بشرى مبارك
عدد المساهمات : 7557 تاريخ التسجيل : 19/02/2009 العمر : 64 الموقع : أقيم فى بيريطانيا مدينة بيرمنجهام
| موضوع: الشاعر السر دوليب يكتب عن المطرب ابراهيم عوض الأربعاء 4 يناير - 2:39 | |
| الأغنية الضائعة بين ابراهيم عوض وعثمان حسين
بقلم الدكتور الشاعر السر دوليب
حينما أطلق الصحفي رحمي سليمان لقب (الذري) على الفنان ابراهيم عوض فقد ادرك بعبقريته العفوية الفذة أن ليس هناك صفة تعبر عن الأثر الفني العميق السريع لهذا الفنان على القلوب والوجدان ، إلا أثر (الذرة) وقوتها الخفية الخارقة التي تعرفوا عليها عند نهاية الحرب العالمية الثانية ... وقد اصاب . اذ لم يمض زمن طويل على ظهور ابراهيم عوض في الساحة الفنية حتي شغل الناس وأثر على الشباب عاطفة وشكلا وموضوعا وذلك باختياره لكلمات غنائيه والحانه العذبة وصوته الجاذب وتحركه الموقع واناقته الحديثة وتسريحة شعره التي اصبحت علامة مميزة انتشرت بين الشباب من الجنسين دلالة على التحضر والتمدن والاستعداد للاستقبال الجديد المبتكر في السلوك والتعامل والثقافة العامة ، وكأحد ابناء ذلك الجيل في الخمسينيات فقد اعجبت وتعرفت على الصديق ابراهيم عوض إبن ام درمان وحي العرب التي لا يفصلنا عنها سوى حي المسالمة. ودون الخوض في اثر حي العرب على مسيرة الغناء السوداني يكفي أن نقول : تلقي الدنيا باسمة والايام طرب في حي العرب ... أما المسالمة فقد كانت مصدر الهام الشعراء وفناني ذلك الحي من قال: لي في مسالمة غزال . اذا كان ابراهيم عوض صادقا مع نفسه حين اختار طريق الفن الغنائى وترك مهنة الحدادة والتي كانت تميز المشتغلين بها بالقوة والشجاعة ومهارة اليد والشهامة وقد حمل ابراهيم معه كل هذه القيم الممتازة ودخل دنيا الفن ، وبيئة حي العرب العامرة بالمبدعين والمكتشفين للنوابغ في هذا المجال ومنهم الشعراء والملحنين كعبد الرحمن الريح مكتشف المواهب وكاتب الرواية والذي تبني ابراهيم واحتضنه بشعره الثر والحانه العذبة كما فعل من قبل مع الراحل عمر احمد (كان بدري عليك) ثم بالنقلة المبكرة مع الطاهر ابراهيم (حبيبي جنني وغير حالي) وصاعدا كلمات جديدة سهلة ولحنا محركا للاحساس والجسد وتناغم بين صوت ملحن وشاعر ومؤدي نابغة وكان نجاحه منقطع النظير ، فاضاف اليه سيف الدين الدسوقي عمق الكلمة وعبق الشعر في (المصير) ورغم صداقته وحميمية العلاقة بيني وبين الفنان الراحل ابراهيم عوض وهو لم يغن لي سواء اغنية واحدة (عني مين قل ليا حاجبك .. يا السهاد عينيا عاجبك) والسبب هو التزامنا مع عثمان حسين منذ وقت مبكر كمعجبين أنا والشاعر حسين بازرعة منذ أن كنا معا في مدرسة وادي سيدنا الثانوية قبل بزوغ فجر ابراهيم عوض ولكني لم انقطع عن زيارته والوقوف على اغانيه الجديدة ودعوته الى أى عرس من الاصدقاء والزملاء ولم يكن ابراهيم محتاجا الى شعراء فقد كان في حي العرب !! وقد كان الغناء في ذلك الزمان هو غناء المجموعات المنسجمة وقد انضم الى جماعة ابراهيم عوض بالاضافة الى من ذكرتهم ابراهيم الرشيد وعبد اللطيف خضر (ود الحاوي) . عاش ابراهيم عوض نجما مرموقا وسط هذه الكوكبة من الشعراء والملحنين والموسيقيين يغدق عليهم سلوكه الحميد ، وروحه الطيبة ، واريحيته وكرمه اللامتناهي ، فهو ابن بلد واخو اخوان ، بسيط متواضع ، يعشق جمهوره الذي ينتظره بشوق ليبدأ له حفلا في الساعة الحادية عشرة مساء بعد ان يخرج اليهم مستعدا في ابهي صورة ، انيقا ، مهندما ، معطرا ، براقا ، ونايرا ليغني لهم حتي الصباح ! قلت لصديقي الفنان عثمان حسين الذي كنت اعتقد ولا زلت اعتقد ان قدراته اللحنية اكثرمن احتياجه وانتاجه قلت له لماذا لاتلحن لابراهيم عوض ؟ وكان ذلك في منتصف الخمسينيات وافق عثمان بل رحب بالفكرة لتقديره واعجابه باداء ابراهيم عوض ، وماهي الا ايام حتي وصلنا الى منزل ابراهيم ومعنا قصيدة ملحنة وعثمان حسين يحمل عوده ويغني ويشاركه ابراهيم .. قد بلغت بنا النشوة اقصاها .. وتعاهدنا ان نلتقي وتركنا الشريط مع ابراهيم .. ولكن شاءت الظروف ان تظل الاغنية حبيسة الاذهان الي يومنا هذا .. وعددنا اكثر من سبب لذلك ! ولكنها بقيت ذكري جميلة ولم يوافق عثمان حسين علي اهدائها لاى مطرب ولم يغنها هو لانه كما ذكر لي انها لابراهيم عوض ، وفقا لصوته ، وجاذبيته ، ومداته ، وترانيمه واسلوبه المميز في الاداء. كنت انا اسميه (الفيس برسلي السودان) وهذا كان مغنيا امريكيا مشهورا انيقا وجذابا يغني ويتحرك بايقاع راقص مع الحانه ونراقبه باعجاب حين نطل عليه في شاشات السينما .. ونهتز معه علي انغام السامبا والرمبا والروك اندرول وتلك ايقاعات ادخلها ابراهيم عوض في غنائه واهتز معها واهتز معه الشباب كما لم يهتز لمطرب من قبل ، فقد شغل ابراهيم الاذهان وانشغل به الشباب ولم تجد الصحافة الا كلمة «الذري» لنصف مقدار جاذبيته الفنية الخارقة. اخترناه ونحن طلابا في الجامعة الامريكية ببيروت عام 1965 ليحضر الينا ترفيها للطلاب المبعوثين ذلك الامر الذي كان سائدا انذاك وتقوم بانجازه وزارة التربية والتعليم للطلاب المبعوثين في لبنان وبريطانيا ، واخترنا معه الفنان محمد وردي الذي كان يعشق غناء ابراهيم عوض في باكورة حياته الفنية .. وقصدنا ان نجمع بينهما معا في اجمل واسعد حفلات الطرب .. للعرب والاجانب من مختلف الجنسيات بالجامعة .. وكانت تلك ايام لا تنسي في تاريخ الغناء السوداني خارج الحدود وكانت لابراهيم عدة جولات فنية في اوروبا وامريكا سفيرا لهذا الفن الذي اعطاه حياته وروحه. نعم لقد رحل عنا ابراهيم عوض وسيظل معنا باقيا صوتا ، ونغما ، ورمزا للفن والفنان المغني المطرب الذري فالذرة كم تحمل في العالم سرا كما قال التجاني يوسف بشير، فلنقف لديها ونتأمل في ذاتها عمقا وغورا فالذرة لازالت تحتل مكانها المرموق حتي في هذا القرن الحادي والعشرين وتجعل من يمتلكها قويا مهابا وعظيما وخالدا كما اراد الشعب السوداني لابراهيم عوض ان يكون ، رحمه الله واسكنه فسيح جناته مع الصديقين والشهداء وحسن اولئك رفيقا
| |
|