ساعدونا بالسكات والمويه الباردة ..!!
منى سلمان
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] لأهلنا في الريف جفوة وتباعد عن الطب والتطبيب الحديث، ربما كان ذلك بسبب نقص الخدمات الطبية وربما لبعدها ومشقة الأنتقال إليها بالإضافة لأرتفاع تكاليف العلاج، ولذلك نجدهم غالبا ما يتداون بالوصفات البلدية والأعشاب ولا يلجأون للأطباء إلا للشديد القوي، ولذلك غالبا ما يكون الأنتقال بالمريض للمستشفى في الخرطوم مجرد تحصيل حاصل، دفعا عن أنفسهم تهمة التقصير في حقه أو ببساطة لان مخرج روحه في الخرطوم، وبسبب ذلك كثيرا ما يشكوا الأطباء من أن مرضى الأرياف يأتون بعد إستفحال المرض فيهم ويكون في مراحله الأخيرة التي لا يجدي معها العلاج.
كما أننا نعاني جميعا من علة (التدكتر)، وهي تبرع كل من يعود مريضا بوصفات للعلاج واصراره الشديد عليه بتجربتها، وتأكيده على نجاحها في معالجة حالات تشبه حالته.
عاش (بشير ود الصديق) تجربة مريرة بسبب وصفة كادت تودي بحياته لولا العناية الألهية، فقد كان يعاني من مشكلة يعاني منها الكثير من أهلنا في الريف وهي مشكلة الديدان التي أتخذت من بطنه سكنا واستوطنت وبنت مستعمراتها بين لفائفه ومصرانه الغليظ، لم يقصر (بشير) في تنفيذ جميع ما وصف له من علاجات الديدان من السنامكة وزيت الخروع والعسل وحتى الزبادي بحب التسالي المسحون دون فائدة تذكر، فيبدو أن ديدانه التي كانت تتغذى بغذائه وتأخذ تلك الوصفات كـ (تحلية)، قد نمت أكثر و(تربربت) بينما نحل جسمه وصار مثل (القشة أم روح).
أستمر على هذ الحال من المعاناة حتى قدم له أحد أولاد الحلال وصفة ذرية نووية للقضاء على الديدان فقد قال له:
عارف يا أبو البِشر لو عاوز تقرض الديدان دي تسوي شنو؟
أجابه بشير: ياخي قدر ما سويت ليها مافي شئ جاب فيها الفايدة.
واصل صديقه قائلا:
كدي جرب وصفتي دي هييينة .. بس عليك بي معلقتين بنزين تشربم على الريق وبعدين أنت براك بتشوف .. وبتجي تشكر صاحبك !!
لم يكذب (بشير) المسكين الخبر وسارع باحضار البنزين وبسبب كونه (ممكون شديد) فقد قال لنفسه:
معلقتين دي شويه .. أحسن أديهم كباية شاي عشان أقرضم مرة واحدة!!
وكان له ذلك ولكن بعد فترة وجيزة من شرب كبّاية البنزين، ابتدأ (بشير) يشعر بإشتعال الحريق في دواخله، ثم ثارت الزوابع الرعدية وانفجرت سماوات بطنه بشلالات من الأمطار اجتاحت في طريقها ديدانه، التي أصيبت بـ (الاستغراب) من اقتحام البنزين وتدميره لمستعمراتها.
كثر أسراع (بشير) للحمام كل حين وآخر لإفراغ دواخله و(مصرنة) مصارينه من كل ما بها، ثم جار البنزين على كل خلايا جسمه وقام بسحب المياه منها لينقلها لبطنه ومن ثم للخارج، فأصابه الـ (dehydration) بالعطش الشديد وصار يعب الماء البارد عبا ليبرد به (نار الجوف المحروق) حتى أتى على كل ما في البيت من ماء بارد ، واستعان بثلاجات الجيران ليطفئ بها حريق البنزين في دواخله.
خارت قواه وأصابه الجفاف بـ (كرمشة الجلد) من كثرة ما فقد من سوائل جسده، ومن الحركة الدائبة جيئتا وذهابا من وإلى الحمام، فأقام بجواره لا يبارحه وهو يلهث، اجتمع عليه الناس كل يدلي بدلويه ويفتي في طريقة العلاج .. اقترحوا عليه القهوه بالليمون والنعناع والحلبة وحتى بدرة الكاسترد بالمويه الباردة فكانت شقيقاته يقمن بتجهيز هذه الوصفات فيتناولها من فوره ولكن دون جدوى.
أستمر في شرب الماء البارد ومعاودة الدخول للحمام وقد ضاق صدره من كثرة الكلام والفتاوي التي تتنزل عليه من كل جانب فلاذ بالصمت، وعندما اندفعت إليه حاجة (سعدية) جارتهم الحنونة وهي تقول:
كُر علي الليلة يا بشير.. الوداك تشرب البنزين شنو يا ود أمي .. الخلا علي أمك الراجياك ......
قاطعها قائلا في ضجر:
يا خالتي سعدية .. عليك الله ساعدينا بالسكات والمويه الباردة .