منى سلمان وصحيتى فى نفسى الوجود من الرآى العام !!

أمسك بماكينة الحلاقة والمرايا وجلس على حافة السرير حيث تتيح له شمس الصباح رؤية أوضح لملامح وجهه، تمكنه من رسم حدود ذقنه الرمادية الكثة .. وبعد أن أكمل مهمته بإتقان يحسده عليه أبرع شباب الحلاقين الحبش، وضع الماكينة وبدأ في تشذيب اطرافها بمقص صغير وهو يدندن في انسجام:
من صدفة عااااابرة بلا سلام .. قلبي الرهييييف بالهم نزف
يا ريتني ما شفتك ربيع ولا كان يلازمني الأسف
ظل يدندن حتى انتهى من الحلاقة وبدأ في جمع أدواته، ولكنه انتفض فجأة فإرتجفت يداه وسقطت منها المرايا، عندما سمع ابنه الكبير (مصطفى) يقول:
أيه الجديد الليلة يا حاج؟ .. شايفك قايم من بدري وتحلق بي مزاج .. على وين كان الله هوّن؟!
رد (كرم الله) متوترا بسبب (الخلعة) وشيء من الحرج من أن يضبطه ابنه في تلك الحالة الوجدانية الشفيفة فقال بجفاف:
(مالك بي ؟ ماشي محل ما ماشي كمان داير تحجّر عليَّ المرقة؟)
أجاب (مصطفى) بـ (كبكبة) اعتذارية:
لا لا .. العفو يا حاج .. بي راحتك
لم يغير (كرم الله) عادته اليومية منذ نزوله للمعاش قبل بضع سنوات ووفاة زوجته .. فبالاضافة لحبة الضغط وحقنة السكري، كان يتناول قناة الجزيرة حبة ثلاث مرات .. وحبّة قعدة بالكرسي أمام البيت بعد المغرب يوميا .. وحبّة عند اللزوم بزيارة أحد أصدقاء الزمن الجميل عندما يمل من طول السكات والوْحْدة ..
تزوجت بناته وخلى البيت من انسهن وونستهن وحنان رعايتهن له، وتحولن لضيفات يجتمعن عنده فقط في الجمع والعطلات، أما الشباب فقد شغلتهم دنياواتهم عن السؤال من الـ(جلك) والاستماع لشكواه الدائمة من تغير الزمان وموت الخلّان وجفا الحبّان، لذلك جاءت انتباهتهم لتغير أحواله متأخرة، خاصة بعد انشغالهم حتى عن الاجتماع معه حول صينية الاكل الذي تعده لهم منذ وفاة الحاجة خادمة من دول الجوار الشرقي ..
لم تكن مفاجأة (الأولاد) بأقوى من مفاجأة أخواتهم (البنات) عندما فجّر في وجوههم قنبلة نيته الزواج مرة ثانية من شقيقة أحد أصدقائه المعاشيين، وهي (فتاة) ثلاثينية لم تنل حظا وافرا من التعليم فقبعت في البيت تنتظر (العدل) .. كان أول من استعاد وعيه من الصدمة (مصطفى) فقال في استغراب:
مع احترامي ليك يا حاج لكن انت العرس عايز بيهو شنو ؟ (الشغالة قايمة بطلباتك كلها ومافي شيء ناقصك .. حقّو ما تدخّل نفسك في).......
قاطعة (كرم الله) في غضب:
(حقّو ؟ّ! انت كمان داير تعلمني الحقّي والما حقّي ؟ منو فيكم الحاسي بي ولّا عارف الحاصل علي؟ سايبني مرمي هنا زي الكلب .. الواحد فيكم يستخسر الدقايق البقيف فيها قدامي عشان يسألني كيف أمسيت وللا كيف أصبحتا).
تذكرت صغرى بناته أمها المرحومة فبكت، فتباكت معها الأخريات بينما اكتفى الشباب بـ (الطنطنة) من تحت أنوفهم، فطق (كرم الله) عصاته بقوة وانتصب واقفا ثم غادر الغرفة مزمجرا في سرعة ونشاط ابن العشرين ..
طوال الاسبوع، كانت المحادثات لا تهدأ بين ابناء (كرم الله) وخالاتهن .. أرسلوا مراسيل الخبارات للتخبر عن العروس، فلم يجدوا لها عيباً سوى الادب والسترة والكثير من رقة الحال، فإتهمتها إحدى خالاتهم بأنها طمعانة في الورثة (عشان هي عارفاهو كراعو والقبر)، ونبهتهم الثانية من خطر سِنّها الذي يسمح بانجاب بطن بطنين سيتقاسمون معهم الدار والأموال ..
جارتهم وصديقة أمهم حاجة (رقية) كانت في صف الحاج، فقد قالت لابنته تلومها على معاندة والدهم:
(يا أولادي .. أبوكم لا راجل عرس ولا ولادة .. لكن محتاج للونسة والرفقة بدور ليهو زول يشيل ويخت معاهو في الكلام .. الله يعلم خشمو نشف من السكات والوحدة).
شاء الله أن يحسم الجدل عندما دهمت (كرم الله) نوبة انخفاض سكّر بعد أن طعن نفسه بالحقنة دون أن يتناول الافطار، ولأنه كان يقضي جل يومه وحيدا لم ينتبه لوقوعه أحد حتى افاق بنفسه وزحف نحو الهاتف ليستنجد بابنه الموجود في الغرفة التالية ..
بعد مرور شهر على خروج (كرم الله) من المستشفى كان يجلس سعيدا بجوار عروسته الخجولة .. حاولت احدى البنات ان تقترب من مجلسهما علّها تسمع ما كان (يتودود) به أبوها مع عروسته ولدهشتها سمعته يغني لها:
صحيتي في نفسي الوجود ورجعتي لي عيوني النهار ..

(قراءة: 711 تعليق: 10 طباعة: 23 إرسال: 0)
التعليقات

--------------------------------------------------------------------------------

1/ abo hashim - (جدة) - 18/2/2010
( صحيتي في نفسي الوجود ورجعتي لي عيوني النهار ) ودي قدر يغنيها من غير ما يكحه ؟- كان كدا عمك كرم الله لسه شباب

--------------------------------------------------------------------------------

2/ عبدالله الفاضل - (الجزيرة - العيكورة) - 18/2/2010
ياجماعة الخير ليه المجتمع عندنا مايتقبل زواج الوالد اكان مرتو ماتت او كانت حية ( اوعقرب ) وبرضو زواج الوالدة في حالة وفاة بعلها . وقصة تحكي عن رجل توفت زوجتو وهجروا اولادو جميعا وكل واحد مع مرتو وعيالو الا بنتو الوحيدة وقفت معاهو وساعدتو واقترحت عليهو الزواج وفعلا تزوج ورزقو الله باول مولود ولكن كان شايل في يدو سكين ومرتو بتولد وعندما سالوهو عن موضوع السكين قال ليهم ( حرم اكان جاء ولد اكان اضبحوا ليكم اسي دي ) وقصة اخري تقول واحد توفي ابوهو وكان شايف انو امو لسع صغيرة واقترح عليها ان تتزوج حاج الطيب ولكنها في الاول رفضت حياءا وخجلا ولكنه اصر والح عليها اصرارا واخيرا قبلت ( وطبعا هي من الاول رضيانا ) وتزوجت من عمك الطيب وفي الصباحية جاء الولد يصبح علي العرسان وسال امو قال ليها كيف اصبحتي يما ومن شدة انها مبسوطا قالت ليهو ( تصبح نبي ياولدي ان شاء الله )

--------------------------------------------------------------------------------

3/ ابومحمد الشنداوى - (جدة) - 18/2/2010
الاستاذة/منى كرم الله راجل (وردة) ويستاهل كل خير وهذا حق شرعى واحسن من يموت وهو عزابى ، مزيداً من المواضيع النيرة وفقك الله يابت سلمان كفاية الضيفان

--------------------------------------------------------------------------------

4/ صبري - ودالديم - (السعوديه جده) - 18/2/2010
لكن يا مني كلمة ال ( جلك ) دي يمكن لي اكثر من ثلاثين سنه ما سمعنها ... ماشاء الله عليكي عندك كميه من المفردات كثير من ناس الزمن ده ما بعرقوها وهي اكيد بتدي للقصه بساطه نكهه خاصه جدا

--------------------------------------------------------------------------------

5/ خلف الله الفاضل - (السعودية جدة) - 18/2/2010
لكي الشكر علي رسم لوحة حقيقيه معاشة خيالك واسع الأفق توقعت الحقنة جابت خبرو لكن ربنا ستر عديتيها علي خير الحمد لله وفقك الله .

--------------------------------------------------------------------------------

6/ بشرى مبارك إدريس - (بيريطانيا( بيرمنجهام)) - 18/2/2010
الاستاذه منى سلمان تحيه طيبه والله أبدأ من حيث ما أنتهى به مقالك الظريف وأقول أجريتى فى لسانى الضحك وحركتى فى عيونى الدموع !! والله بالجد ضحكت حتى سالت دموعى !! وصراحة أنا حالى ما بعيد من الكبر والوحده والصنّه فقد فرضوا على أبنائى الكبار أن أحضر معهم الى بيرمنجهام للدراسة الجامعيه فى الجامعات الانجليزية وبالفعل دخلوا الكليات المطلوبه قبل الجامعات وأحتاج هذا الامر أن يواصل الصغار الاثنين مع والدتهم فى المانيا الى حين الانتهاء من العام الدراسى ويكتمل الشمل وأصبحت أذهب الى بون كل 3 شهور أسبوع أو أسبوعين والبرنامج الاسرى ضاع منى! الكبار بحجه الدراسة تكلوا على كل الخدمات فقررت أن أعصر على الجيب والجاهز من الاكل ولحسن حظنا البيت جنب الجامع والجامع جنب المطعم الواحد فينا يمشى يصلى ويجيب أكلوا معاهو !!وبعد ما يشبع يكتب كم مسدار لكن نغنى دى أظن إلا الاسبوع الجاى عندما أذهب بون للمدام وتحياتى للاخ عبد الحليم نمر والذى يحب أن يستمع للاغانى التى أدندن بها رغم تحريفها من جانبى !!

--------------------------------------------------------------------------------

7/ ابودانية - (السعودية) - 18/2/2010
ياروووعة ..................!!!!!!!!!!!!

--------------------------------------------------------------------------------

8/ رياض محمد - (السعودية) - 18/2/2010
والله ما فى اروع من كده.

--------------------------------------------------------------------------------

9/ حسب الرسول حسن طه - (السودان) - 18/2/2010
والله يااستازه منى فىالسودان كثرت الفتيات العوانس مع كثرة مهور الزواج , كمان الشباب اللى فى سن الزواج عاطلين ماعندهم شغل, الواحد ماسك شهادتو منتظر الفرج من الكريم يجود عليه بعمل يحقق به طمحاتو من ضمنها طبعا الزواج, ولكن الزى عم كرم الله يساهل الزواج لايناس وحشته واكيد ح يكون زواج مبسط مافيهو فنان ولا ح يكون فى صالة مغلقة, وارسل رسالة لكل شخص يريد السترة لولده او بنته الا يغالى فى المهور لانو هزا هو الرءيسى او الاساسى فى عزوف الشباب عن الزواج, شكراٍ لك يااستازه مقالاتك هادفة وواقعية

--------------------------------------------------------------------------------

10/ بدرالدين محمد علي - (السودان الدبيبات الدباسين) - 18/2/2010
ياشباب وشابات اليوم يا من لهتكم الدنيا عن حقوق والديكم ارجعوا لصوابكم واهتموا بمن تعبوا وسهروا الليالي من اجلناحتي اصبحنا نحن الان أعطوهم حقوقهم كاملة حتي نضفر برضي الرحمن وخلاص ملينا من نغمة الدنيا مشاغل فليكن همنا أهلنا ووالدينا لان عدم رضاهم خراب لدنيتنا واخرتنا . انت رائعة يابت سليمان رائعة في اسلوبك وتناولك للموضوع بطريقة برازيلية رائعة حببت فيك القاري لك التحية والتجلة وموفقة اينما ذهبت انشاء الله.