--------------------------------------------------------------------------------
النيابة العامة – بهذا الشكل – لا يمكن ان تقوم بواجبها القانوني في التصدي لقضايا الفساد الحكومي ، ولا نريد القول بان النيابة العامة نفسها ليست فوق لشبهات ، فمثل هذا القول لا نملك عليه دليلاً ، ولكن ليس هناك ما يمنعنا من الاشارة الى ما حدث من رأس النيابة السيد محمد علي المرضي الذي طلب من موقعه كنائب عام من المتهمين في قضية (غسيل الاموال) تسليمه مبلغ مليون دولار في مقابل قيامه بحفظ البلاغ والافراج عن المتهمين ، ورغم اثارة الصحفي (عثمان ميرغني) للموضوع على صفحات الجرائد واستماتته في الحصول على اذن برفع الحصانة عن النائب العام ، تم اغلاق ملف الرشوة (الدستورية) بانتهاء خدمة الرأس النيابي . ولم يمض وقت طويل على هذه الحادثة ، حتى كشف صراع الافيال فضيحة اخرى للنائب العام (عبدالباسط سبدرات) الذي اتصل هاتفياً بوكيل نيابته ليأمره – بالمخالفة للقانون - باطلاق سراح احد وجهاء الخرطوم الموسرين بعد ان تم القبض عليه في جريمة مالية ، وهي القضية التي اثارها الشاكي – فيما بعد - واقامت الدنيا ولم تقعدها. ولعل في ذلك ما يكفي لتوضيح حال النيابة الانقاذية ، فقديماً قالوا ان فاقد الشيئ لا يعطيه.
ثانياً : يعتبر القضاء – بلا شك – اضعف حلقات الانقاذ ، فقد سبق لنا القول ، ان السلطة القضائية – في عهد الانقاذ - لم يعد لها سلطان على الدعوى العمومية ، ، فهي تتولى الفصل (فقط) في القضايا التي تتكرم بعرضها عليها النيابة العامة ، وليست هذه بالمعضلة الوحيدة التي اقعدت القضاء عن القيام بدوره في محاكمة المفسدين وحماية المال العام ، اذ ان حكومة الانقاذ – فور بلوغها الحكم - قامت بتصفية السلطة القضائية من كوادرها التي توارثت التقاليد والاعراف القضائية جيلاً بعد جيل، والتي تشربت المعنى الحقيقي لاستقلال القضاء، واستعاضت عن القضاة المفصولين بكوادر التنظيم الاسلامي من المحامين والخريجين الجدد ومغتربي دول الخليج والسعودية .
كنتيجة لانقطاع تواصل الاجيال القضائية ، ظهر جيل جديد من القضاة لا يدرك معنى استقلال القضاء، ولذلك ظهرت الى السطح ظواهر لم يألفها تاريخ القضاء في سائر العهود ، منها ما قامت به ادارة القضاء من انشاء منسقية للدفاع الشعبي لتدريب القضاة عسكرياً ، وتخصيصها لمحاكم – حصرياً - لتحصيل ديون الشركات التجارية ( محكمة سوداتيل) ، كما قامت بانشاء ادراة للاستثمار القضائي تعنى بتربية الدواجن والابقار وبيع ناتجها من البيض والاجبان القضائية في سوق الله واكبر، وتأجير الفنادق (موني) وادارة محطات الوقود.
لقد قلنا – ولن نمل القول – ان مشكلة القضاء السوداني – فوق ما ذكرنا - ان المسئول الاول عن ادارة القضاء للعقدين الماضيين ، لا تسعفه خلفيته العلمية وخبرته العملية بحكم تخصصه في دعاوى النكاح والطلاق والميراث على ادراك المبادئ العامة لمفهوم سيادة حكم القانون والفصل بين السلطات ، ولهذا السبب فان رئيس القضاء لا يجد حرجاً – ولعله لا يدرك وجه الحرج – في ان يجاهر بعضويته لهيئة الرقابة الشرعية لبنك الشمال ضمن سيرته الذاتية التي تضم – الى جانب ذلك – عضويته لهيئة علماء السودان واشياء اخرى لا تقل تعارضاً مع منصبه القضائي ( لمزيد من الاحن راجع السيرة العطرة لرئيس القضاء بموقع السلطة القضائية بشبكة الانترنت ).
لكل ما ورد، فلا عجب ان يعجز القضاء على التصدي لمحاكمة قضايا انتهاكات المال العام ، فمن بين ال 65 قضية اعتداء على المال العام التي كشف عنها تقرير المراجع العام للعام المالي 2009 ، قدمت قضية واحدة امام القضاء ، لا تزال قيد النظر.
ثالثاً :يعتبر ضعف دور المراجع العام سبباً آخر يضاف لما ذكر ، فمن بين (237) وحدة حكومية خاضعة للمراجعة بموجب القانون ، لم تقدم سوى (168) وحدة فقط حساباتها للمراجعة ، فيما رفضت – عيني عينك – (48) وحدة خضوعها للمراجعة من الاساس، ومما يخفف من فداحة مصابنا في ذلك ، ان تقارير المراجع العام في حق الوحدات التي يقوم بمراجعة حساباتها ، تبقى حبراً على ورق ، وبلا قيمة ، اذ انه حتى عند ضبط حالات تعدي على المال العام ، تكتفي الدولة بنقل المسئول او عزله دون خضوعه للمحاكمة واسترجاع المال المنهوب ( راجع احصائية المحاكمات اعلاه).
بقى ان نقول ، ان تقرير المراجع العام – على تهميشه - قد اشار الى ان حجم الاعتداء على المال العام في (2009) قد بلغ 19.6 مليار جنيه فيما بلغت في العام الاسبق 10.5 مليار وهي ارقام تشيرالى التضاعف السنوي لحجم الاعتداءات.
رابعاً : واخيراً فقد اسهم التعطيل العمدي لتطبيق قانون اقرار الذمة في فتح شهية المسئولين للاعتداء على المال العام ، رغم ان القانون لا يحتاج في تطبيقه سوى التوقيع على (وريقة) تحتوي على كشف الممتلكات العينية والنقدية لكبار موظفي الدولة الى جانب القضاة وفئات اخرى حددها القانون يوم توليهم المنصب ، واعادة التوقيع بكشف الممتلكات يوم يكتب لهم الخروج من المنصب ، وبحسب علمي فقد احجم جميع المسئولين من رأس الدولة الى ذيلها عن التوقيع على اقرارات الذمة وفق هذا الاجراء .
مما يثلج الصدر ، ان هناك مجموعة من ابناء هذا الوطن يقومون برصد وتدوين حالات الفساد الحكومي وتوثيقها ، واننا على يقين ان يد المحاسبة سوف تطال – عن قريب - جميع الفاسدين الذين ينهبون امولاً يجمعونها من عرق المحرومين والمحروقين ، فالشعب السوداني ليست لديه نية عفو او مسامحة ، وان غداً لناظره قريب .
سيف الدولة حمدناالله
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]...منقول من الراكوبة....