قد تجفل العين حين تقرأ العنوان، لا أقصد أبدا ما تفعله المافيات المختبئة في بطون المدن لتهريب المخدرات وأعضاء البشر والرقيق الأبيض، هناك الأخطر والأسوأ، وهو ما نفعله بشكل روتيني بمجرد أن تدق الشمس على النوافذ إلى أن تغتسل بماء غروبها عارية إلا من الضوء الراحل على تخوم الأفق، من منا لا يُهرب شيئا من إحساسه مع نظراته الباحثة عن معنى لكل هذا الضجيج حول المسلمات، من منا لا يُهرب إحساسه الحقيقي مع كل نفخة من سيجارته في وجه الفراغ، من منا لا يهرب وجعه من لغة البين بين ومواقف البين بين في لحظات وضوح الجريمة وجلوس القاتل في المقهى المقابل لمركز الشرطة، أقوم كل صباح من نوم يشبه الغيبوبة، بعد سهر أمام شاشات تكذب ، وتعرف أنها تكذب ، وتعرف أنني أعرف أنها تكذب ، وأعرف أنها تعرف أنني أعرف أنها تكذب، ورغم ذلك أتابعها وتتابعني أهرب إحساسي بها في مجموعة من الجُمل الاعتراضية التي لا يسمعها غيري، وألوح بيدي في هواء الغرفة لأنني متأكد من أن أحدا لا يراني أو يسمعني، تخيل كيف تكون حياة سكان مدينة كل أحاسيسهم مهربة، إحساسهم بالآخر، إحساسهم بالوقت، إحساسهم بأي شيء لا يكون إلا مهربا، يقولون شيئا ويدفنون في أرغفة الخبز وفي عُلب الصابون شيئا آخر، أليس هذا هو التهريب الأسوأ، لو عرفنا كيف نوقف تهريب الأحاسيس ، ستبور ساعتها تجارة المخدرات، وسيكتفي الواحد منا بكوب من الشاي المنعنع وموال على سفح الحقيقة، نعاتب الأيام ونجعلها مسؤولة عن أعمارنا وليس نحن، لأننا نهرب إحساسنا بالوقت في الأغاني السريعة على قارعة كل هزيمة، وفي إثارة قضايا ليست قضايا، وطرح أسئلة بلهاء، لأن الأسئلة الحقيقية مهربة، حتى نسيت علامات استفهامها، وصار كل جواب يصلح لأي سؤال، وخانت القصيدة شاعرها بعد أن قام الشاعر بتهريب المعاني في جيوب المجاز، وترك القصيدة وحدها تحمل معاني ليست لها، هذا ما خطر ببالي وأنا أقرأ عن أخطار التهريب في الجريدة