهما .... آمين | |
|
| |
بشرى مبارك
عدد المساهمات : 7557 تاريخ التسجيل : 19/02/2009 العمر : 64 الموقع : أقيم فى بيريطانيا مدينة بيرمنجهام
| موضوع: رد: الرحمة تتغشاك يا وردى مطرب العرب وأفريقيا اللهم أغفر له وأرحمه الإثنين 7 مايو - 21:55 | |
| فـى ذكرى أربعـينـية وردي مقــالات ما قــبل الرحـــيل (4) الاثنين, 07 مايو 2012 08:58 الاخبار - تقارير اخبارية أنس العاقب:
أغنية الود بين رومانسية عمر الدوش والفكر التجديدى عند محمد وردى
كان من المفترض أن نتناول أغنية (الود) من قبل محاولتنا السابقة التى قمنا فيها بتحليل أغنية ( بناديها) وكلتاهما للشاعر عمر الطيب الدوش رحمه الله ولحنهما وتغنى بهما أستاذنا المبدع محمد وردى بل لهذا الثنائى ( الدوش ووردى) أغنية ثالثة هى
( الحزن القديم) التى لا تقل أهمية عن سابقتيها (الود) و(بناديها) ولكن لظروف خاصة بى وكذلك ظروف إعداد وإخراج ملف خاص بالراحل الشاعر عمر الدوش رأيت أن أبدأ بأغنية بناديها لأنها فى تقديرى الشخصى أعمق وأكثر نضجا من قصيدة الود
التى كانت فى زمانها وما تزال تمثل شكلا جديدا فى كتابة الأغنية وأسلوبا متميزات فى صياغة التعابير التى إنفرد بها الشاعر الدوش .
أذكر أننى كنت ضيفا خاصا ضمن مجموعة إستضافها الأخ خضر محمد أحمد (قبل أن يصبح المليونير خضر الشريف)فقد كان يعمل سكرتيرا لوزير الخارجية عام 1969 فى منزله الكائن بحى السكة الحديد فى أخريات أيام اليموقراطية الثانية وكان الغرض الأساس من تلك (القعده) الإستماع لشخصى كواعد قدم من كسلا وكأبرز الأصوات الجديدة فى ساحة الغناء ...
المهم ونحن نتسامر دخل علينا الأستاذ وردى وكان قادما لتوه من مشاهدة مباراة أقيمت بين فريق الهلال وفريق أوروبى زائر ( وردى طبعا هلالابى عتيد) وتلك كانت هى المرة الأولى التى جمعتنى صدفة فى جلسة كاملة مع الأستاذ وردى .وبعد أن غنيت ثلاث أغنيات طلب منه أن يعلق قال بلا تردد ومجاملة والله مش بطال يجى منو فى داخلى لم أتقبل حكمه علىَّ بهذه الصراحة وبدون مجاملة السودانيين المعروفة قم علمت فيما بعد من معاصريه والقريبين منه أنه منحنى أعلى تقدير وبعد إستراحة قصيرة تناول العود بتاعى ووجه حديثه لنا قائلا إيه رايكم أسمعكم الليله أغنية جديده لشاعر إسمه عمر الدوش واستفاض فى الإشادة بالشاعر الشاب الذى إكتشفه هو وتحدث عن شعره بحماس ملفت وقبل أن يغنى وردى أفادنا بأنه سيدخل آلة الطنبورلأول مرة ضمن الأوركسترا ثم غنى وردى (الود) وكنت أول من استمع لها فى الوسط الفنى وسيظل ذلك الحدث الفريد ملتصقا بذاكرتى بكل تفاصيله تقريبا.
وبعد أسابيع قليلة قدم وردى أغنيته الجديدة الود فى سهرة تلفزيونية بأضخم أوركسترا بعد أن سبقتها حملة ترويج ودعاية مكثفة ، وما زلت أتذكر أن تلك الأوركستراعلى ضخامتها ومشاركة وردى بالعزف على الطنبور ، إلا ان أداءها
كان مهزوزا ومشوشا وكنت لا أدرى لذلك سببا وجيها فقد كنت وقتذاك وافدا جديدا وصغيرا على عالم عمالقة الغناء ونسمع عنهم كيف كانوا يجتهدون فى تكثيف البروفات بهدف تجويد التنفيذ الموسيقى والغناء .
أظن والله أعلم أن وردى لم يكن راضيا عن أداء الأوركسترا لأغنية الود التى عول وردى أن يندفع بها إلى مرحلة تجديدية لم يسبقه عليها أحد ولكن برغم ما اكتسبته الود من جماهيرية فقد إنحسرت عنها فجأة ، وربما لهذا السبب أو بسبب التحول السياسى المفاجئ الذى حدث إثر إنقلاب مايو 1969 اليسارى الذى إنكب فيه وردى مؤيدا بحماس دافق فصارفيه وردى رئيسا للجنة النصوص والألحان ضمت الرفيقين المرحوم الشاعر على عبد القيوم والفنان محمد الأمين واستهل وردى نشاطه الثورى بنشيد نحن رفاق الشهداء كلمات على عبد القيوم.
ثم فى عام 1970 إنعقد لقاء قمة ثلاثى فى طرابلس بليبيا جمع قادة الثورات الثلاثه
ناصر/ يوليو و نميرى/ مايو و قذافى/ سبتمبر رحمهم الله ورحم ثوراتهم وكان وردى آنذاك فى زيارة لليبيا ثم فى طريق العودة للسودان عرج وردى على القاهرة وهناك واتته الفرصة لإعادة تسجيل أغنية الـود تحت إشراف الموسيقار الموزع المصرى أندريا رايدر بالإضافة إلى نشيد يمجد الثورات الثلاثة كتبه المرحوم عبد المنعم عبدالحى يقول مطلعه :
لقاء يوليو المجيد مايو الرجوله وسبتمبر كتب أمجاد بطوله
وتم تنفيذه بنفس الأوركسترا التى نفذت تسجيل الـود وعندما عاد وردى من القاهره وبثت أغنية الود من الإذاعة أعجبنا بها إلى درجة الإنجذاب والإنبهار الشديدين وقد إمحت صورة الأوركسترا ( الورشه ) التى قدمتها لأول مرة عام 1969 وأشرنا إليها آنفا ، فقد جاء أداء الأوركسترا المصرية ضخما فخما وعلى درجة عالية ورفيعة من الحرفية والإجادة وإن ظل بعضنا من الموسيقيين والكتاب يتذرعون جهلا بمنطق غريب يدعى أن الأداء جيد بالفعل لكنه يفتقر للنبض والسمات السودانية ومع ذلك كان أداء الأوركسترا المصرية لأغنية الود أمرا جديدا ومستفزا لأسلوب أدائنا السماعى التقليدى فى العزف المتعارف عليه منذ تكوين أول فرقة موسيقية للإذاعة السودانية فى منتصف القرن الماضى وهو العزف الى يطلق عليه مصطلح ( الجقلره) المعتمد أساسا على الذاكرة السماعية عند العازف وقدرته على توصيل الأداء بالكيفية التى يستطيعها وهو ما يسمى علميا Heterophony أو الهترفه فقد إرتقى وردى بأداء الأوركسترا المصرية وأضاف إليها آلة الطنبور الشعبية ومع ذلك تظل أغنية الود مصحوبة بسوء حظ حتى بعد تحديث أدائها بأوركسترا ضخمة لم تشهدها أغنية سودانية من قبل إذ إنحسرت شعبيتها ربما لأن وردى إنشغل بتاييد ثورة مايو69 ثم لم يمر وقت طويل حت إنقلب عليها أو إنقلبت عليه عام 1971وعلى الحزب الشيوعى الذى ينتمى إليه فأسكت حسه بعد أن فقد حريته بإعتقاله وحبسه سجينا قرابة عامين وبعد إطلاق سراحه عام 1973 خرج وردى إنسانا آخر ومبدعا مكتمل النضوج ليتمكن من تجاوز عصره بأغنية قلت أرحل الذى فشلت فيه أغنية الود
ونعود نتكلم عن الود .... يقول المقطع الأول
أعيشها معاك لو تعرف دموع البهجه والأفراح
أعيشها معاك واتأسف على الماضى اللى ولى وراح
على الفرقه الزمانها طويل
على الصبر اللى عشناهو مع طول الأسف والويل
كلمات حب مباشره وحالة عاشق حزين أسيان ، عاشق يعترف صادقا وهو يبكى أسفا على الماضى لعله يستدر عطف محبوبه والشاعر عمر الدوش ظل مضيع الحب إنسانا فى هذه القصيدة وتائها مضيعا فى قصيدة بناديها فماذا كان سيفعل وردى المتحمس للشاعر وشعره القاصد بأغنية الود تجربة إبداعية يتجاوز بها التقليدية ولوقليلا فكان لا بد من مقدمة موسيقية يترجم فيها هذا الإعتراف المتفائل المتفجر بصحوة إنسانية تنزع نحو معانقة الماضى الجميل بالحاضر الأسيف لمستقبل مشرق خلاق
فماذا فعل وردى ؟
ما كان إلا أن تستهل مجموعة الوتريات كلها عبارة موسيقية قصيرة فخمة بلا معالم محددة كما لو أنها حائرة متسائلة ثم يتقدم الفلوت والزيلوفون فى أداء موحد يؤديان عبارة إيقاعية متقطعة مبهمة ثم لا تلبث الوتريات أن تتدخل لتعبر عن نفسها أكثر وذلك بتطوير تلك العبارة وتحويلها إلى جملة قلقة ويتكررتدخل ثنائى الفلوت والزيلوفون فى إداء كروانى سماوى يتبادلانه مع الأوركسترا الفخمة التى تنفعل مرتعشة لا تعرف ماذا تقول بل لعلها تنتظر صوتا قادما من أزمان سحيقة والساكس لا يخيب ظنها بصوته الصادح وكأنه ينادى ويناجى ويرسل بوحا دفينا إنطلق فجأة من إساره وهنا تصحو الأوركسترا من غفوتها لتشارك الساكسفون نغماته مواسية بل تشجعه ليواصل بث شكواه فيدخل بترتيل لحن الأساس محاولا الإنطلاق صعودا يرف يجناح اللحن الإستهلالى ليفتح لنا الباب لندخل إلى بهو لا نهائى مزدان بأنغام وردى المعطونة فى كلمات عمر الدوش وسنلاحظ أن هذه المقدمة الفخيمة المشحونة بكل المعانى التى ترويها قصيدة لود ، بذل وردى فى بنائها وحشد أفكاره اللحنية ليجعل منها مؤلفا موسيقيا مستقلا بذاته..
البناء الموسيقى للمقدمة ظل على حاله لم ينفلت من وردى ولا من الموسيقار أندريا رايدر الذى وضع بعض اللمسات اللحنية الأفقية المضادة Counterpoint مع نهايات المقدمة فأعطى للجملة الموسيقية الأساس معنى مضافا وعمقا لا تخطؤه الأذن
المرهفة . وفى هذا الصدد أذكر جيدا أن وردى قال لى ( أنا سمحت لأندريا رايدر بإضافة هذا اللحن المضاد فى سلم صغيرMinor Scale لأن الفكرة أعجبتنى) واستطرد قائلا (وطلبت منه ألا يوزع الأغنية بالطريقة الأوروبية خشية أن تضيع ملامح الغناء ولذلك أنا أشرفت على التدوين والتوزيع التوظيف لأننى فى النهاية سأقدم الأغنية لجمهور سودانى ) . وما زال هناك للأسف حتى من بين الموسيقيين من يعتقدون أن أغنية الود وزعها أندريا رايدروهذه غير صحيح البته لأنها تفتقر لعناصرومايير التوزيع الأساسية سوى تلك اللمحة الكنترابنطيه التى أضافها اندريا رايدر وقبل بها وردى مقتنعا.
وكعادة وردى فى مقدماته تدفق الألحان وانتقالها من إيقاع لإيقاع ومن فكرة لأخرى بمنطق وسلاسة . وهو عندما تستهويه جملة موسيقية لا يتوانى فى إستغلالاها بأشكال عديدة ومن أهمها إخضاعها للتبادل الحوارى بين العزف المنفرد الصولو فى مواجهة الأوركسترا تماما كما فعل وردى للجملة الختامية فى المقدمة الموسيقية لأغنية الود فقد إستطاع أن يستنفدها إلى أن وصلت فى تقديرى إلى مرحلة إنجذاب صوفى فى حلقة ذكر تماهت فيها الأحاسيس واندمجت فلم تنتبه حتى للزمن ثم فجأة تتوقف الأوركسترا مرتعشة مرة أخرى ليطل صوت وردى مكملا المعنى مخاطبا المحبوب:
أعيشها معاك .. معاك .. لو تعرف .. تعرف .. دموع البهجه والأفراح ..
وصوت وردى هو البطل الحقيقى وأما الأوركسترا فقد إنزوت خلفه فقط لتكمل
التعبير فى حياء إلى نهاية الكوبليه الأول :
على الصبر اللى عشناهو مع طول الألم والليل ..
وأما عن الكوبليه الثانى فإننى لم أقتنع بالأهمية الجمالية فى إدخال ألة الطنبور أصلا على نسيج الأغنية ناهيك عن منحها فرصة العزف المنفرد ذلك لأن الطنبور آلة غير لحنية كالعود مثلا وهى آلة ضعيفة الصوت لأن تكوينها وطريقة عزفها لايصدرعنه رنين نغمى ممتد أو مسترسل Sustained وفوق ذلك هى بطبيعة تكوينها آلة إيقاعية Percussive ثم أن وجودها كان سيضيع تماما وسط الأوركسترا الضخمة أو ستختل التوازن اللحنى Melodic Equilibrium وهى تواجه الأوركسترا بمفردها فكان من الممكن أن يؤدى البيانو أو الجيتار الكهربائى صولو الطنبور والنتيجة كانت ستكون أوقع وأجمل وهذا ماحدث عندما قدمه الساكس والزيلوفون الأوركسترا ثم ليأتى صوت وردى متأسيا متأسفا على الماضى :
زمان كنا بنشيل الود وندى الود ... وهذا منتهى الحب ...
وفى عينينا كان بكبر حنانا زاد وفات الحد ... ويا للسعاده ثم ماذا أيها العاشق ؟؟
زمان ما عشنا فى غربه ولا قاسينا نتوحد ..فماذا حدث إذن يا عمر الدوش
وهسع رحنا نتوجع .... لماذا وكيف يا وردى ؟
ونتأسف على الماضى اللى ما برجع .... نعم لن يرجع الماضى ولماذا؟
على الفرقه الزمانها طويل ... وكيف تقادم بها الزمان كيف الإحتمال؟؟
على الصبر اللى عشناهو مع طول الألم والليل ..ويا لضياع المحبين
وردى إنسان مدهش ويكون أكثر إدهاشا عندما يذوب فى معانى الكلمات ويستجليها بصوته ويرسلها معبرة تماما عن إنفعال اللحظة والوجدان ثم أن كل مستمع يفسر على هواه من رصيد العلاقة التى تربطه بالأداء الغنائى أو الموسيقى وهذا هو الفرق بين السمعHearing والإستماع Listeningأو بين السلبىPassive والإيجابىPerceptive فى التعامل مع الموسيقى خصوصا والغناء عموما.
حاولت فى مرات قليلة أن أنسى موسيقية Musicality وردى ولحنيته
Melodization وأخذت أركز على اسلوبه فى الأداء الصوتى ( الغنائية)
Lyricism فى مراحل النضج الفنى بتمكنه من وسيلته التعبيرية Expressive بصوته الصادح وتأكدت لى عبقريته فى الأداء التى أرى أنها تحتاج لدراسة علمية شامله بمن هم أكفأ منى فى هذا المجال ولكنى مع ذلك لم أكف عن دراسة ظاهرة صوت وردى وتفرده بأداء متمكن ومتفرد وعميق لا يدانيه فى هذه الخصوصية إلا الراحلين عبد العزيز محمد داوود وأحمد الجابرى(هذا رأيى وقناعتى) ...
ينتهى الكوبليه الثانى وغناء وردى يزفر أسفا على الحاضر الأليم وحسرة على الماضى الذى ولى ولن يعود ، لكن يظل الغناء متوشحا بالصبر والألم والسهر وصوت وردى يذرف دموع عمر الدوش وتفاؤله الذى لم ولن يصيبه الونى واليأس
صحيح إنو الزمن غلاب ... غلاب .. غلاب
لكن أنحنا عشناهو ومشينا..
مشينا ... مشينا عذاب
ودروبنا تتوه ....
ونحنا نتوه ...
ونفتح للأمل أبواب ..
أبواب .. أبواب .. أبواب
بهذا الإحساس المتفائل والإصرار على تجاوز عذابات الطريق ، ترجم وردى ذلك بإيقاع سريع فى حفل تتراقص فيه النغمات بين الأوركسترا وبقية اللآلات المفردة فى دائرة من فرح غامر يتقافز فوق سحابات الأمل والرجاء وصوت وردى يلح ويلح
مشينا..مشينا .. مشينا
عذاب .. عذاب .. عذاب
أبواب .. أبواب
للأمل أبواب .. أبواب
ويتواصل مهرجان الفرح وقد قرر الشاعر أن يستجمع شجاعته تزفه كل الطيور
الصادحة والطبول والترانيم الملائكية تدفعه دفعا لكى يبوح :
أحبك .. أحبك .. أحبك
أحبك لا الزمن حولنى عن حبك ولا الحسره
وخوفى عليك يمنعنى وطول الإلفه والعشره
وشوقى ال ليكا طول لسه معاى
شوقى لسه معاى
لى بكره لسه معاى
ولى بكره لسه معاى
لم يشأ وردى بعد كل هذا البوح الشفيف والإعتراف الوسنان والتمسك بالأمل إلا أن
يختتم هذه الأغنية بإشارة من بعيد تردد عبارة قصيرة مجتزأة من لحن المقدمة فلربما أراد وردى أن يستعيد اللحن كاملا مرة أخرى أو أراد أن يحملنا معه إلى عالم مجهول لكنه جديد ومتفائل مثلما كان يحلم به شاعر ضيعه وطنه وظلمه أقرب الناس إليه... وستبقى ذكراه حية فينا وسيظل وردى هرم إبداع تتجسد فيه عظمة التاريخ واعترافا بعبقريته فى دواخل ووجدان كل من أحبوه وكرموه بل وفى ذاكرة حتى الذين لم يحبوه وتفننوا فى ذلك سرا وجهرا رحم الله محمد وردى وعمرالدوش وغفر لهما ورحمنا معهما إنه سميع مجيب الدعاء ....
والله الموفق
أعترف للقارئ العزيز أننى أضفت بعض الأفكار التى عن لى إضافتها مهتبلا الفرصة التى أتاحها لى صديقنا وأخونا مصطفى أبو العزائم رئيس التحرير حتى تخرج المقالات كلها شاملة ومتسقة مع السرد التاريخى والتحليلى على حد سواء سيما ونحن نحتفى بذكرى عزيزين علينا محمد وردى وعمرالدوش رحمهما الله وأحسن إليهما... | |
|
| |
| الرحمة تتغشاك يا وردى مطرب العرب وأفريقيا اللهم أغفر له وأرحمه | |
|