بين ديوان الزكاة وقتيل الشيكات!!

من عمود عميد الانتباهه الطيب مصطفى (زفرات حرى)
=======================


انفطر قلبي أو كاد حزنًا على ذلك الرجل الذي توفي في سجن كوبر بعد ثلاث سنوات قضاها رهين شيك تبلغ قيمته عشرة ملايين جنيه (بالقديم) وظل الرجل المحكوم عليه بالسجن (إلى حين السداد) في انتظار الفرج إلى أن قضى نحبه في مأساة ينبغي أن تُعقد لها المؤتمرات وتُقدَّم الدراسات بغية منع تكرارها مستقبلاً.

بربكم من المسؤول عن تلك الفاجعة التي لم يدفع المتوفَّى المسكين ثمنها لوحده وإنما قاست وذرفت الدموع أسرتُه المكلومة وأطفالُه الذين ظلوا بعيدين عنه بسبب مبلغ تافه لمدة ثلاث سنوات ثم أضحوا بعيدين عنه إلى الأبد جرّاء قصور الدولة والمجتمع.

أقول قصور الدولة لأن الحكومة المعبِّرة عنها يتعيَّن عليها استنباط الوسائل التي تعالج مثل هذه الحالات كما أن المجتمع السوداني الشمالي من أسفٍ لم يعد كما كان ذات يوم حين كانت تسوده روح النفير والنجدة والتكامل والمروءة التي حلت محلها روح الأثرة والشح ومنطق (وأنا مالي) وضاقت الأسرة بعد أن كانت ممتدة نحو أقارب الدرجة العاشرة بل نحو الجيران وتضاءلت إلى الزوجة والأطفال تمامًا كما يحدث في الغرب المادي «الرأسمالي» وحلت محال المناسبات ومؤسساتها الضخمة التي تكاثرت كالفطر والتي تقدِّم ما لذّ وطاب في صيوانات وسرادق العزاء محل (الصواني) التي يتدافع بها الجيران مواساةً لذوي الفقيد وحلت عبارة (وشكرًا) في (الكروت الدفترية الفخمة) محل (والعاقبة عندكم في المسرات) التي كانت تعبِّر عن قيم النبل والمروءة المركوزة في مجتمعات الأمس وأصبح حفر القبور ودفن الموتى تديره منظمات بعد أن كان يتولى أمرَه الأخيارُ من أصحاب عبده عامر في كوبر ممّن ظلوا يُمسكون بمعاولهم حتى الآن ابتغاء الأجر من الله.

لقد أفلح نميري حين خاطب روح النفير والنجدة في وجدان الإنسان السوداني وقتها واستنبط شعار (العون الذاتي) وقدَّم مبادرات كثيرة استلهم فيها معاني الخير في المجتمع والدولة وما زلت أذكر شعار (القيادة الرشيدة) الذي رفعه الرجل لتقديم القدوة من خلال السلوك الذي ينبغي أن يتوافر في قيادات الدولة حتى تقدِّم القدوة والمثال وأذكر أني طرحت هذه الفكرة من داخل مجلس الوزراء ذات يوم ولكن...!!

أرجع لمأساة الرجل المُتوفّى بشيك العشرة ملايين جنيه وأود أن أسأل كما فعلت ذات يوم: كم بربكم عدد مساجين الشيكات ذات المبالغ الزهيدة وكم عدد الذين يقبعون في السجون من وجوه المجتمع لسنوات طويلة بسبب شيكات مستحقة بالرغم من أنهم دائنون للحكومة أو الشركات العاجزة أو الرافضة لسداد مديونياتهم؟!

إنني لأرجو أن يولي د. الفادني أمين عام ديوان الزكاة أمر سجناء الشيكات ذات المبالغ الهزيلة اهتمامًا خاصًا وذلك بتقديم سهم (الغارمين) في سلم أنصبة الزكاة باعتبار أن حل مشكلات الغارمين بمبالغ تافهة أكبر وأخطر أثرًا من حل المشكلات الأخرى المصروف عليها من أنصبة الزكاة ذلك أنها تتجاوز الغارم إلى أسرته الممتدة.

خطابي كذلك أوجهه إلى الوزيرتين سامية أحمد محمد وأميرة الفاضل لحصر سجناء الشيكات والتعجيل بحل مشكلات صغار الغارمين كما أرجو منهما ومن الأخ الفادني مواساة تلك الأسرة المكلومة تكفيرًا عن تقصير أخشى أن يشملنا جميعًا ونُسأل عنه يوم يقوم الناس لرب العالمين.

ثم خطاب أخير إلى هذا المجتمع أن يهب وينتفض مساجده ومنابره من أجل إحياء قيم اندثرت أو كادت وينشط الأخيار فيه لإقامة منظمات حقيقية وليست وهمية مثل تلك التي تقام من أجل خدمة أغراض شخصية تافهة وذلك بهدف التصدي لتلك المشكلات الصغيرة فكم من سجين قابع في السجن بسبب ثلاثة ملايين من الجنيهات (القديمة)..

إننا نحتاج إلى إعمال فروض الكفاية لتسد فراغًا كبيرًا نشأ عن تقاعس أصحاب فروض العين تآمرًا بالمعروف وتناهيًا عن المنكر وابتغاءً للأجر من الله الرحيم.

وزارة التربية والتعليم وجنوب السودان!!

ضحكت لكني كدت أن أبكي عندما قرأت الخبر التالي:-

«يتوجه خلال الأيام القادمة وفدٌ من وزارة التربية والتعليم العام إلى الولايات الجنوبية لبحث القضايا المتعلقة بالمنهج الموحَّد بين الشمال والجنوب، وقال وزير التربية والتعليم إن توحيد المناهج وتعميم المنهج القومي بدلاً من المناهج المختلفة المنتشرة بالولايات الجنوبية وولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان أحد الأولويات المهمة التي يجب تنفيذها»!!

أود أن أسأل: كيف تُتخذ القرارات في بلادنا؟

بعد أقل من عام يُفترض أن تُجرى عملية استفتاء على تقرير مصير الجنوب الذي تشير معظم الاستطلاعات والتكهنات إلى أنه مقبل على الانفصال.

أقول ملتمسًا لها العذر إنه ربما كانت وزارة التربية والتعليم لا تعلم بقصة الاستفتاء هذه أو لا تدرك معناها أو لا تعلم بتاريخ قيام الاستفتاء الذي ربما ظنت أنه سينعقد بعد عشر سنوات! إنها قصة القرارات في بلادنا والتي تُتخذ بدون حيثيات موضوعية.. جنوب السودان يا هؤلاء ظل يستخدم المناهج الأجنبية مثل اليوغندية والكينية منذ توقيع اتفاقية نيفاشا فأين كنتم طوال هذه الفترة ولماذا لم تعترضوا على ذلك أو تتحركوا لمعالجة الأمر إلا بعد أن بات الانفصال قاب قوسين أو أدنى؟!

ثم عن أي منهج مشترك تتحدثون... أهو مادة التاريخ الذي يُعتبر تمرد توريت الذي دشن بداية التمرد اللعين عام 1955 بداية الثورة على ظلم الشمال لجنوب السودان والذي تحتفي فيه الحركة الشعبية بالقَتَلَة والمجرمين الذين ذبحوا المئات من الشماليين وتعتبرهم أبطالاً ويعتبر أبطال المهدية مجرد تجار رقيق أم عن اللغة العربية التي يبغضون ويعتبرونها لغة المستعمِر الجلابي؟!

هل ستوحِّدون المنهج وتجعلون اللغة الإنجليزية التي يعشقون هي الوسيط المعتمَد في مناهجكم لتدريس الرياضيات والعلوم والتاريخ والجغرافيا أم سينصاعون لرغباتكم التي رفضوها في نيفاشا؟!

أسألكم بالله أن توفروا المال والجهد ولا تضيعوا أموالنا وأوقاتكم في (الفاضي)!!

انقذوا هذه الأرملة