منتديات ابناء السقاى
يا ضيفنا لو زرتنا لوجدتنا نحن الضيوف وانت صاحب المنزل اهالي السقاي يرحبون بكل زائر ويسعدنا تسجيلك معنا (إدارة المنتدى)
منتديات ابناء السقاى
يا ضيفنا لو زرتنا لوجدتنا نحن الضيوف وانت صاحب المنزل اهالي السقاي يرحبون بكل زائر ويسعدنا تسجيلك معنا (إدارة المنتدى)
منتديات ابناء السقاى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


المنتدى الجامع لأبناء السقاى الكبرى
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 عندما يتدلى حبل المشنقة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
احمد القاضى




عدد المساهمات : 739
تاريخ التسجيل : 07/03/2009

عندما يتدلى حبل المشنقة Empty
مُساهمةموضوع: عندما يتدلى حبل المشنقة   عندما يتدلى حبل المشنقة I_icon_minitimeالخميس 9 يوليو - 18:17

[في استقرائنا لتاريخ الهمباتة ثبت لنا أنهم لا ينزعون للقتل إلا دفاعاً عن النفس أو المال أو العرض، وهو استقراءٌ يعضده أن القتل يترك على وجه محترفيه آثاراً لا تُخطئها العين، ولكن تلك الوجوه تحفُّ بها هالة الشعر البهيّ وينبثق من مآقيها حنينٌ دافقٌ ودافئٌ لسحر الطبيعة والعشق النبيل، وقصتنا هذه بطلها العشـــق، وقد وقعت أحداثها في النصف الأول من القرن الماضي بديار الكبابيش، واكتملت فصول مأساتها بسجـن كوبر، عندما تدلى حبل مشنقته وهو يئن بثقل إنسان.
كباشي لا يعرف دياراً في هذه الدنيا غير ديار الكبابيش التي ينتمي الى قبائلها ويحمل إسمه صفتها، ولا يخرج من حدودها الا عندما تحمله الأيـــــــانق في سبيل النهيـض والمغامرة، ولكنه جابها طولاً وعرضاً، يعرفه أهل حَمْرَةَ الْوِزْ، وتطرب لأشعاره حَمْرَةَ الشّيخ ، ويتردد اسمه بإعجاب في أم بــادر والصافيــة وســودري، وتتــغني بخصاله حرائر الجـامة وأم سنــطة ووادي المِلْـك العفيـفات. فقد كان شهماً ومغامراً جلداً وصلداً وشجاعاً وشاعراً رقيـقاً، غنى للرهـود والوديــان وللرمــال والجمــال والحسان والعشق والأرائل والظباء بقوافٍ لا تتأتى إلا للمتمكنين، فقد كان شيطاناً في خيــاله ونـبـيــّاً في شعره، ابتسمت له الدنيا فتعشقها، وأعطته ديــــار الكبابيش أمومتها وحنانها فأدمن حبها، وعندما تم طرده منها بقرار أصدره زعيم القبيلة قضى بنفيه خـارج حـدودها أظلمت الدنيــا في وجــهه، وكان وقع القرار على نفسه أشــد قســـاوة ومرارة من وقع الحــكم الذي صدر بحقه لاحقاً باعدامه شنقاً حتى الموت.
كانت ديــار الكبابيش هي كل حياته، وكم تمنى أن يموت بها كما ولد بأرضها، بين ابنتيه اليافعتين، وزوجته الحسناء الغيور التي أحبها وظل مخلصاً لها، الى أن جرت احداثٌ ما طافت بخياله وشكلت مأساة حياته وهي مأساة بدأت تنسج شباكها من فتائل قوية تسربلت بالسواد، وكانت أول هذه الشباك غيرة زوجته، التي كانت تحبه حباً جارفاً وتغير عليه غيرة مجنونة، وكلما قال شعراً تزداد غيرتها وتأتيه غاضبة تسأل عن كلمات الغزل التي وردت في شعره لمن؟! أو عن صفات الجمال التي زينت أشعاره.. من هي؟! فحاول كثيراً أن يقنعها بأنه شاعر، وللشعراء أخيلة ترتاد الآفاق، وأنه لا يحب سواها ولا يسعى الى غيرها. ولكن غيرتها العنيدة تمنعها ان تقتنع بما يسوقه إليها من تبرير فلا تفتأ تعود اليه مع ولادة كل مربع شعري وهي تحمل ثورتها وغيرتها
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احمد القاضى




عدد المساهمات : 739
تاريخ التسجيل : 07/03/2009

عندما يتدلى حبل المشنقة Empty
مُساهمةموضوع: رد: عندما يتدلى حبل المشنقة   عندما يتدلى حبل المشنقة I_icon_minitimeالخميس 9 يوليو - 18:19

المجنونة وأسئلتها الجارحة والمتكررة حتى أحالت حياته الى جحيم لا يطاق، فأخذ يرجوها بقوله : أرجوك لا تحبسيني بين جدران قلبك، ولا تسجنيني بين خبايا ضلوعك، فأنا استمد حب الناس بما أنظمه من شعر، يطربون له ويرددونه بمتعة ونشوة، فدعي لساني ينطلق بما تجود به قريحتي، ولا تقتلي الشعر في نفسي فهو رئتاي اللتان بهما أتنفس. ولكنها لم ترعو وسدرت في ظلام غيرتها، مما دعاه للتشدد في لهجته فقال لها: لقد اخترتك دون نساء هذه القبيلة، وفضلتك على بنات أعمامي، فهل حبّي لك جعل عواطفك تستعر حتى أصبت بجنون الحب وأصابتك الغيرة البلهاء هذه ؟ وتحولت فيك الى نزعة تملُّك طائشة وشيطاناً مسيطراً؟ حتى أحسست أن حبي لك بدأ يموت من فرط حبك وغيرته وجبروته الأعمى !! ولكنها لم تسمع ولم تع كأنّ بأذنيها وقرا وبقلبها صمَما . فهجرته فمات الحب، وطلبت منه الطلاق، لأنها تعتقد اعتقاداً جازماً أنه يهيم بإحدى حسان الحي، أو هكذا زيّنَ لها خيالها الجامح. ولكنه رفض طلبها لأجل ابنتيه اليافعتين، غير أن خواءاً عاطفياً أحاط بقلبه وأحاله الى هشيم، حتى رأي إحداهن تتهادى كغصن بانٍ تأوّد وهي تسير بين رفيقتين، وشاهد على بعد منهن شخصاً مدججاً بالسلاح، ويبدو كحارس لهذه الظباء الجميلة، مما أوحى لشاعرنا أنهن من علية القوم، إلا أن ذلك لم يمنعه من تملّي جمالها الأخّاذ، واستراق النظر الى عينيها الحوراوين، ولكنها أدركت أنه يطيل النظر إليها، فحدجته بنظرة صارمة فأشاح بوجهه كممثل بارع، فضحكت ضحكة حاكت رنين الفضة فأعاد النظر اليها ثم انصرف مسرعاً ومثقلاً بحب جديد ومختلف.
ما أن بدأت الشمس ترتفع الى شروقها وترسل أشعتها البنفسجية حتى أدرك كباشي أنه قضى ليله ساهراً ما بين أرقة وتفكيره في تلك التي رآها في نهاره بالأمس وأصابته بالحب فتذكر قول الشاعر:
اللَيلَه أَمسَيِتا بَسَوِّي تِقِروِّحْ الفَارْ دِنُِو
ولا ضُقْ نَومْ ولا عُيُوني الغمَِيدْ لاقنُو
الشَتِل البيْ المْدَافعْ والجُللْ حَارْسِنُو
ما بَتْخَلاَ عِلا الخَالقُو يِقْرَعْ مِنُو
ولما كان كباشي، عفيفاً وحسن المقاصد فقد قرر الزواج بحسنائه التي أحالت لياليه الى سهاد، فأخذ يبحث ليهتدي الى أهلها ويطلبها للزواج، إلا أن مفاجأة غير سارة كانت في انتظاره، إذ علم أنها زوجة زعيم قومه وقاضيهم القوي المهاب. لكن ما عساه فاعلٌ بهذا السهم الذي أصابه في مقتل، وما حيلته تجاه هذا الحب الذي نما وتغلغل بين أضلعه فسعرها ؟ ولكنه آثر الصمت ليكسب السلامة، وظل يحدث نفسه بهذا الحب ويبني له في خياله قصوراً من المشاعر فيحيلها واقعه
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احمد القاضى




عدد المساهمات : 739
تاريخ التسجيل : 07/03/2009

عندما يتدلى حبل المشنقة Empty
مُساهمةموضوع: رد: عندما يتدلى حبل المشنقة   عندما يتدلى حبل المشنقة I_icon_minitimeالخميس 9 يوليو - 18:20

القاسي إلى أكوام من الرماد، وقد علمت حسناؤه بهذه المشاعر التي ترجمتها أشعاره المكنَّاة بمعانِ طربت لها فأصابها ما أصابه من هيام، ولم تحدث بينهما صلة ولم يجر بينهما كتاب غير الشعر الذي كان الرسول وكان المعبر عن هذا الحب الذي سكن في وجدانيهما واستعر أُواره في قلبيهما ولم يجاوبه الا صمتٌ ران على الألسن وأطبقت عليه الشفاه، حبٌ محكوم عليه بالفناء فالأحلام مكبلة والأماني لن تبلغ المدى، ولأن الحب كالطِيب والطِيب له افتضاح تداول الناس قصة حبهما سرّاً وسرت بينهم كسريان النار في الهشيم. الى أن جاء ميعاد رحلة النشوق فأمر الزعيم بالاستعداد للرحلة، فجمعت السوائم، وتم اعداد الزاد، واختار الزعيم أشداء قومه لمرافقته في هذه الرحلة وكان من بينهم شاعرنا المتيّم كباشي. وعندما أزف وقت الرحيل وحانت ساعة الوداع برزت من بين المودعين المعشوقة – زوجة الزعيم – فودعته بعبرة ودمعة، فأوقع ذلك في نفس شاعرنا أقصى تباريح الهوى، وأخذ لسانه يردد في همس خفيض:
الوَدَعْنَا بالعَبْرة أَمْ عُيُوناً دَرَّنْ
طَلَقْ في جَوفي وَجَّاجْ السَمَايمْ الحَرَّنْ
ثم انطلقت رحلة النشوق الطويلة، وكلما دجا ليل أقامه شاعرنا سهداً وايراقاً، الى أن حطّوا بأرض العشب والماء ، فأقاموا فيها أياما ولياليا طوال ، بدت لشاعرنا كما الدهر طولاً وهو يمني النفس بنظرة ولو عابرة لوجه الحبيب الذي بَعـُدَ مزاره ونأتْ دياره، وذات صباح رقص قلبه طرباً عندما تناهى الى مسمعه نداء الزعيم بأن ميعاد الأوبة قد حان، ولكنه لم يكن يدري أنها الأوبة الأخيرة وأن شاعريته ستطيح به من أرض قومه وديار محبوبته وبنتيّه. وعندما إنتظم المسير انطلقت أهازيج القوم لتترجم مشاعر فرحتهم بدنو ساعة عودتهم لديار الأحباب، وفي خضم هذه الفرحة الغامرة طلب الزعيم من ثلاثة شعراء ممن كانوا يرافقونه ومن بينهم شاعرنا كباشي ان ينشيء كل منهم دوبيتاً يصف من خلاله راحلته ومحبوبته فبادر أحدهم وقال:
ضَهَرَكْ وَاقِفْ قُبَّه
ورَحَلْ العَيشْ بِتجُبَّه
كَانْ مَا رَاوَحْتْ أمْ رُبَّه
وَشَكْ فَوقُو التُبَّه
وانبرى الشاعر الثاني قائلاً:
أبْيضْ لونَكْ قُطنَه
شَيْشَكْ لا تَنْبُطنَه
للفي الكركارمنعطنه
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احمد القاضى




عدد المساهمات : 739
تاريخ التسجيل : 07/03/2009

عندما يتدلى حبل المشنقة Empty
مُساهمةموضوع: رد: عندما يتدلى حبل المشنقة   عندما يتدلى حبل المشنقة I_icon_minitimeالخميس 9 يوليو - 18:21

عَنَاقْ مَا ضَاقَتْ بُطنُه
آنذاك كان شاعرنا يسرج خيول خياله صوب هواه زوجة الزعيم، وأخذت أطيافها تتراقص من حوله وأمامه، فأخذه تفكير عميق بها، وعندما أدركه الدور أخذ يقول دون أن يقدر للموقف خطورته:
أَخَدَرْ لَونُو مُغَوَّفْ
وزَيْ الموجَة مْطوِّفْ
ليْ مَرَتْ الحُكمُو بِخَوِّفْ..!
رِيقهَا زلاَلالْ مَا بعَوِّف....!
فران على القافلة صمت بليغ، وأدرك الزعيم بحسه العالي ما عناه كباشي، فملأ الغضب كيانه، ولكنه استطاع ان يخفي انفعالاته بين معاطف حكمته، وتدثر باعجاب كذوب بما نظمه الشعراء الثلاثة، ولكنه أضمر في نفسه حكماً قاسياً ضد الشاعر المتطاول، وبُعيْد وصولهم للديار تصدّرَ الزعيم مجلسه، وفي محاكمة كان فيها الزعيم هو الخصم والحكم، أصدر قراراً حازماً وفوريـّـاً بنفي كباشي من ديار الكبابيش نفياً أبدياً وفورياً، وهو حكم لا يقاومه حب، ولا يناهضه فرد، فأخذ الشاعر يستعد لمغادرة أرض الكبابيش تنفيذاً للحكم الذي أصدره زعيم يتمتع بسلطات قضائية بحكم القانون، تردد شاعرنا قبل ان يذهب الى منزله ، فالتقى فيه بزوجته ، وطلب منها أن تنسى كل شيء مما حدث ، وأن ترافقه والبنتين لتقف الى جانبه في هذه المحنة التي يمرّ بها، ولكنها رفضت رفضاً قاطعاً، فتجاوزها الى ابنتيه وطبع على خديهن قبلتي وداع وجمع عدته وعتاده واعتلى أحد جماله. وقبل أن يجدّ في السير ودّعه من ودّعه وداعاً مؤثراً وجاءت لوداعه حبيبته زوجة الزعيم من وراء خبائها مثقلة الجفنين محزونة الفؤاد. وما جرى في هذه اللحظات كأنما هي الصورة التي شخصها لنا الشاعر العربي القديم الذي قال:
لَمَّا تَبَدَّت للرحيل جِمالنا وجَدَّ بنا سَيرُ وفَاضَتْ مَدَامِعُ
بَدَت لنا مَذعُورة منَ خِبائِها ونَاظِرها باللؤلؤ الرَطبِ دَامِعُ
أشَارتْ بأَطرافْ البَنَان وَوَدّعتْ وأَوْمَتْ بعينيها مَتى أنت رَاجِعُ
فقلتُ لها واللهِ مَا مِنْ مُسافِر يَسيِرُ ويَدْرِي ما بهِ اللهُ صَانَعُ
فَشَالتْ نِقَابَ الحُسنِ مِن فَوق وجهها فَسَالتْ مِن الطرفِ الكحيل مَدامعُ
وقَالتْ إلهي كُنْ عَليه خَليفةً ويا ربِ ما خَابَتْ لدَيكْ الوَدَائَعُ
ثم اختفت راحلة الشاعر وهي تبتعد عن الديار بين كثبان الرمال، وخلف التلال الحجرية والغلالات الشفافة من الضباب المنشور على الوديان، وهي أشياء طالما احتفى بها الشاعر وغنى لها. غير انها الآن ليست محل احتفائه فالأسى الذي يحمله أغشى عينيه بالدموع. ثم جادت السماء فجأة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احمد القاضى




عدد المساهمات : 739
تاريخ التسجيل : 07/03/2009

عندما يتدلى حبل المشنقة Empty
مُساهمةموضوع: رد: عندما يتدلى حبل المشنقة   عندما يتدلى حبل المشنقة I_icon_minitimeالخميس 9 يوليو - 18:21

بالمطر، فغسل وجهه الوسيم من دموع سالت عليه مدراراً.
مرت الشهور وتعاقبت الليالي وشاعرنا المنفي هائم على وجهه ولا يدري أين المستقر، وقد أضرّ به الهوى الذي ناء به قلبه والشوق الذي يحتاجه كلما طافت بخياله رؤى ابنتيه. وبينما هو في أتون هذه الدوامة المميتة قرر قراراً خطيراً، وهو العودة خفية للديار ليطمئن على ابنتيه، ولعل عيناه تبصران حبيبته فتسكن آلامه. ففرح لقراره وسرت رعشة بين أوصاله، فأسرج بعيره وتدرّع سيفه، وبدت له هذه الرحلة كمغامرة لم يخض غمارها من قبل أبداً، وكلما دنا به بعيره نحو الديار التي عصفت به أشواقه اليها ولساكنيها تقفز محبوبته الى ذاكرته رغم استحالة العشق ويقول:
اللَيلَه أَمسَيتَا في الصيَّه البَكانُو سَفَافي
وكُلْ مَا طارْ أَلمْ وَخرْتوُ يَا العَنَافي
الشَتِلْ العِنْدُو دَوْرِيَه وعَقِيداً شَافي
ما بَتْخلا مِنْ مِحَتُو الشُدَادْ يا كَافي...!
ثم أخذت التلال الحجرية التي تقرب من الديار تبدو له عند السير في كل نهدةٍ أو مرتفع وتختفي عند كل منخفض أو منعطف فأدرك أنه قد شارف على الوصول فبدأ يحث جمله على المزيد من السرعة قائلاً:
شَهَرينْ في العُقَالْ لاكْ بَارِي لاكْ مَهَدُودْ
وحَارَبتَ الرَعِي وبِقِيت يابساً عُودْ
تَعْبَانْ سَارِي الخَالقْ عَلَيكْ يْجُِودْ
وخِفْ كَانْ تَجْمعْ الرَايدْ عَلىْ المرَيُودْ
وعند إنبلاج الصبح وصل شاعرنا الى تخوم الديار المحرمة، واخفى جل وجهه بعمامته، وساقته قدماه الى ذلك المكان الذي رأى فيه محبوبته لأول مرة لعلها تبدو فتهدأ أشواقه ولكن هيهات. فظل ماكثاً في مكمنه بين الأشجار طيلة نهاره ذاك مترقباً حتى حل المساء وأطبق سواد الليل على المكان فجرفه الحنين لابنتيه، فتسلّل إلى أن وصل الى منزله حيث ابنتاه وزوجته، ودخل خفية كاللص، ويا لهول المفاجأة .. فمن خلال الضوء الشحيح المنبعث من المصباح الزيتي الموضوع في أقصى الخباء وقعت عيناه على ما لا يحب أن يراه أو أن يتصوره، رأى رجلاً يضاجع زوجته، فاندفعت الدماء الى رأسه الذي إمتلا بفكرة سوداء، إنها الفكرة التي ستغسل العار، إنها الفكرة التي ستثأر لكرامته وتعيد إليه شرفه المسلوب، فامتشق حسامه ، وهوى به على الرجل بضربه قوية واحدة أودت بحياته، وعندما أحسّت الفاجرة بأن دم عشيقها الحار يسيل على جسدها العاري وأبصرت وجه القاتل فرأت فيه وجه زوجها المطرود تلمست طريقها للهرب، فهبت مسرعة وتدثرت
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احمد القاضى




عدد المساهمات : 739
تاريخ التسجيل : 07/03/2009

عندما يتدلى حبل المشنقة Empty
مُساهمةموضوع: رد: عندما يتدلى حبل المشنقة   عندما يتدلى حبل المشنقة I_icon_minitimeالخميس 9 يوليو - 18:23

بما تيسر لها من ثياب وخرجت مهرولة من الخباء صارخة ومدعية أن كباشي قد قتل جارها الذي استنجدت به ليحول دون أن يتمكن من تحقيق هدفه الذي عاد من أجله وهو خطف ابنتيها!! فجاء الزعيم في نفر من الحرس فوجدوا كباشي وقد ضم ابنتيه الى صدره والدموع تبلله فانتزعوا البنتين من صدره واقتادوه الى خارج الخباء، ثم ذهبوا به في اليوم التالي مخفوراً الى مدينة الأْبيِّض حاضرة مديرية كردفان، متهماً بجريمة القتل العمد والشروع في الخطف، وبعد التحقيق جرت محاكمته فادانته المحكمة الكبرى واصدرت بحقه حكماً بالاعدام شنقاً حتى الموت، ولم يفلح دفاعه الذي أسسه على الوقائع واستدعى من خلاله قول ذلك الاعرابي القديم عندما سأله رئيس المحكمة الانجليزي عما اذا كان قد ضرب بسيفه المرحوم ضربة أودت بحياته؟. فرد قائلاً وهو يدافع عن نفسه: لقد ضربت بسيفي هذا بين فخذي إمراتي ، فإن كان بينهما رجل فقد قتلته!! أيّـدت محكمة الاستئناف العليا الحكم استناداً على بينة الزوجة وشهادة الزعيم والحرس . بعد ذلك أخطرت سلطات سجن الأُبيّض المُدان كباشي بأنه سيُـرّحل ضمن الركاب مخفوراً في أول رحلة على متن القطار المتجه إلى الخرطوم حيث سيودع بسجن كوبر حتى تنظر السلطات العليا في أمره . في ليلة باردة أو هكذا خُـيـِّلَ إليه سمع كباشي صوت صافرة القطار المميّزة فبدت له كنواح ثكلى ، وأدرك أن موعد ترحيله قد حان وأنه سيسافر دون اختياره وبغير إرادته ، فبرزت صوفيّـته المؤتلفة في ذاته لتختلط بأنفاسه الشعرية مع مزيج من مأساته وهواه وحبه للحياة ، فأخذ يقول واللحظات تحتشد بكل مشاعر الأسى أبياتاً يحنّ فيها للنسائم ويُبدي من خلالها لواعج أشواق بعيدة لمحبوبة ترفُل في ثوبها البَنْقالي المنمّق ويرنّ في قَـَدَمِها ساعة السحر حِجْلها الأنيــق:
بَابُور التُرُكْ اللَيلَة نَوَى بالنَجْعَه
والسَادَة أَجْمَعِينْ أنَابنْدهُم للرَجْعَه
البَنْقالي والحِجِل البنقر هَجْعَه
شَغَلَنْ بَالي والنَسَّامْ بزِيدْ الوَجعَه
وفي هذه الليلة وقبل الفجر – وهي أكثر ساعات الليل إظلاماً – دفعوه الى جوف القطار وهو يرسف في أغلاله وقيوده ، وعندما أوصله القطار الى محطته الاخيرة، أحنى رأسه ليدخل من بوابة سجنه الجديد، فتلقّـفه الحرس وأودعه زنزانة ضيقة أغشى فيها الظلام ناظريْه عن أن يرى فيها محكوماً آخر كان قد اقتيد قبْله لهذا المكان على إثر حكم صدر بإعدامه هو الآخر، وعندما انقشع الظلام تلاقت الأعين :
يا نائحَ الطَلح أَشباهٌ عَوَادِينا نأَسَي لوَاديكَ أَمْ نَشْجي لوَادِيَنا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احمد القاضى




عدد المساهمات : 739
تاريخ التسجيل : 07/03/2009

عندما يتدلى حبل المشنقة Empty
مُساهمةموضوع: رد: عندما يتدلى حبل المشنقة   عندما يتدلى حبل المشنقة I_icon_minitimeالخميس 9 يوليو - 18:23

وفي رفق وإحكام نسجت خيوط المأساة علاقة وجدانية بين شاعرنا وبين (الصافي) رفيق زنزانته التي تقاسما ظلامها وحرارتها المرتفعة وسط مشاعرهما الزاخرة بالترقــُّب والانتباه، وازدادت بينهما الإلفة في مكان فيه أقسى ما يمكن ان يصيب الانسان من الفجيعة والألم والإحساس بالغربة ، بَيـْدَ أنهما تساميا بالشعر الذي انداحت صوره على وجدانيهما فوق تلك الأحاسيس المرة ، فعندما تنشط قريحة كباشي ترتفع عقيرته بالغناء فيحيل السديم في المكان الى شموس منيرة وتتعطر أجواؤه بشذى الورود وشميم الأريج .
وفي ذات يوم وقد انقضت شهور ، والمصائر معلــَّـقة على الرجاء والانتظار رأى الصافي على وجه صديقه مسْحة حزنٍ وأسىً، أعقبها ضعف سرى بين قسماته، وزفرات حري انطلقت من صدره تنبئ عن مشاعر مختلطة ومختلفة وكثيفة، فسأله والقلق ينتابه: أجزعت يا كباشي أم أن صبرك قد نفد ، يا فتى الفتيان؟ ردّ عليه كباشي قائلاً: إنه الحنين للأبناء يا صديقي والخوف عليهم من الدهر وخباياه وإنه العشق الذي ألهب الحرائق فشبت في قلبي فاسلمني كل ذلك الى ما تراه من أسى. ثم تبادلا الأشعار الى أن هدأت النفوس من قلقها وأساها، هكذا كانا يتآزران قبل أن يتقاسما فـُـتاتاً قليلاً لا يغني ولا يسمن من جوع ، وعندما يُنبئ الصباح عن قدومه بنور الشفق يدركان أنه قد أذن ليوم جديد ليبدأ دورته ، وحتماً سيمضي كما مضت تلك الأيام الكالحة الرتيبة، غير أن ثمة تغييراً قد حدث في نهار هذا اليوم القائظ عندما رسمت الظلال وجوه رجال خمسة بقبعاتها على حائط الزانزانة، وأخذت تملؤه رويداً رويداً وتتزاحم على مساحته الضيقة ، وعندما تداخلت الصور وأضحت مسخاً ثم ظلاًّ واحداً ارتجَّ باب الزنزانة وانفتح في غير موعده عن خمسة رجال أشدّاء نادى كبيرهم بصوت أعجمي أجش آمراً كباشي : قفْ واستدِرْ. فأذعن كباشي ووقف صاغراً وهو يواليهم ظهره ، ولم تلبث أن التفّت السلاسل الحديدية حول يديه من الخلف وشُدَّت ذراعيه بقطعة جلدية عريضة وسميكة حتى كادت ذراعاه أن تلتقيا فوق ظهره فبرز صدره بروزاً آلمه، وأحكم القيد على قدميه ليتّحد مع السلسلة التي تدلّت من يديه ، حدث كل ذلك والصمت يسود المكان إلا من صليل الحديد الذي أرهق بَدَن كباشي. كان الصافي يرنو بعينيه القلقتين ويُمعن النظر ويُديمه إلى وجه صاحبه كأنما يريد أن يرسِّخ له صورة لتبقى في ذهنه على مدى الأيام، قبل أن يغيب. وعندما أطرق بأحزانه وقعت عيناه على قطرات من الدم تسيل من قـَدم كباشي من فرط القيد فالتقط خرقه من أرض الزنزانة وأخذ يضمد جُرح صديقه ويطهّره بدموعه التي انهمرت بغزارة، ولكنه أحسّ بركلة عنيفة أعادته الى حائط الزنزانة حيث كان، وبدأت قطرات الدم تتباعد الى خارج الزنزانة تتبع خطى صاحبها، الذي استطاع بصعوبة بالغة وهو محشور بين حارسيه أن يلتفت الى صديقه الصافي وقد تغطى وجهه بقناع أسود ومن خلف سُمْك هذا القناع خرج صوت مكتـوم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احمد القاضى




عدد المساهمات : 739
تاريخ التسجيل : 07/03/2009

عندما يتدلى حبل المشنقة Empty
مُساهمةموضوع: رد: عندما يتدلى حبل المشنقة   عندما يتدلى حبل المشنقة I_icon_minitimeالخميس 9 يوليو - 18:24

يقول:
كَمْ شَــــدّيتْ عَليْ تَيساً مَسَــــافَة مَشِـــيهُو
وكَمْ شَقـَّيتْ خَلايــــاَ فَـدْ زويل ما فيهو
القلب ان ثبت فد حاجه ما بتجيهو
أَخَيـرْ السُــتـْْره والزوَلْ يـَومُوَ مَا بْخَـليِهُو
كان هذا آخر ما تبيّنه الصافي والذي حدث بعد ذلك لم يكن واضحاً في ذهنه، إلا أنه أفاق على صوت لم ترتح لوقعه أُذُناه ، فصوت ارتطام الصاج الحديدي بحائط البئر أنبأه أن جسد صديقه قد تدلّى تحت الحبل ، فأحسّ بحزن عميق، واجتاحته وحده موحشة، وأخذ يهذي ويقول والعبرة تخنقه :
لقد عدمت القبر والنائحة يا صاحِ، ليتني لو كنت مكانك يا كباشي، ليتني لو كنت معك يا فارس الفرسان
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
عندما يتدلى حبل المشنقة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» عندما يتحدث غيرنا عنا
» عندما تصير وحدك
» عندما قدمّت أوراق إعتمادى الى منتدى النيمة يوم 6.8 .2008م
» عندما يصبح كل بريطانى عضواً فى الموساد!!!!!!
» ماذا فعل مدير أحد المنتديات عندما توفى عضو المنتدى ؟؟؟؟؟

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات ابناء السقاى :: منتدى الشعر والخواطر والقصص-
انتقل الى: