بشرى مبارك
عدد المساهمات : 7557
تاريخ التسجيل : 19/02/2009
العمر : 64
الموقع : أقيم فى بيريطانيا مدينة بيرمنجهام
 |  موضوع: الاستاذ محمد سعبد محمد الحسن وإنتفاضة أبريل 1985 بالسودان  الخميس 20 يناير - 20:15 | |
| محمد الحسن
هبة الشعب التونسي في ثورته العارمة وازاحته لنظام قوي ظن انه مستمر وباق الى ما لا نهاية في 15 يناير 2011م والتي تابعها العالم ساعة بساعة ويوماً بيوم لا بد وانها اعادت الى ذاكرة الكثيرين ذكريات ولقطات ومشاهد الانتفاضة الشعبية السودانية 5 أبريل 1985م ، ولقد وصفتها آنذاك كملحمة فريدة من الاصرار والتصميم والحنكة والدراية والتحضر وانقل من كتاب (وقائع اطول يوم في تاريخ السودان الحديث) لقطات ومشاهد كانت ستظل في ذاكرة العالم كله لو انها آنذاك حظيت بتغطية الفضائيات العالمية أو على مستوى قناة الجزيرة بحيويتها ومهارتها وذكائها ومهنيتها في تغطية الاحداث الساخنة وهي لقطات شديدة الابهار في مواقع متعددة جمعها تصميم وهدف القيادة العامة، التجمع الوطني، سجن كوبر، المساجد، الجامعات، الاذاعة والتلفزيون وجهاز الامن الوطني والاهم الشارع حيث انتفض فيه الشعب السوداني العريق المتحضر في 5 و6 ابريل (الجمعة والسبت 1985) .
حدث عند الساعة التاسعة والدقيقة الاربعين صباح السبت 6 أبريل 1985م اطلاق القرار الحاسم وليد التفاعل والتلاحم والاستجابة التي لا مناص منها «القوات المسلحة قررت الوقوف الى جانب الشعب واختياره ورغبته في الاستيلاء على السلطة ونقلها الى الشعب عبر فترة انتقالية محدودة ».
اندفع السيل.. والانفجار في وقت واحد.. عميق وعريض .. ممتد له دوى هائل . مشاعر دفينة انطلقت .. تهاليل .. زغاريد .. هتاف.. عناق.. فرح.. لم يبق أحد في مكانه.. الأسر خرجت.. تركت ابواب منازلها ونوافذها مفتوحة على مصاريعها.
«مبروك» حمداً لله على السلامة على لسان الصغار والكبار الاسرة باكملها مع جموع الحي، وجموع الحي وسط الحشود في الميدان، والميدان بضيق بهم فيدفع بهم الى شارع عريض، الشارع العريض يضيق بهم ويتسع لامواج اخرى من البشر.
الهتاف الداوي في كل اتجاه واحد (عاش السودان) (عاش الشعب) (شعب واحد.. جيش واحد، واناشيد «وطن الجدود») اصبح الصبح لا السجن ولا السجان باقي، «انا سوداني انا» الصغار والكبار .. الشيوخ.. والشباب.. رفعوا اصابعهم بعلامة النصر (7) وجميعهم دون استثناء حمل في يده فرعاً من شجر النيم «العريق» الاخضر، ملوحين به وهم يرددون الهتاف، ان فرع النيم الاخضر يتفاءلون به، وقد حملوه يوم اعلان الاستقلال اول يناير وعندما فجروا ثورة 21 اكتوبر 1964م انه يمثل السلام والاطمئنان.
الجنود يلوحون لهم باسلحتهم في بهجة مشتركة عارمة ويبادلونهم الهتاف، السيارات والحافلات والدراجات، المواتر سايكل.. المواكب، تهادت بجانبهم وبعضها توشح بعلم السودان القديم ذي الألوان الثلاثة، والذين كانوا بداخلها انضموا الى الجموع والذين ساروا بجانبها قفزوا الى داخلها او تعلقوا بجنباتها اصبحت كل سيارة وحافلة مغطاة بالبشر والايدي ملوحة بفرع النيم الاخضر ، بهجة وفرحاً لا عنف ولا حرق.
اجانب اوربيون.. هزهم وبعنف شديد هذا الذي رأوه، اذهلتهم الصورة الرائعة الماثلة لا نتفاضة شعب متحضر. رؤية الاسرة السودانية تعبر بالتماسك والزغاريد عن فرحتها وبهجتها، ورؤية الجماهير تعبر بالهتاف الوطني وانتظام السير ورؤية فرع النيم في الايدي الملوحة. انفعلوا ايضاً اي الاجانب تجاوبوا وهتفوا بالايطالي والفرنسي والانجليزي والالماني والياباني.
كان مشهد انبهارهم يتضاءل كثيراً امام الحشود المتدفقة التي تندفع ومشاهد اخرى يتعذر اللحاق بها دفعه واحدة وربما الاشارة الى بعضها.
هذا مشهد نادر ونابض. السيدات الحوامل.. اللائي ينتظرن الولادة في مستشفى الدايات بامدرمان ، خرجن دفعة واحدة ودون استئذان لحظة الاستماع لانحياز الجيش للشعب، جرفتهم الفرحة الى الشوارع، فوجئ الاطباء بخلو الاسرة والعنابر والغرف وخشى على بعضهن من مواجهة حالات ولادة في شارع او ميدان او وسط الزحام ولكن الله لطيف بعباده في مثل هذا اليوم ايضاً، لقد عدن جميعاً بعد ساعات وكرمهن الله جميعاً بعد ذلك بولادة سهلة وسريعة وجرت عمليات الولادة على مدار الساعات واطلق على البنات «انتصار وانتفاضة او حكمة وهبة وبراءة وابتهال واجلال واخلاص».
العجزة والمرضى والمسنون ممن قبعوا سنين طويلة على الأسرة في البيوت حملهم اولادهم ليروا مشهد العمر، سيدات مسنات حملن جرادل «الماء البارد» ليشرب الاطفال والذين جفت حناجرهم بالانفعال والهتاف أسر نحرت الذبائح وحملت الطعام لتوزيعه على رجال الأمن وحراس المدافع والمرافق المهمة وامضوا ساعات طويلة دون طعام ودون احساس بحاجة البه ولكن الاسر وقفت بجانبهم حتي اطمأنت لتناولهم الطعام
قائمة الوقائع في اطول يوم في تاريخ السودان الحديث 4و5و6 ابريل 1987م تطول وتنبض بحضارة هذا الشعب العريق، ولابد من لقطات اخرى موازية في الاهمية والحيوية، القيادة العامة، جهاز الامن الوطني، المشير جعفر نميري في واشنطون. | |
|
