منتديات ابناء السقاى
يا ضيفنا لو زرتنا لوجدتنا نحن الضيوف وانت صاحب المنزل اهالي السقاي يرحبون بكل زائر ويسعدنا تسجيلك معنا (إدارة المنتدى)
منتديات ابناء السقاى
يا ضيفنا لو زرتنا لوجدتنا نحن الضيوف وانت صاحب المنزل اهالي السقاي يرحبون بكل زائر ويسعدنا تسجيلك معنا (إدارة المنتدى)
منتديات ابناء السقاى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


المنتدى الجامع لأبناء السقاى الكبرى
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 رواية :تداعيات الفصول

اذهب الى الأسفل 
انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3, 4, 5  الصفحة التالية
كاتب الموضوعرسالة
احمد القاضى




عدد المساهمات : 739
تاريخ التسجيل : 07/03/2009

رواية :تداعيات الفصول - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رواية :تداعيات الفصول   رواية :تداعيات الفصول - صفحة 4 I_icon_minitimeالأحد 26 يوليو - 21:28

تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :

كانت البحيرة المترامية حول ديزني لاند فيللج بباريس ممتدة امامها , حيث كانت تقضي اياما من عطلة الصيف مع شقيقتها وابناءها والخضرة البهيجة تحيط بها ، والزوارق الصغيرة المبهرجة الألوان الممزوجة بصرخات الأطفال وذويهم تعزف موسيقى ساعة العصرية الحلوة التي يلفها الغيم والبرودة الخفيفة التي تخدر الأعصاب وتملء المخيلة بالشجون .. لكنها لم تر ذلك كله ، ولم تنجح الصورة الخيالية لإبداع الخالق في رسم الطبيعة الخلابة المبهرة كأنها فرت من قيود لوحة عملاقة لتملأ الأفق بالصوت والصورة .. لم تفلح هذه الصورة المضيئة المبهرة في نقل روح المرح والدهشة والفرح اليها،لم تر الجمال ولم تخطف انتباهها الروعة ، ولم يسلب مشاعرها هذاالمكان العجيب المبهر المتجلي بالتصوير والجمال .. كانت مستلبة بمشاعر الفجيعة والآم الفقد ، فاقدة الإحساس بالمتعة والبهجة .. كانت الإحباطات داخلها تشدها الى قاع هوة عميقة ودوامة جبارة من الضياع والتية.هناك صرخات تضج داخلها ، وتقلصات مفجوعة بالخوف وعدم الفهم وغياب التفسير للإسئلة الحائرة التي تضج بها اعماقها وتأخذها بعيدا بعيدا ، وتملأ حياتها بالحزن والكآبة ، وتحول طعم الأشياء الى احساس بالمرارة سواء اكانت طعاما او شرابا او مجرد صمت تلفه اللوعة.
لم تكن وحدها كانت هناك شقيقتها وضحة وابناءها الأربعة الذين تتعالى اصواتهم الفرحة المجلجلة بالإنطلاق والمرح والشقاوة كفراشات تتراقص حولهم وتعزف موسيقى سماوية من البراءة والطهارة والشفافية .. فمهما تشعبت شقاوة الأطفال فستظل تحمل بصمات العفوية والنقاء.كانت وضحة هي الأخرى لا تلحظ هموم سارة ولا اندحارها الداخلي كانت لها انكساراتها الخاصة ، وقد خلفت بالوطن ابنها البكر المسجى في المستشفى منذ عامين لا يدرون هل سيعود من رحلة الغيبوبة ام قد فقدوه الى الأبد،كانتا جالستين على المقعد الطويل قبالة البحيرة المتوهجة بنور الهي تعكسة اشعة الشمس المتكسرة على امواجه ومراكبه الشراعية الصغيرة التي يحركها الأطفال بالريموت كنترول أو الأكبر منها التي يعتليها السواح للطواف برحلة تعريفية بأنحاء هذه القرية السياحية التي خلقت للمرح والبهجة،ولكن أنى يكون هناك فرح لقلوب استوطنتها الهموم وكفنتها المأسي وخنقتها الآلام،ما زالت سارة تغرق في افكارها وقد غيبتها تماما ذكرياتها ومواجعها والأشباح التي تسكنها وتجردها من حقها الطبيعي بالإحساس بالبهجة والمرح حولها .
عندما وضعت في عقلها ان هذه الكراسي التي يقتعدونها والمبرمجة بحيث تنثني بقوة الى الأمام ثم الخلف او الى اليمين واليسار بدرجات متلاعب بها ، وبزوايا قصيرة او حادة بالإضافة الى ضبط الشاشة العملاقة في قاعة النيازك الفضائية بديزني لاند باريس بأنها مجرد لعبة بحيث يتوهم الإنسان بوجوده بمركبة فضائية هائمة في الكون السماوي الفسيح مهددا بالإصدام بالكواكب السيارة بسرعة جبارة لا يستوعبها العقل ثم التحول عنها بأسلوب يكاد يوشك على الوقوع من عل بين الجبال الشاهقة،هذا الرعب اللذيذ الذي يشد الأعصاب ويدفع الناس للتعلق بكراسيهم المربوطة بإحكام بأربطة الأمان ، وهذه الصرخات الجماعية عندما تنطلق المركبات الفضائية بسرعة صاروخية تكاد تتصدم بالنيازك او تهوي بين حمم البراكين او وعورة الغابات وتشابك ادغالها ، هذه المتعه المشوبة بالخوف الذي يصل لحد الترويع .. فقدتها تماما عندما وضعت في عقلها انهم مجرد مسمرين بالأرض ولا يعدو الموقف سوى الحركة المبرمجة للكراسي التي يجلسون عليها مع الشاشات والموسيقى المنضبطة بها ، عندها فقدت اللعبة متعتها ولم تعد تشعر بالخوف اللذيذ المشوق المشوب بالمرح.اصبح الموقف مجرد كراسي تتحرك بقوة وبإنحناءات مزعجة في اتجاهات متضادة ، وإناس مسمرين امام شاشة عملاقة تظهر فيها السماء والنيازك والكواكب والجبال والوديان والبراكين ..الخ ..مجرد سينما وفيلم متحرك ولا شيء اكثر ..!!هكذا الحياة بفواصلها الموجعة ..!! لو اخذناها بالتفصيل العقلي فهي مجرد احداث تافهة مكتوبة على جبيننا علينا ان نعيشها ، ومراحل علينا المرور بها ، ومشاعر علينا مواجهتها ، ودموع لا بد من سفكها ومواجع لا بد من تحملها،إنه القدر ..!! وما هو مكتوب على الجبين لا بد ان تراه العين ..!!
ولن يصيبكم إلا ما كتب اللة لكم .. ولو اجتمعت الجن والإنس على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بما كتبه اللة عليك،تسعى يا بني آدم سعي الوحوش غير رزقك ما تحوش ..!
الأمور مقسمة في ميزان مسطور لا يمكن للإنسان معاندتها او تغييرها..!!لو استطاع الإنسان برمجة افكاره بالقوة ذاتها التي تمت مع لعبة الكراسي المتحركة فإنه سينظر الى احداث الحياة ببرود ودون خشية والم وقهر ..!! ولسوف يقضي على الخوف من مواجهتها لو نجح في التحكم بانفعالاته تجاه مفاجآتها،ولكن من ناحية اخرى .. لو استطاع ان يعزل مشاعر الألم بالخسارة والظلم والندم والغضب .. لو استطاع .. لفقدت الحياة قيمتها ورونقها وتشويقها ، لأصبحت لا شيئ بدون متعة الإحساس والشعور بشيء ما ولو كان الحنق والقهر والغيظ ..!!لعاش مرتاحا منبسطا ولكن بدون انفعالات ، لا حزن وأيضا لا فرح ، لا ترقب ولا دهشة ، لا خوف وايضا لا سعادة ..!!
مجرد بلادة وموت بالمشاعر ، كأن لحظة التفاعل والنشوة والتوهج لا بد من دفع ثمنها الفادح بأيام من المعاناة المسفوحة بالمشاعر المركبة المتضادة ،من يتحكم بالحياة ..؟؟ قد يحظى الفقير المعدم في الأرياف بصحة يفتقدها ابن القصور والضياع.ومن تملك الشعر الغزير الكثيف قد تكون معدمة لا تجد ما يسد رمقها بينما يضحك العطارون على الغواني بالمساحيق والأعشاب التي لا تملك اضافة شعرة واحدة اليهن ..!!انها هبة اللة ..لذلك فمن المفروض الا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

كاتب الموضوعرسالة
احمد القاضى




عدد المساهمات : 739
تاريخ التسجيل : 07/03/2009

رواية :تداعيات الفصول - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: رواية :تداعيات الفصول   رواية :تداعيات الفصول - صفحة 4 I_icon_minitimeالإثنين 27 يوليو - 20:25

الثلاثون
الهروب

اتصلت بها صديقتها تماضر من امريكا تطمئن عليها بعد ان وصلها خبر الحادث، تمنت سارة لو انها ايضا هناك تتابع دراستها العليا. كانت تماضر قد درست مع سارة المرحلتين الثانوية والجامعية ولكنها توظفت بمكان آخر وتزوجت بعد ذلك من ابن عمها وسافرت معه مباشرة الي امريكا حيث كان يواصل دراسته العليا هناك وحظيت ببعثة دراسية مماثلة من جهة عملها. ظلت سارة تفكر في وحدتها بالمنزل بخيار السفر الي امريكا وتكملة دراستها هناك. وبدأ الموضوع يلح عليها أكثر وأكثر، هل تبقي ليأكلها الدود هنا، لتشهد عراك الزوجين ومشاكل اولادهما ومتاعب الخدم . تستطيع الحياة مجمدة تتحرك من الغرفة للصالة وتبقي شاهدا علي احداث وتطورات حياة الآخرين بدون تأثير وفاعلية. اتصلت بتماضر وطلبت منها أن تبعث لها بالمعلومات عن الجامعة وطلب القبول والمتطلبات بأسرع ما يمكن واخذت تسألها عن الحياة الجامعية والسكن والحياة عموما، نسقت مع تماضر امر التحاقها بنفس الجامعة ونفس التخصص وطلبت منها ارسال اوراق الالتحاق وقد عزمت علي طلب بعثة مماثلة. وعندما ابدت مخاوفها لزميلتها بانها اصبحت الآن طالبة مختلفة تجلس علي كرسي متحرك. طمأنتها تماضر بأن هذا القلق قد يكون مبررا في البلاد العربية ولكن امريكا اعترفت بحق المعوقين وساوتهم بالأصحاء وهيأت لهم المرافق والأدوات والأجهزة ليتابعوا حياتهم بدون أن يحسوا بالفرق عن غيرهم، وقالت لها وتغالب تأثرها :وهل انت معوقة يا سارة.. كلها ايام وتعودين للمشي. لم تستطع سارة مجادلة تماضر ولا استدار عطفها لانها تدرك انه لابد ان تتيح المجال للآخرين ليجاملوا ويخففوا ويقللوا من شأن الآلام. كانت تماضر تقول لها بأن السكن الجامعي انسب لها حيث كان هناك غرف معينة بتواليتها مجهزة للطلبة المعوقين بنفس اعاقتها.. كاستديو صغير وتقع في الحرم الجامعي اقرب ما يكون للجامعة مما يوفر عليها مسألة التنقل بسهولة.. وعن اعاقتها طمأنتها تماضر الي وجود التسهيلات لأمثالها في الدخول والخروج والتنقل وفي استخدام الكرسي المتحرك في الجامعة.. ولا شيء يمكن ان يمنعها من مواصلة تعليمها. وعندما اعلنت علي اخوتها الخبر بعدما جهزت اوراقها وحصلت علي موافقة البعثة من وزارة التربية والتعليم لم يرحب الجميع بقرار السفر. هل جننت.. صرخ عبدالرحمن بحنق.. امريكا مرة واحدة.. !كيف تفكرين.. انظري لحالتك.. تجاهلت تلميحه القاسي واردفت انا ادري بنفسي وحالتي. امريكا مجهزة للمقعدين ولا يواجهون مشكلة هناك كالتي نواجهها نحن في هذا المجتمع . رد بنرفزة.. لا انت مجنونة خالصة.. طريقة تفكيرك غلط.. لن اتناقش معك. أما وضحة فقد قالت : اذا كنت متضايقة من الاقامة لدي شقيقك.. بيتي مفتوح وغرفة خالد حاضرة و..وقاطعتها سارة بضيق : لست متضايقة من بيت أحد.. بل من نفسي. لا اعيش حياة.. انا غير منسجمة مع الناس مع حياتي الفارغة بلا هدف. قالت وضحة بحماس.. تستطيعين البحث عن وظيفة.. كاتبة كمبيوتر مثلا أو..ردت سارة بعصبية. . وضحة.. لقد قررت وانتهي الأمر. - انت لا تفكرين بطريقة صحيحة لابد ان هناك خللاً في مخك. لو ان والدي حي.. لو ان امي علي قيد الحياة ما فكرت كذلك. تنهدت سارة وقالت :اذا كان الموضوع يتعلق ( بلو ) فأشياء اخري كثيرة ايضا لو لم تحدث لما كنت هنا اقيم في هذا البيت اصلا.. لو انني وسالم لم ننفصل.. لو ان الحادث لم يحصل.. لو ان والدي لم يمت.. اليس كذلك... لتغيرت امور كثيرة ولكن ما حدث قد حدث.. وها أنا عاجزة ومحطمة ومعوقة ووحيدة وارجوك.. لا اريد مزيدا من المناقشة ما قد تم قد تم.. وعلي ان اواجه قدري.. !!
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احمد القاضى




عدد المساهمات : 739
تاريخ التسجيل : 07/03/2009

رواية :تداعيات الفصول - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: رواية :تداعيات الفصول   رواية :تداعيات الفصول - صفحة 4 I_icon_minitimeالإثنين 27 يوليو - 20:28

الواحد والثلاثون
أيها الآتي.. ما تكون..

كانت تريد واحدا من الاخوة مرافقا لها في سفرها لحين التحاقها بالسكن وخصوصا وان تماضر وزوجها سيكونان في البلاد لعطلة الميلاد ورأس السنة وقد يتأخرون قليلا وهي طالبة مستجدة ويجب ان ترتب امورها قبل بدء الدراسة في مكان جديد عليها تماما. ولأنهم غير موافقين اساسا علي سفرها فقد كانوا غير متحمسين للسفر في الشتاء معها الي امريكا.. وقد طلبت تماضر المساعدة من صديقة لها من سلطنة عمان تدرس مع اسرتها هناك لاستقبال سارة بالنيابة عنهم وايصالها الي احد الموتيلات في المدينة ومرافقتها في اليوم التالي لاستكمال اوراقها في السكن الجامعي واتمام معاملاتها لحين قدوم تماضر وزوجها. وفي المطار.. كانت وضحة هناك مع اطفالها يلوحون لسارة وفي قلب وضحة حزن وقلق ومخاوف حانقة علي عناد شقيقتها.. يا تري كيف ستغير مطار الي آخر ومن طائرة الي اخري وعليها النزول في ثلاثة مطارات وركوب ثلاث طائرات مختلفة للوصول لمحطتها الأخيرة.. يا لهذه المشاكسة العنيدة لم لم نحبسها فقط ونغلق عليها الأبواب ونوصدها كما المفروض ان نعمل مع خالد حتي نجنبه ما اصابه.. اما سارة فقد كانت مشتتة البال هي الأخري، يكاد ريقها يجف في حلقها وهي تعلم بأنها تسوق نفسها الي قدر مجهول الخطي وهي تعاند وضعها الصحي وتحاول الهرب منه بمواجهته وتحديه. بدأ حزنها وشعورها بالغربة يستوليان عليها اكثر وأكثر وتفجر خوفها من المجهول.. فجأة.. كأنها افاقت.. كيف وصلت هنا.. ما الذي فعلته.. وهل هو خيار طبيعي.. لم عاندت اخوتها.. ولم تجاهلت تحذيرات شقيقتها.. هل كانت تريد معاقبتهم لانهم يتحركون ويمشون وهي طريحة الكرسي المتحرك.. هل تفسيرها لخوفهم من كلام الناس وتعليقات زوجاتهم اعماها عن رؤية خوفهم الحقيقي عليها..
لقد فات الأوان.. انها معلقة بين خياراتها ولا بد من المضي فيها..!! عندما غادرت سارة مطار لندن متوجهة الي مطار شيكاغو.. كانت تداري غصة تختنق في حلقها ودموعاً تتلألأ في عينيها. ها هي وحدها تسافر للغربة وللمجهول.. ليس من احد يعزيها ويخفف عنها ويشغل دنياها. اخذت تتأمل المسافرين في الطائرة ولفت انتباهها وجود سيدة مع طفلها. كان الطفل يستحوذ انتباه والدته كله.. يشغلها ويلهيها ويضجرها حينا آخر بكاءه وتذمره. شعرت بأن هذه السيدة قد انفصلت عن الكون وهمومه الأخري واستطاع هذا الصغير الكتلة اللحمية الضئيلة ان ينسيها كل شيء ما عداه.. يغضبها ويوترها احيانا ويبسط وجهها بابتسامة مضيئة احايين اخري. انكمشت سارة في مقعدها وانغمضت عيناها وتنهدت بصمت وكتمت اللوعة والاحساس بالغثيان.. انه الحزن والفراق والوحدة انها الغربة الموحشة المخيفة.. التي تجعل الكون كله كآبة وظلمة وانكساراً. في مطار شيكاغو كان الناس يتدافعون ليصلوا الي طابور الانتظار، يجهزون اوراقهم وينتظرون، وبعد ذلك يبدأ بحثهم عن الحقائب ليتابعوا من جديد سفرهم من مطار شيكاغو الدولي الي مطارات اخري في الولايات المتحدة. كانوا يحثون الخطي مسرعين للحاق بطائراتهم والبحث عن صالات السفر.. كانوا يسرعون في اتجاهات مختلفة مدروسة يتتبعون العلامات المرسومة علي الأرض او معلقة في السقوف، يصعدون الي الأعلي وينزلون الي الأسفل يستقلون الحافلات الضخمة علي شكل قطار متعدد الأبواب لينقلهم من جانب الي المطار الدولي ومن جانب آخر الي المطار المحلي حيث تربض طائرات كل شركة طيران في موقع عملاق مخصص لها. فكرت انها كرحلة الحياة، يسارع الناس الي اقدارهم بخطي مرسومة محددة حتي ولو ضل احدهم الطريق سيفوت رحلته ويخسر وقته ويعاني من التسكع في المطارات وميكرفوناتها التي تجعله في ترقب مستمر للآتي. ان المسافرين كما في الحياة الدنيا.. الذي كد وتعب حتي استطاع الحصول علي تذكرته وخطط ودبر حتي يلتحق بالمكان الذي يقصده، والذي حصل علي التذكرة وجاءته السفرة من حيث لا يحتسب، والذي اراد مكانا ولكن الظروف قادته الي مكان آخر لم يكن يريده ويأمل به.
يتدافعون ويهرولون باقدامهم ويركبون المركبات الصغيرة التي تنقل الركاب داخل الممرات، يجرون حقائبهم اويستأجرون عربات لحمل حقائبهم الصغيرة. انيقون متزينون كأنهم مدعوون الي حفلة مجهولة. بعضهم يهرع بفرح متشوقا لا يكاد يصبر للقاء احبته بعد طول انتظار وبعد فراق طويل وبعضهم يكفكف الدموع ويداري لوعة الفراق والمه وقد فارق للتو احبته وانطلق يداري لوعته، وهناك من يمرح مع أصدقائه وعائلته المرافقين له يستمتع باللحظة ويريد توثيقها بالصورة والبسمة والمرح، وهناك المهموم الذي يفكر بما خلف، وما ينتظره، وما نساه، وعليه تعويضه وبما يجب فعله لتدارك امر عليه معالجته. عندما وصلت الي قاعة الانتظار واطمأنت الي جلوسها هناك علي الرغم من انها لم تفتح ابوابها للآن حتي اطلقت لاحزانها العنان، وتركت الغصة التي تخنقها تتنفس. اخذت تبكي وتبكي مع نشيج خافت وقد انتحلت مكانا قصيا في المكان الذي لم يصل رواده بعد. بكت وبكت.. كانت تريد التخفيف عنها وافراغ ما في روحها من اوجاع وضيق وغصة. احست باليتم.. لا يهم ان تتيتم وانت كبير فما زلت بحاجة الي الحنان والحب. لو ان والدتها حية لكانت معها الآن ترافقها وتخفف عنها وتشغلها كما كان يشغل الطفل الذي في الطائرة والدته ويملأ حياتها. لو ان والدها علي قيد الحياة لما سافرت اصلا وظلت معه ترعاه ويرعاها وتؤنس وحشته وتستمتع بصحبته. لو.. ولو.. شيء يجر شيئاً لينتهي الي ان حياتها اندحرت الي الأسفل، فقد كان لديها الخطيب الرائع والمستقبل الأسري مع عائلة، وكانت لديها قدماها وصحتها، وكان لديها الطموح والثقة والاندفاع.. هل تبكي خسارتها تلك أم تبكي علي ما سيواجهها من المجهول وهي الآن في مطار غريب وحيدة تبكي حظها العاثر وتنتظر طائرة تأخذها الي غربة ومعاناة جديدة.. !!عندما نكون صغارا.. نشعر بأننا نملك المستقبل، نكون واثقين لدرجة الغرور ننظر الي اهلينا بأنهم لا يفهمون كيف تدار الأمور والا فكيف انهاروا واصبحوا بهذا الضعف والضعة.. لا نصدق انهم يوما ما كانوا يشبهوننا وكانوا اقوياء ومتهورين ومندفعين ويتحلون بالشجاعة وعدم الاهتمام بالعواقب..!! لا نري منهم الآن الا الشعور بأنهم متخلفون وجهلة وعاجزون بشكل مريع جدا. واننا مختلفون ولا يمكن ان نرتكب اخطاءهم ونشعر بأننا ندرك ما نهدف اليه وبيدنا المفاتيح وها هي الرؤية متضحة امامنا.. العالم ملك ايدينا.. ونملك القوة والذكاء والثقة. اننا واثقون بانفسنا حتي التهور.. نستطيع المقامرة ونندفع للسقوط من اعلي ويمكننا النجاة. بامكاننا الذهاب في رحلة رغما عن البحر الهائج.. وسياقة سيارة في المطر المنهمر والبرق والرعد بأقصي سرعة واندفاع، والاشتراك بسباق والتشقلب بسيارتنا ونعيش. . ونتحدي زملاءنا بأن نندفع امامهم في طريق ذي اتجاه واحد ولا ننحرف ولا يهمنا ان كانوا عنيدين ومجانين وانتحاريين ايضا فلانه لا شيء امام قوتنا وتصورنا عن انفسنا وارادتنا..!!!عندما نكون صغارا نكون اقوياء.. اصحاء.. نوابغ.. لدينا القدرة علي الحب وعلي الظلم علي الحلم وعلي الايمان بالحلم علي الفوز والرهان بامتلاك النجوم لم تصفعنا السنون بعد.. لم تجرحنا التجارب.. ولم يطعننا من نحب ومن نأمن ونثق. لم تتخل عنا صحتنا.. ولم يضحك علينا القدر ولم يكشف اوراقه الخبيئة لم تظهر الأشباح والهواجس المحبوسة بالصناديق لم يكشف الأعداء والحساد والمغرضون عن اقنعتهم الخبيثة لم يكشف لنا القدر عن ابواب خلفية لطاقاته تنهمر منها المشاكل والبؤس والفواجع والأزمات
لم ندرك بأن مشاعرنا التي نملكها لم تعد ملكنا وانها تحولت الي مشاعر بديلة ومتناقضة واصبح ما كان بمتناول الأيدي سرابا تتحسر عليه النفوس عندما تضيق الدنيا ونفقد القدرة علي المقاومة والصراع.. يبقي حلان لا ثالث لهما الاستسلام او المواجهة وتقبل كل المخاوف والنتائج لا مهرب بعد الآن والتدثر بالهواجس والترقب والوهم مذا سيحدث ونحن خائفون منه.. دعه يحدث وسوف نكون هناك نراه ونرد عليه ولو بالصمت والتجاهل واللامبالاة ولكن لن نحرق نفوسنا ولن نستهلك طاقاتنا ونشحن مشاعرنا بالقلق والعذاب واستهلاك المزيد من الوقت لقد بلغ الحيل مداه ولا توجد مساحة قادرة علي المقاومة والاستمرار باللعبة لعبة الشد والجذب.. ارخاء الحبل وسحبه، لقد قررت مواجهة المخاوف والتحديات والذي يخبئه القدر سيظهر ولا يفيد الهرب منه..!!
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احمد القاضى




عدد المساهمات : 739
تاريخ التسجيل : 07/03/2009

رواية :تداعيات الفصول - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: رواية :تداعيات الفصول   رواية :تداعيات الفصول - صفحة 4 I_icon_minitimeالثلاثاء 28 يوليو - 18:08

الثاني والثلاثون
نحن نصنع اقدارنا

كانت عائشة وسلمي ابنتها ذات العشرة اعوام في المطار بانتظار سارة، رحبت بها وأقلتها بود ظاهر الي موتيل قريب في المدينة بعدما توقفت في احدي البقالات واشترت بعض الأغراض الخفيفة التي لابد ان تحتاجها سارة بعد أن اعتذرت عن قبول دعوتهما للعشاء لتعبها وارهاقها واحتياجها للراحة بعد السفرة المتعبة. وقد شكرت لعائشة لطفها وتبادلت معها ارقام الهواتف لتكونا علي اتصال في حين احتاجت لأي شيء ولتأكيد موعد الصباح للمرور للجامعة. كم كرهت المدينة لحظتها وهي مدفونة بالثلج. كئيبة يظللها الحزن والبرودة والصمت. ومن غرفتها في الموتيل وعندما جافاها النوم رغم تعبها لتغير المواعيد وصدمة السفر ورؤية امريكا الباردة المظلمة التي تنيرها الثلوج المجمدة علي ارفف المنازل وعلي الشجيرات الصامدة لهجمات الرياح الباردة القارسة التي تحول الأمطار الي قطع كريستالية مجمدة علي المنازل والأشجار يبدو بعضها كأقواس مدببة مستعدة للسقوط وايذاء من اسفلها... جلست ترقب من النافذة المدينة التي تحيطها الكآبة والوحشة.. وتبكي نامت مكانها واستيقظت من الآم رقبتها وظهرها واعتقدت لوهلة بأنها ما زالت بالطائرة ولكن لا ازيز ولا ضجيج واستعدت للايواء لسريرها . بدأ صباحها مبكرا بينما تغط المدينة بالنوم.. لاختلاف التوقيت مع الوطن.وتذكرت اهلها وكيف انهم يعتقدون انها لن تستطيع العناية بنفسها مع اعاقتها ولا بد ان يكون احد معها لقد عرضت عليها زوجة شقيقها اصطحاب خادمتها معها ولكنها رفضت.. لا تريد تحمل مسئولية روح أخري يكفيها أن تحمل همها، وسيساعدها تصميمها وارادتها لا غير. وقد حان الوقت لتتدبر امورها وان لم تفعل الآن ستظل طول عمرها عالة علي غيرها. هل يحس اخوتها بتأنيب الضمير بعد مغادرتها لان لا احد منهم رافقها علي الأقل لتوصيلها والاطمئان عليها.. هل كما قالت وضحة انهم ربما احجموا عن ذلك لكي تنثني عن رأيها عندما لا تجد احدا يشجعها ويطرح الحلول المساعدة لها. عندما اتصلت بشقيقتها تطمئنها وتعطيها رقم الموتيل.. لم تستطع ان تخفي تشتتها وضياعها وحزنها وتمالكت نفسها لئلا تبكي وتصرخ.. انا مشتاقة اليكم واريد العودة الآن حالا.. !!
تماسكت وهي تريد طمأنة اختها وليس ترويعها وأيضا لا تريد الاستسلام من البداية والاعتراف لها.. كم كنت محقة ليتني اطعتك. وكانت ردة فعلها لرؤية امريكا التي سيطرت علي اذهان العالم مخيبة للآمال، فقالت لعائشة وهي تأخذها في الصباح لتكمل مستلزمات التحاقها بمعهد اللغة في الجامعة ومن ضمن ذلك استلام السكن في الحرم الجامعي : أهذه امريكا.. انني لا اري سوي مدينة صغيرة وبيوت متناثرة علي طول الطريق واعشاب واشجار مغطاة بالثلوج وشوارع بسيطة.. اين ناطحات السحاب اين الجسور والأنفاق اين الأضواء والضجيج.. اضحكت عائشة وقالت لها : انت في مدينة امريكية عادية وادعة وهادئة.. اذا اردت الصخب فهو في الداون تاون..اما امريكا التي يسمع بها الناس فهي في نيويورك وشيكاغو ولاس فيجاس، وغيرها من المدن الكبري. !سارت الأمور بشكل عادي وتسجيلها للمواد موجود ودفعت التكاليف المطلوبة ومن ضمنها التأمين الطبي وكان مهما لها لأنه جزء من مهمتها ايضا للعلاج واعادة الفحوص. وبانتقالها الي السكن وشراء اغراضها المهمة ومساعدة عائشة الانسانية لها التي فاقت تصورها وبوصول تماضر وبدأ الدراسة والتعود علي الحياة في هذا المجتمع الغريب وكسر حاجز العزلة بالتعرف علي زملاء جدد اجانب مثلها، وقد بدأت دراسة اللغة اولا استعدادا لترشيحها لدخول الجامعة تحولت احزانها الداخلية الي مواجهة المعركة الخارجية لاثبات وجودها وعدم الفشل بمهمتها وقد اصبحت الفتاة المشهورة في كل المعهد التي تستعمل الكرسي المتحرك. في البداية كانت محرجة من النظرات وخصوصا من الطلبة الأجانب الذين يستغربون جرأة معوقة علي قطع المحيط للقدوم للدراسة بكرسيها.. وكانت تتحاشي النظرات الفضولية وتبدو متماسكة وغير آبهة كأنها لا تشعر بنظراتهم المتسائلة التي تخلت عن التلصص وكشفت حيرتها وبحثها عن التفاصيل.. وبعد فترة احست انها اصبحت جزءا من المكان وقطعة لا تنفصل عنه.. تعود الجميع عليها وعلي كرسيها المتحرك، صادقت كل المجموعة في الفصل المؤلف من ستة عشر طالبا وطالبة وتميزت بجديتها وسرعة تعلمها وتأقلمها مع المجموعة.لم تعتقد بأنها ستكون محبوبة من الجميع لا بدافع العطف والفضول ولكن للطفها وتعاونها ومساعدتها لهم حينما يتوزعون بمجموعات ويحاولون ان يحلوا الواجب الدراسي ويبسطوا الموضوع لمن لا يفهم او يستوعب خلال الدرس، وأحبها الأساتذة لهذا السبب ايضا وشعروا ان قوتها تكمن في شخصيتها وحضورها وكما قال لها احد الأساتذة.. لا يكون الفصل طبيعيا الا بوجودك.. انت تضفين عليه روحا ما لا يستطيع احد منهم استحضارها، برغبتك بالتعلم وانتباهك واسئلتك واجاباتك.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احمد القاضى




عدد المساهمات : 739
تاريخ التسجيل : 07/03/2009

رواية :تداعيات الفصول - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: رواية :تداعيات الفصول   رواية :تداعيات الفصول - صفحة 4 I_icon_minitimeالثلاثاء 28 يوليو - 18:09

وبذلك لم تتوقع ان تكون الحياة الدراسية بهذه الكمية من التكيف والقبول، وتجري بهذه السلاسة والروعة وهي محاطة بالحب والرعاية والاهتمام في مدرستها من الصباح الي ما بعد الظهر، وبالاهتمام والمحبة من صديقاتها الرائعات تماضر وعائشة اللاتي احطن بها كملاكين من اليمين واليسار ومنحاها مساحة هائلة من الدعم والمحبة والعطاء. لقد عادت شابة طبيعية تقوم بالتسوق بنفسها وتستقل الباص وتأخذ غسيلها للمغسلة وتحضره بنفسها، تعد طعامها وتغسل الأواني.. فالأستديو الصغير مجهز لحالتها ويمنحها الاعتراف بأنها سيدة بيت عادية وتشارك زميلاتها بالصف ساعة الغداء يوميا وتتبادل معهم الأحاديث ويتناقشون بالواجبات ويمرحون باحتفالات المدرسة التي تحرص علي تعريفهم بالمجتمع الأمريكي من خلال المشاركة بالمناسبات المعروفة كالهلوين والفالنتاين ديه والثانكس غيفينغ وراس السنة أو اقامة رحلات الي بعض الأماكن الترفيهية في المدينة. ادركت حينها ان قرارها صائب بالقدوم الي هنا وانها لم تكن مغامرة نجحت بأعجوبة بل فرار الي الحياة الحقيقية التي تصنفها في عداد الآدميين المنتجين الطبيعيين. لا يعني ان حياتها خالية من الاحباط والفشل والاكتئاب.. كم مرة تزحلقت علي الجليد بكرسيها المتحرك وكادت تتسبب حوادث للمشاة الآخرين، وكم مرت عليها مواقف محرجة ضايقتها اياما وثم استطاع الزمن ان ينسيها بالانشغال بغيرها. حاولت تدريب نفسها علي التعامل ببساطة مع هذه المواقف وأن لا تعطيها ابعد من حجمها، وأن تستحملها ولا تدعها تحطم ثقتها بنفسها وذلك من خلال مركز ذوي الاحتياجات الخاصة بالجامعة الذي تشرف عليه الجامعة ويديرها اساتذتها ويتدرب فيه طلاب الطب المستقبليون. تعلمت منهم كيف تدير حياتها كمعوقة، وكيف تعالج مشاكلها سواء الجسدية اوالنفسية وكيف تحيا بشكل طبيعي. كانت الدكتورة مس سميث المشرفة علي المجموعات الدراسية التي يأتي طلابها الي المركز ويعملون مع المعوقين المسجلين، فبينما ينال المشترك الرعاية والاهتمام والاجابة عن تساؤلاته وتهيئته للحياة العامة، فان ذلك يعتبر بمثابة مقرر عملي علي الطلبة المعالجين وقد كانت ضمن الذين استفادوا من خدمات هذا المركز وخصوصا وانها منذ الحادث لم تراجع المستشفي ولم تخضع لأي علاج طبيعي.كانت الجلسات التدريبية التي تجريها الدكتورة سميث بمساعدة طلبتها ذات فائدة عظيمة لسارة وللمجموعة الحاضرة. مختلف الأعمار والألوان.. كانت الأجنبية الوحيدة بينما الباقون امريكان من اصول مختلفة. ولم يشعرها الآخرون بأنها غريبة وشخصية قادمة من ثقافة مغايرة تماما تبعث علي الفضول، لقد عاملها الجميع رغم لكنتها وملابسها وحجابها الذين يكشفون غربتها بشكل طبيعي ، فجزء من عظمة هذا البلد ان جميع الأجناس تعيش فيه وجميع الألوان والأشكال والملابس والسلوكيات دون حرج وخجل وغرابة. فقط اذا احسوا.. ان الشخص يحس بالحرج والشك بهيئته والغرابة للهجته.. يتجرأون كي يسألوه ويكتشفوا ما وراءه. وقد كانت سارة كذلك في الجلسات الأولي.. مضطربة ومنفعلة وخصوصا وهي تنظر بغرابة الي اختلاف الموجودين وخصوصا شاب علي كرسيه المتحرك تملأ الأوشام ذراعيه المكتنزتين وقد ارتدي قميصاً بلا اكمام بينما شعره الأشعث الطويل منسدل علي وجهه وكتفيه. كانت تشعر انه لا بد ان هذا الشاب من بيئة قذرة.. خمور ومخدرات وعصابات وما الي ذلك كانت تتحاشي النظر اليه خوفا من ان يلاحظ وجودها اصلا وربما قد يؤذيها اليست غريبة في البلاد وعاجزة.. ربما يدل العصابة عليها ويسرقوها.. ربما وربما.!! تغير لونها عندما اشارت عليه الدكتورة سميث ليكون الي جوارها في الحلقة الخاصة بهم المكونة من ثلاثة مع الطالبة المسئولة عن تدريبهم وفي نفس الوقت تأخذ ملاحظاتها علي حالاتهم الصحية. كانت غير مرتاحة بالمرة ومتضايقة ويبدو عليها النفور وعدم التجاوب وعزت ذلك عندما لاحظت الدكتورة سميث لاصابتها بالصداع. لذلك ما ان انتهت الجلسة حتي سارعت بالخروج وليس كعادتها تتبادل الأحاديث والمجاملات مع المجموعة المشاركة.
وعند الباب الخارجي وجدت سيدة نحيلة في الخمسينات من عمرها ترتدي الجينز الضيق والقميص الرجالي الخشن المضغوط تحت بنطالها بحزام عريض تدخن بشراهة ومستندة علي الجدار بينما تهز رجلها بعصبية ثم تسندها علي الحائط وهي تتابع تدخينها بنهم وصمت. وعندما وصلت سارة الي سيارة عائشة وهي تطوي كرسيها وتستند علي العصا لتدخل السيارة استدارت بالتفاتة للمدخل لتجد المرأة تستقبل الشاب الضخم ذا الشعر المنكوش وتسير الي جانبه الي سيارتها الجمس الكبيرة العتيقة وترمي بعقب السيجارة وتدوسه بقوة ثم تساعده علي الصعود.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احمد القاضى




عدد المساهمات : 739
تاريخ التسجيل : 07/03/2009

رواية :تداعيات الفصول - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: رواية :تداعيات الفصول   رواية :تداعيات الفصول - صفحة 4 I_icon_minitimeالثلاثاء 28 يوليو - 18:11

لم تتذكر سارة هذا الموقف وتقريبا نسته حتي جاء موعدهم بعد أسبوعين مع المجموعة، وعندما دخل الشاب الي القاعة عاودتها الهواجس واختفي مرحها واحست بالفعل بالصداع هذه المرة. كانت تتربص بالمكان الذي سيختاره الشاب لكي تذهب للمكان المعاكس حينما جاءها صوته وهو يمر امها وهي منكسة الرأس آنسة.. آنسة.. نظارتك مرمية علي الأرض.. لا تتحركي حتي لا تنكسر
كانت تستعد للتحرك بأقصي سرعة للابتعاد واذا كان يعتقد انه سيحمي نظارتها فقد كان مخطئا لانه سبب في فزعها اكثر واكثر. لم تتبين ما قاله أو ان كان يخاطبها او لا الا بعد ان شهق جميع من في القاعة بعد ان حركت كرسيها مهرولة به وقد سحقت بلا رحمة نظارتها الشمسية. تراكض الأصحاء في الغرفة الطلبة الأربعة وهم يحاولون اكتشاف نتيجة الارتطام وكان لا يبشر بأي خير.قال احد الطلبة.. قولي انها نظارة شمسية والا لن تتمكني من العودة الي البيت بسيارتك. اجابت بابتسامة مغتصبة.. نعم... انها مجرد نظارة شمسية. قال الشاب العملاق.. آسف.. كنت اود تحذيرك قبل...
وقاطعته بغضب مدفون.. لا عليك، كل شيء علي ما يرام. وكأنها تقول له بحنق . . وكأنه لست انت السبب.. !!! وفوجئت به يتبادل حديثا ودودا مع إحدي العجائز التي تعرضت للزحلقة وكسر فخذها مما سيجبرها علي الجلوس بقية عمرها علي الكرسي المتحرك لصعوبة التئام الكسر بمثل حالتها..!! كان يعطيها افضل طرق التصرف مما اثار انتباه الطالب المشارك بالحلقة وقال له من اين اتي بهذه المعلومات.. ومن هو طبيبه المعالج.. قال له الشاب بتفاخر.. انه جدي.. انه مجرد مزارع من الجنوب ولكنه داوي نفسه عندما كسر وركه مثل هذه السيدة والآن هو يمشي ويحرث ويقود شاحنته وعمره الخامسة والسبعون. شهقت العجوز وقالت باعجاب.. يا الهي.. ولماذا لا يعالجك.. قال لها الشاب.. تعرفين ان اصابتي مختلفة ناتجة عن حادثة سيارة.. كما ان والدتي اصرت علي العلاج والتدريب هنا.. لا تنسي انني كنت في السنة الثانية طب قبل الحادث. تنهدت العجوز.. اوه والآن ماذا سيكون مصير دراستك.. قال الشاب باستسلام.. لقد حولت التخصص.. انني الآن في الهندسة الزراعية.. كان حلم جدي ان اكون طبيبا بيطريا للمواشي والجياد لكن.. ربتت العجوز علي يده.. وقالت ستكون مهندسا عظيما... اراضي جدك ستكسبك ان لم يكن حيواناته.. ثق بذلك لم تصدق سارة سمعها.. هل هذا الحيوان الكثيف الشعر غير المهندم التي ترتدي والدته ملابس الرجال طالب امعي واهله يملكون مزرعة واراضي زراعية ومواشي وجياداً ويكدون في عملهم.. كم يخدع الشكل في امريكا.. وكم تبالغ الحرية الشخصية، وكم لا يبالي الناس بملابس غيرهم واشكالهم. . لكننا العرب نفعل ونحكم عليهم من خلالها.. !!زال توتر سارة شيئا فشيئا وقد اكتشفت فيه ذكاءه وملاحظاته النبيهة ومساعدته للكبار في السن ورأفته بالصغار وقد احبوه ولا يخلو المكان من الابتسام لطرفاته ومساعدته للآخرين لدرجة تركيب الواح شاشة العرض وتثبيتها ورفع بعض الكراسي وتنظيمها.
كانت تعتقد بأن العرب ملوك العاطفة والمشاعر وغيرهم من الشعوب جامدون وباردو الوجدان، بل كانت تعتبر بأن النكتة والمرح من خصال العرب وجزء من تراثهم ولكنها اكتشفت ان بامكان الجاهل خلق عالمه الذي ليس من الضروري ان يكون صحيحا..!! من اول وهلة وطأت قدماها مطار شيكاغو استوقفتها الضحكات الصاخبة من رجال يبدو عليهم انهم من اصحاب الأعمال من شكل ملابسهم الأنيقة والحقائب الجلدية التي يحملونها بأيديهم. كانوا واقفين يتكلمون بصوت عال وتتطاير منهم في الهواء ضحكات صاخبة منطلقة من القلب. لم تر مثلها في وطنها..!!
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احمد القاضى




عدد المساهمات : 739
تاريخ التسجيل : 07/03/2009

رواية :تداعيات الفصول - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: رواية :تداعيات الفصول   رواية :تداعيات الفصول - صفحة 4 I_icon_minitimeالثلاثاء 28 يوليو - 18:13

وعندما احتكت بهم في الجامعة والأسواق والسوبر ماركت ومن خلال وسائل اعلامهم وبرامجهم التلفزيونية وجدت انهم شعب عاطفي ربما اكثر من اللازم، وربما ساذج اكثر من اللازم، ويجيد السخرية والنكتة ويعشق المرح اكثر من اللازم..!! بل احيانا كانت تتعجب ان تصدر حركات كوميدية من استاذ بروفسور محترم في الجامعة أو طبيب كبير. لا دخل للهيبة والمركز العلمي والوظيفي والاجتماعي في قدرة الانسان علي المرح والرقص والتحول الي طفل سعيد بهيج في الوقت الذي يحسه.. ! اكتشفت ان العرب من يدعون بأنهم خزنوا الأصالة، وعبئوا المثل والحكم، وحصدوا القيم، يستأصلون مشاعرهم الحقيقية ويصادرونها ويكتمون انفعالاتهم، ويدعون الوقار والحزم في الوقت الذي يريد الطفل داخلهم بالانطلاق والتعبير. انهم لا يدركون بأنهم لا يؤذون غيرهم عندما يطلقون لمشاعرهم العنان، ولا يسيئون لاحد، ولا يخدشون هيبتهم ولا يقللون احترامهم ولا يحكمون علي انفسهم بالخبل والهبالة، انه جزء من تكوينهم وبنائهم النفسي الانساني العام يريد ان ينطلق ويريد المرح والرقص والحركة والتعبير عن اختلاجاته وانفعالاته، انه اسلوب صحي يحفظ للنفس اكسيرها ويجدد تفاؤلها وتقبلها للمواصلة والكفاح..!! الحياة الجميلة كانت صداقتها لعائشة وتماضر اكثر من رائعة ، على الأقل كانت تضمن السند الذي تعتمد عليه ، والملجأ الذي تطرقه عندما يخطر ببالها اي سؤال او تريد أي خدمة. فعائشة مرتبطة بالجالية العمانية والخليجية ولها معارف كثيرون يديرون مجتمعا متكاملا لا يشعر المرء فيه انه فارق وطنه.. تحكمه نفس القيم والأعراف وحتى التقاليد والعادات المعاشة بالوطن. فمن العادي رؤية الطلبة يطبخون اكلاتهم الشعبية ويزاولون جلساتهم المعهودة في بيوت بعضهم او في المسجد حيث تدار الفعاليات الاجتماعية ويتبادل الطلبة المعلومات والخبرات والخدمات. كذلك كان زوج تماضر متصلاً بهذه الرابطة من الأصدقاء. وهذا المجتمع متكاتف جدا لمقاومة الغربة فما أن يأتي طالب جديد فإنه لا داعي ان تربطه علاقات متينة بالموجودين. فقط يوصي به احد ولو كان من خارج الولاية ليجد بانتظاره اشخاص لم يرهم في حياته يستقبلونه ويستضيفونه ويحلون مشاكله ويذوب معهم ويصبح نسيجا واحدا مع محيطه الجديد.انهم قد لا يتلاقون في اوطانهم ولكنهم هنا يأكلون من طبق واحد ويحتمون ببعضهم ويسهرون على راحة زملائهم ويتحملون مسئولياتهم حتى يستطيعوا التأقلم في غربتهم. انهم يعودون مراهقين من جديد.. تعني لهم الصداقات الكثير ، ويجعلون اولويات اصدقائهم جزءا من اولوياتهم. لقد وجدت مجتمعا فريدا ذابت فيه الشخصيات الخليجية واصبحت كيانا واحدا يلوذون ببعضهم ويدعمون بعضهم الآخر. حتى لهجاتهم اختلطت فأخذوا يتأثرون ببعضهم البعض ويتلفظون العبارات التي تبقى عالقة في ذاكرتهم اثناء احاديثهم مع زملائهم ، يتبادلون الذكريات والشوق عن اوطانهم واحبائهم ، يطفئون ظمأ البعد برواية القصص والحكايات عن مسقط رأسهم ومعارفهم.كانت عائشة تصر على تناولهم الغداء معا في المول كل سبت. فقد كانت تجد في التسوق في المول الكبير ذي المتاجر المتعددة متعة كبيرة مصطحبة اطفالها الاثنين. ينثرون تعليقاتهم في كل مكان ويستوقفون بعض معارفهم للتحية والسلام ولا تخجل ولا تمل ان تكون معهم سارة وهي تتحرك على كرسيها بهدوء ولا تعتبره ضياعا للوقت واهدارا له. وكانت رحابة صدرها تتسع للمرور على سارة واصطحابها وتحميل كرسيها بصبر ومعاونتها على ذلك. اما تماضر فقد كانت ودودة وخدومة الى اقصى درجة وما تسمح به قدراتها كحامل لأول مرة وطالبة في نفس الوقت عليها الكثير من الالتزامات الدراسية والبيتية.
كان احساس سارة بأنها قريبة منها ، تستطيع محادثتها تليفونيا والاستنجاد بها اي وقت يهبها الشعور بالأمان والأطمئنان ويخفف عنها آلام الغربة وظروفها كمقعدة. كانت ترى الاشفاق بأبلغ صوره بأعين معارف تماضر وزوجها ، وبعضهم يقولون صراحة بتعجب.. كيف تخاطر بحالتها على القدوم هنا لوحدها بدون ان يرعاها احد...؟؟ انها حياة قاسية على الشاب العادي فكيف بفتاة بمثل ظروفها..؟؟
كانت تغالب المناخ القاسي عندما تتحول الممرات الى قطعة صقيع متماسكة عملاقة.. كأنها صالة تزلج ملتوية الأطراف والمسافات ، والخطورة هنا ليس في كون الثلوج مجرد حبيبات هشة تتكسر وتذوب تحت وطأة الاقدام ، انها صقيع جامد يزحلق بلا رحمة الناس والسيارات ويسبب الحوادث والإصابات. لذلك تقوم الشركات المتخصصة في المجمعات السكنية او افراد الأمن والبلديات باذابة الجليد برش الملح المخصص لذلك في الشوارع وممرات البيوت وامام الكراجات ، ويبدأ الجميع العمل منذ الصباح الباكر لتهيئة الطريق للناس ليواصلوا حياتهم. كانت مدرستها للغة الموجودة بالحرم الجامعي تبدأ في التاسعة صباحا وتستمر الى الثالثة عصرا مع ساعة راحة لفترة الغداء داخل كفتيريا الجامعة. كان المشوار صعبا من سكنها الجامعي الى المدرسة في الأجواء القارسة البرودة. وقد عرضت عليها عائشة توصيلها فقط في مثل هذه الأيام الصعبة وكانت تحس بالاحراج والذنب لأن على عائشة مسئولية ابنائها وكانت ترد عليها بأريحية زائدة. سلمى في العاشرة من عمرها وزياد في الثانية عشرة ويستطيعان الاهتمام بنفسيهما واستقلال حافلة المدرسة التي تلتقط ابناء الحي قرب بيتهم. بالفعل كانت الخدمات المدرسية راقية جدا لأن المجتمع وصل مرحلة متقدمة من الرقي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احمد القاضى




عدد المساهمات : 739
تاريخ التسجيل : 07/03/2009

رواية :تداعيات الفصول - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: رواية :تداعيات الفصول   رواية :تداعيات الفصول - صفحة 4 I_icon_minitimeالثلاثاء 28 يوليو - 18:14

والتحضر. تتذكر عندما كانت تعود في موطنها من العمل ظهرا وتضطر الى المرور في الشارع المؤدي الى منزلها والذي يمر باحدى المدارس ، كانت السيارات مصطفة في الشمس المحرقة الواحدة تلو الاخرى تسد الشارع في صفوف طويلة غير منتظمة لا تسمح بالخروج والدخول وخصوصا عند التقاطها التلاميذ وقد عطلت حركة السير وأوقفتها تقريبا ، واحتبست السيارات القادمة بفعل الاخرى المعاكسة وتبدأ الأبواق والشتائم بالتناثر. يتكرر نفس الموقف امام كل مدرسة الشوارع المؤدية اليها في الدوحة ويبدو من المألوف رؤية رؤوس الخادمات تطل من السيارات التي يقودها السائقون وقد لوحت الشمس وجوههم واحرقتها تماما. يبدو ان الحافلات الحكومية فقدت تأثيرها ويرفضها الاهالي وابناؤهم ويفضلون الوضع الحالي ولا يستنكرونه او يحاولون معالجته.لقد فوجئت عندما ذهبت مع زملائها في مدرسة اللغة لتقديم محاضرة لطلبة المدارس الابتدائية عن اوطانهم وتراثهم. كل مجموعة من اثنية متشابهة تتكلم عن بلادها كتمرين للطلبة وكواجب مدرسي يبين قدرتهم اللغوية على التعبير واستخدام الكلمات في جمل ، اسلوب النطق ، وسلامة القواعد ، مما يستوجب التحضير له بالأسلوب المناسب مع الحث على كسب انتباه الأطفال واهتمامهم باحضار ملابس واغراض وصور للشرح عليها وتقريب الصور الكلامية. كانت المدرسة الحكومية التي اختاروها لهم تحفة رائعة لم تستطع سارة مقاومة اعجابها ومقارنتها بالمدرسة التي يدرس بها اولاد اخوتها بالوطن. كانت المدرسة الامريكية من دور واحد تمتد لتشمل فصولا واسعة تصطف بها الكراسي بشكل عشوائي محبب تتوسط احد الحوائط سبورة كبيرة بينما في الزوايا اقفاص الحيوانات الأليفة وربما السامة ولكن بدون سم كالثعابين.. وفي زاوية اخرى مغاسل لغسل اليدين بمستوى حجم الأطفال وخزائن لحفظ أغراضهم ، وقد انتشرت الصور في الزوايا والحوائط. لم تحس انها في غرفة دراسية بقدر صالة جميلة للهو والمرح.. !! وليس لديهم خدم او سعاة فالإدارة تستطيع مخاطبة كل فصل وغرفة من خلال الميكرفون المثبت بكل منها ، ونقل رسائلهم الصوتية اليومية او اخبار المعلمة بقدوم ولي الأمر لأخذ طفلهم للطبيب أو لأي موعد طارىء.وفي الممرات الواسعة في المدرسة المسقوفة كلها كقطعة متماسكة توجد في جوانب منها بين الفصول غرف التواليت المنفصلة للبنين والبنات النظيفة المعقمة والخزائن التي تسمح لكل طفل في المدرسة بخزانته الخاصة التي يحمل مفتاحها الشخصي ، ويتعلم الحفاظ على اغراضه ويكون مسئولا عنها ثم المطبخ الموصول بقاعة الطعام الضخمة التي تتغذى فيها كل المدرسة بنظام تغيير الشفتات. كأنها مطعم منظم لا يتعارك فيه الصغار عند المقصف للحصول على ساندويش او كيس شيبس او علبة بيبسي. كل طالب وطالبة يسيرون بنظام في خط متتابع لأخذ صينيتهم واختيار وجبتهم التي يكون ضمنها علبة الحليب او العصير ثم يدفعون الثمن الرمزي دولارا واحدا لها ويعودون الى الطاولات المخصصة للأكل. كانت التجربة الامريكية مؤثرة جدا لسارة وهي تحضر الحفل الموسيقي لمدرسة سلمى ابنة عائشة في قاعة المدرسة ذات المسرح الضخم والإمكانيات الهائلة وهي بالأصل قاعة الرياضة الداخلية التي تتحول الى مسرح أو قاعة اجتماعات عند المناسبات بينما هناك ملعب خارجي في الهواء الطلق وذلك اثناء الفصول الجوية الملائمة.اما ما زاد عجبها اكثر عندما قالت لها احدى امهات الطالبات اربعينية العمر بأنها درست في هذه المدرسة في طفولتها.. وكانت المدرسة العريقة الحكومية التي يدرس بها جميع الأطفال من امريكيين أو وافدين كأبناء عائشة بالمجان ، تبدو كأنها جديدة وتتلألأ وتصغر عمرا وتبدو اجمل من مدارس يقل عمرها الكثير ولكنها تهاوت وعتقت في الوطن.. !!
كان منظر الصغار مجتمعين في نقطة التجمع لكل حي بانتظار قدوم الحافلة الأنيقة التي لا تدمر البيئة بدخانها الأسود ولا تراكم الأجساد الصغيرة في تكدس حانق ولا تدور بهم بالأحياء البعيدة قبل توصيلهم بيوتهم.. جميل وحافل وهم يدخلون الحافلة ملقين التحية على السائقة التي غالبا ما تكون انثى وعلى بعضهم البعض وهم يتلاقون اثناء خروجهم من بيوتهم والتقاءهم في محطة تجمعهم.
لقد جاءت بفكرة امريكا الخطرة العنيفة التي لا امان فيها.. ووجدت بلا مبالغة ان ونيسها اهازيج الأطفال وضحكاتهم البريئة وهم يلعبون ويمارسون التزحلق على العجلات الصغيرة او يلعبون مع اولياء امورهم في الحديقة المقابلة للسكن الطلابي حيث تمتد الخضرة والجداول والبحيرة التي تسبح وسطها البط والبجع. كلما رأتهم على عجلاتهم يتسابقون او يتسامرون بمرح احست بصوت الحياة وبهجتها وانتشت من موسيقى اصواتهم واحست بالأمان والرغبة بالأغفاء على هذه الأصوات الملائكية الضاحكة حينا الزاعقة احايين اخرى.. !!كان يحلو لها في ايام الربيع الجميلة ومع دخول الصيف التمشي بواسطة كرسيها المتحرك مع تماضر في هذه الطبيعة الساحرة والجلوس في الحديقة العامة واستنشاق رائحة الحياة والناس يرتدون الملابس الخفيفة وقد تحرروا من ملابس الشتاء الرهيبة وانطلقوا يتريضون ويركضون ويلعبون.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احمد القاضى




عدد المساهمات : 739
تاريخ التسجيل : 07/03/2009

رواية :تداعيات الفصول - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: رواية :تداعيات الفصول   رواية :تداعيات الفصول - صفحة 4 I_icon_minitimeالثلاثاء 28 يوليو - 18:16

الثالث والثلاثون
لا يأس مع الحياة

نصحتها مس سميث الدكتورة المشرفة على مركز مساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة بالجامعة على رؤية الطبيب بداية لتشخيص حالتها لمساعدة الطلبة المتدربين بالمركز على فهم اسلوب مساعدتها وتقديم الخدمات المناسبة لها. وذهبت لرؤية الطبيب بالعيادة الطبية الجامعية. ربما كان يوما سعيدا ومخيفا بآن واحد ، لقد تقبلت سارة وضعها لدرجة الاستسلام له والتعلق به لذلك فعندما قامت بعمل الفحوصات التي طلبها الطبيب قبل الكشف عليها لم تتوقع ما قال ، بل كان كالحلم : قال الدكتور وقد كان وجهه جامدا وعيناه الزرقاوان ككرتين زجاجتين ملونتين تعكسان جديته: منذ متى الحادث.. ؟؟ ردت سارة : تقريبا عاما ونصف.. !- هل قمت بعلاج طبيعي في هذه الفترة.. ؟؟ وما هو.. ؟؟
كأنها سمعت شيئا غريبا قالت ساره بإنكار : لا.. لا علاج طبيعياً ، تعودت فقط على تسيير اموري ، وساعدني برنامج الدكتورة سميث مع التكيف مع حالتي. قال لها ببرود : لم تقتعدين كرسيا متحركا.. ؟؟قالت له بتهكم : حتى اتحرك واستطيع قضاء احتياجاتي. وكيف اتنقل يا دكتور.. ؟؟
قال لها بنفاد صبر : هل تدركين بأنك تفسدين على نفسك علاجك.. ؟؟ ان من الغباء ما تفعلين.. ؟؟ هيا اتركي هذا الكرسي وحاولي تمرين رجليك.. ؟؟- ماذا تقول يا دكتور وهل كنت سأتأخر.. ؟ هل انا مدمنة على الجلوس على هذا الكرسي.. ؟؟ هل هو خيار مطروح.. ؟؟ إنه غصب عني.. - الم يقل لك اطباؤك إن مشكلتك في العصب وليس غير ، وعندما ينمو ستحل مشكلتك ، ونموه يختلف من شخص لآخر ولكن العلاج الطبيعي يساهم كثيرا في سرعة نموه. وجلوسك بهمود على هذا الكرسي يعطلك ويؤخر علاجك. لم تستوعب سارة كلامه ، شيئا جديدا يطرح امامها لم تكن تضع حسابه ولم يخطر لها على بال. تابع الدكتور وقد تحجرت عيناه الزرقاوان اللتان تضيئان وجهه البارد الخالي من الانفعالات ، والذي يتوجه رأسا نحيلا يقترب من الصلع ولكن باجلال : هيا انهضي واستندي بيدك اليسرى على الممرضة بدون أن أن تتمسكي بشيء باليمنى. ألم تلاحظي إن رجلك اليمنى التي كانت رخوة سابقا بدأت تتماسك وتقوى. لقد عطلت علاجها وكانت تحتاج الى العلاج الطبيعي لتكون أكثر ثباتا وتجلدا. وبصوت غاضب نهرها عندما لاحظ ترددها : هيا انهضي ولن تستعملي هذا الكرسي ابدا ، هل تريدين أن تصبحي عاجزة.. ؟؟ ما هي مشكلتك.. ؟؟تلعثمت سارة وكانت تريد أن تقوله له ، انها تكره الكرسي ولكنها اقنعت نفسها بقبوله ليس ككرسي بل كقدر ولم تكن تريد أن تفر من قدرها بل أن تتقبله ولم تكن تعلم بأن المسألة برمتها مختلفة فلم تفهم بشكل اساسي ما أصابها وكانت غلطتها الكبرى انها احتضنت فكرة ما طيلة مدة اصابتها وعاشت بها ولم تعلم انها تضلل نفسها. كانت تريد أن تقول له انها لم تذهب لرؤية طبيب منذ خروجها من المستشفى بعد الحادث وكانت ما زالت مروعة مما اصابها وقد اقنعتها سوء حالتها انذاك بأنها النهاية وقد حمدت الله وتقبلتها صابرة. ما زالت مذهولة من هول الموقف ولم تستوعب بعد كلام محدثها أو أن تستوعب أن يخبرها أحد بلحظة ما إنك تستطيعين المشي ، وعليها التصديق. وفجأة صرخت متسائلة :هل تعني يا دكتور انني استطيع المشي مثلك ومثلها ، بشكل طبيعي. هز الدكتور رأسه نافيا :لا.. ليس مثلي أو مثلها ولكن تستطيعين ذلك ربما بعد سنة ، او خمس أو عشر ، لا أدري فمن يحدد ذلك جسمك وقدرته على التماسك وسرعة نمو العصب. ولكن مما أرى ورغم إنك كنت مريضة سيئة لم تمرني رجليك ابدا إلا إن هناك تطورا عجيبا فيهما وخصوصا اليمنى التى يمكنها التلاحم بشكل رائع خلال سنة من الآن ربما أما اليسرى فهي التي تحتاج الوقت الذي حددته لك للشفاء التام. الذي اريدك أن تقومي به ترك هذا الكرسي بالحال واستعمال عكازتين اثنين وتداومين على التمرينات بالعلاج الطبيعي هنا بالمستشفى ولا مانع من استمرارك مع الدكتورة سميث لأن لديهم برامجا أخرى مكملة للعلاج الطبيعي. هناك ايضا فيتامينات ومقويات تحتاجينها والاهتمام بنوع الغذاء وستعطيك الممرضة خطة غذائية تتبعينها. سأراك بعد ثلاثة اسابيع ومن يدري ربما تتحسن رجلك اليمنى بالقدر الذي لا تستعملين به إلا عكازة واحدة. هل ستقف من جديد ، هل ستلامس الأرض ويمتد طولها في الأفق ، هل ستتخلص من تقرحات الكرسي وجلسته المؤذية ، هل سيتنفس ظهرها الهواء ولن يحجبه ظهر المقعد ، هل ستسمع وقع خطواتها بالأرض ، وهل ستتوقف عند محلات الأحذية مع صديقاتها وتشتري احذيتها الخاصة ، هل ستسير وتشعر بأنها حرة ولا يجرها مقعد لا تتسع الأمكنة اليه ويحجبها عن الوصول لمعظم الأمور.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احمد القاضى




عدد المساهمات : 739
تاريخ التسجيل : 07/03/2009

رواية :تداعيات الفصول - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: رواية :تداعيات الفصول   رواية :تداعيات الفصول - صفحة 4 I_icon_minitimeالثلاثاء 28 يوليو - 18:18

لا يدري الطبيب انها قد تلقت المفاجأة الحلوة الأقرب الى الصدمة بحيث انها عندما خرجت من مكتبه توقفت وضمت كفيها بيديها ودفنت وجهها به وقد بدأت اعصابها تتشنج من الانفعال ، هرعت اليها موظفة الاستقبال وقد خشيت انها تلقت خبرا سيئا من الطبيب لم تستطع استحماله. كانت تريد أن تمد لها يد العون المناسبة وتخبر الطبيب اذا كانت مقدمة على انهيار ، جلست الى جوار سارة وقالت لها بحنو:هل هناك ما يضايقك. ؟؟ هل استطيع مساعدتك.. ؟؟قالت لها سارة ببراءة :هل تستطيعين أن تفسري لي لماذا جررت بجسدي المتعب هذا الكرسي المتحرك لمدة عام ونصف وأكثر دون أن ادرك انني استطيع المشي بالعكازتين.. هكذا فحسب. ؟؟ ولم اخرت شفاء رجلي بجلوسي عليه لانني كنت حينها احتاج للمشي بالعكازتين لتمرينهما والعمل على نمو العصب فيهما ، هل تستطيعين أن تعرفي لماذا.. ؟؟ لم تتوقع سارة أن تتغير الفصول وتشرق الشمس وتنثر عليها رشات الأمل من حيث لا تتوقع ، ومن رحم انينها وتوجعها ويأسها. لم يصدق زملاؤها في الفصل دخولها عليهم واقفة هذه المرة بالعكازتين ، كانت فرحتهم غامرة.. لقد ضمتها الفتيات مجتمعات بينما تقافز الشباب صارخين بأماكنتهم. بينما جلست مدرستهم العجوز على كرسيها من هول الصدمة. لم لم تخبرينا بأنك ستمشين ، الا ترين انها صدمة ، صدمة فرح. كان زملاء سارة في معهد اللغة يتراوح اعمارهم بين التاسعة عشرة وأواخر العشرينات ، من جنسيات اسيوية مختلفة وجلهم من اليابان والصين وبعض الخليجيين. وكانت معاناة الدراسة وارهاقها وشجونها وتحديها قد ربطت بينهم برابط الأخوة التعاضد.
كانوا يرون وجوه بعضهم البعض قادمة كل صباح بشيء من التعب والإرهاق ومشاعر شتى تتضارب بهم اهمها تحديد مصيرهم وقبول الجامعة بهم سواء للدراسة الجامعية أو العليا أو الاضطرار للترحال الى ولايات اخرى ومراسلة جامعاتها فدراسة اللغة ما هي إلا الخطوة الأولى للقبول بالجامعة وبدأت الدراسة الفعلية. كانوا نسيجاً تجمعه الغربة رغم اختلاف ثقافاتهم الكاملة إلا انهم هنا مجتمعون لهدف ومصير واحد. أما تماضر وعائشة فقد انهمرت الدموع من اعينهما وضموها اليهم غير مصدقين بانها واقفة بطولها امامهم. يحيي العظام وهي رميم ، ولكن بين يوم وليلة وبدون توقع هذا ما ادهشهن تماما.لم يتخيلن إن زيارة عادية لطبيب ستحدث هذا التغيير. وقد خشيت سارة من اعين زملائها في معهد التأهيل عندما تدخل عليهم فجأة وهي على رجليها وحتى ولو كانت مستعينة بمساعدة العكازين التامة إلا إنه تطور وخصوصا وإن معظمهم لا يستطيعون ذلك. ولكنها رددت في نفسها صحيح إن الأمريكان يحسدون ولكن عيونهم لا تضرب بمقتل.. على الأقل اتمنى ذلك.. !فرح بها زملاؤها وجمعت الدكتورة سميث كل طلاب المركز لرؤيتها وفهم سبب تبدلها التام والتذكير بجهلها الاهتمام برؤية التطورات التي تحدث لها وأهمية مزاولة العلاج الطبيعي المناسب. وقالت سارة تخبر الدكتورة سميث بانفعال :إنه ساحر ، الدكتور باركر ، كيف جعلني امشي ، كيف استطاع بلمحة بصر أن يحولني من مقعدة الى فتاة واثقة من نفسها تستطيع المشي بعكازتين محترمتين. ضحكت الدكتورة سميث ، وقالت :يا لك من طفلة غريرة لا عجب أن يقع في هواك من يعرفك ، إنه عمله يا عزيزتي ، إنه مدرس في الجامعة وله ابحاث في هذا المجال ، وأنت حالة من العالم الثالث لا بد إنك لم تخضعي لإشراف علاجي جيد. قالت سارة بفرح يطربها :
المهم انني امشي يا دكتورة ولم اعتقد يوما انني سأفعل.. لذلك فهو بطلي ولا استطيع أتصور ما فعله سوى معجزة. ضحكت الدكتورة وقالت : سأراه في مجلس الجامعة هذا الأسبوع وسأقول له إنك سحرت مريضتنا وحولتها إلى مخلوقة فضائية لا نكاد نعرفها اليوم. وكانت سارة قد وزعت عليهم الحلويات العربية ذلك اليوم احتفالا بهذه المناسبة ، وقد احضرتها من المطعم العربي الوحيد في المدينة ، وددت لو تأخذ الدكتورة بالمناسبة بعضا منها للدكتور باركرعندما تراه في اجتماعهما المزمع ولكنها قررت اخذ صندوقا جديدا معها عند موعد معاينتها بعد اسبوعين. عندما رآها الدكتور لم يخف اعجابه بتطورها. أمم.. شيء عجيب فعلا يفسر انبهارك وحماستك كما وصفت الدكتورة سميث ، هل تتذكرين مجيئك هنا محطمة ومنكمشة على كرسيك المتحرك كأنك نازحة من بقايا حصار ما. لم يعجب سارة سخرية الدكتور الواضحة التي لم تتوقعها منه وهو يحمل هاتين العينين الزرقاوين الباردتين ، ولكنه اردف ضاحكا :
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احمد القاضى




عدد المساهمات : 739
تاريخ التسجيل : 07/03/2009

رواية :تداعيات الفصول - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: رواية :تداعيات الفصول   رواية :تداعيات الفصول - صفحة 4 I_icon_minitimeالثلاثاء 28 يوليو - 18:20

فعلا. لا تعبسي بوجهك ، هذه الشابة المفعمة بالحياة التي اراها امامي تختلف تماما عن تلك البائسة الاخرى ، انظري لقد اشرت هنا في ملفك الى حاجتك ربما لعلاج مواز لنفسيتك التي اراها بحاجة إلى مساعدة ، ولكن الآن بما اراه امامي من تحسن قدرتك على المشي قد عوضت خسارتك السابقة بدون تمرين وحققت سحرك الخاص بحيث اثرت اعجابي فلم اتوقع أن يكون التحسن بعد مزاولتك المشي بالعكازتين أكبر كثيرا من توقعاتي. ابتسمت سارة واحست انها بالفعل تغيرت من الداخل ، وتخففت من ثقلها ولم ينطلق ذلك من قدرتها على المشي قليلا فقليلا فحسب بل ومن تحرير نفسيتها وتخلصها من تراث ماض محمل بالألم والعتاب. كانت تحمل للدكتور علبة فيها بعض الحلويات العربية وفوجئت بالدكتور يقول مبتهجا : بقلاوة.. إنه احتفال مدهش بشفائك.قالت له سارة بتعجب :
هل تعرف البقلاوة يا دكتور.. ؟؟لقد تذوقتها مرارا في المطاعم ذات الأصول الشرقية اسرائيل ، تركيا ، اليونان. كذلك الفلافل والكباب ، إن هذا الطعام يعتمد على توابل غريبة بعض الشيء.
تضايقت سارة لانه لم يقل مطعما عربيا بينها وهي التي تعتقد طول عمرها إن هذه الأطعمة ثقافة عربية مئة بالمئة ، والآن اندثر التراث العربي والتقطه الآخرون وازيح تماما من الصورة.
وبعناد طفلة ، قالت بإصرار : انه طعام عربي بالأساس. ولا بد أن تعرفوا بأمريكا فضل العرب ودورهم وليس فقط الثقافات الاخرى التي تأخذ الصدارة وتهمش غيرها. لم يستوعب الدكتور انفعالها وغضبها بسبب تاريخ البقلاوة وانتمائها. وازاح الصندوق الصغير الأنيق من امامه وقال لها يتابع عمله :مما ارى إنك تسيرين بالطريق الصحيح. وأود أن اراك بعد ستة اسابيع.
الرابع والثلاثون
الحوار مع كريستين

كانت من تقاليد معهد اللغة تعريف الطلبة بمواطنين امريكيين لهدفين التدرب على المخاطبة والكلام مع اصدقاء عاديين من اهل اللغة التي يدرسونها عوضا عن زملائهم ذوي الألسن المعوجة والقواعد الركيكة والثاني للتعرف على الثقافة الامريكية بالاحتكاك بأهلها ، ويكون الشريك مناسبا للطالب حسب المواصفات التي يطلبها. وكان نصيب سارة مع سيدة مهتمة بالحضارات الثقافية للشعوب وقد قابلتها سارة بادىء الأمر في كافتيريا الجامعة ثم اتفقت معها على ان تجعلها تلتقي ايضا مع سيدات مسلمات لتتطلع على الجانب الحقيقي لحياتهن. وعندما حدثت سارة صديقتها عائشة ليقمن بترتيب لقاء لها بحضورهن في المركز الاسلامي بالمدينة ، اخبرتها عائشة عن تجربتهم السابقة مع إحدى الشريكات عندما كانت تدرس اللغة منذ سنوات. لقد اختار المعهد لها سيدة لها عائلة واولاد بما إن عائشة متزوجة ولديها اسرة ، ولقد فوجئت عائشة بأن هذه العائلة ركزت على اطفالها وقد اهدوهم كتبا من ضمنها الانجيل للصغار.. !! لقد صعقت عائشة واخفته عنهم وعندما تصفحته وجدت فيه كراهية عجيبة للفلسطينيين الذين يقطنون الاماكن المقدسة في فلسطين ويصفهم بالغوغائية وسفك الدماء ، وتساءلت ما دام رأيهم فينا كعرب كذلك فلم يصادقونا إلا لاذا كانوا يهدفون الى احتوائنا وخصوصا اطفالنا ما دام الحديث عن الدين ممنوعا في المدارس. تدخل عبدالله زوجها وحذر سارة من الوقوع في حبائل هذه السيدة ، فربما لها اهداف أخرى. ضحكت سارة وقالت : انني كبيرة بما فيه الكفاية لئلا أقع في حبائلها ، وما رأيكم لو نرد السحر على الساحر ونكسبها لمعسكرنا ، على الأقل تغير نظرتها المسبقة عنا لتنقلها للآخرين. كانت متعة التحاور مع كريستين بلا حدود وخصوصا وهي تسأل وتسأل وتبحث وكانت سارة مسرورة لانها تريد ان تعرف لا ان تفرض ما تعرفه. تناقشتا بالدين الاسلامي وكانتا قد لبيتا دعوة تماضر وزوجها وعائشة وعائلتها في البارك القريب من منزلهم وقد اعدوا الشواء ودعوا الأطفال يلعبون بالألعاب المخصصة لهم هناك بينما الرجال زوجي تماضر وعائشة يلعبان كرة السلة وتماضر وعائشة تراقبان الشواء وسارة وكريستين اقتعدتا كراسي المتنزه تتحدثان ، قالت كريستين : إن دينكم صعب جدا على اتباعه. انظري الى ملابس الرجال المتزمتة في بلادكم العربية بالأثواب الطويلة والعباءة واللحية وكذلك النسوة اللاتي يخببن بملابس غير عملية و لا يكتفين بغطاء الرأس بل تغطية الوجه كاملا ، عدا عن التعاليم والفروض الكثيرة التي على المسلم القيام بها بشكل مزدحم وكبير. قالت سارة :سأقول لك الدين كما افهمه.. اعتقد بأن الله سيحاسبنا على احساسنا بهذا الدين وهذا يختلف من شخص لآخر ، مثلا.. هل تذكرين السيدات المنقبات التي رأيتيهن في المركز الاسلامي وانظري الآن الى تماضر التي ترتدي الحجاب فقط مع ملابس عصرية مكونة من بلوزة وتنورة وليس جلباباً أوعباءة ثم انظري الى عائشة وهي ترتدي تي شيرت بنصف كم وبنطلون جينز بينما لم تغط شعرها وتركته ظاهرا للعيان. كل هؤلاء مسلمات ونظريتي إن كل واحدة منهن سيحاسبها ربها بتفسيرها الخاص لمعنى الاسلام وتعاليمه حسب فهمها إياه وإنما الأعمال بالنيات ، بمعنى إن سيدة ما تكون مقتنعة بداخلها بأن الاسلام هو تغطية الرأس والوجه والجسم ثم لا تقوى على فعل ذلك وتخرج سافرة ،هنا اعتقد انها خالفت عقيدتها لانها تعرف بأعماقها انها تغضب ربها ومع ذلك تفعله. وواحدة اخرى تخرج سافرة ولكنها تفهم الدين بأنه علاقتها الروحية مع ربها ولا علاقة بالملابس وغطاء الرأس بالموضوع ، إنه تواصل بين العبد وربه فهنا في اعتقادي إن ذلك لا يخالف شيئا غير موجود لديها ، انها حسب العلاقة التي يشعر بها الانسان مع إلهه ولا يمكن ان يدينها احد ، لأن الله وحده الذي سيدين كل إنسان منا وهذا من خصائص الله ولا يحق للبشر الفتوى بها.
قالت كريستن :
ولكن هناك الكثير من المتعصبين الذين يدينون غيرهم لدرجة القتل بحجة إنهم كفار.
قالت سارة :
الذي اعرفه إن الله يقول لكم دينكم ولي دين ولو شاء الله لآمن من في الأرض جميعا إنك لن تهدي من احببت ولكن الله يهدي من يشاء لو كنت فض القلب لانفضوا من حولك.
كن يتكلمن ويتكلمن بالساعات ولم تستطع كريستين أن ترد عندما سألتها سارة كيف يكون المسيح جيسس هو الله في عرفهم اذا كان قد ولد طفلا فكيف يكون الأب اذا في نفس الوقت.. ؟
كانت الكنيسة تؤثر على حياة كريستين ، فمن خلالها استطاعت الحصول على منحة لمتابعة دراستها العليا بالجامعة ، وعندما تزوجت ساعدتها الكنيسة باقامة الحفل في قاعة احتفالاتها وما زالت الكنيسة تربطها بأنشطتها الاجتماعية التي تحل اوضاعها الاقتصادية وفي نفس الوقت تجندها لتكون منبرها ورسولها كالحال بتعرفها على المسلمين لسبر غورهم والتغلغل داخلهم وتحويلهم عن عقيدتهم إن امكن. وقد كنت كريستين اعجابا شديدا للمسلمين جعلها تعيد التفكير في ما كانت تستنكره سابقا بسبب تربيتها الامريكية ، فقد فهمت لم التواعد بالاسلام يعتبر حراما وزنى لانها هزت رأسها وقالت انني افهم ذلك بعدما ارى المآسي التي تنتج من هذه العلاقات من حمل المراهقات في امريكا وانتشار الامراض بالمجتمع والتهتك في العلاقات وانهيار الأسر.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احمد القاضى




عدد المساهمات : 739
تاريخ التسجيل : 07/03/2009

رواية :تداعيات الفصول - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: رواية :تداعيات الفصول   رواية :تداعيات الفصول - صفحة 4 I_icon_minitimeالثلاثاء 28 يوليو - 18:22

الخامس والثلاثون
الإجازة للوطن

كانت سارة قد انهت دراسة اللغة وتم قبولها في برنامج الماجستير حيث انهت ايضا ثلاثة فصول دراسية للخريف والشتاء والربيع وقطعت شوطا لابأس به من برنامجها الدراسي قبل ان يحين موعدها للسفر باجازة للوطن.لذلك كانت عودتها بعد عامين الى الوطن وقد استطاعت المشي بعكازة واحدة حدثا فريدا مفرحا وله دلالاته على اسرتها الذين حمدوا الله في قرارة نفوسهم انهم اخطأوا التقدير وها هي تحقق ما يرفع معنوياتها ويهبها بعض العزاء.. فجعت سارة عندما وجدت حياة وضحة كما هي.. لم تتغير ، وخالد مازال طريح الفراش بالمستشفى بغيبوبته الممتدة التي تثور احيانا باضطرابات تخلع قلب والديه ليعتقدوا انها النهاية وبفترات هدوء يتمنون ان ينهيها الله بالشفاء صحوة. وجدت إن عبدالرحمن بعد زواجه من اخرى قد زاد توتر بيتهم ولم يزد دفئه وحميمته.
لقد تحولت فاطمة الى إنسانة اخرى هدفها فقط مراقبة ضرتها ، تحولت تلك الانسانة الرقيقة الى اخرى عصبية تعتقد بأنها اصبحت اقل مستوى وضعفت شخصيتها بنفسها واخذت تحارب بالجهة الخطأ. وكما قال شقيقها غانم عندما جاء للسلام عليها :إن عبدالرحمن مجنون.. إنه ككل الرجال يتزوجون طمعا بإضافة الجديد لحياتهم ويكتشفون بالنهاية انها نسخة اخرى مما لديه وربما اسوأ ، والأنكى إنه يفقد للأبد صفاء حياته السابقة التي بدل أن يحسنها يدمرها. هكذا انتقل التوتر الى سارة وهي تعيش ببيتهم وتدخل بتفاصيل حياتهم التافهة التي يخلقون منها قضايا وهي لا تستحق الذكر. احست بالكآبة تعاودها ومن حولها بائس ومطحون بآلام داخلية كتب عليهم دمغها على جباههم ولا مهرب. وزادها عندما فتحت دولابها لتجد فستان زفافها وقد شمعته وضحة بالبلاستيك بعد ان نقلوا اغراضها بعد الحادث ووفاة والدهم من بيتهم الى بيت عبدالرحمن حيث إقامتها الجديدة.
عندما فكت البلاستيك عنه وظهر فستانها الجميل الذي لم تلبسه قط انفجرت آلامها الماضية وخيبتها بقدرها. هل يمكن ان يتم تفسير القدر.. ؟؟ وهل من سبيل لتقبل مفاجأته واستيعابها.. وهذه هي المشكلة.. ؟؟ فقسوته احيانا تشوش على فهمه وتبين الحكمة المختزلة فيه ، وتنشطر حياة الانسان وتتصدع رغما عنه ويصعب عليه فهم نفسه مرة أخرى.. !! ولقد وقعت في فخ القدر عندما لطمها بصاعقة تخلى سالم عنها بدون توقع وحذر بل وفي وقت كانت في امس الحاجة اليه والى حنانه ودعمه. يا الله كم حطمها ذلك وقد اذلها امام الاخرين وقد احست انها منبوذة ومن من.. ؟؟ من سيكون زوجها بعد فترة محدودة كما هو متوقع.. !!! كم سحقها الاحساس بالنبذ والهجر وكم احست بالخوف والوحدة والخوف والكراهية لنفسها لانها ادانتها بلا رحمة وكانت تردد في هستيريا في سرها.. لو كان فيه خير ما تركه الطير.. !وقعت من يومها في دائرة الذهول فالصدمة قوية وحتى لو لم تدر انها تواجهها وواقعة بدوامتها ، هل تستطيع ان تدعي انها تختبر مشاعر طبيعية. ؟؟ابتعدت عن الاخرين وغاصت بالداخل وكانت دموعها تهطل في داخلها ولا تدري بأن ذلك سيظهر عليها بأعراض مرضية لن ترضاها. لقد خرجت من المستشفى وهي لا تعرف نفسها ، لا تعرف من هي وسط الناس..؟؟ لقد وضعت نفسها في قفص المحاكمة واخذت تجلد نفسها دون رحمة.. !!هل نفهم انفسنا.. ؟؟ لو كنا كذلك لم يزدهر علم ثائر يتجدد كل يوم اسمه الطب النفسي ، ولما سجنت الأرواح في اقفاص وهمية وتأرجحت بين العقل والجنون..!!من طرق التحايل على المشكلة تجاهلها وعدم الاعتراف بوجودها ولكن هل ينجح تجاهلها ويبطل ذلك تداعياتها وآلامها..؟؟ عندما يظهر دمل مزعج في الجسم ويتجاهله الانسان فهل يخفي ذلك وجوده وهل بالتغاضى عنه لن يحس بآلامه وتزايد حجمه وتصلبه قبل أن يأتي الحول وينفجر وينزف قيحه وصديده ، وهل عدم الاعتراف بوجوده سيعفي من الحاجة الى تطهيره وتنظيفه وعلاجه..؟؟ لقد حملت آلامها معها وهربتها عن العيون ولم يهتم مفتشو المطارات بما تحمله داخلها من احباطات وتوترات وانهيار. إن تجاهلها للأزمة بداية حدوثها وتماسكها الغريب فاقم من المشكلة.. !! عدم مبالاتها أو تظاهرها بذلك كأن الموضوع لا يعنيها وكأنه تصرف طبيعي قابل للحدث ضخم تصدعها الداخلي وانبت سرطانات من الضبابية والضياع والفجيعة الموؤودة التي تم اخراسها بالقوة ولم تفسح لنفسها المجال الصحي للتفريغ والفهم والاستيعاب. كانت ردة فعلها لا ارادية لانها فزعت ولم تدر كيف تتصرف وقد احست بالوحدة فجأة بانحسار عالمها من جهة ومن جهة أخرى لانه لم يترك لها تفسيرا سوى إنه ينبذها وكانت لا تستطيع مواجهة النبذ بصراحة والاعتراف به أو طرحه على بساط النقاش لانها لم تعرف اسبابه ولم تستوعبها ولم تدرك بأن هناك غدراً ولؤماً وبحثاً عن فرص أخرى ، لم تصدق بقدرة الانسان على تجاوز العلاقات كأنها لم تكن وتبديل المشاعر بسهولة وتغيير العواطف والتنقل بالأحاسيس كان الموضوع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احمد القاضى




عدد المساهمات : 739
تاريخ التسجيل : 07/03/2009

رواية :تداعيات الفصول - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: رواية :تداعيات الفصول   رواية :تداعيات الفصول - صفحة 4 I_icon_minitimeالثلاثاء 28 يوليو - 18:23

استبدال سيارة بأخرى وملابس بغيرها وليس خلع ارواح وتهويم نفوس. كان كبرياؤها يفرض عليها ان ترسم ابتسامة عريضة وأن تواجه زائراتها من الانساب والأهل وهي في عز اناقتها وتجملها ، كانت لا تسمح للعيون بأن تنظر اليها بعطف وشفقة وكانت تقتلها تلك النظرات وتشعرها بالضعة والضعف وقلة الحيلة والبؤس. لا تطيق تفسير عيون الاخرين.. وكم تكرهها.. هل هي تساؤل ، فضول ، ام شفقة.. وكانت اسرتها فوق الخوض في مثل هذا التصرف ، وكانوا انبل من أن يناقشوه امامها او حتى يجرحوا احساسها بكلمة تعاطف ، بكل صمت لم يعلق احدهم امامها ابدا بكلمة عنه وكأنه لم يكن يوما قد وجد.. !!
في زخم الافكار وتتابعها رمت سارة الفستان من بين يديها كأنها تتخلص من آثار كل الماضي الأليم ، ونادت الخادمة لتبعث بأثر زوجة اخيها وعندما اتت ، قالت وهي تقلب الفستان بين يديها
اتذكرين هذا الفستان.. ؟
وتلعثمت فاطمة وقد عرفته ولم تعرف ما تقول عنه ، وتابعت سارة تكفيها شر الحرج :
هل تزوجت شقيقتك حصة أم لا.. ؟؟
جلست فاطمة قربها جنب الفراش وقالت: تقدم لها متزوج منذ فترة ورفضته وهي ترعى امنا الآن.
قالت سارة :
اتمنى ان يليق هذا الفستان على حصة عندما يأتي نصيبها ويكون عليها فأل خير، ولا يكون حظها كحظي. إنه كما ترين جديد وباهظ الثمن ولايهون علي التفريط به إلا لمن تستاهله وليس هناك اعز من حصة.
تمتمت فاطمة بالدعاء لأختها ولسارة وأن يفك الله نحسهما.
السادس و الثلاثون .......ليس للاحزان زمن
كبر الابناء و لكن حياة وضحة ازدادت قتامة بتردي نفسيتها، اصبحت فاطمة في الرابعة عشرة ومحمد في الثانية عشرة وريم في السادسة ونواف في الرابعة من عمره، كان تفكيرها منصبا في ذلك الجسد المصلوب على سرير المستشفى منذ سنتين ونيف بلا ردة فعل.
قالت لها سارة تؤنبها. . لم تحبين الظلام ولا ترين النور.. وتتلمسين الاوجاع ولا تقدرين النعمة التي انت فيها.. ؟؟
كادت وضحة ان تخرج من طورها وهي ترد بانفعال.. ارجوك.. انك لا تعرفين النار التي تشب في صدري.. اي حياة تريدين ان اعيشها.. انني ارى بعينين مطمورتين بالدم والالم واتنفس بقلب مجروح ينزف مرارة ونشيجاً. انني مكتفية عن الدنيا ونعيمها.. انني في عزاء منذ دخل هذا الولد بدوامته.. وقد رضيت بقدري وحمدت الله عليه فلا تزيدي شجوني.
بلوم اكبر تابعت سارة :
فكري بأولادك غيره.. لماذا هو فقط.. هل تريدين ان يصيبهم مكروه حتى تحسي بقيمتهم.
فوجئت سارة بوضحة تقول، انك لا تحبين خالد لانه سبب لك اعاقتك، لا تستطيعين ان تفهمي انه لا يقصد ولو افاق وعلم بما سبب للآخرين لن يسامح نفسه ابدا و..
قاطعتها سارة وهي تحاول الامساك بيديها الاثنتين كمحاولة لبث الطمأنينة والدعم اليها :
ماذا تقولين يا وضحة.. خالد ابني ايضا، هو الوحيد من اولادك الذي تربى ببيتنا حيث تقيمين كلما سافر زوجك وكلما احتجت الى عون حيث لم تكن لديك خادمة او سائق او بيت ذو مسئوليات كما الآن، انا احبه واشتاق اليه مثلك تماما وكثيرا ما اراه في احلامي واحسه بقربي واكلمه ويكلمني، انت التي لا تفهمين.. لم اعامل خالد على انه السبب، ولم احمله المسئولية يوما ما وهو اكثرنا ضحية. . انها ارادة الله.. وجزء من اجري عنده هو قبول ما حدث لي برضى وصبر.. لكن الذي تفعلينه جريمة بحق أبنائك وزوجك، بيتك كئيب وممل.. وحياتكم موحشة يكاد الطير يختنق فيها.. حتى من لا يجد البهجة يختلقها. عودي الى ايمانك وابلعي ما انت فيه وتابعي الحياة.
قالت وضحة :
ليس بيدي.. اعتقد انني وصلت مرحلة ميئوساً منها.. اشبه بالانهيار انني استسلم لشبكة اليأس والقنوط.. وليعوض الله الاطفال الآخرين ، لقد انضب ما لدي من عطاء وبهجة.
وانخرطت في بكاء ذي نشيج.. كأنها لم تشبع من البكاء طيلة السنوات الماضية وتمتمت بلوعة:
انا فقط اشتقت له.. اشتقت لكلامه، لتعليقاته.. لاسلوبه في التعبير والحديث، لحضوره.
كانت وضحة تعبة ويائسة ومغيبة، استنفذتها مرحلة البكاء وتانيب النفس وتعذيب الذات والقلق والهواجس والتهيؤات والكوابيس والاجهاد والزيارات الطويلة للمستشفى والحديث لساعات للجسد المسجى بلا حراك.
الحياة تسير.. ولكنها لا ترى سوى السلبيات.. اهي لعنة تصيب البعض فتحرمهم من الاحساس بالتوازن وحساب بعض التقدير للنفس.. ؟
باتت لا ترى سوى الجوانب المظلمة وحرمت من طعم الفرحة ولذة النجاح
كانت تعيش مرحلة متوقدة من الترقب ترقب شيئا سيحدث او يجب ان يحدث.. ليس عدلا ان يسجى هذا الجسد امام عينيها في المستشفى حيا ولكن بلا حراك.
ليس بمقدورها الا تحس بوخزات وثقل وحدة وخربشة الاجهزة الحادة الصلبة التي تنغرز في جوفه وبين شرايينه.
ليس بيدها الحيلولة من العذاب والانهيار شيئا فشيئا وهي تجده لسنوات لا يأكل الطعام ويعيش فحسب على السوائل والادوية، انه تعذيب تام يقع امام اعينها.
ايتها السماء.. انه وضع اقوى مما احتمل او استطيع التحمل والجلد.
انه عقوبة اكبر من الذنب.. لم يكن سوى طيش ورعونة مراهقة وما اقسى المصير.. !
كانت تنحل بشكل غريب ويضعف جسمها.. كانت تريد ان تعاني مثله لكي تحمل المه ولا يتعبها ضميرها وكانت تريد ان تخف قدرتها على التركيز.
كلما انسحبت من العالم وغرقت في دنيا مخاوفها يزداد عذابها وتشعر بالانتماء الى الاستسلام لدائرة النسيان والتحرر من المزيد من الاعباء والمسئوليات التي تحطم قدرتها وتدفعها للوقوع في قاع الهاوية. ليس هناك شيء محدد جديد يدعوها للقلق والخوف
ولكنه عدم الثقة بالغيب وترقب القادم لم يفرحها يوما... ؟؟
اتراها تبالغ وقد طمست كعادتها فرحة اربعة اطفال يشبون حولها ويدخلون كهنوت المراهقة منطلقين يشقون طريقهم بطلاقة وخفة. تراهم ولا تراهم وهم يكبرون.. ويتشكلون وتتضح معالمهم وتنضج على نار هادئة شخصياتهم.
والم تعطها الاقدار درسا رهيبا.. فكلما امتعضت من امر ما وتقوقعت وتصورت انها نهاية العالم، وكلما شعرت بالحزن على نفسها وهي تشعر بأنها ضحية ولقمة سائغة لقدر الايام.. كأنها تريد ان تحنن المقادير عليها لترأف بها ولكأنها تريد كسر حدة القدر وتغيير وجهته، الم تدرك انها تثير غضب الله عليها اكثر لانها ناقمة وجاحدة لا ترى نعمة ولا تقدرها، لا تفعل سوى الشكوى والندب والاحزان.. لذلك يضاعف عليها جرعة العذاب وكلما شكت من امر جاءها الاشد وكلما انهارت من امر رأت ما هو اشد واعظم.
استغفر الله.. استغفر الله
لا يكفي ان نكون حزانى ومصابين في صميم ارواحنا لنكون ضحايا بل يجب ان نكون عادلين وحكماء، نرى الصورة بكاملها ولا نحكم على نصف الحقيقة.
ان الاستسلام للضيق والاكتئاب والتطير والقلق.. لعنة تساهم في جذب الحظ العاثر واصدار الاحكام الخاطئة التي تقود الى مزيد من ارتكاب الاخطاء والمشاكل. لا بد ان تبحث عن وسيلة لامتصاص كمية القلق والتوتر داخلها. لا بد من وسيلة لتفريغ المخاوف المجهولة التي تسكنها وتعصف بكيانها وتصفر بتهاويمها المزعجة داخلها.
هل هي مسكونة بلعنة تزلزل كيانها وتقض مضجعها وتمحي النوم عن عينيها. ؟؟
هل هذا القلق العاصف والنفس المنزعجة العديمة الرضى المتوترة ارهاص طبيعي لعدم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احمد القاضى




عدد المساهمات : 739
تاريخ التسجيل : 07/03/2009

رواية :تداعيات الفصول - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: رواية :تداعيات الفصول   رواية :تداعيات الفصول - صفحة 4 I_icon_minitimeالثلاثاء 28 يوليو - 18:24

قدرتها على التكيف مع واقعها الذي لم تتوقعه ابدا ولم تستطع تقبله.. ؟؟
هل فشلها مع خالد.. اوفشله مع نفسه، امر يتناقض مع طبيعتها المثالية وقناعتها الشخصية التي تؤمن ان واحد زائد واحد يساوي اثنان. انها ما دامت قد ربته بطريقة صالحة، وقدمت في سبيل هذه التربية انفاسها وصحتها وعمرها فلابد ان ينجح ويكون افضل الناس وليس مغيبا مرميا بلا حراك في المستشفى.
حتى تستطيع ان تساير الواقع، وطبيعة الحياة واسلوبها اللا مفهوم والمعتبر ولكي تستيقظ من القصص المطلقة المثالية التي تنتهي بانتصار الخير على الشر وعيش الناس بعدئذ بسعادة الى الابد.
هذه الاشكالية.. لقد صدقت وآمنت واعتنقت مبدأ الخير الذي يسود الى الابد.
لقد عاشت بمفهوم السعادة المأمولة للخيرين الابرار.. ومنذ طفولتها وهي تعمل الخير وتخاف الله وتراه امامها.
لم تؤذ انساناً او حيواناً.. حتى الحشرات كانت تتوخى الحذر في قتلهم وتحاول عدم ابادتهم بقدر الامكان الا اذا كانوا سبب الاذى والضرر.
واذا احست انها جرحت احدا وحتى ولو من غير قصد وبحسن نية تتعذب ويؤنبها ضميرها وتحاول اصلاح خطأها وتعويضه اضعافا مضاعفة فماذا يحدث لها.. ؟؟ هل تغيب نفسها بالاقراص المهدئة وتصبح لا فرق بينها وبين المدمنين.. ان اكبر جريمة اعتبار هذه الاقراص علاجا ولا يوصي بها سوى الاطباء الفاشلين.
تدرك الآن لماذا اصبح الطب النفسي في الخارج ضروريا لا يقل اهمية عن طبيب العائلة، فكما الجسد من السهل اصابته بفيروس الانفلونزا اوالحموضة وآلام المعدة وحساسية الجلد الخ الامراض وتسلسلها من البساطة الى التعقيد والخطورة فكذلك النفس... هناك توترات وحالات على بساطتها تحتاج الى طبيب والا ضايقت الانسان واثرت على حياته وفاعليته، فالتهاب اللوز اوالاذن اذا لم يعالج بطريقة صحيحة ترك مضاعفات خطيرة على الحواس والجسد، فكذلك امراض الروح.
فزيارة الطبيب النفسي اصبحت جزءا من الحياة الصحية العصرية، ولكنها مبهمة هنا و لا يمكن الاعتراف بها حتى من الاطباء انفسهم.. فأطباء المراكز الصحية يحولون مرضاهم على عيادات الجلد والعين والجراحة وهلم جرا ولكن من المستحيل ان يحولوهم الى الطب النفسي.. لانه لدينا للحالات المتفاقمة التي وصلت الى درجة الانهيار اوالجنون. انها ثقافة المجتمع ومفهومه من جهة.. وقصور دور الطب النفسي وعدم استعداد مستشفياتنا لمعالجة امور الحياة اليومية وطرحها من الاولويات.
لو كان هناك وعي لمثل هذه الجلسات النفسية.. ولو كان هناك وجود للطب النفسي لما وصلت عائلتها الى هذا الحد. ولاستمع خالد الى مخاوف والديه ولفهمهما ولعرفا هما ايضا كيف يتعاملان معه ويصححان اسلوبهما ، لو كان هناك شخص محايد يملك الادوات العلمية والاستعداد والتفرغ لهذا العمل لو جلس معهما وحاور ابنهما واستمع اليه وكان وسيطا بينهما. لترجم لهما وضعه ومعاناته واوضح تصرفاته. انها تشعر انها لم تفهم رسائله التي يوجهها اليهم بل بالعكس اساءت الفهم والرؤية، انها لارتباكها ورغبتها في اداء دورها المثالي خلطت بين الامور وعقدتها وساهمت في زيادة لجوء ابنها للتحايل والهرب والتيه. لقد كان خالد يحتاج الى مساعدتهما ولكنهما لم يعرفا كيف، واضاعاه.. !
مثل الفأر في المصيدة.. ما زالت سجينة الافكار المشوشة والمخاوف المطبقة على وجدانها، لقد اصبحت اسيرة تفكيرها.. مسلوبة الارادة لا ترى سوى الصورة الموجودة في دماغها، ولا ترى غيرها. تختلف الحقائق امامها وتوجد مناظر ورؤى ووقائع مختلفة لكنها لا تراها وبالتالي لا تتعامل الا مع الصورة المبرمجة عليها مع انها خيالية وغير موجودة الا في دماغها وحدها. جنون الواقع المرسوم بأسلوب خيالي في العقل.. تصدقه وتعيشه وتدفع ضريبته.
السابع والثلاثون
مسير الحي يتلاقى

عاش الاطفال بين والد عصبي يشتكي من مرضه وينفث سجائره، دائم الشكوى والتحسر واللوم ، وام دائمة الانتقاد والكآبة.. يتمنى اطفالها ان تضحك وتبتسم وتلعب معهم وتشاكسهم لجذب اهتمامها وتحويله من خالد الذي اصبح قديسا بعد الحادثة يذكر اسمه باحترام وتبجيل شديدين.. احتراما لمشاعر الام.
كانت ريم الابنة الصغرى اكثر الابناء حساسية ولم تحتمل اهمال ابويها العاطفي لها، فقد اصابتها نوبات الم في معدتها، لم تفد فيها الادوية واصبح اتصال المدرسة متوقعا وزيارات الاطباء واردة ومتكررة. لقد كتمت خيبة املها بوالديها بصدرها واستعاضت عنها بأحلام اليقظة بأنه ستكتشف يوما بأن والدها يمثل عليهم غضبه وعصبيته ولامبالاته لكي لا يدركوا اهتمامه الكبير ورغبته الجارفة باحتضانهم وسماع مشكلاتهم والانصات بعناية لافكارهم واخذهم معه في رحلاته التي يسافر فيها وحيدا عنهم. اما والدتهم فستدرك قريبا كم تضيع من فرحة ونعمة بزياراتها الغبية الى المستشفى وحديثها اليائس الى الغائب عن الوعي ونسيانها واهمالها الحياة النابضة بالبيت.
اما محمد الذي كانت تربيته مختلفة عن خالد فقد كان هادئا يجد ملاذه في بيت خالة مع صديقة وابن خاله مبارك الذي يماثله العمر. يذهبون الى نفس المدرسة وينتمون لنفس النادي ويمضون الاجازات وعطل الاسبوع معا.
بينما تبنت فاطمة المسئولية بصفتها الابنة الكبرى فقد ساهمت برعاية شقيقها اصغر العنقود نواف واخذت دور والدتها عند زيارتها الدائمة لخالد.
حاولت سارة اقناع اختها بأخذ الاولاد باجازة مع ابيهم كعائلة ليتذوقوا قليلا من المرح ويتمتعوا بروعة الحياة مع بعضهم البعض، ولا يحس بقيمة العائلة الا من حرم منها، قالت لها تحمسها :
سافروا.. اخرجوا.. تنفسوا.. هل انتم من عبدة تعذيب الذات.. ؟؟ هل انتم خفافيش تحب الظلام والاحزان وتأنيب النفس.. ؟؟ اصفحوا عن انفسكم وامنحوها اجازة قصيرة من القلق والترقب والتوتر. انني اتعجب منكم.. لم لا تكسروا الحواجز بينكم كعائلة ، ولم يسافر احمد وحده دوما ويترككم، لم لا تمرحون معا... انني لا افهم حقا حياتكم.. ؟؟ هل العيب فيكم اوفيه والى متى هذه العيشة النكدية.. ؟؟
وقفت البنات الى صف خالتهن وبالاتفاق مع بنات خوالهن.. تم العزم على سفرهم لدزني لاند وكالعادة رفض احمد السفر لانه لا يطيق ضجيج الاولاد وخصوصا ابناء اخوتها، واعتذر (عبدالرحمن ) لاضطراره للبقاء مع زوجته الثانية التي تنتظر مولودا، ولكن عائلته اتت معهم، نساء ومراهقين ودزينة اطفال.
واين الرجال.. ولم لا تمثل العائلة شيئا لهم.. ؟؟ الا يكفي النساء اعباء تدريس الابناء وتمريضهم ومتابعتهم والاهتمام بهم، والبيت واعباءه والازواج ونفسياتهم وتقلباتهم. اصبح هناك مجتمع خاص بالنساء ولو كن متزوجات، انهن يقمن بتدبير شئون المنزل وتصليحه والاتفاق مع النجار والصباغ ومقاول البناء واختيار الاثاث والستائر وتركيب خزانات المياه و.. و، والسؤال ماذا يؤدي الرجل في الاسرة وهل اصبح السائق اكثر فاعلية ودراية بامور عائلته، وهل هذه الادوار الجديدة على النساء لصالح العائلة ام انها توسع الهوة بين الزوجين وتضعف علاقتهما الحميمة.. ؟؟
كانت سارة سترافقهم الى فرنسا لمدة اسبوعين ثم تغادر الى امريكا من هناك لمتابعة دراستها بينما يعودون هم الى البلاد.
حان موعد السفر وكان الجميع يشعر بجو من الاثارة والتغيير والمرح وخصوصا الاطفال، اما وضحة فقد كانت كمن كانت ذاهبة بدون رغبة سوى مسايرة الجميع وتحت ضغطهم ولعلمها بأنه لا مبرر لتراجعها الذي يعني افشال الرحلة لصغارها، فقلبها معلق لدى خالد واحساسها بأن لا يوجد هناك ما يستدعي المرح كانا السبب وراء عدم استمتاعها باللحظة وبهجتها. وكانت سارة تستعد بالاصل لسفرتها لامريكا وقد اشترت هدايا مميزة لصديقاتها
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احمد القاضى




عدد المساهمات : 739
تاريخ التسجيل : 07/03/2009

رواية :تداعيات الفصول - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: رواية :تداعيات الفصول   رواية :تداعيات الفصول - صفحة 4 I_icon_minitimeالثلاثاء 28 يوليو - 18:27

عائشة وعائلتها وتماضر وطفلها الذي رزقت به مؤخرا، والى الدكتورة سميث والدكتور باركر والى كريستين. وفي المطار وبين جلبة المسافرين وقلق الكبار من ان يكونوا قد نسوا شيئا اوتركوا شيئا بدون تدبير ارتطمت عصا سارة بدون تفكير بشنطة احد العابرين امامها، وعندما رفعت بصرها للاعتذار التقت بوجه خطيبها السابق سالم وهو يجر حقيبته الانيقة بيده وتقف الى جواره شابة مبتسمة الوجه.عندما يرى الانسان ما لا يتوقعه تكون ردة فعله غير ادراكية ولا تعبر بتاتا عن مشاعره الداخليه، رفعت سارة عينيها لتعتذر للسائرين عن ارتطامها غير المقصود بشنطتهم ولذلك اعتذرت برأسها وبتمتمة بشفتيها واشاحت بوجهها كما كانت تخطط قبل ان يخبرها عقلها.. انه سالم.. !!
وتابعت سيرها دون ان تلتفت بينما تسمر سالم مكانه. وقفت حيث اختها وقالت لها وهي تهمس :
لا تلتفتي ولكن سالم موجود هنا في المطار. واتى محمد مع ابن خاله مبارك الذي يقاربه بالسن والذي يعرف سالم عندما كان خطيب عمته ويزورهم بالبيت، وقال لعماته :لقد سلم علي العم سالم، وسألني عن سفرتنا واذا كنا نحتاج مساعدة. قالت له وضحة بعصبية : ابتعدوا عنه.. ولا تنظروا اليه. قال لها محمد بضيق :انظري اليه.. انه لا يكاد يرفع عينيه عن مكاننا، ماذا نفعل. . ؟؟
قالت فاطمة :لقد لفت انتباهي من قبل وقد عرفته قبل ان تراه خالتي سارة وكان يضحك مع هذه الفتاة. قاطعتها وضحة :انها عروسة، لقد تزوجا البارحة ولم أشأ اخبارك يا سارة لانه ليس له داع، ولكن ها انت رايتي ولينتهي الموضوع. تابعت فاطمة بشماتة:منذ رأى خالتي سارة تغير حاله، لقد ترك عروسه ولم يعرها اهتماما وكما قال محمد انه لا يرفع عينه عنا. قالت وضحة بحزم :
هل انهيتم كل الاجراءات. . ؟؟ فعلينا الدخول اذن الى قاعة المسافرين، وليتحرك كل منكم اولادا وبناتا، وانت يا فاطمة بالذات لا ترفعي عينك بأحد. رات سارة كيف كان سعيدا قد زاول حياته كأنه لم يفقدها، وها هو قد تزوج، وايضا يأخذ عروسه الى شهر عسلها، يعطيها فرحه واستبشاره كانت مئات من قنوات الالم المؤجلة او المسدودة او الصدئة او المخدرة قد انفجرت وتيقظت واخذت بالنزف بل الانفجار كبركان اخذ يفرغ حممه وشظاياه بوحشية بدون انذار، غشتها حالة من الكآبة الداخلية كمطر يهمي من الداخل، كغابة شوكية موحشة تمد ظلالها العميقة واشباحها المستوحدة في الاعماق، كانت دموعها غصات لم تكتف بالسيلان بل كانت لا تستطيع منع نفسها من الرغبة بالانفراد بنفسها للبكاء بحرقة ونشيج كان هناك عواء داخلي يريد تمزيق صدرها والخروج ولا يستطيع وقد تم اعتقاله وحبسه بالداخل. تفجرت الذكريات في قلبها وتملكتها الرؤى ولم تصدق خيانة الزمن.. !! لو مات ربما يكون المها مختلفا.. !! لو تشجارا ووصلا الى طريق مسدود ربما تكون التهيؤات النفسية اخذت ابعادها وصلت الى مرحلة مقنعة ولكن.. ان يخذلها ويهجرها لانه اكتشف بأنها تعيق طموحه وتقف بطريق انطلاقه، ولان لها عقلا وشخصية وقناعات عليها الاطاحة بها لتصبح مرافقة ومؤدية فقط لادوار عليها مجاراتها. لو انه حاول ان يشرح لها ظروفه وانسحب مقدرا عواطفها وتفكيرها وكرامتها ربما سستتفهم اعذاره واضطراره للانفصال والبحث عن اخرى ولكن باسلوب يراعي مشاعرها ويحترم احاسيسها.. يا لانانية الانسان انها تطغى على انسانيته.. !
كانت الغصات تخنقها وبذلك فسدت رحلتها الى ديزني لاند المبهجة، وبدلا من ان تكون في حزب الشلة المرحة التي تتسلق الطوابير لكي تركب الالعاب وتدخل في مغامرات الالعاب الخطيرة والمرعبة والتي تضحك وتتمتع شاركت وضحة احزانها. وعند الاصيل قبل الذهاب الى فندقهم بالقرية السياحية كن يجلسن على الكراسي المواجهة للبحيرة التي تتكسر الامواج الذهبية عليها المتوهجة بانعكاسات ضوء الشمس يرقبن الخضرة الممتدة بألوان ربانية يخشع لها القلب وهي تختلط بالبحيرة الممتدة الاطراف التي تسبح فيها ذوائب السحب الصافية ذات الاطراف الخرافية البعد، ويتمادين بالتيه والغرق بالداخل بينما تصلهم صرخات الاطفال ومشاكساتهم.. !! كانت تخب في عباب صدمة مروعة افقدتها توازنها ففي عز صراعها في العمل وهي بين اتون الحساد والمغرضين وهي تصارع انياب الحيتان الدامية تنهشها وتتنازعها يتخلى عنها رجلها وسندها بأسلوب غير مفهوم ويتركها ضائعة وحيدة في صحراء متربة بلا تضاريس ولا ملامح.. !!لقد عانت من الضباب يلفها وتلاطمتها الحيرة وانقضت عليها الوحدة والوحشة والمخاوف من كل صوب. لقد حوصرت وحدها فلم تستطع ان تكلم شقيقتها وقد كانت الاخرى مذهولة بتخبط ابنها في الدروب الضائعة، تحتاج الى من يعيد عقلها وقد اضاعه ابنها. كل ذلك التماسك الغريب وذلك الانكار والصلابة كانوا ضدها.. ضد احتياجاتها كانسانة.. لا بد ان تشكي وتتألم وتطلب المساعدة والحنان.لقد دفنت الموضوع كله في اعماقها وتداعيات الحادث ترسبه للداخل اكثر واكثر.. كان داخلها يمور ويتعذب يغضب ويتألم ولكنها تدعي ان كل شيء على ما يرام بينما لم يكن شيئا واحدا يسير بشكله الطبيعي.. !! لقد فقدت في وقت قصير عملها ونجاحها وطموحها وخطيبها وقدميها ووالدها وبيت اسرتها واملها في حياة طبيعية بل فقدت كل رغبة في الحياة نفسها ولم يعد هناك شيء يدفعها للتمسك به، لا يوجد ما يبهجها لتتوقف عنده وتتمنى ان تحيا يوما آخر من اجله. فقدت الوهج الذي يشدها للحياة ويجعلها تناضل لتبقى حية والذي يجعل قلبها ينبض بسرعة وروحها تنتعش وانفاسها تتلاحق ويملأ محيطها ويمتد للكون كله. كانت مشكلتها الاساسية الصدمة التي تلقتها من سالم بعد توترها مع جهة عملها مباشرة وقد تزامن ذلك مع الحادث الذي احكم دائرة الذهول عليها. تلقى الانسان ازمة في حياته قد يكون واردا ويحدث كل يوم ولكن ان تكون الصدمة غير متوقعة ومن اقرب الناس فانها حينئذ تفصل تركيز العقل وتفسد نظام التفكير بأكمله.. ! معنى تلقي صدمة غير متوقعة هو الكفر وتكذيب كل ما يتناقض معها، فهل معنى ذلك ان ارتباطها وايمانها بسالم طيلة الفترة الماضية كان كذبة ؟؟ هل حياتها السابقة كانت مضللة ولا تحمل الاخلاص والصدق.. ؟؟ هذه هي المشكلة.. ؟؟ ان تنقلب المعايير كلها فأما ان تكون كلها حقيقية وكيف يتواءم بذلك الاخلاص مع الغدر.. ؟؟ والمحبة مع الانانية والحقارة.. ؟؟ ذلك ما هزها وشوش حياتها وادخلها دوامة الضياع.. ؟ ان لا يعرف الانسان شيئا لانه اختلط ببعضه وهذه هي الصدمة ودخولها مفجع وقاتل والخروج منها ولادة جديدة ولكن كيف.. ؟؟ الذي لا يعرفه الانسان ولا يمكن لعقله استيعابه انه يمكن ان يحيا برضى واتزان وانسيابية حتى ولو فشل في تحقيق ما كان يعد نفسه له طول حياته. كان يعد نفسه للوصول الى مرحلة معينة تحت اطر عامة تحفظ تناسقه وفق خطة يبذل جهده لتحقيقها. وتمر التجارب وكلها تنبأ بفشل وعدم قابلية المصير الذي اختاره لنفسه. لا يمكن ان يتحقق ما اعتقد به.. وشيئا فشيئا تتضح امور كانت خافية عنه توضح اسباب عدم نجاحه واخفاقه بالوصول الى هدفه. وبفعل الحماس والرغبة في تحقيق المامول يتم التغاضي عنها كان دفنها يعني بانتهائها او بالحكم بعدم وجودها. لا يفيد التحايل او التغاضي باخفائها وتبدأ السنون بكشف المستور وطرح الواقع الذي لا يمكن تغييره. يعتقد الانسان لحظتها انه انتهى.. كل حساباته مبنية على امر واحد، وعدم الوصول اليه
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احمد القاضى




عدد المساهمات : 739
تاريخ التسجيل : 07/03/2009

رواية :تداعيات الفصول - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: رواية :تداعيات الفصول   رواية :تداعيات الفصول - صفحة 4 I_icon_minitimeالثلاثاء 28 يوليو - 18:29

ينبئ بتحطم الهرم وانهيار كل ما بني عليه. ولكن الواقع.. ليس كذلك في حالة واحدة اذا احب الانسان عالمه الجديد وفهمه وقبل به وتعايش معه..!! بكل بساطة وتعقيد في نفس الوقت.!! ان الاحكام القاطعة تعني الياس عند عدم تحقيقها.. ولا ييأس من رحمة الله الا القوم الكافرون..!! صدق الله العظيم. لو انصفنا اقدارنا وتواضعنا وكنا اكثر حكمة لاستطعنا رؤية ابوابا مضيئة حتى في الفشل وعلى ضفة اخرى من حدوده الواسعة لم نتوقع وجودها ولكن يحرمنا احباطنا وتهاوينا السريع من منح انفسنا فرصة لتفقد ما لدينا وما حولنا او اننا لم نستطع رؤيتها وذلك بكل بساطة لضعف قدراتنا البشرية المحدودة.. !! وقد يكون ذلك الفشل لخيرنا ولكننا لا نصدقه لاننا لا نملك دليلا محسوسا لذلك.
الثامن والثلاثون
وجع الذاكرة

حصلت سارة على الماجستير ودخلت مباشرة في برنامج الدكتوراة. كان وجود تماضر وعائشة فعالا لدرجة انها لم تشعر بالغربة او الملل او الرغبة بالعودة للوطن حيث قد هربت بالاساس من ذكريات ومواجهات وتحديات لا تود الخوض فيها بعد معاناتها لها. لقد وجدت الراحة النفسية والهدوء والتجدد في سفرتها.استطاعت ان تتصالح مع نفسها ومع الآخرين، وتشفى من فشل خطبتها وايضا تستقبل انباء تحسنها وقدرتها المتزايدة على المشي والتلاؤم مع وضعها الجديد بعد الحادثة، وامتلأت حياتها بحصولها على صداقة فريدة مع عائشة وتماضر عوضتها عن عائلتها وعن حاجتها الطبيعية للحنان والدعم. وفي الاجازات القصيرة بين الفصول الدراسية كانت الصديقات وعائلاتهن يزرن الاصدقاء في الولايات الاخرى ويستأجرون سيارة (فان) تكفيهم جميعا، حيث يتبادل زوجا عائشة وتماضر السياقة في دروب الهاي ويه الممهدة السريعة التي تربط كل امريكا بشبكة طرق معبدة وميسرة ومزدانة بالاستراحات ومحطات الوقود والخدمات التي تجعل السفر آمنا وممتعا وعفويا. كانت سارة وعائشة وتماضر مع مولودها الرضيع يجلسن في المقعد الخلفي بينما جلس طفليا عائشة سلمى وزياد بالمقعد الخلفي الثاني يلعبون بألعابهم الالكترونية الصغيرة. وطول الرحلة يتسامرون ويتناقشون ويضحكون او فقط يستمعون الى صوت ام كلثوم ويبحرون في عوالم جميلة حالمة الى ازمان سابقة لا يدركون ان عاشوها فعلا ام تخيلوها فقط، ام اعتقدوا انها عاشوها بهذا الشكل. وعندما يصلون لوجهتهم يستقبلهم اصدقاء ربما لم يقابلوهم مطلقا من قبل ولكن حادثوهم تليفونيا قبلها مرات عديدة للاستفسار عن اشياء تتعلق بالدراسة والمعيشة ونظام الجامعات عن طريق اصدقاء مشتركين، والآن حانت فرصة اللقاء في الاجازات الجامعية القصيرة للتعارف والاستجمام.
وكعادة الطلبة العزاب يتركون شققهم للمتزوجين، وفي حالة ضيوفهم الحاليين تركوا شقة لاقامة السيدات واطفالهن معا بينما انتقل الازواج للاقامة في بيت احد الشباب. كان المضيفون رائعين بحيث طبخوا لهم واكرموهم وعرفوهم على اصدقاء جدد والتقوا بالارواح اكثر مما رأوا المدن والطبيعة والاسواق. وعندما يعودون الى دراستهم يكونوا محملين باحداث صاخبة ومعارف جديدة ومعلومات مثيرة عن الطباع والاذواق والافكار والتجارب.في يوم كانت في زيارة لتماضر ولفت انتباهها وجود جرائد مرسلة من الوطن بالبريد لزوجها عيسى وتصفحتها بشكل سريع لتتوقف امام خبر عن تغيير في المؤسسة التي كانت تعمل بها وقد توسطت صورة الوزير سلطان الخبر بينما توزعت صور المديرين الجدد وسيرتهم الذاتية. الشيء الذي آلمها بالفعل بأنها تضايقت لرؤيتها صورة سلطان. احست انها لم تبرأ من جرحه بعد.. !!ما لها وله.. ؟؟ لم يهمها الى الآن.. ؟؟ ولم تشعر بمشاعر غامضة نحوه.. ؟؟ والاخطر لم لا تستطيع ان تكرهه.. ؟؟ اوعلى الاٌقل تفكر فيه ببرود ولا مبالاة.. لم لا تزال تحمل له نوعا من المشاعر التي تغفر له رغما عنها كل الاساءات التي سببها لها.. ؟؟ ولم لا تؤثر بها وضعيته الوظيفية وسط هؤلاء الرعاع وتوفير سقف لحمايتهم.. ؟؟ لم لا تحنق عليه على الاقل وتحاسبه وتحمله المسئولية للتستر عليهم وعدم معاقبتهم.. ؟؟اخيرا خامرها هذا الاحساس.. لابد وانها تحبه. !لا بد ذلك والا ما قصة هذه البلاده في الشعور وهي لا تحرك ساكنا وهو يطعنها بحقده وغضبه وانتقامه. !كيف تواجه كل هذه الامور ببرودة منقطعة النظير.. ؟؟ وكيف لا ينتقل اليها الاحساس بالكراهية لما فعله بحياتها.. ؟؟انها محقة عندما تتساءل.. لماذا تحبه.. ؟؟ لا شيء فيه يستحق الحب ولكنه لا بد ان السبب انها كانت تحبه قبل ان تثور الزوبعة. كانت تحبه واحبته لسنوات وهو ماثل امامها بشخصيته ذات البساطة والطيبة والشخصية الفاتنة العظيمة، الذي احبته كان شخصا مختلفا واصبح من الصعب عليها استيعاب هذا التغيير، انها لا تصدقه الآن.. لذلك فقد كان لزاما عليها مواجهة نفسها وتذكيرها ولومها وتوبيخها لعلها تفيق على الواقع. الانه يذكرها بالوطن.. بالوجه الآخر له حيث يعشقه المخلصون ويهبونه حياتهم بينما هو لا يشعر بهم وان احس ابعدهم وصنفهم وخشاهم. يا للمفارقة.. !! بينما يتطلعون اليه كمنارتهم المضيئة يسحقهم ويحولهم الى بقايا طموح والى فتات تطلع والى آليات معطلة مستلبة مشوهة. ! يا للقسوة عندما يفسر هذا الحب بالبغض وعندما يعامل التفاني كالدسائس والاجتهاد يحاكم بالقطيعة والنبذ. انه انسان مختلف.. شخصية اخرى ترتكن الى وسطاء الانانية والانتهازية والغيرة والشماتة. ان بينها وبينه ارتالاً من المنافقين الحاقدين الانتهازيين الذين لا يطيقون نموذجها ولايستحملون ان يكون لها دور في حياته. انها عندما تتمسك به وتغفر له تنسى المصالح التي يؤمن الحماية لها وتتجاهل معابر الفساد التي ما كانت ستفرخ بيضها وتزهر اعشاشها لولا مباركته لها وتكون كالطماع الذي يبرر تكالبه لنفسه، وكما يزين الفساد لمريديه ويطرح لهم الاسباب والاعذار لارتكابه، هل تحاول الآن التغاضي عن ماهية سلطان وتتقبله وتؤيده وتسحق بذلك مثلها ومبادئها.. ؟؟ هل اصبح ارضاء النفس وتلبية الرغبات هو الفيصل الحقيقي والحكم الفعلي للاختباء عن رؤية الوضع الفعلي للشخصية.. ؟؟ هل تخدر ضميرها وتتجاهل الحقيقة لمجرد الانحياز لعواطفها. ؟؟كل ما يقال هراء ان لم يطبق وان لم يجتز امتحان التجربة.. !! ها هي تدافع عنه ولا تشعر بالغضب بتاتا منه وكما يقول المثل.. ضرب الحبيب مثل اكل الزبيب، ولكن.. اليس هذا خيانة لمبادئها وهل يمكن ان ينجح اصلا تقربها منه.. ؟؟ هل يمكنها الاستمرار اكثر وتقبل نمط تفكيره واسلوب حياته..؟؟ هل ستتغاضى وتملك هذه القابلية وماذا يبقى منها في النهاية.. ؟؟ انها تفكر بأن المسألة ليست في ارضاء جانب من عواطفها يميل الى شخص معين ويسامحه ويرى عيوبه جواهر.. ولكن في امكانية استمرار هذا الود طويلا وان يطول تخدير عواطفها، صحيح انها مجرد افكار تخامرها ولم تمر ببالها منذ البعيد ولكنها مترسبة بأعماقها كحقيقة معترف بها ولكن السؤال.. لم تسمح لها بالترسب داخلها اكثر. ؟ ولم تبح لها احتلالها وتشويه وجدانها لدرجة ان اوهامها البحتة اصبح لها وجود وتاريخ وهي بالاساس سراب وهلوسات. ! لم يحس بها سلطان ابدا الا في تفكيرها الذي لا يريد الاعتراف ابدا بأنها مجرد خيالية كبيرة تؤمن لها اسقاطاتها الذهنية عالما واسعا من الاحلام ربما تخلقها لنفسها لانها لا تريد تصديق بشاعة الواقع.. فان صدقته فكيف تتطيق مواصلة الحياة.. ؟ وكيف
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احمد القاضى




عدد المساهمات : 739
تاريخ التسجيل : 07/03/2009

رواية :تداعيات الفصول - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: رواية :تداعيات الفصول   رواية :تداعيات الفصول - صفحة 4 I_icon_minitimeالثلاثاء 28 يوليو - 18:30

تتجرع هذه الضحالة كلها ولا تختنق وتموت.. ؟؟
كانت تماضر قد نسخت لها اغنيات خليجية طالما سمعتها سارة تغنيها وهما في السيارة معا اوهن يتريضن في البارك ايام الصحو المشمسة. ولم تكن الاغنيات فأل خير لسارة، اصابها الاكتئاب ليومين وهي تسمع اغاني الحنين والشوق وتتذكر شبه حبيبا كان لها وخلفها مع اللوعة. وبعد ذلك قررت ان تخرج هذه الاشرطة من حياتها بالكامل وان لا تسمح للمشاعر باستغلالها وان تنسى تماما ما يفجر الاحزان في قلبها ويذكرها بقلبها المكسور. حنقت بشدة على صناع الاغاني الذين يتلاعبون بالمشاعر ويتبارون بتسجيل الاغنيات عن اللوعة والهجر والبعاد ولا يدركون بأنهم يفتحون جراحا مطمورة ويفجرون ينابيع جافة، ولا يعلمون بأنهم يفسدون حيوات مختلفة تحيل اغانيهم واقعهم الى عذاب.
قالت لتماضر وهي تعيد لها اشرطتها، من يسمع هذه الاشرطة عليه ان يدرك انها واحة سحرية فقط للانفصال عن واقعه والعيش في دنيا الاحلام الجميلة لساعتين اونيف ثم العودة الى الواقع ومن ينسى نفسه ويندمج بها فستسوء ايامه ويصيبه الاكتئاب كما اصابني.
تضحك تماضر جذلى وهي تقول :
ماذا تقولين. ؟؟ انا اعيش على هذه الالحان والشعور الجميل الذي تمدني به لاتجدد يوميا واستقبل الحياة بامل.
تتنهد سارة وتقول بسرها، ربما لانك لا تخنقين مشاعر خيالية في داخلك ولاتريدين لها بالنمو والتشعب اكثر مما هي فيه من جنون.. !!
كانت سارة تتحسن وكان الطبيب يراها على فترات متباعدة وكانت الثقة تزداد في نفسها واحساسها الداخلي بقدرتها على الصمود والمجابهة يكبر كلما احست انها خرجت من منطقة الخطر والعقبات وصنعت شيئا جميلا بحياتها. ولم تنقطع كذلك عن مركز تأهيل المعوقين لانها تستمد منهم الثقة وتعيش نوعا من الصداقات مع المشتركين هناك يقدمون لبعضهم السند والدعم وكذلك تعيش حياة اجتماعية جميلة كانهم اسرة واحدة يجمعهم العامل الانساني المشترك.
وكان اجمل ما سمعته كان من رجل في الستين من عمره حوله حادث الى مقعد مؤخرا قال لها :
اننا كائنات روحية نمر بتجارب انسانية ولسنا بكائنات بشرية نمر بتجارب روحية.
نعم صدق هذا الرجل. عرف الانسان معظم الاشياء عن نفسه والكون والكائنات حوله الا الروح انها من علم الله والسنا ارواحا وهذه الحياة التي نعيشها انسانية محضة علينا الا ننسى خلالها مكوناتنا الروحيه السماوية.
وكانت الدكتورة مس سميث تستعين بها للسؤال عن المطبخ العربي الذي بدأ يتأثر به من يحتك بالعرب أو يأكل بمطعم عربي كالموجود في مدينتهم مع صغر حجمه ولكن له رواده من العرب واصدقائهم، وقد سألتها يوما عن اعداد التبولة فأحضرت لها سارة كيسا من البرغل مع طريقة الاعداد اخذتهما من تماضر ولكن لم تستطع مس سميث تقدير الطريقة الصحيحة ولم تساعدها سارة بالشرح الصحيح وهي التي لم يكن المطبخ هوايتها يوما مما دعا الدكتورة الى افساد التبولة تماما وكانت قد دعت حماتها للعشاء، وكانت شديدة الحماس لتقديم الطبق كما اكلته في المطعم.
احست سارة بالخجل والشعور بالذنب عندما اخبرتها الدكتورة بالموقف الحرج الذي صادفها امام ضيوفها وهي المتحمسة لها.. فقالت لها بسرعة وهي تداري حرجها.. لا عليك.. سأعوض عليك عند ضيوفك واعد لك التبولة مع اطباق اخرى شهية. لا تقلقي سأدع صديقاتي يساعدنني بذلك.. فقط قولي متى..؟؟ ارجوك
انتقل الحرج للدكتورة سميث فضغطت على يد سارة وقالت بتاثر:
.. لا لا ارجوك.. لم اقصد ذلك.
قاطعتها سارة قائلة بأريحية وثقة:
كلام نهائي دكتورة... لا يقبل المناقشة، لا يمكنك مجادلة عربية على الطعام. لقد تم، واذا لم تحددي موعدا سأحضره اي يوم.
التمعت عينا الدكتورة وقالت برجاء.. اوكي.. الشهر القادم سيكون عيد الشكر.. هل يمكنك.. اقصد في ذلك اليوم. ؟
قاطعتها سارة بفرح.. اجل يمكنني ذلك ومع دواعي سروري.. ولن تكون التبولة فقط بل سيكون هناك الكثير من الاطباق العربية الشهية، فقط اعلميني بالعنوان.. وسيكون لديك.
قالت الدكتورة بامتنان.. لا لا، انا من سيأتي ليقلك والاطباق.
قالت سارة مصححة : لا لم اقصد نفسي.. فأنا اتفهم الوضع.. انا غريبة كليا على ضيوفك وانشاءالله اراك وعائلتك الصغيرة بمناسبة اخرى.
قالت الدكتورة باسمة.. ان مناسبة عيد الشكر للغرباء اصلا. اقصد ان يجتمع الغرباء على وجبة طعام مع اهل البلد الاصليين.. هذا اساس هذا التقليد، فيسرنا سارا ان تكوني معنا هذا اليوم مع انك لست غريبة.. فانا اعرفك جيدا اكثر مما تعتقدين.
ضحكت سارة وقالت بمرح.. وانا يسعدني ان تعرفيني.. لانني لا اعرف نفسي، على الاقل يعرفني احد والا ضعت.. !!
لان سارة استعانت بمطبخ عائشة الكبير لاعداد الوجبات التي ارادت ان تتجمل بها لضيوف الدكتورة من جهة ومن جهة اخرى لان هناك ديناً عليها تجاه انتمائها العربي بحيث تكشف حضارة هذا الشعب وتراثه وثقافته من خلال طعامه. فقد آلمها في الصميم ان يستولي اليهود على التراث الفلسطيني بحيث نسبوا الاكلات والدبكة والموسيقى الشامية اليهم في سطو وتشويه واضح للتاريخ.
على الرغم من انشغال تماضر مع طفلها الا انها طمأنتها بأن زوجها سيساعدها في اعداد مجبوس الدجاج الذي يشتهر بين الطلبه بطهوة.
اما الحلويات فقد اوصت بها المطعم العربي في المدينة قبل يوم من موعد الحفل. اما المقبلات المتضمنة التبولة والحمص بالطحينة والمتبل والفتوش والكبة وورق العنب فقد عملت بجهد عليها مع عائشة واستغرق التحضير اليوم السابق.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احمد القاضى




عدد المساهمات : 739
تاريخ التسجيل : 07/03/2009

رواية :تداعيات الفصول - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: رواية :تداعيات الفصول   رواية :تداعيات الفصول - صفحة 4 I_icon_minitimeالثلاثاء 28 يوليو - 18:31

التاسع والثلاثون
عيد الشكر

كان موعد الغداء الواحدة ظهرا... وكانت سارشة قد استعدت للحفل وارتدت فستانا من التراث الشعبي المطرز بخيوط الزينة الملونة.. كان لونه الأحمر يضيف عليها شيئا من الحيوية والمرح ويتناسق مع لون وشاحها الأسود الذي يلف شعرها ويبرز وجهها المريح وعينيها الواسعتين اللتين يميزهما الكحل العربي المحدد ببراعة فائقة تتميز بهما الخليجيات بالذات، ربما باحت عينا عائشة بالكثير وهي التي لا تكاد تخفي حسرتها وتألمها ان تكون هذه الانسانة التي امامها تلازم عكازة لتسندها.. كانت تبذل جهدا لكي لا تقول... هل يعقل ان تكون صاحبة هذا البهاء مقعدة نوعا ما، محكوم عليها بملازمة عكازتها..
وعلى الجانب الآخر كانت سارة تحس بالذنب لأنها استخدمت عائشة في هذا اليوم واجهدتها معها منذ الأمس في التبضع والاعداد والطبخ وشغلت مطبخها وبيتها وحرمتها من اسرتها وشتت انتباه الموجودين.. على الرغم انها تعلم ان جزءا من الطعام سيكون لحفلة اخرى للغداء في بيت عائشة لنفس المناسبة.. انهم وان كانوا عربا الا انهم يتأثرون بثقافة المجتمع الذي يعاشرون، وستشارك فيها تماضر وزوجها وسيحضران نصيب الجميع من الكبسة بينما سيحضر شقيق عائشة وصديقته الأمريكية معهما الديك الرومي المشوي بالفرن الذي يشكل العمود الفقري لهذه المناسبة..
وفور وصول تماضر بطبق الكبسة الكبير الموعود كانت الأطباق تهيأ عند مدخل بيت عائشة بانتظار الدكتورة سميث..
ساعدت الدكتورة بعد وصولها بحمل الأطباق الى السيارة والتأكد من سلامتهم وعدم اندلاقهم، وودعت سارة الجميع وانطلقت مع مضيفتها المذهولة من هذه الأطباق العديدة والكميات الرهيبة من الأطعمة..
هناك استقبلهم زوج الدكتورة وهو يشعر بالارتباك كردة فعل الأشخاص بالغي التهذيب ازاء كيفية التعامل مع اناس من ثقافات مختلفة. تركته سارة يساعد زوجته وحاولت ان تعتمد على نفسها في النزول لئلا تزيد من احراجهم..
كانت عائلة الدكتورة تتكون من أبنائها طالبي الجامعة وابنتها وزوجها وطفلتها الصغيرة وشقيقتها وزوجها واولادهما الأربعة ووالدها وحماتها.. وقد كانوا منتشرين بين الصالة وغرفة الطعام والمطبخ..
كان منزل الدكتورة مشرقا وواسعا بينما يحيط الزجاج بالصالة مما يكشف جمال الطبيعة الخارجية.. وكعادة الأجانب كانت الصور والبراويز والشموع والأيقونات واللوحات والورود والتحف تزين المكان وتصنع ديكورا رائعا من الألفة والجمال..
احتاجت سارة وقتا كي تعتاد على المكان وعلى الناس الكثيرين المنتشرين حولها الذين يتصرفون على سجيتهم، وكأنهم وحدهم ولا يشعرون بقيود لوجود غرباء اوضيوف وسطهم.. اعطاها هذا السلوك راحة داخلية لتتخفف من توترها واحساسها بالغربة.. كان مستر كينغ والد الدكتورة اكثر الموجودين دماثة واهتماما.. فقد اشار ضاحكا الى انشغال ابنتيه بالمطبخ واعداد الغداء الشهي الذي يذكره بولائم زوجته التي انتقلت الى رحمة الله منذ سبعة عشر عاما.. وقال ضاحكا:
سبعة عشر عاما بدونها ولكنني اميز طبخها واحس به في فمي الى الآن واجامل ابنتيها وامدح طبيخهما، واقول لهما انه يذكرني بها، وانا اعلم بأنهن يعرفن بأنني كاذب كبير.!
قالت له سارة بتعاطف: لا بد انك تفتقدها كثيرا..
قال بألم: وخصوصا في مثل هذه المناسبات.. اتمنى ان تكون موجودة.. بالفعل اشعر بمكانها فارغا..
التقط الحديث مسز سميث، الذي كان يزود المدفأة بالحطب وقال مشاكسا: اذا سمعتك ابنتك فستندم على عدم دعوة جارتنا على الغداء..
والتفت شارحا لسارة:
انها جارتنا وحدثتها كارين عن والدها ويبدو ان هناك نية للخروج من قبلها في موعد معه..
اشاح مستر كينغ ذو الثمانين عاما بيده متعففا: مع احترامي فان لا اطيق ثرثرة هؤلاء النسوة..
كان الضحك يرتفع عاليا ليملأ الصالة ويشد الحضور ليشاركوا بالحوار بينما قال احد ابناء الدكتورة سميث الذي يلعب بلعبة الكترونية بحجم الكف بين اصابعه:
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احمد القاضى




عدد المساهمات : 739
تاريخ التسجيل : 07/03/2009

رواية :تداعيات الفصول - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: رواية :تداعيات الفصول   رواية :تداعيات الفصول - صفحة 4 I_icon_minitimeالثلاثاء 28 يوليو - 18:32

لا بد يا جدي ان تواعد مدرسة البيولوجي لدينا.. على الأٌقل لآخذ الدرجة واتخرج وبعد ذلك افعل بها ما تريد..
هز الجد رأسه يائسا منهم وقال لها بصوت مهموم:
انظري لهذا الجيل يتلاعب بالعلاقات الانسانية.. العلاقات اصبحت تمضية فراغ ومصالح لا غير...!
قالت سارة بنوع من الاعتزاز: نحن في مجتمعاتنا العربية ليس لدينا التفكير ذاته.. هناك احترام للعلاقة بين الطرفين وقدسية لها..
وتابعت..اتدري... سأقول لك موقفاً شهدته هنا لم استطع استيعابه بحكم تربيتي.. كنت مع عائلة صديقتي لزيارة شقيقها العربي وصديقته الأمريكية التي تعيش معه.. لقد اصبت بصدمة عندما وجدنا هناك شقيقها مستلقياً على الأريكة في بيت اخته وصديقها وكأن كل شيء عادي.. في موطني يقتل الأخ اخته في موقف هكذا ويقضي بقية عمره في السجن مرفوع الرأس لانه انتقم لشرفه وهنا...في الحقيقة... لقد صدمت بالفعل يومها ولم استوعب الموقف..
شعر مستر كينغ بالدهشة والاستغراب من ردة فعلها على امر عادي للغاية في حياتهم، وقال:
ان هذا مثير للاهتمام.. مدهش...ان تقاليدكم تستحق التفكير بالفعل.. ولكن اليس هناك مواعدة والا يخرج الشباب مع بعضهم البعض... اقصد جميع الناس، اليس في نمط حياتهم هذا السلوك الاجتماعي.. ,؟؟
- لا... هذا ضد ديننا.. انه يفسد المجتمع ويجعل العلاقات بين الجنسين حيوانية.. واعني بذلك انه يجعل المرأة مستهلكة وهي تتنقل من شخص الى آخر، انه عدم احترام لها.. ثم اننا كمجتمع حللنا ذلك في اطار الزواج وليس لدينا امهات عازبات بل ان القانون يلزم الرجل بتربية أبنائه في حال انفصال الزوجين لانه يعترف بزواجهما..
هز مستر كينغ رأسه مفكرا وقال: انا افهم ما تقولين لانني محام متقاعد وايضا من جيل مختلف كان لديه بعض الاحترام للعائلة وللتقاليد..
سألته: هل لامريكا عادات وتقاليد..؟
وقال متراجعا: لا ادري... هل لامريكا قيم خفية تعيش في هذا الجيل وتظهر عند اللزوم اوانها تسير في طريق الاباحية والشواذ والحرية اللامحدودة للأفراد..
جاءت الدكتورة سميث تطمئن على سارة: هل تعرفت على المجموعة..؟؟ هل انت بخير..؟؟
قال لها والدها: هي افضل حالا من كثيرين موجودين هنا.. انها شخصية تثير الأسئلة..!
قالت الدكتورة سميث:
واو.. اذا نلت اعجاب والدي فهذا يعني انك شخصية مدهشة..
تأملت ساره الرجل الثمانيني واصراره على استقلاليته وتمسكه بوحدته. تذكرت اباها بعد وفاة امها... لا بد انه كان يفتقدها بشدة هو ايضا ولكنه الآن لحق بها ولن يشعر بالألم..
كان هناك شراب البيض وعصير الليمون وكانت د. سميث تستعد للتقديم عندما دق الجرس وقالت بارتياح... اخيرا جاء آخر ضيفين كنا في انتظارهما.. الجميع هنا انكم تعرفون د. جيمس باركر وزوجته الدكتورة سوزن باركر.
فرحت سارة بمقدم طبيبها فقد كانت تحمل له معزة خاصة لاهتمامه بها ولانتباهه لحالتها، الم تسمه منقذها...؟؟؟
وبعد الغداء... انشغل المدعوون بمساعدة د. سميث وزوجها في تنظيف المائدة وعملية حفظ بقية الأطعمة وهي تسأل الجميع بما يحب ان يأخذ معه من الطعام الكثير المتبقي..
وكانت سارة محظوظة نوعا ما لانها استبعدت من عملية التنظيف باقناعها بأنها ادت دورها واكثر بعملية طبخ الكثير من هذه الأطعمة بينما فاجأها د. باركر وهو يقدم لها القهوة بقوله:
اعترفي هناك فضيلة عليك اغتنامها من اصابة رجليك... ها انت مرتاحة وها هم يعملون..
سألته سارة بلؤم: وانت لم لا تعمل وليس لديك اصابة بقدميك... اذن المسألة نسبية وليس لها علاقة...؟
قال الدكتور متفاخرا: كيف من خبز الكيكة التي غطيت عليها بحلوياتك العربية.؟
قالت سارة: بالطبع زوجتك من طهتها... هل تريدني ان اصدق انه انت..
- اسأليها...انت لا تعرفين انني متخصص ببعض الطبخات التقليدية..
- دكتور صعب علي التصديق انك تبتسم وليس تطبخ فقط، انك جاد أكثر من اللازم، ولم اصدقك وأنت تقول لي عندما ذهبت لرؤيتك بالعيادة.. ماذا تفعلين بهذا الكرسي المتحرك..؟ ألا ترين تحسن قدميك.. ؟ هيا انهضي.. ؟ كنت انظر الى عينيك الزرقاوين اللتين تنظران الي ببرود واحاول الاستيعاب، هل تريد مساعدتي أم تعنيفي...؟؟ بصراحة انك تخيف مرضاك..
ضحك مستر كينغ عاليا بينما دافع الدكتور باركر عن نفسه:
ومن اطلق علي لقب الدكتور الساحر يا ناكرة الجميل، مشكلتك يا سارة بأنك ترفضين تقبل وضعك وذلك بعدم السماح لنفسك والآخرين بمنح البدائل لتغييره.. عندما تحبين نفسك كما أنت ستتوقفين عن رؤية نفسك كمختلفة أوضحية وحينها ستسمحين للتطورات بالحدوث وقد تكون غير ما تحتسبين.. الاعاقة ليست النهاية... انت شابة وجميلة وذكية... الكثيرون سيكونون سعداء معك..
انتهزت سارة فرصة انضمام المدعوين الواحد اثر الآخر للجلسة دون أن يقاطعوا المتحدثين لتحكي لهم حادثة مرت ببالها:
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احمد القاضى




عدد المساهمات : 739
تاريخ التسجيل : 07/03/2009

رواية :تداعيات الفصول - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: رواية :تداعيات الفصول   رواية :تداعيات الفصول - صفحة 4 I_icon_minitimeالثلاثاء 28 يوليو - 18:33

في ليلة كنت مع صديقاتي نتعشى في مطعم فاخر وذلك قبل أن اترك الكرسي المتحرك لاستعمل العكازتين.. انتبهت الى صوت احداهن وهي تهمس في اذني... هل ترين الشاب الأنيق الذي في الطاولة المقابلة لنا..؟؟؟ يبدو من ملامحه انه خليجي... لقد ظل يرمقك بإعجاب منذ فترة طويلة.. تابعت سارة... لا ادري لم فعلت ذلك ولكنني قلت لها... قولي للنادل ان يحضر الكرسي المتحرك... رفعت لي نظرة متسائلة وقالت... ماذا هل سنغادر الآن...؟؟ ولكنني قلت لها... اسمعي كلامي واخبريه وستفهمين.. وعندما جاء النادل بالكرسي... قلت لها انظري لهذا الشاب الآن وانا انتقل الى هذا المقعد.. انزعجت نظراتها وكانت متألمة بالفعل لانني سأفسد لحظات جميلة كانت تعتقد بأنها ستسعدني..
تساءل الدكتور... وبعد تصرفك السادي المتعمد ذلك... ماذا كان رد فعل الشاب...؟؟
- وماذا تتوقع...؟؟ لقد اشاح بوجهه وغادر حتى قبل ان انهي جلوسي في مقعدي.
- اعلم انه من الصعب تحمل الارتباط بشخص بمثل حالتك ولكن الحب يفعل المعجزات..
- اتعتقد ذلك...؟؟ كنت مرتبطة قبل الحادث بشخص ما، كنا مخطوبين وعلى وشك الزواج وتخلى عني حتى قبل ان يدرك مدى اصابتي وتقول لي انه يوجد حب..؟؟
- لا اعرف كيف اشرح لك... لكنه يوجد حمقى كثيرون قد يتركون كل شيء ليكونوا معك يا سارا..
احمر وجهها بشكل لا ارادي... وفهمت ان هناك اختلافات في ردود الأفعال، وكما أن هناك وجوها مختلفة للناس فهناك أيضا أرواح مختلفة لهم، والمشاعر الانسانية الجميلة لا تكون لدى الجميع ولكن عدم رؤيتها لدى بعضهم لا يعني عدم وجودها المطلق، انها تتناثر هنا وهناك ويعبق بها الجو ولكننا احيانا لا نراها ولا نتمكن من رصدها لأسباب عديدة اهمها ينطلق من داخلنا، وخصوصا اذا كونا فكرة مطلقة عن انفسنا وعن الآخرين وعن الوجود وصدقناها فنعمى بذلك عن رؤية ما عداها.
وحان موعد التخرج وقد منحتها امريكا شهادة الدكتورة وشهادة الثقة بالنفس وعالجت روحها واستطاعت رجليها أن تمس الأرض وتسير بمساعدة عصا واحدة فقط بينما تحتاج لمزيد من الوقت لتترك هذه العكازة ايضا مع تحسنها الملموس..
لذلك لا تستطيع اخفاء حبها لأمريكا التي آوتها عندما احست بالنبذ، وضمتها عندما كادت تتحلل في غرفتها بوطنها بلا مستقبل ولا حياة...!! امريكا الانسانية وليست امريكا السياسية وهناك فرق شاسع بين الاثنين...امريكا الانسانية لا تفرق باللون والدين والعرق وتعيش فيها الطوائف بسلام تمارس شعائرها، وتلبس ملابسها، وتأكل طعامها، وتفرض تقاليدها.. امريكا النموذج لحضارة البشرية وبساطتها وجمالها ونظامها وروعتها.. امريكا التي تحبها هي امريكا احترام الانسان وتقديره والاعتراف به.. امريكا التي يمشي فيها الانسان رافعا رأسه يستطيع مقاضاة رئيس الجمهورية دون أن تنغص حياته اجهزة المخابرات وتصطاده اجهزة الأمن..
امريكا التي تحبها تضمن لها العيش بكرامة وانفة دون ان تخاف المرض والعجز والبطالة والقهر..!! امريكا التي تحبها تجعلها تفتح عينيها على جمال الطبيعة وسلامة الطرقات وحرية التحرك والتصرف الشخصي..! ! امريكا التي تحبها تجعلها تدفع فواتير الكهرباء والماء والهاتف والمشتروات والمرور وسائر المعاملات هي جالسة ببيتها بالبريد بيسر وسهولة والتي تعني احترام الوقت والمواعيد والنظام والترتيب وكل الأمور بمكانها دون ان يضيع الانسان لاجراء معاملة يوما كاملا اويأخذ البحث عن موقف للسيارة يوما اضافيا...!!
لذلك وهي في امريكا لم تواجه سوى وجه شعبها البسيط الذي يأسرها بتسامحه وتقبله لهذا الخليط المهجن الذي يتناسل في محيطها بشرعية دون ان يسمح القانون للعنصريين بالاعتراض والرفض وحماية الجنس اللاري الأبيض...!!! عندما ترى جميع الألوان والأجناس تذوب تحت لواء الجنسية الأمريكية التي تكتسب قوة ومناعة من ولاء وحب وتفاني هذه العرقيات والأصول التي لم تتوحد وتندمج بقوة وشفافية الا في مثل هذه الأمم التي صنعت عراقتها بثقتها في الانسانية جمعاء واحترامها لثقافاتهم وخلفياتهم وانتماءاتهم..
كيف لا يحب الخليط المقيم فيها امريكا وقد اعطته الهوية والكسب المادي والكرامة والسمعة الطيبة بين الأمم لدرجة انه يستطيع ان يرفع رأسه بفخر ويقول انني امريكي حتى ولوتورط سياسيوها في استعمار الشعوب فما زالت امريكا يانعة بأسلوبها الأممي الفذ في مجال الانسانية والرعاية الاجتماعية وبناء المؤسسات واحترام القانون ! ! كيف يمكن تجاهل نظامها التعليمي الراقي ومؤسساتها الدستورية وقانونها المتماشي مع المنطق والعقل والفطرة.... ؟؟ كيف يمكن للمرء ان يرفس الأمن والنظام والحقوق المدنية للأفراد والجماعات للمقيمين داخل حدودها...؟؟ كيف يكفر بالقيم التي يعيشها هناك كالاحترام والنظافة والأمانة والذي تحترم آدميته وتتفق وديانته وحرياته ومكتسباته وخلفياته اينما جاء ومن اي بيئة ولد...؟؟ كذلك لا تستطيع اخفاء تقززها من الوجه الآخر الذي يغض النظر بدون ان يشعر بالخجل والذنب والمسئولية فعلى الرغم من اسلوبها الاستعماري الا ان امريكا تدعي امام العالم اجمع بأنها تراهن على العدالة والسلام والديمقراطية.. لا تجعل شعبها يعتقد يوما واحدا بأن امريكا تخوض حربا ضد مبادئها المثالية بينما تختبئ القذارة والفساد في الجيوب الخلفية لسياسيها الذين ينتحرون سياسيا ويخرجون من اللعبة ما ان ينكشف تورطهم دون ان يؤثروا على النظام اويهددوا شرعيته ويقلبوا مؤسساته ويحدثوا ازمة في ممثليه ويدمروا البلد بكامله..!!
امريكا الاستعمارية القذرة التي تلوي اعناق الشعوب، وتستخدم حكام العالم لتحقيق مآربها البغيضة، وتزرع اسرائيل كجرثومة سرطانية قاتلة في الجسد العربي الاسلامي المهلهل
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احمد القاضى




عدد المساهمات : 739
تاريخ التسجيل : 07/03/2009

رواية :تداعيات الفصول - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: رواية :تداعيات الفصول   رواية :تداعيات الفصول - صفحة 4 I_icon_minitimeالثلاثاء 28 يوليو - 18:34

غير آبهة بالعدالة والشرعية والكفاح الوطني العادل... هي صورة اخرى ربما لا يواجهها المتواجد فيها كمقيم يحظى بامتيازاته التي لا تفرق بينه وبين المواطنين الآخرين ولكنها تصفعه عندما يواجهها كأجنبي تتضارب مصالح بلاده الوطنية مع نواياها التوسعية الامبريالية..
الأربعون
أمريكا... وداعاً

حان الوقت للتخرج والعودة الى الوطن وبحصولها على الدكتوراة اصبحت الدكتورة سارة، وقبل ذلك استطاعت تحطيم اعاقتها والمشي وان لم يكن تماما بل بمساعدة العكاز ولكنها تسير بالاسلوب الصحيح وتدرك في قرارة نفسها انه كما الحادث حصل دون خطأ منها و نتيجة لأمر لا يد لها فيه، فان الشفاء ايضا لم يتم بسبب العلاج أوغيره بل كأن الأمور مخطط لها أن تحدث في وقتها المقرر لها وشفاءها تم عندما اراد الله لها ذلك، انها تؤمن بأن لكل شيء سبباً لا يعلمه الا الله وربما احيانا من الخير حدوث الألم وهناك حكمة لموعد انتهائه بزمن يقرره الله..
مع نهاية العام الدراسي ومع قدوم الربيع وظهور الشمس المشرقة وخضرة الأشجار وبهاء الطبيعة استيقظت سارة وكانت صور قدومها الى امريكا تتواتر في ذهنها..
تذكرت رقدتها في المستشفى عندما حادثتها تماضر لتهنئها بالسلامة بعد اصابتها بالحادث وكيف تمنت يومها أن تكمل هي الأخرى دراستها بالخارج وتبتعد عن محيطها المعبأ بالذكريات المؤلمة.. تتذكر علاجها الطويل أواستسلامها بالأحرى لوضعها الصحي ودفنها نفسها حية كتعذيب ذاتي لا تجد مبررا له اليوم.. وكيف جاء السفر الى امريكا ومرحلة التأقلم والتحرر من الذهول والصدمة وسجن النفس الداخلي والتغلب على الاصابة والقدرة على المشي من جديد، وكيف كانت تجربة الدراسة في امريكا تجربة ثقافية بالدرجة الأولى حيث جاءت وهي خريجة المناهج العربية التي طبعت في ذهنها امجاد المسلمين وسنوات ازدهارهم في العصور الذهبية الأموية والعباسية والأندلس وامجاد خالد بن الوليد وصلاح الدين الأيوبي، لقد اتت من عبق التاريخ مزهوة بتراثها لتكتشف منذ دراستها بمعهد اللغة واحتكاكها بالطلبة وخصوصا اليابانيين والصينيين والكوريين بثقافات أخرى موغلة بالتاريخ هي ايضا لها خصوصيتها وانبهارها واستطاعت أن توسع تصوراتها واحساسها بالعالم حولها الى صورة شمولية أكبر.. وبعد ذلك وجدت ان لدى الامريكيين مع جميع الجنسيات الأخرى قواسم انسانية لم تشعرها احيانا بأن كريستين امريكية فقد كانت تأكل وتشرب وتحلم وتفكر مثلها، وكانت احيانا كصديقتيها عائشة وتماضر وقد زالت الفروق الثقافية كلها ليتكلموا جميعا بلغة الوجع والهم الانساني الواحد وتجلت الآيات القرآنية ( وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم) وفي الحديث: (لا فضل لعربي على اعجمي الا بالتقوى )... يا سبحان الله التقوى هي الكلمة الفاصلة، وهي التي تحدد الانسان وافضليته عند ربه وليس بكل المسلمين تقاه وليس بكل غيرهم فاسقين..
عادت سارة الى الوطن تحمل درجة الدكتوراة، وقدمين تتماثلان للشفاء، وعصا تعتكز عليها بدون الكرسي المتحرك، ونفسا برأت من خيبات الماضي واحباطاته، وروحا تسامت عن آلاعيب الحثالة ودسائس الباحثين عن موقع في خريطة الزمن..
عندما حطت الطائرة في المطار وفتح بابها وخرجت مع العائدين كان الجو معبقا بالرطوبة الخانقة والحر الشديد وليس هناك ذرة هواء واحدة بالجو، كان الوقت مساء، ولكنها اشتمت شيئا بالجو رغم قتامته وعتمته ولزوجته، شمت رائحة الوطن..
وهي بأمريكا كانت تتمتع بحياة رغدة آمنة ممتلئة بالدراسة والأصدقاء والاسترخاء النفسي، ولكن ذلك لم يمنعها من السكن الروحي في الوطن بنفس الوقت، بالذكريات التي تظهر بأحلامها وتشكل طفولتها وخبراتها ووعيها وشخصيتها، بكل موقف تواجهه ولا تتوقف عنده بل انه يرتد الى تجارب سابقة ومواقف ماضية في بلادها. كل عصب فيها معجون بحياة حافلة صنعت شخصيتها في ارضها منذ طفولتها وصباها ومراهقتها ونضجها.. كان لكل شيء يحمل عبق التراث من طعام وشراب وموسيقى يلمسونه بالغربة له معنى لديها وزملائها الخليجيين، كان يشدهم وينظرون اليه باجلال وفرح كأنهم اكتشفوا كنزا، كان كل خبر وتعليق عن البلد يهتمون به ويتناقلونه كأنهم ابتعدوا ملايين الأفلاك عن مسقط رأسهم ولا يصدقون ما يقربهم منه، كانوا يجتمعون ليحموا ذاكرتهم من الصدأ وليعيدوا ويكرروا عاداتهم وتقاليدهم وكلام عجائزهم لئلا يندثر الانتماء ويفقدوا الهوية، كانوا يرتبطون بملابسهم اكثر ويرتدونها بمناسباتهم ليروا الآخرين بفخر من هم وأي حضارة جميلة وغنية انجبتهم، كانوا يفتخرون بأنفسهم ويريدون أن يراهم الآخرون بثقافتهم ليعرفوا كم هم اقوياء ولهم جذورهم وذاكرتهم العتيقة وليس بمسخ انفسهم والضياع وسط الآخر.
اختلطت بها مشاعر غامضة وهي تتنفس الوطن من باب الطائرة وتتساءل:
ها قد عدت، هل استطيع ان اتعايش مع الواقع الجديد، هل يستطيع استيعابي أم سأتعب من جديد ولن اتصالح معه، ولكن اين المفر هذه المرة...؟؟
الحادي والأربعون
لا عودة للماضي...!!

في بيت عبدالرحمن استعدوا لاستقبالها بطلاء غرفتها وتغيير الأرضية واعادة تركيب ستائر جديدة لها مع وضع بعض الاكسسوارات الجمالية للترحيب بها.. وكانت في المطار وضحة وابناؤها وقد حملوا الورود بينما استمرت حلقة الاحتفالات بين بيوت الاخوة بمقدمها بذبح الخراف واقامة ولائم العشاء ودعوة الأهل والأنساب والمعارف..
عادت سارة الى عملها في المؤسسة ولكن ليس الى مكتبها البائس المجمد لان المؤسسة انتقلت الى مبنى جديد مجهز بالمعامل الحديثة وبالتخطيط العصري الذي نقل المؤسسة الى المرحلة الانتاجية المأمولة.. لقد تغيرت الأمور للأفضل وليست كما كانت..
وعندما قابلت مدير الادارة الملحقة بالمؤسسة وجدت مديرا جديدا شابا ممتلئا بالحماسة، متحلياً بالخبرة والشهادات اللازمة، كانت مفاجأة سارة أخرى لها وقد احتفل بها مديرها واعطاها حقها عندما قال لها:
انك يا دكتورة لست بموظفة جديدة... أنت من الأوائل الذين ساهمت افكارهم وجهودهم بتحديث المؤسسة ويشرفني أن اعرض عليك أن تكوني مستشارتي للأمور الفنية بالادارة.
قبلت سارة بكل سرور لان ذلك يعني اشرافها المباشر على كل المعامل الواقعة تحت تنظيم ادارتهم بالمؤسسة..
بعد وصولها بشهور قليلة فوجئت بصديقتها تماضر التي استقرت بالوطن قبلها تطلب رؤيتها بسرعة وقبل موعدهما الأسبوعي الذي تعودتا على اللقاء به بعد وصولهما واستقرارهما بالوطن حيث يتعشيان معا في احدى المطاعم الهادئة.. واتفقتا على شرب القهوة مساء في احدى جلسات الكافي شوب عندما قالت تماضر بحماس وجدية:
تتذكرين بالطبع خطيبك السابق، سالم، لقد اتصل بي بالعمل وكلفني بابلاغك بأنه لم يكف عن متابعة اخبارك، وما زال يفكر بك، ويريد أن يتقدم اليك بالزواج مجددا..
غاص قلب سارة وامتعضت واحست بلفح رياح حارة تلفحها تحمل معها ذكريات أليمة، وقالت بصوت يحمل احباطات الماضي:
هل تدركين يا تماضر انه كسرني عندما تخلى عني وأنا بين الحياة والموت اذا قلنا ذلك مجازا.. كنت محطمة من تداعيات عملي ومن العزلة التي احكم بعض الأشخاص فرضها علي، كنت اختنق من الضغوط النفسية التي تبثها ذبذبات الأرواح من حولي، ، من قدرة الوجوه على التلون والتصنع والتمثيل، هل تستحيل القلوب الى صفائح مجوفة، وهل تتجرد من النبل والكرامة وعزة النفس...؟؟
كنت اعاني من اجتياح متجرد من الشعور لا يبالي بمن يكسح في طريقه وما يقتطع من اخضر ويابس لا يرده ضمير ولا تمسه خلجة وجدان ثم جاء الحادث وكنت موعودة بفقدان قدماي وفقدتهما فعلا لمرحلة طويلة وماذا فعل هو..؟؟ وجه لي الضربة القاضية اللطمة التي ان افقت منها اليوم فهذه معجزة الهية منحني اياها الله، اتدرين في تلك الظروف تركني وهرب...!! هكذا... لملم نفسه وانسل مبتعدا دون أن يمنحني حق سؤاله لماذا...؟؟ دون أن يكلف نفسه الالتفات الى الخلف ليعرف حال من خلفها وراءه، لم يهتم بي كإنسانة... فكيف أولي نفسي ثانية لشخص لا أثق به، وقد تخلى عني مرة بأسلوب شنيع وخال من الشهامة، ألن يكررها عندما تمر نفس الظروف أوما يشابهها والمفاجأت أعظم، لا يلدغ المؤمن من
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احمد القاضى




عدد المساهمات : 739
تاريخ التسجيل : 07/03/2009

رواية :تداعيات الفصول - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: رواية :تداعيات الفصول   رواية :تداعيات الفصول - صفحة 4 I_icon_minitimeالثلاثاء 28 يوليو - 18:36

جحر مرتين، وقد أديت ديني ودفعت ثمنا باهظا من تفكيري وعواطفي ومشاعري ولا أستطيع أن ادفع الثمن مرتين فقد اكتفيت وتعلمت وأصبح ايضا لا يمثل لي شيئا ولا اريد أن اعرفه ولا يهمني امره بشيء.. فقط أعجب بجرأته ليتصل بك ويطلب منك مكالمتي بهذا الموضوع، لقد باعني وتركني وهنت عليه ألا يحرك ذلك شيئا من الخجل في نفسه.
انصدمت تماضر والتي اعتقدت بأنها تزف نبأ جميلا الى سارة، بينما رفعت سارة وجهها لها وركزت عيناها عليها وسألتها:
لوان ذلك جرى لك أولاحدى أخواتك، هل ستقبلين خطوبته من جديد وهل تشجعين اختك عليها..
بوجوم هزت تماضر رأسها رافضة الفكرة، فقالت لها سارة:
اذن كيف ترضين لي ما تأبينه وترينه كبيرا عليك.. لا... يا تماضر قد دفعت الثمن بما يكفي، لقد تعذبت واستحالت حياتي الى جحيم لا يطاق وكرهت صنف الرجال ولم أعد اثق بأحد منهم بسبب هذه التجربة.. ليس سهلا أن يصيبك الغدر من اقرب الناس اليك، حينها تخافين الجميع ولا تثقين بأحد مطلقا.. الله يفتحها عليه ويوفقه ويوفقني كلا في طريق مختلف..
لم تتوقف سارة عن الاحساس بوجود سلطان بحياتها، انها تعرف بأنها لا تعني شيئا لديه وان وجودها وعدم وجودها سيان، ولكنها لم تفلح بملئ هذا الفراغ العاطفي داخلها، لم تسمح لأي كائن بالتسلل الى قلبها ولا تدري هل هي عقدة بعد تخلي سالم عنها وهي الشعور بعدم الثقة والأمان...؟؟ هل لانها لم تجد الانسان الذي يميل اليه قلبها...؟؟ هل انه نصيبها أن لا تتعلق بأحد وأن تظل ابواب قلبها مغلقة الى الأبد... شيء واحد تعلمه، وهو وجود مخدر بحياتها اسمه سلطان لا يدعها تأسف على كونها عانسا بينما العمر يجري...! وربما لولا انها تعرف بأن ما بينها وبين سلطان ما هو الا مجرد اوهام ما فكرت فيه...؟؟
هل كانت طبيعية لتفكر هكذا...؟؟ بمعنى ألم تكن واقعة تحت تأثير سحر معين...؟؟ ؟ ام ان سذاجة العواطف ليس لها دخل بالمقدرة العقلية والامكانات العلمية...؟؟ هل يمكن ان يندرج تفكيرها تحت اطار تفكير الانسان الطبيعي...؟؟ انها تعلم علم اليقين بأن لو احد اخبرها شيئا كهذا عن احد ما فلن تعرف كيف تصفه...؟؟ هل هو مريض نفسيا...؟؟ يائس من العلاقات الأنسانية...؟؟ يتصف بالغباء وفقر الالمام في التصرف والسلوك...؟؟
ولكنها تتكلم هنا عن نفسها ولا تدري للأسف لم تفكر بهذه الطريقة الساذجة الحالمة الفارغة من المضمون...؟؟ والأنكى ان احساسها الساذج به لم ينته مع الأحداث الأليمة الماضية والزمن الطويل بل انها ما زالت عالقة بها وتتمثلها وتعيشها ولا تدري كيف تتعلق بهذه الأفكار مع علمها بأنها اوهام...؟؟ ولم تدعها تسيطر على حياتها وتملأها...؟؟ انها تعلم بأن ذلك مضحك وخطأ وغير صحيح وغير منطقي ولكنها مستعدة للتفكير فيه مجددا والوقوع في فخ تهاويمه الصغيرة مرة اخرى واخرى واخرى..
لماذا هو..؟؟ ؟ لو جردته من سلطته و وظيفته الهامة، ماذا تعرف عنه..؟؟ هل تعرف شيئا عن شخصيته...؟؟ معتقداته...؟؟ سلوكياته...؟؟ شيئا مفيدا عن حياته..؟؟ انها اسيرة معلومات استشفتها عنه لا تدري هل هي حقيقية وصادقة ام فقط من انطباعاتها وصدى لكلام واراء الآخرين..؟؟ انها تراهن على احاسيسها الداخلية عنه... لقد كونتها على مر السنوات منذ ان وعت على شخصيته وتوجهاته وآرائه التي استخلصتها من احاديث وتعليقات من حولها..
انها تعجب من نفسها...على الرغم من انه صفعها مرة بمرارة انتقامه واهانها معنويا بمؤازرة المخربين وتأييد الفاسدين، وأذاها نفسيا بسماحه لمسلسل التدمير والبغض بالبدأ والأستمرار، وحطمها مهنيا عندما خنق تفاعلها وعطل نشاطها الا انها لا تشعر البتة بأنه عدو لها او انه سبب لها التعاسة والألم.. هل يغفر الانسان ببساطة لمن يحب وهل هذا هو التفسير المعقول لهذا التخاذل الذي يضعفها امامه..؟؟
أم انها حيلة عقلية تستند عليها لتربط نفسها بالحياة، الموضوع لا علاقة له بالحب أو العواطف انه فقط مجرد تعود على نمط من التفكير، وأيضا اشباع حاجة نفسية ليكون الشخص محبوبا وقادرا على الحب ولو في خياله، في تلك المنطقة الداخلية الآمنة داخل نفسه التي يجاهد ليحولها الى واحة خلابة يرتاح فيها مع تصوراته الذاتية، ولا بد ان فارس احلامها يحتوي على هذه الصفات التي وجدتها بالوزير وما دام هذا الفارس غير متوافر ولن يكون بفعل الاحباطات والمرارة الداخلية المتكاثفة داخلها فلقد توجت هذا الشخص المجهول السيطرة على احلامها.
وان يكون جديرا بذلك أولا يكون فان مسألة اطاحته من موقعه تتطلب تتويجاً بديلا له ولا تملك القدرة على المغامرة ولا تشعر بوجود البديل وقد باتت لا تثق بصنف الرجال وتلمح الغدر بأخلاقهم ولا تشعر بالأمان لهم.. اصبح المهم لديها أن تشعر بالغنى الداخلي والسلام النفسي، ولأنها انسانة تتنفس المحبة وتشعر بها من حولها وتريد أن يزهر قلبها دوما ويتشبع بالشفافية والألق والجمال الذين لا يمكن ان يشعر بهما قلب لا يحب ولا يحس لذلك فانها سمحت لهذه المشاعر الخيالية باحتلالها والتنفس من خلالها..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احمد القاضى




عدد المساهمات : 739
تاريخ التسجيل : 07/03/2009

رواية :تداعيات الفصول - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: رواية :تداعيات الفصول   رواية :تداعيات الفصول - صفحة 4 I_icon_minitimeالثلاثاء 28 يوليو - 18:37

الثاني والأربعون
خالد يعود


من الصعب ان يتواصل الانسان اكثر مع حياته اذا خبا الأمل وتلاشت جذوته..
تغير شكل وضحة، ذبلت ورقت روحها حتى تلاشت في الصمت والسكون، ورغم ايمانها العميق فان شلال الحزن الجارف طوى حيويتها معه فانكسر وجدانها وبقيت الدموع الحبيسة تضغط على صدرها وتضيق بالها..
هل كانت عصبية فحسب أم كانت متوترة متوجسة خائفة من شيء غامض يهددها بقدومه.. كلما اسرعت الخطى الى المستشفى كان وجيب قلبها يسبقها، يا ترى ماذا سيكون حال خالد..؟؟ هل ستكون تباشير خير واستجابة مفرحة...؟؟ أم انتكاسة خطيرة واخباراً سيئة..؟؟
يا لقلبها وهي ترى الأسلاك الموصلة اليه لتمده بأسباب الحياة، وجسده الحبيب ملقى على سرير مهمل وأناس يروحون ويجيئون ويحركونه اليمين واليسار، لا يرقون لقلبها الحاني وهو يكاد يقفز من مكانه مع كل غرزة حقنة ومع ادخال كل خرطوم وسلك، كانت تردد في دعاء عجيب
يا ليتني افديك بعمري، يا ليت ربي يستبدلني بك يا خالد
يا رب اجعله يحيا ولو كان الثمن عمري
كان دعاؤها غريبا
وكانت سارة تنهرها بألم وانقباض عن هذا الدعاء، وتدعوها الى استغفار ربها وطلب الشفاء لابنها بدون مقايضات، انه قادر كريم...!!
عندما يطول الشقاء ويمتد الليل بحيث تصبح الشمس امنية بعيدة المنال، عندما يرهق القلب من العناء وتخور القوى من الصمود والانتظار، عندما يثقل الحزن كاهل الانسان ويظلل ايامه ولياليه، ويربض على صدره كالجاثوم المستبد.. عندما تتساوى الأشياء وتختلط الأفراح بجحافل النكبات والأحزان، وتتلوث المسرات بفجائع المحن والمخاوف، حينها يصبح الانقباض والألم سيدة الوجود..
هكذا كانت ايام وضحة الأخيرة، قد استسلمت للأرواح الآتية من بعيد تولول في الظلام، وتندب شيئا غامضا كان يروعها حدوثه، وكانت لا تنام..
اصبح الأرق ملازما لها، وتنافر اعصابها يوترها، وتوقع احداثا مرعبة قادمة يجعلها على شفير الجنون.. اصبحت كثيرة السهو والنسيان والغياب في عوالم غامضة تناديها للبعيد.. تنكفىء على قراءة القرآن، وتنزوي للدعاء في غرفتها بالظلام لا تشعر بالوحدة ولا الوحشة لانها تسافر في عوالم اخرى تغيب فيها ولا تشعر بضجة أبنائها وحياتهم الصاخبة التي تريد استرجاعها من الأصوات الغامضة التي تسكنها وتأخذها عنهم في عوالمها الغريبة..
كلما رأت صور خالد في الطفولة وسن المدرسة ودخول المراهقة كانت تبكي بكاء لا يتوقف، وتؤنب نفسها وقد ادمنت تعذيب الذات، انه هروب من الألم الى الألم.. في وحدتها المطبقة بظلام الظنون والتفكير، انفصلت عن الحياة الاجتماعية للآخرين..
كانت مصلوبة بين السماء والأرض، لم تكن من أهل السماء ولكنها قطعا ليست من سكان الأرض.. انها روح هائمة تهمي كالمطر على سرير ابنها تسقيه من لوعتها وتطعمه من بؤسها وتحنو عليه من أساها..
تهمس بين الفينة والأخرى افديك بعمري... أفديك بعمري، وترتل القرآن وهي تمسد رأسه، وتفرك يديه، وتبتهل الى الله ، وتبلل وجهه بدموعها قبل أن تقبله مودعة اياه الى الغد..
وفي غيابها المعنوي تعلقت ابنتاها بخالتهما وأخذتا يمضيان وقتهما في بيت عبدالرحمن بصحبة بناته اللاتي يقاربهن في العمر.. ووجد محمد في ابن خاله ملجأ له من عصبية والده وسكون والدته واهمالها الواضح لهم وهو يقارن بين تعلقها بخالد، وهو مسجى غائبا عن الوعي في المستشفى وحرصها لزيارته صباحا ومساء وبين حزنها وسهومها الدائم بحيث لا تستسيغ قصة تحكى لها ولا تصبر على تكملة حكاياتهم مع رفاقهم ونوادرهم..
وحده فقط نواف الذي انعكس عليه حزن والدته المتراكم المدفون بالأعماق، كان يلتصق بها وهي تصلي أوتقرأ القرآن، فقط ليشعر بالأمان معها، وقد اخافه عويل الأحزان الذي يحس به ببراءة طفولته ينهمر بين حنايا صوتها وانكسار روحها..
في لجة مخاوفها وهمودها وانكسارها جاءها هاتف من المستشفى اوقع قلبها:
كانت ركبتاها تصطكان وقد شعرت بأن اللحظة التي تخشاها قد اتت..
هل ينازع بألم...؟ هل يتوجع...؟؟ هل وهل... وقبل ان يغمى عليها سمعت شيئا كأنه الحلم..!
اعجوبة قد حدثت، خالد اسيقظ من غيبوبته وهو في وعيه التام... تعالوا بسرعة الى المستشفى..!
تسمرت في مكانها، احتاجت لبعض الوقت لتستوعب بعقلها ما قيل وتصدقه وتتفاعل معه.
لم يبق للأفراح مكان في روحها المتصدعة، ولم تفلح الشحنات المضيئة لهذه المعجزة المباركة في صدم جسدها الواهن وتحريكه كأنها استنفذت كل قواها... سواء للحزن او للفرح او للتعبير، فقط كانت دموعها تهطل وتهطل..
حتى من يراها لا يعتقد بأنها تبكي فرحا وحمدا لله لأعجوبة لم تكن بالبال، وحالا تم اليأس منه منذ زمن بعيد..
بهدوء عجيب سارت الى غرفة زوجها احمد لتزف اليه النبأ حيث كان كعادته مسترخيا على كرسيه يدخن ويسمع الراديو ويقرأ الجريدة في آن واحد..
وقفت امامه وتمتمت كأنها تخاف أن يغدر بها الزمن ويغير رأيه:
احمد... اتصلوا من المستشفى، خالد استيقظ من الغيبوبة وهو في وعيه...
ولم تكمل كانت دموعها تنهمر في صمت..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احمد القاضى




عدد المساهمات : 739
تاريخ التسجيل : 07/03/2009

رواية :تداعيات الفصول - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: رواية :تداعيات الفصول   رواية :تداعيات الفصول - صفحة 4 I_icon_minitimeالثلاثاء 28 يوليو - 18:38

الثالث و الأربعون
يحيي العظام و هي رميم

حاول احمد ان يخفي انفعالاته هو الاخر ولكنه لم يستطع سوى النهوض لا يلوي على شيء يرتدي ملابسه على عجل لرؤية ابنه بعد سنوات من غيبوبته الطويلة.
كانت وضحة خائفة لا تصدق القدر ولا تثق به، هل ستفتح باب الغرفة وتجده فعلا واعيا ومستيقظا جالسا وحتى راقدا على سريره ولكنه ينظر اليها ويدرك من حوله ويعرفهم ويعرف نفسه..؟؟
انهم لا يكذبون حينما هاتفوها من المستشفى، انه حي.. مستيقظ، سأراه بعد قليل واضمه الى صدري وابكي وجعي كله عليه. ولكن هل تكون صحوة مفاجئة..؟؟ هل هي حركة افاقة قبل الدخول في الصمت الأكبر..؟
انتفضت وضحة تريد ان ترى ابنها قبل فوات الأوان وان تحميه وترد عنه كيد المنون. عندما استدار احمد الى باب الخروج كانت وضحة تتبعه ولم تستطع منع نفسها من الهرولة.
وعندما يخامرها الشعور بأنهما ذاهبان الى رؤية ابنهما ومحادثته وانهما قد استعاداه، وعاد اليهما من جديد فان الحيوية تتدفق اليها وتكاد تتشاجر مع احمد وهي تجادله:
لا تذهب من هذا الطريق فهو اطول، لم استدرت هنا كان بامكانك المتابعة واختصار الطريق.؟
وعندما وصلا لم تنتظره لتسير معه ولم تتذكر انه جاء معها، كانت تهرول ما وسعها حمل جسدها على الهرولة وهدف واحد يتربص بها، هل عاد بالفعل وهل سأراه من جديد..؟
عندما دخلا الغرفة كان وجيب قلبيهما يكاد يسمع هديره، واعصابهما النافرة والمتحفزة تكاد تتمزق من الترقب وعدم الثقة بضربات القدر وتاريخه معهما.
ها هو وجه ابنهما الواهن يبتسم لهما وقد اضاء الفرح وجهه النحيل وعينيه الغائرتين. كان ممددا على سرير المرض الذي ارتفع جانبه الأمامي بحيث سمح له بالاتكاء والجلوس قليلا.
عانقه والده وحمدالله على سلامته، بينما ارتمت وضحة على جسده النحيل وضمته اليها تكاد تخلع ضلوعه وذهبت في نوبة بكاء لم يستطع احد سحبها بين احضانه، أو حملها على التوقف. بعد حين كأنها عادت الى الواقع وفرغت شحنتها العصبية استطاعت ان تسمع صوت احمد وتأنيبه: سوف تكسرين عظامه. اتركيه يتنفس قليلا. يحتاج الى مساحة من الوقت ليتعاطى مع واقعه الجديد. اتركيه ولا تضيقي صدره بالدموع. هل تبكين في الملمات والمسرات ايضا..؟؟
ولا يدرون كيف يبدأون.
هل يتحسسونه ان كان بخير وقد استعاد كامل وعيه وعافيته..؟؟ هل يسألونه اين ذهب وكيف كان يشعر.؟؟ هل كان يتألم.. ؟ يتضايق..؟؟ يكتئب..؟؟
هل يريد شيئا معينا يحتاجه..؟؟
ما هي الخطوة التالية.. هل يأخذونه من المستشفى..؟؟
هل.. هل..؟؟
كان تعبا وحائرا ومشتتا، ويريد ان يعرف اشياء واحداثا يستعيدها ببطء ويستفهم عنها.
قالت وضحة:
انه عمر يا خالد، سوف تستعيده خطوة خطوة وسنكون معك. المهم انك عدت بعد أن فقدنا الأمل.
وبانقباض تمتمت.. وما كان لنا أن نفقد الأمل برحمة الله ولا ييأس من رحمة الله الا القوم الكافرون.
فرح خالد برؤية اخوته بالذات وأخذ يتأملهم بدهشة وقد كبروا واصبحت البنتان في سن المراهقة بينما اصبح محمد في الرابعة عشرة ونما نواف وبلغ السادسة من العمر مليء بالحركة والتساؤلات والحنان الذي يمنحه لشقيقه بالالتصاق به ومحاولة اخباره بكل ما يعرف..!!
كانت وضحة تفكر بقلق بمستقبل خالد الدراسي وتعويضه ما فات، وفي قلبها هاجس يذكرها بأنه لا بد فقد جزءا كبيرا من ذاكرته والعودة الى التعليم لن تكون بالسهولة التي تتوقعها، واذا كان وهو بخير وفي السن الطبيعي للدراسة يتهرب منها ويركلها بقدميه، هل تتوقع ان يقبل عليها ويصبر ويقدم التضحيات لاكتساب ما فقده بسبب المرض فقط وليس بسبب ضياع الأعوام..؟؟
وكانت سارة تهدئها وتقول لها:
لا تستعجلي الأحداث، لن تتحقق بمجرد انك استحثيتيها او سعيت الى فرضها او اجبرت الآخرين على تطبيقها. انها بمشيئة الله. فقط اهدأي، ودعينا نفرح ونشبع من الفرح اولا.
احتاج خالد لقضاء فترة في المستشفى لاستعادة قواه والأطمئنان على صحته وعودته الكاملة للوعي والحياة.
وعندما عاد الى المنزل، ذبح له والداه الخراف ووزعاها على المحتاجين والفقراء، واقاموا وليمة كبيرة لأفراد العائلة ابتهاجا بعودته للعالم.
وكان خالد يشعر بأنه قادم من عصر آخر. فالتطورات من حوله مدهشة وسريعة وذاكرته تعود ببطء واخوته الصغار انتهزوها فرصة ليكونوا كبارا عليه فلديهم معلومات ومعارف واحداث لا يعلمها، وكانوا يتسابقون لشرح العابهم وأشيائهم ومصطلحاتهم اليه، حتى الصورة الحقيقية للحادث لم تكن واضحة لديه ولم يعرف ابدا انه كان في السيارة الأخرى جده الذي قضى نحبه وخالته التي تضررت قدماها ولازمت كرسي العلاج لفترة طويلة. وعندما اخبره اخوته طلبوا منه عدم اخبار امهم بأنهم اخبروه فما زالت توصي الجميع بعدم الاشارة للحادث خوفا ان تصيب خالد انتكاسة اوتأنيب الضمير.
بالفعل تألم خالد كثيرا لجده فقد كان يحبه، وحزن لخالته وهو يراها تتحرك بعكازة لم يتمن بأن يكون المتسبب فيها.
هذا البيت لا يعرف الطمأنينة ولا يتوسده السكون. لم يسعد بعد بعودة الابن الضال ولم تلتئم الجراح بعد لتشكو وضحة من صداع عنيف فجأة داهمها وهي نائمة بمنتصف الليل لدرجة أن أفقدها الوعي، وفي هلع وخوف نقلها احمد بمساعدة الخادمات الى السيارة، لم يشأ ايقاظ الأولاد وافزاعهم وهم يغطون في نومهم وكذلك لم يتصل بشقيقتها قبل أن يتبين كنه الموضوع.
ولكن احمد انهار في المستشفى عندما علم بخطورة حالتها من اهتمام طاقم المستشفى وهلعهم وتراكضهم لنقلها في الحال الى غرفة الانعاش.
فاتصل ببيت شقيقها وايقظ عبدالرحمن وسارة واخبرهم بحالتها ولا يدري ماذا يفعل.؟؟؟
على وجه السرعة حضر عبدالرحمن وسارة وهما يأملان خيرا ويحاولان معرفة المرض الذي يمكن ان يصيبها.
ولكن لم يترك لهما المجال ليتنبأوا بحالة معينة قد تكون اصابة وضحة عليها فقد خرج اليهم الطبيب ليخبرهم بما كان نهاية للأمر كله.!!
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احمد القاضى




عدد المساهمات : 739
تاريخ التسجيل : 07/03/2009

رواية :تداعيات الفصول - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: رواية :تداعيات الفصول   رواية :تداعيات الفصول - صفحة 4 I_icon_minitimeالثلاثاء 28 يوليو - 18:40

الرابع والأربعون
رحيل وضحة

لم تصدق ما قاله الطبيب.. .!!
وضحة.. الله يرحمها، تعطيكم عمرها.
انهارت سارة وأخذت تتمتم.. فليرحمنا الله جميعا.. ولكن لم تعطينا عمرها وهي لم تستلمه بالكامل بعد..؟؟ وهي لم تفرح حتى الآن بابنها الغالي ولم تؤد دورها الذي تتمناه تجاه اطفالها الآخرين..؟؟ لم تزل تحفر في هذه الحياة وتتحمل لطمات الأقدار بشجاعة ودون شكوى.. ما زالت الحياة تدين لها بأفراح لم تعشها وآمال لم ترها. ولم رحلت فجأة..؟؟ كيف سمحتم لها بالاستسلام بسهولة وهي المقاتلة المؤمنة التي حاربت في احلك الظروف وقاومت اعتى الرياح..؟؟
أبهذه السرعة والسهولة رحلت عن هذا العالم القذر الذي لم يكحل عينيها الا بالدموع، ولم يملأ قلبها الا بالأحزان والمخاوف، ولم يشيع في دنياها الا الانتظار والترقب..!!
كانت سبب الوفاة السكتة القلبية المفاجئة..!!
كانت ايام العزاء صعبة.. فقد كان الجميع يبكون.. الزوج الذي ازداد مرضا وانطواء، والأبناء الذين وقع عليهم الخبر كالصاعقة، وخصوصا خالد واشقاءه الذين غيبتهم الصدمة واكسبت وجوههم سحنة من الخوف والألم.
كانت لوعة سارة كبيرة وقد فقدت السند الأخير، الحصن الآمن الذي تعرف بأنه يستوعب احزانها ويتحمل افكارها ونقمتها وحنقها، الصدر الذي يدافع عنها ويقف الى جوارها ويصلح امورها مع العائلة. اللسان الذي يتكلم بالنيابة عنها عندما تفقد اللغة المناسبة للتفاهم مع اخوتها، القلب الوحيد الذي تعلم انه يفكر فيها ويتألم من اجلها ويقلق عليها.. انها اسرتها وبفقدها عادت وحدتها اشد وحشة وايلاما..!!
من تواسي ومن تجفف دموعه اولا..!! انهم اسرتها الأخرى التي احالتها الصدمة الى انهيار وعدم فهم لما يحدث..!!
فقد كان زوجها يعتمد عليها في ادارة المنزل وتربية الأولاد وقد تفرغ لوحدته وهوايته في تربية الحمام والطيور والاشراف على المزرعة.!!
وخالد الذي اخذته الصدمه والاحساس بأنه السبب وانه قد قتل امه وارهقها بما يكفي ليتوقف قلبها وتفارق الحياة..!! وكان حزنه شفافا وعميقا ووحدته واضحة وقد فقد الانسانة الذي عاشت تحمل همه كل السنوات الماضية.
اما محمد وفاطمة وريم ونواف فقد كان احساسهم باليتم والخوف واضحا وقد تعلقوا بخالتهم التي لم تفارقهم منذ ايام العزاء.
انتقلت سارة لديهم وحولت غرفة الألعاب الموجودة في الدور السفلي الى غرفة لها. كان انتقالها تدريجيا وعفويا ووليد الواقع. في البداية كان لاستقبال المعزين والسهر على نواف الذي اصابته الحمى من الخوف وفقد امه المفاجئ.
ثم لتدبير الأمور في المنزل وبعد ذلك لرعاية البنات والاشراف على الولدين الكبار. فأبوهم هده الحزن واخذ يشعر بالمرض والتوعك، ويغيب في عالمه ولا بد من احد يشرف على المكان ويتولى مسئولية المراهقين اليتامى وهم يعانون من متاعب العمر والمرحلة والدراسة والرغبة بالدفء العائلي والأمان.
اصبح وجودها في منزلهم طبيعيا، وهي التي تشعر بأن ليس لديها بيت خاص بها ولا اسرة معينة تحتاجها.
كان وجودها لديهم يمدها بتشبع عاطفي ويسمح لأمومتها بالحركة. كانت عندما تصحب البنتين لشراء اغراضهما او توصلهما الى مدرستهما قبل ذهابها للعمل، كانتا تمنحانها شعورا مميزا لم تشعر به من قبل. بل كانت تتجدد مع حكاياتهما واحاديثهما وعندما تشاركهما عرضا سينمائيا و تستمع لتعليقاتهما الحلوة والذكية اوعندما تجلس معهما في احدى الكافيهات لشرب القهوة واكل الآيس كريم وتسمع احاديثهما ونكاتهما المرحة. كانت تشعر بأن معنى جديدا لحياتها بدأ ينبض ويأخذ معنى.
وكانت تشعر بروح وضحة تتقمصها عندما تتكلم مع خالد فقد كانت تحرص على مواساته والتخفيف عنه. وتزرع في قلبه التقوى وارضاء الوالدين وتحقيق حلم امه وعدم خذلها وهي في قبرها، وتعامله كرجل يتحمل المسئولية الى جوار والده. وتركز بهمة عالية على محمد وتشجعه على الدراسة ولا تبعده عن الرياضة التي يهتم بها، وتجعل امر تدريبه مع النادي ومبارياته احداثا مهمة لا يستهان بها. وعندما تضم نواف وهي تقص عليه حكاية ما قبل النوم تشعر بروعة الطفولة وصفائها بعينيه الوديعتين واسئلته البريئة الذكية. كانت المسئولية شاقة ولكنها دافئة وضرورية وتملأ روحها بالعطاء والفرح. كانت تقلب اغراض شقيقتها وتتأمل ملابس جديدة لم تلبسها لأنها كانت تحفظها للحظات الفرح التي لم تأت قط اوجاءت ولكن بعد رحيلها..!! وزعتها سارة على اسر محتاجة كانت سارة تعلم بأن وضحة ستسعد اذا استطاعت ملابسها اضافة الفرحة على غيرها، ولعلهن يجدن فيها عزاء لم تجده صاحبتها.. !
افاقت سارة يوما على صوت فاطمة باكية وشقيقها محمد يوبخها لسماع الأغاني الغربية في قناة الأغاني الفضائية، كان يصرخ بها واعظا: الا تعلمين ان مشاهدة هذه الأغاني حرام..!! ووجود القنوات الفضائية اصلا في البيت حرام. سأقطع هذه القنوات من الأساس..!!
استوقفته سارة بحدة: اسمع يا محمد ان قطعت هذه القنوات قطعت وجودي في بيتكم معها. انني اشاهدها واستمتع بها ولعلمك انها المتعة الوحيدة في حياتنا.
هاج محمد اكثر لسماع رأي سارة المتحيز ضده: انت الكبيرة تقولين هذا..!! انها حرام وكفر بين. اقسم انني لن اظل في البيت مع وجودها لحظة واحدة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احمد القاضى




عدد المساهمات : 739
تاريخ التسجيل : 07/03/2009

رواية :تداعيات الفصول - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: رواية :تداعيات الفصول   رواية :تداعيات الفصول - صفحة 4 I_icon_minitimeالثلاثاء 28 يوليو - 18:41

- حيلك حيلك يا محمد.. كيف لشاب في عمرك أن يكون حادا وقاطعا بهذه الصورة أم انها مرحلة العمر وفورة المرحلة.. ؟ انك تذكرني بحدة وتصلب خالد قبل الحادثة وجنون وضحة معه. اعقل وانضج واترك عنك هذه التهديدات الصبيانية التي قتلت امك. هل تريد أن تنقلنا لتلك الأيام وتنقل التوتر للمنزل.
وكأنها اصابته في وتر حساس، ففد ارتجف محمد واهتز واكفهر وجهه.
وتابعت سارة: واحذر من استخدام كلمات حرام وكفر متى طرأ على بالك وفي أي موضوع لانك لست مفوضا بقولها بل عليك مسئولية التلفظ بهذه الكلمات. من انت حتى تقول حرام وحلال وكفر الخ.. ؟
عادت الحدة الى صوت محمد وصرخ منفعلا وهو يلوح بيديه الاثنتين:
هذا كلام الدعاة و..
- بنفسك قلت، هؤلاء بشر وناس ومتى اصبحوا دعاة..؟؟ هل لمجرد ان قرؤوا كم كتاب وقصروا الثوب وأطالوا اللحية..!! يا اخي لن اتفاجأ اذا غيرت هيأتك واصبحت انت الآخر منهم تحرم وتحلل على كيفك وحسب ما ترى، واسألك بصراحة هل تمثل ربك..؟؟ هل تقوى على القول انك تتكلم باسمه..؟؟ لقد توعد الله ورسوله من يتكلم باسمهما بعذاب شديد، فهل تضع في ذمتك وتلعب هذا الدور.. .؟؟ وعلى فكرة انصحك بألا تحلف باسم الله في كل شاردة وواردة وانتبه لنفسك وحاسبها افضل لك لو كنت تعلم..!!
- ولكن..
- قال النبي (صلى الله عليه وسلم) استفتي قلبك..!! وقال: لا رهبنة في الاسلام وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه اذا اكره القلب عمي وقال لا تضغطوا على أبنائكم فقد جاءوا لزمان غير زمانكم. الموسيقى غذاء للروح ومعنى للحياة وفلسفة عميقة فهمها الغرب وشوهها التخلف عندنا. المطلوب فقط ارشاد أبنائنا الى الجيد والسيىء منها ليتكون ذوقهم السليم ولا تتشوه فطرتهم النقية.. ان الكفر يا اخي هو الاشراك بالله والعياذ منه لا دخل للموسيقى او غيرها من اشكال الفنون فيها وادوات التسلية التي تغذي العقل وتفيد الانسانية. الذي يدفع الناس للكفر كما تقول التخلف والتشدد وتغيير فطرة الله وتشويهها والتعتيم على فكر الناس وارهابهم بالدين وهو رسالة المحبة والسلام بتحويله الى اداة ترويع وقمع للأفكار والابداع.
- ولكن..
- لا استحملك يا محمد ولا اطيق الدخول معك في سفسفطة جدلية بلا فائدة. انت مخطئ، فدع اخواتك يتذوقن الموسيقى ولو بالامكان فليتعلمنها ولو كانت فيهن واحدة موهوبة يجب ان تنظر اليها كهبة الهية تنطق بجمال القدرة الالهية وقدرتها على الالهام والابداع وتشجعها.
صرخ محمد مهتاجا: هذا الناقص تطلع مغنية او ملحنة، اقتلها و..
استدارت سارة وتركته يصرخ مهتاجا وهي تتعوذ من الشيطان وتتأسى على عقلية الشاب المغرقة في التخلف والرجعية والأفكار المعوجة.
اخذت تتذكر عندما جاءها نواف ذات عصر، وهو يسألها بخوف ورعب: هل صحيح ان الغنم عندما يصرخون ويمأمئون في حظيرتهم يعني ذلك ان الله يعذب الكفار..؟؟
فزعت سارة من التفسير الذي يتفوه به طفل في السابعة من عمره، وقالت له برعب: من الذي اخبرك ذلك..؟؟
- مدرسة الشرعية..!!
- وكيف تعرف ذلك وهذا من علم الغيب..!! انتبهت سارة الى انها تحدث طفلا في السابعة من عمره.. حاولت ان تشرح له بأن لا علاقة بين الحيوانات وبين ما يحدث في العالم الآخر في حدود معلوماتنا البشرية، وحتى ولو كانت هناك اية علاقة وهي بالتأكيد مخيفة مثلما افتت بها المدرسة فانها لا تقال على الأقل للصغار..!!
حاولت تهدئته وافهامه بأن لا دخل لغثاء الغنم وصراخهم في تعذيب الله لخلقه، فهذا بين الله وعبيده، المهم هو علاقتك بربك كن دائما واضحا معه، لا تفعل شيئا يغضبه ليس فقط خوفا من عقابه بل خجلا منه. هل تحب العدل والحق والخير وهل تصدق بأنهما الصواب، اذن الله هو ذلك. فأنت عندما تفعل الشر فأنت تخون الله وهذا ليس جيدا. الله يحب الذي يحبه لانه سيفعل الصح، ومعنى ذلك انه انسان جيد اما الشخص السيئ فهو الذي يرتكب الشر وهو مكروه ومذنب ويستحق العقاب اليس كذلك..؟؟
واحتارت ماذا تقول اكثر لهذا الصغير وقد اقحمته المعلمة في مسائل خطيرة الهدف منها ربط كلمة كفر بالعذاب، وبعد ذلك عندما يصفون أي تصرف لا يعجبهم بالكفر يتخيل هؤلاء الصغار النار التي تنتظرهم. ومن يحدد قائمة الكفر..؟ بالطبع هم من قصدهم خالد بكلامه الذين يخلطون المفاهيم التي تدعو الى التسامح والمحبة واغناء الروح وعبادة الله من رؤية مختلفة يتجلى ملكوته فيها كالموسيقى بربطها بالكفر والفسق والفجور، وهناك بعد شاسع بينهما يعتمد على تنشئة الفرد على احساسه بهذه الموسيقى وتفسيره لها..!!
ان هؤلاء بتفكيرهم المنجرف نحو الفكرة الواحدة المسيطرة يسمحون للشيطان باغوائهم والسيطرة عليهم وجرفهم الى التطرف. وما هو التطرف الا التحيز الأعمى لفكرة سائدة وتبجيلها وقهر الأفكارالأخرى واعادة الاسلام الى العصور الوسطى، وتحنيطه في رؤى جامدة مضحكة تسمى التطور والنهضة والنمو رجسا من الشيطان. ونسوا ان الاسلام هو ما احدث الثورة في عهده عندما كانت الكنيسة تقود اوروبا الى عصور الظلام وتمارس ما يزاوله المتطرفون في الوقت الحاضر.
كان الاسلام ينمو ويبني ويتوسع ويزدهر ويفتح آفاقا واسعة في الطب والهندسة والكيمياء والفلك وجميع العلوم الانسانية، بينما كانت الكنيسة تحاكم مستنيريها بتهمة الهرطقة وتحرقهم.. هل معنى ذلك ان الكنيسة المنحطة كانت محقة في ربط اوروبا بالماضي ومحاربة التجديد والعلم والحضارة وكان الاسلام الثائر المتحضر وقتها الفائر بالتجديد والاختراعات مثال على الانحلال والتفسخ.؟؟ انهم يؤدون نفس الدور وفي النهاية سيجرون المجتمع كله الى تخريب المفاهيم وتشويهها بحيث لا يعلم النشأ ما يأخذونه من الثقافة الأجنبية وما يتركونه لانهم بلا ارشاد سوى تحريم الكل وذلك كما جروا المنطقة كلها بتطرفهم العدواني الى مكان قابل للاشتعال في اية لحظة..!! ويا للأسف ان من سيحمل المعول ويساعد من يحاولون اضعاف الاسلام وخنق هذه الدعوة الفريدة ما هم الا هؤلاء الذين يتحدثون باسم الاسلام ظلما وجورا، للأسف هم من سيشوهونه ويمسخون تعاليمه، ويقلبون مفاهيمه العظيمة ويردونه غريبا كما جاء كما قال النبي (صلى الله عليه وسلم).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
رواية :تداعيات الفصول
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 4 من اصل 5انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3, 4, 5  الصفحة التالية
 مواضيع مماثلة
-
» ماذا قالت الصحف والوكالات العالمية والفضائيات بعد مقتل خليل أبراهيم رئيس حركة العدل والموساواة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات ابناء السقاى :: منتدى الشعر والخواطر والقصص-
انتقل الى: