الفاتح جبرا : البدايه كدا ...!

لم أتوقع قبل حوالى الشهر وأنا أفتح بريدى الإليكترونى أن أجد رسالة من سعادة سفير دولة (سجمستان) والذى تعرفت به إبان زيارتى السابقه لدولة (الأمازون) بمناسبة إحتفالها بالعيد المئوى لتأسيسها ، قمت بفتح الرسالة فوجدتها دعوة منه لحضور إحتفالات عيد التراب بدولتهم (سجمستان) والتى تقع بالقرب من جمهورية (الأمازون) وقد ذكر لى سعاده السفير فى رسالته بأن سعادته سوف يكون حاضرا الإحتفال وسوف يكون فى إستقبالى ، تعجبت لإسم المناسبة لكن قلت فى نفسى بكرة ح تعرف السبب .
حزمت حقيبتى فى الزمان المحدد وإتجهت نحو الطائرة المتجهه إلى جمهورية (سجمستان) بعد ساعات من الطيران جاء صوت الكابتن طالبا منا الإستعداد للهبوط فى مطار العاصمة هبطت الطائرة ووجدت صديقى السفير فى إنتظارى ، داخل العربة القديمة المتهالكة التى يقودها بنفسه أخبرنى صديقى السفير ونحن نسير داخل طريق مظلم تحيطه أكواخ مصنوعة من الخشب والصفيح بأننى سوف أقضى ايام زيارتى فى أحد الفنادق التى تجاور المطار … توقفت العربة امام مبنى متداع متوحد بين الأكواخ ، قال لى صديقى هذا هو الفندق الذى ستقيم فيه أثناء زيارتك ، نزلنا من العربة ، قدمنى إلى إستقبال الفندق ومضى بعد أن أكد لى انه سوف يقوم بزيارتى صباح لأخذى لمكان الإحتفال .
كان موظف الإستقبال عجوزا طاعنا فى السن يساعده بعض العمال الذى قادونى إلى غرفتى ، كنت متعبا من آثار الرحلة الطويلة فخلدت من فورى إلى النوم فى ذلك السرير الخشبى القديم والوحيد الذى بالغرفة .
فى منتصف الليل أستيقظت على أصوات صخب شديد و أخذت أحملق فى الظلام لعلى أعرف مصدر هذه الأصوات كان من الواضح أن مصدر الصوت يأتى من النافذة الوحيدة بالغرفة . نظرت عبر النافذة فرأيت مشهدا عجيبا كان الألاف من الناس يحملون قطعا من الخشب المشتعل ويقفزون ويصيحون فيما يبدو أنه إحتفال ما . كانوا جميعا آية فى الفقر المدقع فقد كانوا يرتدون أسمالا بالية تظهر أجسادهم الهزيلة المعروقة .
فتحت باب الغرفة و أخذت أنادى العجوز الذى كان يجلس فى الإستقبال وعندما جاءنى طلبت منه الدخول والجلوس وحين جلس سألته على الفور عما يفعله هؤلاء القوم فأجابنى فى دهشة بانهم يحتفلون (بأعياد التراب) ، أخبرته أننى شخصيا قد تمت دعوتى لحضور هذه الأعياد لكننى لا أعرف أسباب مناسبتها فأخبرنى بأن يوم العيد هذا يوافق يوم صدور قرار الحكومة بالموافقة على (إستيراد التراب) !! ولولا ذلك القرار الرحيم فقد كان من الممكن أن يهلك شعبنا جوعا !!
- وبتسوو بيهو شنو التراب ده ! وعلاقتو شنو بالجوع؟
كانت دهشتى عظيمة عندما أجابنى بأن التراب هو طعامهم !!
- معقولة فى بشر بياكلو التراب؟
- مش بناكلو بس .. ده هو طعامنا الأساسى والوحيد
- يعنى ما قاعدين تاكلو لحم وفواكه ورغيف وخضار وحاجات ذى دى ؟
- والله أنا جدى زمااان وأنا صغير كان قاعد يكلمنى عن الحاجات دى وعن طعمها ومذاقها وأوصافها وكلمنى برضو عن الخبز وعلى ما أذكر قال ليا إنو كان بيصنع بى حاجه إسمها الدقيق
- يعنى إنتو هسع ما بتعرفو الدقيق ؟
- غايتو أنا فى حياتى ما شفتو لكن هناك إشاعات بتقول أنو المسئولين بتاعننا هنا بياكلو حاجه تانية غير التراب ! إحتمال تكون دقيق
_ والتراب ده بقى الغذاء الرسمى ليكم كيف ؟
- كان جدى بيقول لينا إنو بلادنا دى مروا عليها حكام طغاة سرقوا كل شئ لحدت ما الأرض بارت و إنتشر الخراب و اصبح هم الناس أن يجدوا مايبقيهم على قيد الحياة . ومرت مرحلة كان الناس بياكلو فيها الخبز بس وعشان ندرة الدقيق فى الوكت داك أمرت الحكومة بخلط الدقيق بالتراب لتكفى الكمية الجميع وبمرور السنوات تناقص الدقيق الموجود فى الخبز شوية شوية لحدت ما بقينا نأكل التراب بس !!
- أها وبعدين؟
- قبل سنتين وفى نفس المواعيد دى الناس أكلت التراب الفى كلو وبقى مافى تراب.. وبقت مجاعه .. لكن حكومتنا الرحيمة أصدرت الأوامر باستيراد تراب من الخارج رافة بالمواطنين .. عشان كده المواطنين بيحتفلو بالذكرى السنوية للقرار ده وبيطلعو فى المظاهرات الإنت شايفا دى عشان يشكروا الحكومة!!
- قلت له : طيب نحنا هسع فى بلدنا زادو لينا سعر الرغيف ؟
- أجابنى العجوز وهو يقذفنى بحفنة تراب كان يأكل منها : كان كده الترابه دى (فى خشمكم) نحنا ما بدينا كده !!