منى سلمان ومال الزوج العام

في طفولتنا كانت تبدر منّا الكثير من الشلاقات الناتجة عن الرعونة أو الأبلسة الزايدة عن الحد، بحيث نتجاوز بها محاذير الأهل وخطوطهم الحمراء .. مثل اللعب بالماء، إتلاف الأغراض المهمة خاصة تمزيق كتب وكراسات الأشقاء الكبار .. سف السكّر وكشح نصفه على أرضية المطبخ .. إختلاس قطع اللحم من حلة الملاح حتى تتحول لطبخة (أورديحي) ..أصابة زجاج الفضّية أو مراية الدولاب في مقتل بحجر طائش .. فلق ود الجيران بحجر سنين يفجّر من دماغه نافورة من الدم وو.. الخ..
كل تلك الشلاقات وغيرها كنّا نلبد بها ونحرص على اخفائها، إلى أن ينبري أحد القوالين خفيفي اللسان بحمل القوالة وتوصيلها للكبار، فتكون نتيجة تلك القوالة أن يستمتع الجاني برؤية نجوم الليل في عز الظهر حصريا!
في أمثالنا نقول (فلان قوّال الفولة ما بتتبلا في خشمو) كناية عن أن فلاناً هذا لا يستطيع الإحتفاظ بالسر ولو لبضع ساعات تكفي لبل الفول، علما بأن الفول يحتاج لـover night ) كي يبتل، فعادة ما يغمر بالماء ليلا ليتم شدّه في الصباح الباكر..
خفّة اللسان ترتبط بالقوّالة دائما بقاسم مشترك هو عدم المقدرة على حفظ الأسرار، وللاسف تلتصق صفة (القوالة) بالنساء دونا عن الرجال، فهناك نصيحة مقرضة تقول إذا اردت أن تذيع خبرا وتجعله يعم القرى والحضر في ثوان، فما عليك سوى إبلاغه لبعض الحريم ثم توصيهن بأنه سر يجب أن يضحين بارواحهن قبل التفكير في إفشائه!
- كانت (الشفّة) قد إشتهرت بين المعارف والأحباب والجيران، بأنها قوالة لدرجة قف تأمل، لدرجة أنها كانت تصاب بحالة مستعصية من (أم هلا هلا) والقلقلة عندما تسمع خبرا ما، ولا تشعر بالراحة و(بردان) البطن إلا بعد أن تقوم بإذاعة الخبر على موجات أثير قعدات الجبنة وونسات الضهرية الحريمية .. انتقلت لتقيم مع ابنتها الوحيدة بعد وفاة زوجها وتفرق أبنائها للبطش طلبا للرزق، فكانت (الشفّة) تحرص كل الحرص على سلامة بيت ابنتها وتحاول ما استطاعت أن تنأى بقوالاتها عن حمى الدار التي تحميها وتأويها، إلى أن جاء يوم دخلت فيه (الشفّة) فجأة على ابنتها في الديوان، ففوجئت برؤيتها تنكت في جزلان زوجها ثم تختلس منه بضعة جنيهات وتدسها في صدرها قبل أن يعود من الحمام!!
سألت (الشفّة) ابنتها في دهشة: (ده شنو يا بت يا مبدولة بتسرقي من راجلك مالك)؟
فأسكتتها ابنتها بإشارة حاسمة من يدها بأن:
(اسكتي يمة ما يقوم يسمعنا .. هو لو ما سوينا ليهو كده ما كان بنموت بالجوع .. الملاليم البرميها لي كل يوم دي قايلاها بتأكّل ليها جدادة)؟!!
ظلت (الشفّة) تعاني من (أم هلا هلا) فكلما صادفت زوج ابنتها في وجهها، كانت تجري من أمامه وتلوذ بالصمت الحار، إلا أن فاض بها الكيل ذات صباح وهي تراقب نسيبها يرتشف قهوة الصباح مع زوجته في الراكوبة باستمتاع، فجمعت ثيابها في بقجة على عجل واندفعت إلى باب الشارع ..
اندفع النسيب يسابق الابنة ليلحق بنسيبته ويستفسرها عن اللوم الذي اتلومه معها ودفعها لمغادرة بيته، وعندما لحق بها أمام الباب مجموعة من نسوة الحي متوجهات للسوق .. سألها الجميع:
شايلة هديماتك وماشة وين يا الشفة نعل ما اتلومنا معاك في شي؟
فأجابت في مغسة شديدة: (دايرة أهج من الحلّة دي بالفيها .. شابكني قوالة قوالة .. أنا كان قوالة .. أكان بتي سارقة من جزلان راجلا قبال تلاتة يوم ولليلة ما قوّلتا ليهو) ؟!!