يغنوها الكبار ويستفيد منها الصغار

يغنوها الكبار ويستفيد منها الصغار

الطاهر أمين
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]

يغنوها الكبار ويستفيد منها الصغار، انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة تقليد وترديد الأغاني لشباب لا علاقة لهم بالفن لا من قريب أو بعيد، فنانون عمالقة وشعراء فطاحلة أثروا الساحة الفنية السودانية بأعذب الكلمات وأجمل الألحان لتطريب الذوق السوداني الذي بدأ في الإنحدار أخيراً، لا نكاد نصدق أن شاباً كان يغني في الحلة في سماية أو طهور يشتهر وتبلغ شهرته عنان السماء في ترديد أغاني لا يعرف معناها ولا يجيد كلماتها، ومع ذلك يجد التشجيع والتصفيق كأن من يغني زيدان إبراهيم، كيف لهؤلاء ترديد أغاني ليست ملكهم وكلمات نسجها شعراء عِظام لهم قامتهم التي لا يستهان بها، بأيّ منطق يغني بعض الشباب أغاني غيرهم ويكسبون المال الذي لا ناقة لهم فيه ولا جمل، ما ذنب عمالقة الفن في استيلاء غيرهم على مدخراتهم الفنية والتكسب منها.

الحقوق الفكرية والأدبية في السودان حبر على ورق، لم نسمع قط أن هناك من سرق حقوق غيره الأدبية أو الفكرية تعرض للحبس أو السجن أو الغرامة، لذلك نجدهم يسرحون ويمرحون ولا ينتعشون إلا بأغاني غيرهم ويستفيدون منها مالاً وشهرة، من النادر ولوج الكثير من الشباب المقلدون للتأليف والتلحين، فقد تعودوا أن يتغنوا بأغاني الغير دون حياء أو خجل، ومع ذلك نجد الإقبال والحرص عليهم عند جموع غفيرة من المجتمع.

لا يسلم المجتمع من المسؤولية تجاه انتشار ظاهرة المقلدين، وقد ساعدوا هؤلاء لسلك هذا المسلك الخاطئ، وسرقة الحقوق الفكرية والأدبية لا تختلف عن سرقة المال، وكما يفعّل القانون في حالة سرقة المال يجب كذلك أن يفعّل في سرقة الحقوق الفكرية والأدبية، فعمالقة الفن لم يكونوا نيام وأتت لهم الأغاني في طبق من ذهب وتغنوا بها وكسبوا ونالوا الشهرة، أبداً.. ليس كذلك فهم اجتهدوا وجدّوا وثابروا لكي يصلوا إلا ما وصلوا إليه الآن، وليس من العدل أن يُسلب جهدهم وحصيلة سنواتهم دون مقابل أو اعتبار، أصوات تصدح بمكبرات الصوت وتكتشف أنها أغاني منهوبة من فنان كبير له تاريخه.

تغيب عن الحلة فترة قصيرة، وعندما تسأل عن فلان الذي كان يعمل كمساري في حافلة، يقول لك فلان بقى فنان لا يشق له غبار، تستعجب.. يا جماعة الزول دا كان كمساري وكل يوم طاردنو عشان في كل فردتين بخت حق فردة في جيبو، وتكتشف أن أيّ حفلة في الحلة تلقى صاحبنا هو المطرب الاساسي، وتفاجأت فيما بعد أن ذلك الكمساري أقصد الفنان أصبح له معجبين وأصدر كم ألبوم وله سيارة فارهة من ذوات الدفع الرباعي، يغني عشرة أغنيات في الحفلة الواحدة وهو ليس له سطر أغنية واحدة من تأليفه أو الحانه، ويربح مبالغ بالملايين والعجيب أنه لا يصعد للمسرح بدون دفع المقدم، هذا هو حال الفن اليوم في السودان، أغاني راقية كلمات مموسقة لفنانين مرموقين مرهفين الحس يرددها بعض الشباب بأصوات نشاز تدمّر طبلة الأذن ويدخل الذوق العام في غرفة العناية المركّزة.