بشرى مبارك
عدد المساهمات : 7557 تاريخ التسجيل : 19/02/2009 العمر : 64 الموقع : أقيم فى بيريطانيا مدينة بيرمنجهام
| موضوع: هجليج وسليمان وجهان لعملة واحدة والكاتب محمد السيد من الرآى العام الأحد 22 أبريل - 20:33 | |
| القت المغامرة البائسة لحكومة الجنوب في هجليج، أضواء ساطعة على جملة من الحقائق الاستراتيجية والجيوسياسية في البلدين. فقد برهنت تصرفات وتصريحات قادة الحركة الشعبية الحاكمة في جوبا، ان منسوبيها في كافة المستويات بدءاً من رئيسها سلفاكير لم يدركوا ،ولن يدركوا على المدى القريب أنهم مكلفون دوليا الانتقال من قيادة حركة عصابات مدن مسلحة »غوريلا« متمردة أو ثائرة على الحكومة المركزية، إلى قيادة دولة »أرض غنية + شعب فقير« معترف بها دولياً وإقليمياً، ما يفرض على هؤلاء القادة التزامات قانونية وسياسية وقبلها أخلاقية.. وفي سياق مواز يترتب على هؤلاء القادة الانشغال بدرجة أساسية بتنفيذ الوعود والاستحقاقات المفروضة عليهم تجاه شعوب الجنوب.. ان الفشل في التخلص من نفسية المتمرد الذي لا يبالي بردود فعل الآخر ،والذي لا يثق إلا ببندقيته تشكل قنابل موقوتة جاهزة للانفجار ابتداء تجاه الشمال. ولكن مرور الوقت وقدرة الشمال على التعامل المبكر مع المغامرات المفاجئة سيدفع هؤلاء القادة إلى الهروب للخلف، وافتعال المشاكل مع الحلقات الأضعف في الجوار. ان قادة الحركة لا يتصفون فقط بالفشل في التخلص من ثياب التمرد ، بل الأدهى نجاحهم بدرجة امتياز على الخلط بين الاستراتيجي وما هو تكتيكي، لذا فإنهم يربكون حلفاءهم والمتعاطفين معهم اقليمياً ودولياً.. وبدا ذلك جليا في القفزة المفاجئة من محاولة احتلال تلودي إلى محاولة خنق حكومة السودان عبر تعطيل حقول النفط في هجليج.. ففي الحالة الأولى »تلودي« كان قادة الحركة قادرين على المجادلة والادعاء انهم غير مسئولين عما يجري هناك، وأنها حرب داخلية اهلية بين قوى هامش وحكومتهم المركزية .. وكان هناك من هو على استعداد لتصديق هذا الإدعاء .. ولم تكن القيادة العليا بنفس القدرة على الكذب في الحالة الثانية ، لان الأمور كانت واضحة للمراقبين الاجانب. فهجليج تحت سيطرة حكومة السودان ولا تعاني من انفلات امني أيا كانت طبيعته.. لذا لم تجد القيادة العليا للحركة بداً من تبني تصرف أخرق أقدم عليه قادة محليون من النوير طمعاً في كامل بترول المنطقة »تعبان دينق«.. وبدلا من التعامل العقلاني، بدا سلفا ومعاونوه بائسين مرتبكين ،وظنوا بقراءة سياسية عسكرية خائبة ان يدهم هي العليا ،وان حكومة السودان لم تبرأ بعد من الضربة التي وجهوها بغباء لـ »26%« من ميزانية الشمال و»98%« من ميزانيتهم.. فطفقوا يفرضون الشروط المستحيلة تلو الأخرى وبدأوها بمبادلة الانسحاب من هجليج مقابل تخلي السودان عن »أبيي« الغنية بأهلها المسيرية لا بالنفط .. وانتهوا بعد اقل من اسبوعين مارسوا خلالهما كل انواع الاستعلاء الزائف والغرور غير المؤسس واستفزاز المشاعر الذي جبلوا عليه، إلى الادعاء بعد الخسائر البشرية والآلية انهم سحبوا قواتهم.. لماذا؟ بعد كم الشروط التعجيزية تلك؟ طبعاً لن نتلقى إجابة منطقية.. ومن الحقائق المهمة التي تعززت على أرض السودان، ان القوى السياسية رتبت اوراقها تماماً وتتعامل بعقلانية مع نتائج انفصال الجنوب عن الوطن الأم .وكان واضحا في ردود فعل هذه القوى ،ان لا أوهام تعشعش في اذهانهم بأن الانفصال مجرد نزهة سيعود بعدها الجنوب إلى الوطن الأم.. لذا كان رد فعلها تجاه الاحتلال هو الإدانة الكاملة لانتهاك الدولة الجديدة لسيادة دولة كبيرة عريقة.. وبرهنت هذه القوى ذات الثقل الجماهيري والتاريخي من اقصى اليسار »الشيوعي« إلى أقصى اليمين »الشعبي« ،على قدرتها في الفصل التام بين معارضتها لحكومة الانقاذ ،والسعي لإسقاطها او تغييرها، و بين الاستعداد لإدانة تعدى دولة أخرى لاحتلال أراضي السودان، ومساندة القوات المسلحة معنوياً على الأقل في حربها لاستعادة الارض المسروقة .. ومثلما رتبت هذه القوى أوراقها وأعادت رسم سياساتها »منهم حلفاء سابقون« تجاه الحركة الشعبية، حري بالمؤتمر الوطني الذي كاد قادة منه يشوهون التضامن الشعبي مع القوات المسلحة، التخلي عن التصورات الذهنية المسبقة التي تصور لهم (كل من ليس معنا في كافة سياساتنا، فهو خائن وعميل ومخذل).. وكما قادة الشعبية المراهقون، فهناك منتسبون للوطني لا يتحسبون لمواقع أقدامهم ، وقد لا يعنيهم كثيراً التضامن الوطني في القضايا السيادية.. وهم لا يدركون ان معارضة قوية تنتهج الاساليب السلمية والنقدية، يعني حكومة قوية وسودانا معافىً »نظرة على ليبيا تكفي«.. وتبقى الحقيقة الداخلية الأهم ،وهي ان القوات المسلحة ما زالت المؤسسة الوطنية كاملة الدسم ،التي لا تلتفت لمحاولات بعض السياسيين اختطاف قرارها ،ولا تعتد بخلط الاوراق .ويدرك قادتها ومنسوبوها ان قوتهم واستقلال قرارهم من قوة السودان وبقائه موحداً. إن أحداث هجليج لا شك عززت من قناعة، أو لنقل، القراءة الدولية للأهمية الجيواستراتيجية للسودان ،والفداحة المترتبة على أي خطط جديدة لإعادة رسم خارطته الحالية ،وقد تجلت هذه الاهمية خلال الثورة الشعبية في ليبيا ،وكان للإسناد الاستراتيجي السوداني، دور بالغ الأهمية في القضاء على نظام القذافي وأسرته.. وتتجه القوى الدولية بصرامة وحسم شديدين للتصدي لأية قوة اقليمية تثير القلاقل المسلحة في السودان، ولكن إذا اعتبرنا اسرائيل قوة اقليمية سواء باستيطان الصهاينة القسرى في فلسطين ،او نشاطها الاستخباري والعسكري في منابع النيل ستجد انها في تقاطع جوهري مع استراتيجيات الدول الكبرى ،ولم تتخل عن سياسات اليمين المسيحي الامريكي الرامية لتفكيك دول الشرق الاوسط، وفي مقدمتها السودان ومصر.. ولم يكن خافياً على مصر الثورة ، ان لا انفصام بين ما جرى في هجليج من »دولة وليدة ذات اقتصاد يحبو ومسلحة بأسلحة حديثة« .. وبين المغامرة المشابهة التي حاولت اختطاف مقعد رئاسة الجمهورية لصالح رجل اسرائيل القوي اللواء عمر سليمان.. ولم يفت على لجنة الشؤون العربية بمجلس الشعب المصري تزامن المغامرتين اللتين قام بهما بالوكالة عن اسرائيل كل من سليمان والحركة الشعبية.. ففرضت اللجنة على وزارة الخارجية التحرك العاجل لاحتواء مغامرة هجليج، وتكفلت هي بمغامرة سليمان. وقد اربك التحرك المصري تجاه هجليج اسرائيل ،فسارعت لتحريك عملائها في الايقاد لإفشال التحرك واختطاف المبادرة المصرية لإفراغها من مضمونها.. ولكن نجاح القوات المسلحة هنا في تدمير قوات الجيش الشعبي الغازية، والضغط الشعبي هناك اسهما في افشال والقضاء على التداعيات التي كانت مرتبة في اعقاب نجاح المغامرتين. حاشية مهمة لن تستقر الاوضاع في دولة الجنوب إلا بعد سلسلة من الانقلابات العسكرية القبلية ثم يعقبها استيلاء شخص على السلطة شريطة ان يتمتع بقدرات فكرية ومتحرر من عقد شعارات الحركة الفضفاضة المبهمة وقادر على ترتيب الاولويات التنموية ومدرك لأهمية استقرار الجوار.. | |
|