محمد عبدالقادر من الرآى العام وإعتقال الترابى

مرة أخرى يصعد د. حسن الترابي زعيم حزب المؤتمر الشعبي إلى وَاجهة الأحداث في أعقاب اعتقاله وللمرة الخامسة مساء أمس الأول، السيناريوهات التي رسمها المراقبون لتفسير الخطوة استندت على ثلاثة أسباب أساسية:-
الأول: ما ظَلّ يتردّد عن علاقة تربط حزب المؤتمر الشعبي بحركة العدل والمساواة، ويستند هذا التفسير إلى تَزامن الاعتقال مع تَصاعد العمليّات العسكريّة مع قوات خليل في جبل مون والانهيار المفاجئ للاتفاق الموقّع بين الحكومة وحركة العدل والمساواة في تشاد، وما أسفر عنه هذا الوضع من انتكاس في مسار العمليّة التفاوضيّة التي ترعاها الدوحة.
وحتى تَتَكَشّف المعلومات الكاملة حول حقيقة الأمر تظل العلاقة بين الترابي والعدل والمساواة (حديثاً سياسياً) لم يتم إثباته بعد، على الرغم من تلويح الحكومة بالكثير من القرائن التي جَعلتها تعتمد قناعة تقول إنّ العدل والمساواة هي الجناح العسكري لحزب المؤتمر الشعبي.
وعلى الرغم من موضوعية هذا الاعتقاد الذي وفّرت له الظرف بيئة صالح للنمو والإقناع، إلاّ أنّه من المستبعد أن يكون ملف دارفور هو السّبب الأساسي وراء اعتقال الترابي، لأنّ قيادة حزب المؤتمر الشعبي أذكى من أن تترك حَيثيات واضحة توثق للتحالف مع العدل والمساواة أو تخلف دليلاً مادياً على تورط الحزب في مثل هذه العلاقة التي يُمكن أن تدمر مستقبله السياسي وتحرق صورة قياداته السياسية والفكرية.
والسيناريو الثاني الذي تحرك في مشهد اعتقال الترابي هو أن تكون الخطوة جاءت كردة فعل على تصريحات الشيخ حول تزوير وتبديل صناديق الانتخابات، ويأتي هذا الحديث في الوقت الذي أظْهرت فيه مفوضية الانتخابات جدية كبيرة في التعامل مع الطعون ودعاوى التزوير ودخلت فيه مثل هذه القضايا أروقة الاحتكام للعدالة، ومن الضرورة بمكان الانتباه إلى أنّ جهاز الأمن والمخابرات أذكى من أن يقدم على التدخل بالاعتقال في قضية أصبحت ذات مسار قانوني جعل القضاء يقطع فيها شوطاً بعيداً للحد الذي ألغى فيه انتخابات دائرة «أوليب» على خلفية قضية (شريط ال?يديو) الشهيرة ومضى إلى أكثر من ذلك في مُلاحقة متهمين.
ومن المهم الإشارة إلى أنّ المرحلة التي انتجتها الانتخابات تشهد مراعاة كبيرة للأُطر القانونية التي تحكم تعامل جهاز الأمن والأجهزة الأخرى مع الأطراف السياسية، لذا فإنَّ اعتقال الشيخ لأسباب متعلقة بتصريحاته حول تزوير الانتخابات أمر غير وارد.
السيناريو الثالث، يفترض قراءته مع إغلاق صحيفة المؤتمر الشعبي، التي يبدو أنّها السبب وراء ما حَاقَ بزعيم الحزب من مصير إنتهى به إلى الاعتقال، فلقد أصدر الفريق مهندس محمد عطا المولى المدير العام لجهاز الأمن والمخابرات الوطني أمس قراراً يقضي بالحجز على ممتلكات شركة الندوة للصحافة والإعلام المحدودة وإيقاف «رأي الشعب».
القرار تحفّظ على تناول صحفي لـ «رأي الشعب» قال إنّه مُضر بالأمن القومي للبلاد الأمر الذي دفع الجهاز لاتخاذ قراره وفقاً للمادة 25 (د) من قانون الأمن الوطني مقروءةً مع المادة (أ) و(ب) من قانون الصحافة والمطبوعات لسنة 2009م.
طرق كثيرة كان بالإمكان أن يسلكها الأمن إلى منزل الترابي بالمنشية خاصة وان تصريحات الرجل ظلت توفر حيثيات دائمة لمثل هذه الخطوة، إلاّ أنّه اختار أن يمضي إليه هذه المرة عبر أقصر الطرق (صحيفته) تفادياً لتأزيم الخطوة ونأياً بها عن زخم سياسي يفتح باباً للقيل والقال وكثرة السؤال.